• - الموافق2025/10/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العسكرية الأمريكية وتطوراتها والتوحلات الجارية

يُعِدّ ترامب أمريكا لحالة تسلطية ديكتاتورية بنشر الحرس الوطني في الولايات الديمقراطية وتحويل وزارة الدفاع إلى وزارة حرب، مما يعكس انهيار الإمبراطورية الأمريكية وتحولها للاعتماد على القوة العسكرية، مع سيناريوهات حروب محتملة مع روسيا والصين وإيران تنذر بحرب


شغل الرئيس الأمريكي ترامب كل قادة دول العالم والنُّخَب والساسة الأمريكيين، والرأي العام الأمريكي والدولي، بقراراته وتقلُّبات تصريحاته منذ دخوله البيت الأبيض مطلع عام 2017م.

فسَّر البعض قرارات ترامب المفاجئة وتحرُّكاته المتضاربة بأنها أحد ملامح وتبعات تدهور الإمبراطورية الأمريكية، ودخولها منعرج الهبوط والتراجع، وربما الانهيار، كما انهارت كلّ الإمبراطوريات عبر التاريخ الإنساني.

وهناك مَن له تفسير مناقض؛ إذ رأى أن ترامب رئيس أتَى في موعده لإنقاذ أمريكا، وأنه يحاول إعادة ضبط مجتمع أصبح القتل فيه بلا سبب أمرًا شائعًا، كما تدهورت الأخلاقيات والقِيَم -أو تغيَّرت-، وانقلبت فيه موازين الأعداد والنِّسب بين الأعراق بشكل متصاعد على حساب البِيض، وتغيَّرت فيه نِسَب مُعتنقي الأديان والمذاهب -لغير مصلحة البروتستانت المؤسسين-، وتكاثرت فيه أعداد المهاجرين على نحوٍ يُغيِّر تركيبة المجتمع... إلخ. وأن ترامب يحاول استعادة قدرة الاقتصاد الأمريكي على الإنتاج؛ لمواجهة تراجُع نسبة مساهمة القطاع السِّلعي (الإنتاجي) لحساب القطاعات الخدمية في الاقتصاد الأمريكي، بما جعل الأمن القومي الأمريكي مُهددًا.

ورأي ثالث ذهب إلى أن ترامب يدفع أمريكا نحو الدخول في أتون حرب أهلية، وأنه يعمل لفرض وضع ديكتاتوري أو تسلُّطي للحكم؛ إذ تخطَّى حدود سلطة الرئيس على حساب السلطة التشريعية ممثلة في مجلسي النواب والشيوخ، وعلى حساب صلاحيات حُكّام الولايات... إلخ.

أما في الخارج، أو على صعيد مواقف الدول الأخرى؛ فقد بات يغلب على الآراء والتحليلات التخوُّف من أن يكون ما يقوم به ترامب على الصعيد الداخلي هو إعداد للمجتمع والجيش الأمريكي لحروب خارجية، لتحقيق طموحاته التي أعلن عنها بضمّ دول، والاستيلاء على قواعد وقنوات دولية.

وهكذا تتكاثر وتتعدد وتتضارب التفسيرات بشأن ما يُصْدِره الرئيس الأمريكي من قرارات منذ وصوله للبيت الأبيض. فمنذ هذا اليوم والرجل يُباغِت مواطني الولايات المتحدة ودول العالم، يومًا بعد يوم بقرارات كبرى، تُصيب الجميع بالحيرة والقلق، وتُحْدِث اضطرابات في الحاضر، وتُثير مشاعر ضبابية حول المستقبل، بما أحدَث كل هذا اللغط والانقسام، فيما هو لم يُكمل عامه الأول في الحكم ضمن مدة ولايته الثانية.

بعض القرارات والتصريحات خَطِرة، وبعضها غريب، وبعضها يجمع بين الخطورة والغرابة، وكثير منها يصيب الناس بالحيرة.

آخر أخطر وأغرب القرارات، التي أصدرها الرئيس هو تغيير مسمى وزارة الدفاع الأمريكية، إلى وزارة الحرب، وما ترافق معه من قرار لوزير دفاعه -الذي أصرَّ على تعيينه في مواجهة اعتراضات حادة من أطراف صناعة القرار-، باستدعاء نحو 800 من القادة العسكريين للقاء مع الرئيس ووزير الدفاع، سواء مَن كان منهم في قواعد خارجية أو مَن كان في قيادة الوزارة في مبنى البنتاجون في العاصمة واشنطن.

