مع التصريحات العنيفة والإجراءات السريعة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي تجاه باكستان جراء ما حدث في كشمير، ورد الفعل الباكستاني الذي لم يقل عنه، فإن العديد من السيناريوهات القاتمة أصبحت قائمة. وما يزيد الأمر توتراً هو أن كلتا الجارتين تمتلكان سلاحاً نووي
الأسبوع الماضي، وعلى إثر الهجوم على سياح في الهند، تصاعدت التوترات في العلاقة
بين الجارين اللدودين الهند وباكستان، وصلت إلى حد
تبادل كل من القوات الباكستانية والهندية إطلاق النار في موقعين حدوديين.
وقبل تلك الاشتباكات، ألمح
وزير الخارجية الهندي
إلى تورط خارجي في الهجوم، قائلا: إن هناك تورطا عبر الحدود في الهجوم،
كما أعلنت الحكومة الهندية إلى تعليق
معاهدة تقاسم نهر إندوس التي مضى عليها ستة عقود، بالإضافة إلى إغلاق المعبر البري
الوحيد بين الجارتين، وأعلنت أيضا أنها ستسحب ملحقيها العسكريين من باكستان وستخفض
كذلك حجم الموظفين في بعثتها في إسلام أباد إلى 30 من أصل 55.
وقد سارع مجلس الأمن
الباكستاني إلى الانعقاد، وأصدر بيانا قال فيه: ان أي محاولة من جانب الهند لإغلاق
إمدادات نهر السند ستعتبر عملا حربيا، كما أعلن تعليق جميع الاتفاقيات الثنائية مع
نيودلهي، وشدد على أنه سيتخذ إجراءات صارمة إذا تم المساس بسيادة البلاد.
في حين أكد وزير الدفاع
الباكستاني، خواجة آصف، أنه في حال شنت الهند أي هجمات ستدفع الثمن.
ولكن ما هي أسباب رد الفعل الهندي العنيف على هذا الهجوم، إلى درجة التهديد بوقف
تدفق مياه السند إلى باكستان؟ وما السيناريوهات المحتملة لتطور التهديدات
المتبادلة؟
ولكن قبل ذلك يجب علينا
التوقف على ما ذكرته وكالة رويترز من أن جماعة مسلحة غير معروفة تُدعى مقاومة كشمير
قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم في رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعبرت الجماعة في رسالتها
عن استيائها من توطين أكثر من 85 ألف أجنبي في المنطقة، مما يحدث تغييراً في
التركيبة السكانية، وأضافت: نتيجة لذلك، سيُوجه العنف نحو أولئك الذين يحاولون
الاستيطان بالمخالفة للقانون،
بينما تقول تقارير إعلامية إن هذه
الجماعة مرتبطة بتنظيم لشكر طيبة الذي يحارب لاستقلال كشمير منذ عدة عقود.
ولاحقا أعلن الأمن الهندي
أنه تعرف على ثلاثة اشخاص من الذين قاموا بالهجوم، اثنان منهم يحملون الجنسية
الباكستانية.
فمحور هذا التفجير هو تجدد
النزاع بين البلدين على كشمير، لذلك يلزمنا في البداية التعرف على تلك القضية، وما
تمثله لكل من الهند وباكستان.
|
فقد ظلت كشمير الهاجس الباكستاني الأخطر طوال تاريخها لاعتبارات إستراتيجية
وعاطفية عديدة، وخاض الجيش الباكستاني حربين من بين ثلاثة حروب خاضها ضد
الهند من أجل كشمير |
قضية كشمير والمظلومية المتجددة
بدأت قضية كشمير أثناء إجراءات انفصال الولايات التي يتواجد بها غالبية مسلمة لتكون
لهم دولة باكستان. فقد نص قانون استقلال الهند، على أن الإمارات داخل الدولة
الهندية حرة في أن تنضم إلى أي من الهند أو باكستان أو أن تبقى مستقلة، مع الأخذ في
الاعتبار بعض العوامل مثل الوضع الجغرافي ورغبات الشعب. ولكن الهند تجاهلت هذا
المبدأ عند الاستقلال، وخصوصاً فيما يتعلق بإمارات جوناكره (غرب الهند)
وحيدر آباد (جنوب
الهند)
وكشمير (شمال).
