• - الموافق2025/10/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كيف نجح ترامب في إيقاف حرب غزة؟

استغل ترامب وضع الكيان الصهيوني الذي كان يواجه حرباً طويلة الأمد في غزة، وأمر بوقف فوري للقصف وانتظار قبول الخطة، الأمر الذي أرغم نتانياهو على القبول بالخطة، وهو الواقع أصلا تحت ضغط العجز العسكري، وتصاعد مظاهرات عائلات الأسرى.


بعد مرور سنتين من حرب الإبادة التي شنتها دولة الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة في أعقاب طوفان الأقصى، تمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من فرض خطته على الجميع، ونجح في إيقاف الحرب، وإن كان البعض يعتبر ما جرى هدنة مؤقتة وهشة، وأن عوامل تفجيرها لازالت واردة بقوة في أي وقت، خاصة أن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو يشتهر بنكوص العهد وعدم الالتزام بالوعود والاتفاقيات، كما أن الرئيس الأمريكي نفسه يعرف عنه المزاج المتقلب، والتأييد المطلق لدولة الكيان.

ولكن الذي نراه الآن على الواقع أن القتال قد توقف، وأن البيانات الصادرة سواء عن نتانياهو وترامب لا تتجاوز حيز التهديدات، وأنه هناك على ما يبدو تصميمًا من ترامب على إيقاف هذه الحرب.

وفي هذه الحالة، هل يمكن اعتبار أن تمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إيقاف الحرب في غزة نجاحًا غير مسبوق؟

ويبقى السؤال الأهم والذي يحير الجميع: كيف استطاع أن يفعل ذلك؟

هل هو بالفعل نجاح غير مسبوق؟

التقييم حول ما إذا كان نجاح ترامب في وقف الحرب في غزة هو نجاح لم يسبقه فيه أحد يعتمد على كيفية تعريف هذا النجاح، ومن ثم مقارنته بالجهود التاريخية الأخرى.

فهناك عدة جوانب تجعل هذا الإنجاز يُنظر إليه على أنه متميز ومختلف:

منها، سرعة الإنجاز والزخم الدولي الذي لم نعهده من قبل: فقد جاء الاتفاق، والذي تم الإعلان عنه كخطة أمريكية دولية لوقف الحرب التي استمرت حوالي عامين (منذ أكتوبر 2023)، في وقت كان فيه الصراع يبدو مستعصياً، ومع بدء ولاية ترامب الجديدة.

وقد تم حشد الدعم والتوقيع على ما أطلق عليه (وثيقة شاملة) لوقف حرب غزة في قمة شرم الشيخ، وبمشاركة قادة من الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا، وغيرهم من الرؤساء الإقليميين والدوليين، مما أعطاه زخمًا إقليميًا ودوليًا قويًا، بل ومختلفًا عن الاتفاقيات السابقة لوقف إطلاق النار في غزة التي كانت تتم في الغالب بين الكيان الصهيوني وحماس بوساطة مصرية قطرية.

حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه أثنى على تلك الخطة، وأشار إلى أن نجاح الخطة سيعتبر حدثاً تاريخيًا.

أولى خصائص خطة ترامب تلك، ​تتعلق بطبيعة الاتفاق الشامل، فلم يقتصر الأمر على مجرد هدنة قصيرة، بل تضمنت المرحلة الأولى من الخطة التي أعلنها ترامب وقفاً لإطلاق النار وانسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية، وتبادلاً للرهائن والأسرى، وإدخالا للمساعدات، وتأسيسًا لقواعد فض الاشتباك، مما جعلها أوسع نطاقًا وتفصيلاً من اتفاقيات الهدنة السابقة في القطاع.

وتمضي الخطة بعد ذلك نحو مراحل لاحقة، تتعلق بنزع السلاح ومستقبل حكم غزة وحل الدولتين.

ومقارنة بالنجاحات الرئاسية الأمريكية السابقة في المنطقة، منها اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، برعاية الرئيس جيمي كارتر، وأدت إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وهي إنجاز دبلوماسي ضخم وغير مسبوق بالنسبة لأمريكا والكيان الصهيوني، والذي أخرج أكبر دولة عربية في ذلك الوقت من الصراع.

