ملف خاص
"يا قدس إن كانت
مكة ما يليق من الأرض للنزول من السماء فأنت ما يليق من الأرض للصعود إلى
السماء" [(الامام البشير الابراهيمي (1889-1965)]
القدس جوهر الصراع الإسلامي-الصهيوني ومنتهاه
ومرتكز الوجود الإسلامي لمفهوم التحرر والاستقلال والنهوض، هذا ويعتبر الصراع
الديموغرافي الذي تمثّل القدس أهم ساحاته، أحد القضايا المركزية التي تشغل بال
الرأي العام والنخبة الأكاديمية والسياسية المهتمة بالقضية منذ فترة بعيدة.
يطلق مصطلح
استيطان على ظاهرة محاولة القضاء على وطن ودخول عنصر أجنبي بهدف الإستيلاء على قسم
من الأرض كما هو الوضع الآن في فلسطين[1]، وتكمن فلسفة الاستيطان الصهيوني في
زعم الصهاينة أن فلسطين هي "إسرائيل" أو "صهيون" وأن تاريخها
وتاريخ اليهود قد توقف تماماً برحيل اليهود عنها، ولن يستأنف هذا التاريخ إلا
برجوعهم"، وقد جسدت الحركة الصهيونية في فلسطين العقيدة التوراتية في طرحها
الاستيطان من خلال المفهوم التوراتي "عودة الشعب إلى أرض الميعاد" وبذلك
يتم استقبال المهاجرين اليهود من أصقاع العام إلى فلسطين كمهاجرين إلى "أرض
إسرائيل"[2]، وفي مقابل ذلك اتخذ مفهوم الاستيطان اشكال عدة ابرزها عمليات
التهجير القسري للفلسطينيين أو قتلهم وإبادتهم إبادة جماعية، والاستيلاء على
منازلهم أو هدمها وإصدار قرارات قانونية بذلك تنفذها الدوائر الصهيونية أو ينفذها
الجيش، ولم يتغافل الصهاينة عن تهويد كل الأراضي العربية الفلسطينية، وقد تصاعد
هذا الاستيطان بعد هزيمة 1967 ليبدأ منذ سنة 1969م بحفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى
للوصول إلى أسفل الحرم القدسي لهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه[3] وفق الوعد التوراتي فتهويد القدس
يعني تحويل المدينة المقدسة من هويتها العربية لغة وثقافة وعقيدة وعادات وتقاليد
وأرضاً وسكاناً، تاريخاً وأرضاً وجغرافية إلى الهوية الصهيونية اليهودية، وفق
الوعد الإلهي والتاريخي[4]، الا وانه ورغم مرور قرابة
النصف قرن اليوم على بدء البرنامج المنظم لتهويد شرقي القدس، ما تزال قدسنا تسيطر
على المشهد، فما زالت مآذنها وأبراج كنائسها تشكّل معاً أفق هذه المدينة، وما زالت
عمارتها الأصيلة تشكل الطابع الغالب فيها[5]، هذه
الحقائق المفزعة للصهاينة أطلقت العمل الدؤوب لحسم مصير القدس "كعاصمة يهودية
موحدة" لدولة الاحتلال" تحقيقا لمقولة الزعيم الصهيوني دافيد بن غوريون
"لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل"[6] وهذه هي الحقيقة "فلا صهيونية
دون استيطان ولا دولة يهودية دون إخلاء العرب ومصادرة أراضيهم واغتصاب
املاكهم"[7].
ورغم مقاومة المقدسيين ومن ورائهم
الشعب الفلسطيني فقد مرت القدس بثلاث حلقات استدمارية؛ في حال استكمالها فان نهاية
المدينة العربية الفلسطينية ستكون أكيدة ولا شك فيها، وهذه الحلقات هي[8]:
-
حلقة العزل: أي عزل القدس عن المحيط الفلسطيني.
-
حلقة الطرد: أي طرد المقدسيين من القدس جسدياً واقتصادياً ومن الهوية لمجرد
إقامتهم في أماكن غير القدس.
-
حلقة الإحلال:
أي إحلال المستوطنين بدلاً من الفلسطينيين وهذه السياسة لم تتغير حتى الآن.