وقبلها كانت عواصم عدد من الولايات الأمريكية -المعروف عنها التصويت للديمقراطيين-، على موعد، واحدة تلو الأخرى، مع قرارات من الرئيس بنشر الحرس الوطني بكامل استعداداته العسكرية في شوارعها، تحت عناوين تتحدّث عن استعادة الأمن والنظام في تلك الولايات، وتحت عنوان لافت آخر، هو مواجهة أعداء الداخل!

أما على الصعيد الخارجي؛ فالرئيس الأمريكي بات يُلاحِق دُوَل العالم بالعقوبات، ويرفع التعريفات الجمركة إلى حدّ الدخول في حروب اقتصادية. كما أعلن في خطاباته عن رغبته -والحديث في صورة تحدٍّ- في ضم دولة كندا وجزيرة جرين لاند في أوروبا، للولايات المتحدة، وكذا تحدَّث عن السيطرة على قطاع غزة، وطرد سكانه، وبناء مشروعات عقارية في تلك البقعة، قبل أن يعود ويطرح مبادرته لإنهاء الحرب، وكذا حديثه عن استعادة السيطرة على قاعدة باجرام في أفغانستان!

وهو رغم حديثه المتكرر عن السلام، وعن وقف الحروب، فهو ذاته مَن أصدر أوامر لجيش بلاده بقصف البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، وبقصف سفن فنزويلية تحت عنوان مكافحة المخدرات، كما أنه هو مَن هدَّد بنما وقناتها بالاستيلاء والسيطرة عليها، وتحدَّث عن مرور السفن الأمريكية مجانًا من قناة السويس المصرية، وهو كذلك مَن يُصعِّد تجاه روسيا والصين... إلخ.

 ولكل ذلك وغيره، فالسؤال الحائر هو: هل يستهدف ترامب إعداد مجتمعه وجيش بلاده لحروب مُقبِلة مع الخارج؟ أم هي مجرد نزعة تسلُّطية ممزوجة بتركيبته الشخصية وتجربته السياسية المحدودة؟

أخطر من المكارثية!

لقد شهدت أمريكا ظاهرة مطاردة المُعارضين، والقبض عليهم، وتوجيه تُهَم التآمر والخيانة لهم، دون تقديم أدلة على هذا الاتهام، في الفترة بين عام 1950 و1954م. وقد سُمِّيت تلك الحالة بالمكارثية، نسبةً إلى عضو مجلس الشيوخ جوزيف مكارثي، الذي قاد تلك الحملة الهستيرية، التي انتهت إلى إدانة أو توجيه اللوم لمكارثي نفسه، لكن بعد أن كان قد طارَد وسجَن آلاف الأمريكيين.

فهل ما يقوم به ترامب هو مكارثية جديدة -قد يجري وصفها فيما بعد بالترامبية-؟ أم أن ما يقوم به ترامب هو أمر أبعد وأخطر؟ قامت المكارثية على ملاحقة المعارضين -من المثقفين اليساريين- تحت عنوان واحد، هو الولاء للاتحاد السوفييتي، لكنّ حملة ترامب أوسع في اتهاماتها وفي الفئات التي تستهدفها الحملات، والأهم أنها تتضمن إجبار الجهاز التنفيذي للدولة على الولاء لشخص الرئيس.

هناك عملية متصاعدة لوصف الخصوم الديمقراطيين بأعداء الداخل، خاصةً الجناح الموصوف باليسارية في هذا الحزب. وقد شملت الحملة تصنيفًا لجماعة أنتيفا اليسارية بالإرهاب. وهناك أعمال طَرْد وسَحْب تأشيرات إقامة طلاب أجانب يدرسون في الجامعات الأمريكية، وأعمال اقتحام لحرم الجامعات؛ لتفريق نشاطات سياسية طلابية، وقرارات وتهديدات بسحب التمويل للجامعات التي لا تقوم بفصل مثل هؤلاء الطلاب.

