• - الموافق2025/11/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الكميت.. أدوات السلطة لإضعاف الانتماء العربي والإسلامي

ظاهرة "الكميت" هي استراتيجية دولة ممنهجة لإعادة هندسة الهوية المصرية نحو سردية فرعونية محايدة، تهمّش الانتماء العربي والإسلامي لخدمة توجهات سياسية واقتصادية جديدة على الساحتين الإقليمية والدولية.


 

على مدار السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة الكميت في مصر كأداة استراتيجية للسلطة لإعادة هندسة الهوية الوطنية، وتحويل وعي المجتمع نحو سردية ثقافية جديدة تُهمش الانتماء العربي والإسلامي التقليدي. الكميت لا يقتصر على الفعاليات الفنية أو الترفيهية، بل يمتد إلى السياسات الثقافية والإعلامية والتعليمية، ويظهر بشكل واضح في خطاب المسؤولين وتصريحات النخب الفنية والثقافية، وممارسات ومشاريع حكومية على الأرض.

تصريحات المسؤولين تكشف عن عمق هذا التوجه، فوزير الثقافة المصري أحمد حنّو صرح بأن الوزارة تعمل على حماية هوية مصرية مستقلة، في إشارة مباشرة إلى مشاريع تهدف إلى إعادة رسم الانتماء الجمعي بعيداً عن الأطر الدينية أو العربية التقليدية. الرئيس عبد الفتاح السيسي شدّد على أن بناء الشخصية القومية المصرية يمثل أولوية، وهو خطاب متكرر أيضاً على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الذي أكّد أن الدولة تواصل تعزيز الوعي الوطني عبر الثقافة والفن والتعليم.

النخب المصرية في دائرة الفنون والثقافة ساهمت بصورة كبيرة لدعم هذه السريدة من خلال حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى شخصيات حكومية مثل وزيرة الدولة للهجرة والمغتربين، سهى جندي، التي دعت الشباب المصري في الداخل والخارج إلى الانخراط في المبادرات الثقافية الحكومية، معتبرة أن التواصل مع الهوية المصرية يجب أن يتقدم على أي هوية دينية أو عربية. كذلك جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، دعّم هذا الخطاب بمواقفه حول إزالة خانة "الديانة" من البطاقة الشخصية، في إشارة إلى بناء وعي مدني مستقل عن الانتماء الديني.

شواهد ملموسة للظاهرة ظهرت في الفعاليات الكبرى التي تتبناها الدولة، مثل افتتاح المتحف المصري الكبير الذي تريد الحكومة المصرية تحويله إلى أيقونة تحول لترسيخ سردية الكميت، وإبراز الدولة كمحور للهوية المصرية الجديدة بعيداً عن الانتماء العربي والإسلامي. حفل الدي جي الإيطالي Anyma قرب الأهرامات أيضاً شكّل نموذجاً صارخاً لهذا التوجه، إذ استُخدمت رموز مصرية محايدة ثقافياً لترويج خطاب عالمي يُقصي الهويات التقليدية، ويحوّل الحدث إلى منصة للترويج للهوية المصرية الحديثة على حساب الانتماءات التاريخية والدينية.

السياسات الحكومية امتدت إلى الحياة اليومية والتعليم، حيث تم إطلاق مبادرات مثل "هويتنا المصرية" وفعاليات "أهل مصر"، التي ركّزت على ترسيخ انتماء محلي مباشر، مع توجيه المجتمع نحو الانتماء المدني القومي على حساب الانتماءات العربية والإسلامية.

الخلفية وراء هذه الظاهرة تتجاوز حدود الفضاء الثقافي الداخلي، لتكشف عن أبعاد استراتيجية أوسع تتعلق بتخاذل الدولة المصرية عن مواجهة التحديات الإقليمية والإستراتيجية بوضوح، فقد تجلّى ذلك في غياب مصر عن موقعها التقليدي كداعم للقضية الفلسطينية أثناء حرب غزة، وفشلها في احتواء الأزمات المتصاعدة في السودان، إلى جانب تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الدولة العبرية، ما جاء على حساب الالتزامات العربية التاريخية. كما استثمرت الدعم الأوروبي السخي المرتبط بمواقفها في ليبيا، مما رسّخ فكرة أن السياسات الرسمية لا تستند إلى مصالح الأمة العربية والإسلامية بقدر ما تهدف إلى حماية المصالح الاقتصادية والسياسية لمصر في المحيط الدولي.

هذا السياق السياسي والاقتصادي كان مصحوباً بخطاب ثقافي نخبوي لإضعاف تأثير الهوية الإسلامية بعد ثورة يناير 2013، عبر توجيه وعي الشباب نحو سردية وطنية محايدة، تقوم على تقليل حضور الانتماءات الدينية والعربية في الوعي الجمعي، وتقديم صورة جديدة لمصر كدولة فرعونية مستقلة ثقافياً وسياسياً.

من هنا، يمكن فهم الكميت كاستراتيجية مزدوجة: داخلياً، لإعادة صياغة وعي المجتمع وبناء هوية مصرية "محايدة" تضعف الانتماءات الدينية والعربية؛ وخارجياً، كوسيلة لتسهيل سياسات الدولة في الملفات الإقليمية والاقتصادية، مع تقديم مصر كقوة مستقلة أمام شركائها الدوليين، بينما تتراجع الالتزامات العربية والإسلامية التقليدية إلى هامش الخيارات السياسية والثقافية.

في المحصلة، تتضح وظيفة الكميت كأداة شاملة للسلطة، تجمع بين السياسة والفن والتعليم والإعلام، لتشكيل وعي جديد في المجتمع المصري يعتمد على ترسيخ الهوية القومية المستقلة، مع إضعاف الانتماءات التاريخية والدينية، وتوجيه الرأي العام نحو تبني سردية الدولة الجديدة، في ما يمكن اعتباره صراعاً مباشراً على الهوية بين خيارين: هوية مصرية محايدة ومستقلة، وهوية مصرية متجذرة في الانتماء العربي والإسلامي.

 

أعلى