سياسة سحب
الاقامة: تنوعت سياسات افراغ القدس من اهلها الحقيقين وشكل سحب
الاقامة احد ابرز هذه السياسات الى جانب الاستيطان، فقد سجلنا وفقا
للإحصائيات أنّه في العام 2005 بلغ عدد حالات سحب حقّ الإقامة 222 حالة، أما في
2006 فارتفع إلى 1363 حالة ولعلها السنة التي سجلت الرقم القياسي في سياسة سحب
الهويات منذ بدء سياسة نزع الإقامة العام 1995، كما نذكر انه في العام 1996 سجلت
739 حالة، وفي العام1997 احصيت 1067 حالة، اما العام 1998 فكان العدد 788 حالة،
أما في الفترة بين 1999-2001 طرأ انخفاض في عدد سحب الهويات في شرقي القدس بلغ بين
200-300 حالة في السنة[9].
سياسة هدم المنازل
ومصادرت الاملاك: تحت ذرائع شتى مثل جدار العزل والضم
العنصري وشق الطرق الالتفافية واصل الاحتلال خلال جرائمه بحق عقارات الفلسطينيين
في القدس بحجة أنها أقيمت على أراضي الدولة العبرية ، بينما كانت الذريعة
الأكثر استعمالاً لتبرير هذه الجرائم هذه هي البناء بدون ترخيص ،أو البناء غير
القانوني، تحت هذه الحجج والذرائع دمر الاحتلال الصهيوني 622 مسكناً في القدس في
الفترة بين 2000-2005 منها 120 مسكناً سنة 2005 وحدها[10].
الواقع الديمغرافي في
القدس:
تحت عنوان "كتاب القدس الإحصائي
السنوي 2012" اصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني كتابا اكد فيه أن 397
ألف فلسطيني يقطنون مدينة القدس، ويشكلون ما نسبته 9.2% فقط من مجموع السكان في
الأرض الفلسطينية. وأوضح الكتاب، أن الفلسطينيين في مدينة القدس يتوزعون إلى 246
ألف شخص في الجزء الشرقي من المدينة الذي ضمته إسرائيل بعد احتلالها للضفة الغربية
في عام 1967، بنما نجد 151 ألف فرد في باقي أنحاء المدينة، وفي المقابل نجد عدد
المستوطنين الإسرائيليين في القدس بلغ 262 ألفا يعيشون في 26 مستوطنة منها ستة عشر
في الجزء الشرقي للمدينة ويسكن فيها 196 ألف مستوطن، وعشر مستوطنات في المنطقة المتبقية
يسكن فيها 66 ألف مستوطن، أما بالنسبة للكثافة السكانية في القدس حتى منتصف العام
2011 فقد أشار الكتاب، إلى أنها بلغت 1128 شخص في الكيلومتر المربع، في المقابل
693 شخصا كم2 في الأرض الفلسطينية بواقع 456 شخصا في كم2 في الضفة الغربية، و4353
شخص/كم2 في قطاع غزة[11].
وفي إحصائية اقدم حول سكان مدينة
القدس العرب واليهود تعود للعام 2009 عرضتها الصحيفة العبرية يديعوت احرنوت بتاريخ
11/5/2010 كانت النتائج كما يلي:21 % من سكان المدينة يصنفون أنفسهم بأنهم لا
دينيون أو علمانيون ، بينما مجد 19,800 فردا تركوا السكن في القدس عام 2009 في
مقابل 12800 سكنوها في الفترة نفسها ، هذا وقد بلغت زيادة المواليد 14,000وهي نسبة
توالد عالية ، وقد يبلغ عدد سكان المدينة 774000 منهم 488000 يهودي بنسبة 63% ،
261000 مسلم بنسبة 34% وهناك 15000 مسيحي بنسبة 2%، هناك 10000 هم غير مصنفين في
أي إطار ديني، 30% من مجموع السكان هم من سن العشرين فما فوق وهم من الحارديمكما
ان 60% من السكان يقطنون المناطق التي ضُمت بعد حرب 1967 وفيه 42% من اليهود و58%
هم من العرب[12].