وهناك حملة كبرى يقودها ترامب لترحيل ملايين المهاجرين، بدأها بإجراءات واسعة لطرد موظفين فيدراليين، وإنشاء وزارة خاصة لإنفاذ مخطط تقليل أعداد الموظفين الفيدراليين (وزارة ماسك). بالإضافة إلى رفعه الحراسات الأمنية عن كثير من القيادات الأمريكية، وأمر بعدم توفير الحماية الأمنية لهم... إلخ.

هي إذن ظاهرة أوسع وتتعلق بالعلاقات السياسية الداخلية. لقد كانت المكارثية عملية أقرب إلى ردّ فِعْل مقصود من داخل إطار الدولة -خلال الحرب الباردة-، لكنّ ما يقوم به ترامب يُعدّ حالة أخطر؛ فهو يريد إخضاع النُّخَب والدولة العميقة وخصومه لآرائه وتوجهاته.

وإذا كانت المكارثية تُعدّ تحرُّكًا من داخل النظام السياسي الأمريكي، فتصرفات ترامب تُمثّل تهديدًا لهذا النظام؛ إذ تخطَّت وألغت كثيرًا من الأعراف المستقرة في الحياة السياسية الأمريكية. وهو إذ يطارد الإعلاميين المُعارضين، فالأخطر أنه يُشكّك في النظام السياسي الأمريكي وفي كفاءة آلياته الانتخابية المستقرة ونزاهتها.

وذلك ما دفَع الكثيرين للقول بأن ما يجري أخطر من المكارثية. وهو تقدير تمدّد إلى القول بأن ترامب يُهدِّد أمريكا باندلاع حرب أهلية، بعدما أصدر أوامره بنشر الحرس الوطني بكامل عتاده العسكري -مدعومًا بجنود من الجيش النظامي العامل-، في عدة ولايات، دون الحصول على موافقة حُكّام تلك الولايات، كما ينص القانون.

وما أثار القلق أكثر هو أن تلك الولايات التي جرى نَشْر الحرس الوطني فيها، جميعها ولايات تُصوِّت للديمقراطيين تاريخيًّا، كما أن تلك الولايات ليست الأعلى في نِسَب الجرائم، مقارنةً بولايات جمهورية لم يتم نشر الحرس الوطني بها، وهو ما نُظِرَ إليه كتوظيف سياسي للحرس الوطني؛ لتحقيق أهداف سياسية حزبية.

لكن هل يعني ذلك أن ترامب يسعى لعسكرة الحياة السياسية المدنية؟ يبدو أن للسؤال وجاهته؛ إذ كان ترامب قد أطلق تصريحات ألمحت لمطالبة الجيش بالتدخل لمواجهة ما وصفه بعملية تزوير للانتخابات -حين فاز بايدن في انتخابات 2020م-، وهو ما رَفَضه الجيش وقتها. ورغم التغييرات فلا مؤشرات جدية على تغيير هذا الموقف.

من وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب!

أغرب وأكثر القرارات التي منحت المحللين مساحةً واسعةً من إعمال الخيال لفهمها، هو قرار تغيير مسمى وزارة الدفاع الأمريكية إلى وزارة الحرب -بمرسوم رئاسي-، جرى توقيعه تحت عنوان أن مسمى وزارة الحرب يحمل رسالة أقوى ويعكس الجاهزية والحسم.

وقد تحدَّث ترامب عن هذا المرسوم قائلًا: إنه الأكثر ملاءمة في ظل الأوضاع الراهنة عالميًّا، وإنه يُوجِّه رسالة نَصْر. وهي إشارة إلى أهمية العودة إلى المسمى الذي كان موجودًا خلال الحرب العالمية الثانية، وأنتج انتصاراتها.

كانت الوزارة قد تغيَّر اسمها من وزارة الحرب إلى وزارة الدفاع بعد صدور قانون الأمن القومي -في عام 1947م-، الذي قرر إنشاء ما عُرِفَ وقتها بالمؤسسة العسكرية الوطنية، والتي جرى تسميتها لاحقًا بوزارة الدفاع. وقد تحدث وزير الحرب -الدفاع سابقًا-، عن ما يترتب على تغيير المسمى، فقال: «سوف نُهاجم لا نُدافع فقط. فاعلية متتالية قصوى لا قانونية فاترة. تأثير عنيف لا تصحيح سياسي. سنُربّي محاربين لا مجرد مدافعين».

