ملف خاص
ينظر الصهاينة إلى عملية التسوية والمفاوضات مع السلطة
الفلسطينية، على أنها ورقة رابحة يستخدمها الكيان لتحقيق مصالح عديدة، فهو من جهة
يحسّن صورته أمام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي بأنه صاحب دعوة إلى
"السلام"، ومن جهة أخرى، فهو في كل جولة مفاوضات مع الجانب الفلسطيني
يحقق مكاسب بطرق "مشروعة"، إذ أن الجانب الفلسطيني دائماً ما يوقّع على
تنازلات تشرعن للاحتلال العمل على تحقيق مشاريعه الاستيطانية التوسعية.
فرصة ثمينة
في أوائل شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي، قال الرئيس
الإسرائيلي شيمون بيريز، خلال زيارة له للمكسيك إن «تحقيق السلام مع الفلسطينيين
يمثل أولوية قصوى، ويجب فعل كل ما بوسعنا حتى لا نضيع الفرصة في المفاوضات
الجارية، منذ يوليو الماضي".
وأكد بيريز أهمية السلام للفلسطينيين والإسرائيليين،
وقال إنه «ضروري لنا، نحن لا نقدم خدمة لأحد، وهو ضروري أيضا للفلسطينيين، وهم
أيضاً لا يقدمون خدمة لأحد»، وأضاف: «كلانا ليس أمامنا خيار سوى المعاناة،
والمعاناة بلا ضرورة لأننا من الناحية النظرية لسنا مختلفين، ولكن يمكن أن تظهر
صعوبات في الطريق».
وأعرب بيريز عن أمله في أن تأتي عملية السلام بنتائج في
أسرع وقت ممكن، لكنه قال إنه ليس على يقين في إمكانية حدوث ذلك، وأضاف: «إذا لم
يحدث فليس سببًا للتوقف عن المحاولة، ما نريده هو الوصول إلى السلام بأمن وعدل،
ليس لنا فقط ولكن للفلسطينيين أيضًا».
هذا التصريح يلخص الموقف الرسمي الصهيوني من عملية
التسوية، فالرئيس الإسرائيلي اعتبر أن "السلام" فرصة يجب أن لا تضيع، إذ
أنها غطاء مهم يستخدمه الصهاينة للاستمرار في مشاريعهم.
المستفيد الأكبر
الكيان الصهيوني يستفيد من كل جولة تفاوض يقوم بها مع
السلطة الفلسطينية، وهو حتى وإن قدم بعض التنازلات، فإنه يهدف من خلالها لحصد نفع
أكبر. ففي شهر تموز/ يوليو 2013، وبعد أن أطلق الكيان الصيوني سراح 104 أسيراً
فلسطينياً، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية مقالاً للمحلل “رون بن يشاي”
أكد فيه أن إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين يصب في مصلحة
"إسرائيل" ومنفعتها الاستراتيجية.
وأضاف بن يشاي "على الرغم من المعارضة الشديدة
لقرار حكومة نتنياهو بالإفراج عن 104 أسير فلسطيني من السجون كبادرة لاستئناف
عملية السلام، إلا أن قرار نتنياهو يخدم مصالح "إسرائيل" الاستراتيجية
والدبلوماسية. وأوضح المحلل الصهيوني أن قرار الحكومة الإسرائيلية جاء بضغط من
رئيس الحكومة نتنياهو ووزير دفاعه موشيه يعالون لعدة اعتبارات لا تتعلق بالمفاوضات
مع الفلسطينيين بقدر أهميتها والنفع الذي ستعود به على "إسرائيل".
وقال بن يشاي إن قرار إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين
يأتي بهدف تجنب زيادة العزلة الدبلوماسية التي تعاني منها "تل أبيب"،
خاصة بعد تعزيز موقف فلسطين بالأمم المتحدة مؤخراً والنجاح الذي حققته في خطوتها
هناك.
ورقة ضغط
بالرغم من أن الكيان الصهيوني هو المستفيد دائماً من
جولات المفاوضات، إلا أنه يصدر تصريحات عبر مسؤولين ومحللين بارزين يشكلون بها ضغطاً
على المفاوض الفلسطيني ويحملونه مسؤولية فشلها، إحراجاً له أمام المجتمع الدولي،
ولدفعه لتقديم مزيد من التنازلات.
فهذا المحلل الصهيوني شاؤون منشة يرى أن الجانب
الفلسطيني يضع العديد من الصعوبات ولا يبدي أي مرونة لإنجاح العملية التفاوضية،
وقال:" ما من شك أن الصعوبات قائمة من قبل الجانب الإسرائيلي ولكن الجانب
الفلسطيني يضع العديد من الصعوبات ولا يبدي اي مرونة في تغير موقفه وبالتالي هو من
يتحمل مسؤولية فشلها".
وفي تصريحات لصحيفة "فايننشال تايمز"، أشار
داني دانون نائب وزير الحرب إلى أن "عملية السلام في الشرق الأوسط سيتم
الاعتراف بها قريباً في بلاده بأنها أصبحت في عداد الموتى".
وأضاف أن "هدفه هو الاحتفاظ بغالبية الأراضي مع
الحد الأدنى من السكان الفلسطينيين، لأن ذلك يمثل نقطة البداية للمفاوضات عندما
نجلس مع الشركاء الإقليميين والفلسطينيين".
إضافة إلى ذلك، قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون،
في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي: “لم أسمع حتى اليوم أي زعيم فلسطيني،
وهذا يشمل أبو مازن، يبدي استعداداً للقول إن التسوية الإقليمية، وحتى حول الحدود
التي يحلمون فيها، ستشكل نهاية الصراع ونهاية المطالب والاعتراف بدولة يهودية
والتنازل عن حق العودة”.
وأردف أن “عدم استعدادهم للاعتراف بحقنا في الوجود كدولة
قومية للشعب اليهودي في أي حدود كانت، هو العقبة أمام السلام”.
وخلص يعلون في كلمته إلى القول إن “السلطة الفلسطينية
ليست أقل عداء (لإسرائيل) من تلك الموجودة في غزة”، في إشارة إلى حركة حماس، وأن
السلطة الفلسطينية “تتآمر ضدنا بوسائل مختلفة وتهدد بانتفاضة ثالثة وتمنح الشرعية
بشكل ضمني للعنف”.
إن المواقف الصادرة عن السياسيين والمحللين
الإسرائيليين، تظهر أن الكيان يستخدم أسلوب العصا والجزرة مع السلطة الفلسطينية،
فهو يظهر أحياناً أنه يسعى لإتمام اتفاق "سلام" بأسرع وقت ويمدح المفاوض
الفلسطيني، وفي أوقات أخرى يحرج المفاوض الفلسطيني ويضعه في زاوية لا سبيل له إلى
الخروج منها سوى تقديم مزيد من التنازلات.