ومن النجاحات الأمريكية الأخرى اتفاقيات أوسلو عام 1993، برعاية الرئيس بيل كلينتون، وأسست لمفاوضات السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال.

 

قامت استراتيجية ترامب على ثلاثة محاور: تكثيف الضغوط السياسية على الطرفين المصحوبة بالحوافز، تجميع الوساطات الإقليمية والدولية، تجزيء الخطة إلى مراحل

ومنها أيضا، اتفاقيات التطبيع (أبراهام)، في عهد ترامب نفسه في ولايته الأولى، وهي اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل وعدة دول عربية، واعتبرت إنجازا متميزا في حينه لكسر الجمود الإقليمي.

ولذلك عند مقارنة خطة ترامب الحالية بشأن غزة بالاتفاقيات التي أشرنا إليها، لا يمكن وصف نجاح ترامب في وقف حرب غزة بأنه غير مسبوق على الإطلاق في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية بالشرق الأوسط، فكامب ديفيد يبقى الإنجاز الأضخم والذي ظل صامدا حتى بعد مرور ما يقرب من خمسة وأربعين عاما.

لكنه من زاوية أخرى، يمكن اعتباره نجاح غير مسبوق في سياق الصراع الصهيوني-الفلسطيني الأخير، خاصة في سرعة إنهاء حرب دامت عامين، وفي ظل وجود حماس كطرف رئيسي وهي ليست دولة بل جماعة عقائدية مقاتلة، وبتوافق دولي وإقليمي واسع كهذا لم يكن موجودا في الاتفاقيات السابقة، مما أعطاه أهمية استثنائية ووصفه البعض بالتاريخي.

استراتيجية ترامب في التعامل مع حرب غزة

ونأتي للسؤال الأهم، ما هي عناصر استراتيجية ترامب في حرب غزة لكي يصل إلى خطته والتي أوقفت الحرب؟

في بداية وصوله إلى البيت الأبيض وبعد انهيار الهدنة بين الكيان الصهيوني والمقاومة، وعلى الرغم من وعوده الانتخابية، استجاب ترامب وقتها لضغوط اللوبي الصهيوني في أمريكا، وأعطى لنتانياهو مهلة عدة أشهر للقضاء على المقاومة في غزة، وأغدق عليه السلاح ووفر له الغطاء الدبلوماسي لإنجاز ما يطمح به نتانياهو، من تجويع وإبادة، للمضي في تنفيذ خطة التهجير، وتحويل غزة إلى ريفيرا كما كان يباهي ترامب علنًا.

ومع مرور الوقت وانقضاء المهلة التي أعطاها ترامب لنتانياهو نتيجة صمود أهل غزة ورفضهم للتهجير، واتباع فصائل المقاومة تكتيكات حرب عصابات ناجحة، وعجز جيش الكيان الصهيوني ومن خلفه الدعم الأمريكي المطلق عن تحقيق أهدافهم المتمثلة في تحرير الأسرى الصهاينة أو القضاء على حماس أو التهجير، ومع اشتداد موجات الضغط الشعبي والغضب العالمي على الإبادة والتجويع الصهيوني لغزة وأهلها، والذي بدأ يمتد إلى حكومات الغرب المتواطئة والتي وجدت نفسها في مأزق ولديها استحقاقات انتخابية، وأصبحت حرب غزة وما يجري فيها من ابادة تهدد بقاء تلك الحكومات واستمرارها، هنا تدخل ترامب في محاولة لإنقاذ الكيان الصهيوني من نفسه أولا، وثانيا، للاحتفاظ بسيادة المشروع الغربي في العالم والذي كان على وشك الانكشاف والانهيار بالضغوط الشعبية.

قامت استراتيجية ترامب على ثلاثة محاور: تكثيف الضغوط السياسية على الطرفين المصحوبة بالحوافز، تجميع الوساطات الإقليمية والدولية، تجزيء الخطة إلى مراحل.

أولا الضغوط على طرفي القتال:

استغل ترامب وضع الكيان الذي كان يواجه حرباً طويلة الأمد في غزة، وأمر بوقف فوري للقصف وانتظار قبول الخطة، الأمر الذي أرغم نتانياهو على القبول بالخطة، وهو الواقع أصلا تحت ضغط العجز العسكري، وتصاعد مظاهرات عائلات الأسرى، وملل شعب الكيان من الخسائر الاقتصادية وتعبئة الاحتياط.