نسبة الولادات في القدس
ومعدلات الخصوبة:
نسبة الولادة بين العرب واليهود تكاد
تتساوى ، فمند عام 1998 ارتفعت نسبة المواليد اليهود في القدس، بينما نقصت نسبة
المواليد العرب[13]كما إن نسبة الزيادة الطبيعية عند الأسر اليهودية بلغت 25.8
ولادة لكل 1000 نسمة من اليهود، مقابل 30.5 ولادة لكل 1000 نسمة من الفلسطينيين،
وفي مجال الخصوبة بقيت الأم الفلسطينية أكثر إنجاباً من المرأة اليهودية، فقد
انخفضت هذه القدرة عند الفلسطينيات من 4.3 سابقا إلى 4.0 في عام 2006، وسجلت
ارتفاعاً في الجانب اليهودي من 3.7 في عام 2000 إلى 3.9 في العام 2007، بفعل
ازدياد عدد المتدينين اليهود في القدس، أمّا على صعيد الوفيات، فقد انخفضت نسبة
الوفيات لدى الجانبين، ولكن منذ سنوات السبعين فإنّ نسبة الوفيات في أوساط الفلسطينيين
أصبحت أقل منها عند اليهود وبلغت في عام 2007 نحو 5.2 حالة وفاة لكل 1000 نسمة من
اليهود. مقابل 2.8 لكل 1000 من الفلسطينيين حسب المركز العبري "أورشليم
للدراسات الإسرائيلية".
لا يخفى هنا من خلال مقارنة
الاحصائيات الممتدة من بدايات الالفية الى 2013 التغير الواضح في تركيبة السكان
والتي تعمل دولة الاحتلال لجعلها لصالحها ، خصوصا مع تساوي نسبة الولادة بين العرب
واليهود في القدس، مع الاخذ بعين الاعتبار مواصلة الادراة العبرية اخلاء القدس من
سكانها العرب! فالمعادلة تسير لصالح الدوبة العبرية رغم بعض العراقيل التى تواجهها
في سير مخططها كصمود المقدسيين ما استطاعوا من جهة وموجات الهجرة المضادة لليهود
من جهة أخرى.
كشف مركز البحث العبري المشار اليه
انفا؛ أنّ مدينة القدس تعاني منذ 18 عاماً، وباستمرار من هجرة يهودية سلبية، حيث
يهاجر الشبان والأزواج الشابة، وخصوصاً من أبناء الطبقة الوسطى منها لصالح البلدات
والمستوطنات الصهيونية المجاورة ، فيما يزداد باستمرار عدد الفقراء اليهود فيها،
كما تعاني أن المدينة من نسبة بطالة عالية مقارنة بباقي المدن، ووفقاً
للمعطيات فقد شهد العام 2006 مثلا هجرة 18750 يهودياً من المدينة، في حين انتقل
للسكن فيها 12360 يهودياً فقط، ولفت المركز إلى أنّه منذ العام 1990 ولغاية العام
2008 هاجر من القدس 284.850 يهودياً، وانتقل للسكن فيها 174.560 يهودياً[14].
أي مستقبل للقدس العربية؟
تهويد القدس جوهر المشروع الصهيوني
ومآله الأخير، واليوم يستكمل هذا المشروع حلاقاته الأهم من خلال تكثيف الاستيطان
في مدينة القدس ومحيطها، محدثاً تغيرات على أرض الواقع تؤدي إلى إلغاء هوية القدس
العربية-الإسلامية، وجعلها عاصمةً يهوديّة تقطنها غالبيةٌ ساحقة من اليهود مع
أقليّة فلسطينيّة معزولة يُمكن السيطرة عليها، أو -وهو الأحسن- تهجيرها نهائياً
خارج المدينة[15]، وما الممارسات الصهيونية على ارض فلسطين والمتمثلة في تهجير
الفلسطينيين تهجيرا قسريا من قراهم ومدنهم وانتزاع الأرض من أصحابها الأصليين
والسيطرة عليها بكافة الوسائل ،واحدة من أخطر الوسائل التي استعملها الصهاينة من
اجل تحقيق اهدافهم التوراتية ، وما ان يتم تغيير المعادلة الديمغرافية في القدس
سيتم الاعلان النهائي عنها عاصمة يهودية خالية من الفلسطينيين؛ ومن خلال استطلاع
للرأي العام الاسرائيلي نجد حوالي 85% من سكان دولة الاحتلال يؤيدون فكرة إبقاء
القدس موحدة تحت سيطرة دولتهم، فيما يؤكد 75% معارضتهم لنقل السيطرة على المسجد
الأقصى للفلسطينيين، وقد أكد 91% بأن مدينة القدس يجب أن تكون عاصمة ابدية للدولة
الصهيونية[16].