وقد تبع تغيير المسمى استدعاء 800 من القادة العسكريين إلى لقاء وزير الدفاع والرئيس. وبدا أن القصد من الاستدعاء هو الإبلاغ عن نَهْج جديد للوزارة يتناسب مع تغيير اسمها. وإذ جرت تكهنات وتسريبات -عن الاجتماع- بأن الاستدعاء جاء لتثبيت فكرة طاعة الرئيس، -والمعنى أن الوزارة يجب أن تتخلَّى عن دورها ضمن إطار الدولة العميقة-؛ فقد ذهبت وسائل إعلام أمريكية إلى القول بأن ما جرى هو طلقة بداية للحرب العالمية الثالثة، مذكرةً بأمرٍ شبيهٍ حدَث في ألمانيا قبل اندلاع الحرب الثانية؛ إذ جرى استدعاء الجنرالات الألمان بشكل مفاجئ في عام 1935م، وأُجبروا على أداء قسم الولاء الشخصي لهتلر.

وإذا جرى اجتماع سري بين الرئيس ووزير دفاعه والقادة المستدعين -وذلك أمر طبيعي في المؤسسات العسكرية-؛ فقد كان لافتًا، وبشدة، أن تزامَن ذلك مع نشر أخبار عن مناقشة تقدير إستراتيجي عام يتعلق بالحرب مع الصين. وقد جاء النشر على الطريقة الأمريكية؛ إذ ذكَر الأمر تحت عنوان عدم إبلاغ «إيلون ماسك» بتلك الخطة خلال عمله في الوزارة بسبب إشادته بالصين عدة مرات.

ولذا، طرح التساؤل الكبير بشأن علاقة ما جرى من تغيير اسم الوزارة، واستدعاء القادة العسكريين المنتشرين في القواعد الأمريكية في مختلف أنحاء العالم، باحتمالات الحرب على الصين وروسيا وإيران؟

وقد طُرِحَت سيناريوهات تتعلق بحرب مع الصين تُركّز عليها الولايات المتحدة، وأخرى مع روسيا تحمل أعباءها أوروبا، وبينهما حرب ثالثة قد تكون مشتركة بين الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا -إضافة إلى الكيان الصهيوني-، ضد إيران، كحرب تمهيدية قبل الحربين باتجاه الصين من جهة وروسيا من جهة أخرى.

والأهم أن الساحة السياسية والإعلامية الأمريكية شهدت نقاشًا مفتوحًا بشأن إمكانية خوض حرب بين دول كبرى نووية دون استخدام السلاح النووي. كما جرى تقديم مفهوم جديد، يتعلق بالحرب الطويلة بين الدول العظمى دون استخدام السلاح النووي، فهل يمكن تطبيق هذا المفهوم؟ أم أنها محاولة للتهديد الجدي بالحرب، دون خوضها؟

فيما يلي ننظر في هذه السيناريوهات باختصار:

1-الحرب مع روسيا:

ضمن هذا المفهوم -الذي يجري ترويجه-، يمكن تفسير تتابع الخطوات الأوروبية (عبر الناتو) التي وصلت حد التهديد الصريح بالحرب مع روسيا، واتخاذ إجراءات علنية وعملية على الأرض، من بناء الملاجئ إلى زيادة ميزانيات الدفاع، وحتى توسيع القواعد العسكرية وزيادة الإنتاج الحربي.

غير أن قادة روسيا ما يزالون يُكرّرون ما قالوه منذ بداية حرب أوكرانيا، من أن الحرب بين روسيا والناتو لا تعني سوى الحرب النووية. وهو حديث جرى تأكيده عبر إشراف بوتين على أول مناورة نووية في عام 2024م، بناءً على ما جرى من توسيع روسيا لعقيدتها النووية، لتشمل استخدام هذا السلاح خلال حرب بالأسلحة التقليدية في 2020م.

وهو ما يدفع للتأكيد على أن كل تلك التهديدات، ومحاولة دعمها بتقديم مفاهيم جديدة حول الحرب الطويلة بين القوى العظمى دون استخدام السلاح النووي؛ لا تُغيِّر من الأمر شيئًا، وأن روسيا لا تزال ترى أن كل تلك الضغوط لا تزال عند حدود محاولة عزلها عن الصين، وإجبارها على القبول بترتيبات أمنية مع الناتو لا تراعي أمنها القومي.