كما ضغط ترامب على حماس بتهديدها باستئناف الحرب لو لم تقبل خطته، وإلا تعرضها للسحق، والمقاومة تعلم جيدا أنها تستطيع الصمود وتكبيد العدو خسائر، وتعرف أن كلمة سحق يقصد به قتل المدنيين واستمرار الإبادة الجماعية، الأمر الذي أجبر المقاومة، على القبول بالشروط التي تبدو قاسية لتفادي الخسارة في صفوف المدنيين، والالتفاف بعد ذلك على بنود الاتفاقية المتطرفة كنزع السلاح.

العنصر الثاني في الاستراتيجية، هو أعاد هيكلة الوساطات الإقليمية، فعمل على دمج تركيا في الوساطة إلى جانب قطر ومصر.

وتأكيدا على هذا الاتجاه، صرح مصدر عربي، شريك في المحادثات، وكان على اتصال مباشر مؤخرًا بين قطر ومصر، في حديث مع قناة i24news العبرية، قائلا: "إن التدخل التركي الجديد في الأسابيع الأخيرة، والضغط الذي مارسته المخابرات التركية على حماس للتحرك نحو اتفاق، هما العامل الحاسم، وقد مكّنا الاتفاق المرتقب."

لذلك لجأ ترامب إلى مدح أردوغان كثيرا، حتى أنه وصفه بأنه "انتصر في العديد من الصراعات، لكنه لا يريد أي ثناء. يريد أن يُترك وشأنه، وهو شخص صلب، لكنه صديقي، ودائما ما يتواجد عندما أحتاج إليه، وعندما يواجه الناتو مشاكل معه، يتصلون بي. أتحدث مع أردوغان، وهو لا يخيب ظني أبدا، إنه شخص رائع".

ويعلم ترامب جيدا أن أردوغان رجل الصفقات، وأنه وجه مقبول عند حماس التي تثق به، لذلك عندما أطلق ترامب خطته، توقع الجميع أن ترفضها حماس، ولكن تكثيف تركيا اجتماعاتها مع قيادة حماس، وإقناعها بأن هناك دائما طريقا ثالثا بين الاستسلام والتصادم، فأتى رد حماس بالموافقة الصريحة على خطة ترامب، وقبولها بإخراج الأسرى الصهاينة دفعة واحدة مثل ما أراد ترامب، وبند مثل نزع السلاح وافقت عليه ولكن بشرط قيام دولة فلسطينية تسلمها المقاومة سلاحها.

وقبل إعلان حماس ردها على خطة ترامب بساعة اتصل أردوغان بترامب، في مكالمة كشفت مضمونها وسائل الإعلام في اليوم التالي.

وكان مضمون مكالمة الرئيس التركي هو طلبه من ترامب إعلانه بنفسه عن ترحيبه برد حماس فور صدوره، وهذا ما حدث بالفعل، الأمر الذي قطع الطريق على نتانياهو والذي كان يجهز بيان له يعلن أن رد حماس هو بمثابة رفض للخطة، ثم تراجع عن إظهار البيان بعد إعلان ترامب ترحيبه برد حماس، وفق الصحف العبرية.

وأخيرًا، تمثل العنصر الثالث في الاستراتيجية الأمريكية بتجزئة الخطة، بغرض فصل القضايا المعقدة: فاعتمدت الخطة على مبدأ المراحل، حيث تم التركيز في المرحلة الأولى على الأهداف التي لا يمكن رفضها إنسانياً (وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمساعدات)، وتم تأجيل القضايا الأكثر تعقيداً (مستقبل الحكم في غزة، والمسار السياسي للدولة الفلسطينية، وتسليم حماس سلاحها) إلى المراحل اللاحقة. هذا التكتيك سمح للجميع بالقبول المبدئي لإنهاء الحرب فورا.

وهذا الإعلان عن الخطة كخطة سلام شاملة ألقى الكرة في ملعب الطرفين، وجعل من يرفض الاتفاق مسؤولاً أمام المجتمع الدولي عن استمرار الحرب، خاصة بعقد مؤتمر عالمي في شرم الشيخ، لتعزيز الضمانات الدولية والإقليمية لاستمرار وقف الحرب.

أعلى