هكذا هي صورة المعركة الديموغرافية في
القدس،فالاستيطان مشروع صهيوني استعماري ينال من الأرض والبشر والعادات والتقاليد
والثقافة وتهويدها بصورة كاملة في صميم منهج التفكير الصهيوني الذي يعتمد أسلوباً
متدرجاً لإنجاز مشروع التهويد سواء كان في القدس أم في فلسطين كلها ، وبرغم كلّ
الإجراءات التي تقوم بها القيادة الصهيونية فالشعب الفلسطيني متمسك بالمدينة
المقدسة ولن يتخلّى عنها وهذا يستدعي وقفة هامة من العالمين العربي والإسلامي ومن
احرار العالم واصدقاء العرب وفلسطين من أجل وضع الخطط والخطوات التي تساهم في
تثبيت صمود المقدسيّين في مدينتهم وعد إتاحة الفرصة لتركها تحت أي ظرف من الظروف[17]، فهل أدرك اليوم عامة العرب انّ
ثورتهم فلسطين ؟ وانّ ربيعهم القدس؟ وان ميدانهم الأقصى ؟ وان خيرنا بحق هم
المرابطين من أهل فلسطين المدافعين عن شرف امة بكاملها؟
:: البيان تنشر ملف خاص بعنوان ((
قضية فلسطين.. والصراع على القدس))
[1]
عبد الوهاب كيالي , الموسوعة السياسية , ص659.
[2]
كامل محمد عمران، "تهويد مدينة القدس جوهر المشروع الصهيوني: دراسة
سوسيولوجية "، جامعة دمشق: مجلة الاداب والعلوم الانسانية،
عدد خاص ، 2009، ص51.
[3] حسين جمعة ،مصير
القدس في ظل مشروع التهويد، جامعة دمشق:مجلة الاداب والعلوم الانسانية،
عدد خاص، 2009، ص40.
[4] سمير جريس، القدس:
المخططات الصهيونية،الاحتلال،التهويد، بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية،
1981، ص3 وما بعدها.
[5] أنظر: التقدير
الاستراتيجي (16)، مستقبل القدس في ظلّ إجراءات التهويد، مركز
الزيتونة للدراسات والاستشارات ،تاريخ النشر: 19/8/200.
[6] أنيس صايغ، الفكرة
الصهيونية -النصوص الأساسية ، 1970، ص 483 .
[7] عبد الرحمن أبو
عرفة، الاستيطان التطبيق العملي للصهيونية ، المؤسسة العربية
للدراسات والنشر ، 1981،ص 41،
[8] فيصل الحسيني
محاضرة ألقاها في باريس في ديسمبر/كانون الأول عام 1997 حول "القدس: تاريخ…
وهوية" بدعوة من مركز الدراسات العربي- الأوروبي. في: هاني رسلان، موقع القدس
في المفاوضات، مجلة السياسة الدولية، مركز الدراسات السياسية
والاستراتيجية، مؤسسة الأهرام، مصر، العدد (83)، سبتمبر 1995، ص 102. نقلا عن:
السيد مصطفي أحمد أبو الخير، القدس والأمم المتحدة رؤية قانونية.
[9] القدس وصراع
الديموغرافيا... تمسك فلسطيني وإجراءات صهيونية من أجل الاقتلاع، منشور بتاريخ: 24
آب 2008، مؤسسة القدس الدولية،
http://www.alquds-online.org/index.php?s=12&ss=10&id=579
[10]
المرجع نفسه.
[11] إحصائية: نسبة
السكان الفلسطينيين إلى المستوطنين الإسرائيليين في القدس 10 إلى 7، جريدة ، صحيفة
الشعب اليومية، بيكين، http://arabic.peopledaily.com.cn/31662/7843924.html
[12] نقلا عن مركز
الزيتونة للدراسات والاستشارات، مقال منشور بتاريخ: 18/5/2011، على الرابط:
http://www.alzaytouna.net/permalink/4536.html
[13] المرجع نفسه.
[14] القدس وصراع
الديموغرافيا... تمسك فلسطيني وإجراءات صهيونية من أجل الاقتلاع، المرجع
نفسه.
[15] كامل محمد عمران،
مرجع سبق ذكره، ص45.
[16] عبد الله ابحيص،
بيان عيتاني، مريـم عيتاني، تقرير حال القدس خلال الفترة من نيسان/أبريل
وحتى حزيران/يونيو 2011، بيروت: مؤسسة القدس الدوليّة ،2011، ص 23.
[17] المرجع نفسه.