2-الحرب مع الصين:

حرب إقليمية أم حرب عالمية؟ جاء طرح مفهوم الحرب الطويلة بين القوى العظمى -دون ولوج الحرب النووية-، أشد وضوحًا في تقديم فكرة الحرب مع الصين. ويُساق في هذا التقدير ثلاثة مُبرّرات:

الأول: أن الصين تسير على خُطا أمريكا في التحوُّل من دولة إقليمية إلى دولة عظمى، وأنها لا تزال في مرحلة تطويع محيطها الإقليمي -وهو أحد ضرورات قيام الدولة العظمى-، وأنها لا تحظى بحلفاء عسكريين في مناطق مختلفة من العالم.

والثاني: أن بالإمكان خوض حرب تقليدية مع الصين، تمتدّ لفترات طويلة دون اللجوء للخيار النووي، عبر بقاء الولايات المتحدة في موقع المساند لقوى إقليمية غير نووية تقوم هي بخوض الحرب، بما يُعطِّل قدرة الصين على اتخاذ قرار بشنّ ضربات نووية ضد دول غير نووية.

والثالث: أن الولايات المتحدة بحاجة للعودة إلى التصنيع العسكري والمدني؛ لتأمين حاجات المجتمع وقت الحرب، وإمداد الجيش الأمريكي بالسلاح؛ لمواجهة تحوُّل الصين إلى مصنع العالم ودخولها مرحلة التفوق في بعض المجالات العسكرية، وكذا فإن ثمة ضرورة لتغيير موقف الجيش من التفكير بعقلية «السلام»؛ لمواجهة تعامل الصين مع تطوير صناعتها العسكرية بمنطق زمن الحرب.

غير أن امتلاك الصين لصواريخ قادرة على إيصال مقذوفاتها النووية إلى الأراضي الأمريكية، وعدم توافر وسائل دفاع جوي أمريكية قادرة على صدّها، يُقلّل من القناعات بخوض تلك المغامرة. وكذلك فإن وجود قوات أمريكية في قواعد لها على أراضٍ في الدول الإقليمية المرشَّحة لخوض الحرب -مثل اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية-؛ يطرح بشدة إمكانية الانزلاق إلى الحرب النووية. كما يقول الخبراء: «إن الحرب لا تَسْلك أبدًا أيًّا من السيناريوهات الموضوعة سلفًا لخوضها، وتذهب في مسار غير متوقع».

3- الحرب مع إيران:

ضمن إطار تلك الكتابات، بدا واضحًا أن ما يُخطّط له هو إشغال روسيا عبر أوروبا، وإشغال الصين عبر التهديد بحرب إقليمية. وأن تكون البداية بشنّ حرب كاسحة على إيران، باعتبارها تُمثّل امتدادًا لكلٍّ من روسيا والصين في أخطر إقليم مُؤثّر على النظام الدولي والاقتصاد وحركة الاتصال القارّي. ومثل تلك الحرب قد تُغيِّر موازين القوى وتدفع روسيا والصين لتغيير أهدافهما وخططهما.

انهيار الإمبراطوريات والتمجيد في القوة العسكرية:

حين تضعف القوة الناعمة للدول الإمبراطورية، يزداد اعتمادها على القوة العسكرية، ويتصاعد الهوس بقدرة جيشها على تحقيق هدف بقاء الإمبراطوريات واستمرار سيطرتها.

ولذلك يطرح الرئيس الأمريكي مفهوم السلام عبر القوة. غير أن ما يَطرحه ترامب -بغض النظر عن الطريقة وطريقة التبرير-، لا يُمثِّل حلًّا فريدًا أو غير مسبوق لمعالجة أزمة تراجع الإمبراطورية الأمريكية؛ إذ سبق لجورج بوش أن اعتمد خططًا تقوم على استخدام القوة العسكرية -في حربَي أفغانستان والعراق-، وانتهت محاولاته إلى الهزيمة، وإلى مزيد من تراجُع الولايات المتحدة.

وسواء كان ما يُخطّط له ترامب هو تشكيل حالة تسلطية وديكتاتورية في الداخل تحت ظلال التخويف من حرب تجاه الخارج، أو كان الهدف هو الحرب والتهديد للبقاء على حالة الهيمنة الأمريكية، فكلا الأمرين من ملامح تراجُع الإمبراطوريات وانحدارها.

 

 

أعلى