وكان في الإمارتين الأوليين غالبية هندوسية يحكمها أميران مسلمان، أما في كشمير
فكان الوضع على عكس ذلك؛ إذ إن غالبية السكان كانوا مسلمين وحاكمها كان هندوسياً.
وقررت غالبية الإمارات المستقلة ذاتياً حسب وضعها الجغرافي أن تنضم إلى الهند أو
باكستان بعد ظهورهما. وقرر حاكم إمارة جوناكره أن ينضم إلى باكستان، ولكن الهند
أرسلت على الفور قواتها المسلحة لاحتلال الإمارة، وقالت تسويغاً لذلك إن سكان
الإمارة هم من الهندوس بنسبة 81%؛ ولذلك لا يجوز لحاكمها الانضمام إلى باكستان
طبقاً لمبادئ التقسيم.
وتذرعت الهند بالحجة نفسها فيما يتعلق بحيدر آباد التي كان يحكمها أمير مسلم،
فأرسلت قواتها المسلحة لاحتلال الإمارة بالقوة. ولكن الهند تجاهلت هذه الحجة حين
تعلق الأمر بإمارة كشمير. وحين تردد مهراجا كشمير في إعلان انضمام الإمارة إلى
باكستان تمرد المسلمون الكشميريون الذين كانوا يمثلون نسبة 82% من السكان. وقام
جنود الحاكم الهندوسي بارتكاب المذابح في منطقة بونش وميربور في سبتمبر 1947م،
ويقال إنه قتل في هذه الاضطرابات ما لا يقل عن مائة ألف مسلم. وجرت هذه المجازر
لإجهاض انتفاضة مسلمي كشمير ضد الحاكم الهندوسي.
وتعترف الهند نفسها بأنها التي افتعلت مشكلة كشمير لأسباب عديدة، ففي محاضرة لوزير
الدفاع الهندي جورج فرنانديز ألقاها في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة عام
1991م قال: "هناك
اعتقاد واسع النطاق بأن أيادي خارجية تقف وراء أحداث كشمير، وتتم في كل مرة الإشارة
إلى باكستان باعتبارها المسؤولة عما يحدث، لكنني أعتقد أنه لا دخل للأيادي الخارجية
في قضية كشمير؛ فنحن (أي
الهنود)
الذين صنعنا مشكلة كشمير، وإذا ما قرر آخرون الإفادة من الوضع، فلا أعتقد أنه يجب
أن نصنع من هذا الأمر قضية تشغل البال".
ولكن الأمر بالنسبة لباكستان كان مختلفا.
فقد ظلت كشمير الهاجس الباكستاني الأخطر طوال تاريخها لاعتبارات إستراتيجية وعاطفية
عديدة، وخاض الجيش الباكستاني حربين من بين ثلاثة حروب خاضها ضد الهند من أجل
كشمير،
وفي حقبة التسعينات ومع التغير الجديد لباكستان في أعقاب دعمها للمجاهدين الأفغان،
وفور انتهاء الانسحاب السوفيتي من أفغانستان بدأ التفكير الباكستاني يتجدد مرة أخرى
إلى كشمير.
ففي عام 1990، أعادت المخابرات الباكستانية تنظيم
المجاهدين الذاهبين إلى كشمير، وساعدهم في ذلك اندلاع انتفاضة للشباب الكشميري ضد
الاحتلال الهندي، كما عملت أيضا على تجميع الشباب من أنحاء العالم الإسلامي أشبه
بما حدث في أفغانستان مع الغزو السوفيتي لأراضيه.
ويشير تقرير نوقش في الكونجرس الأمريكي أعدته وكالة الإف بي آي الأمريكية، أن
المخابرات الباكستانية في عام 1992 أنفقت ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار، وهذا ما
يعادل خمس الميزانية الدفاعية الباكستانية لدعم الإرهاب (بالتعريف الغربي) في كشمير
حسب وصف التقرير، ووفق لهذا التقرير فإن عدد ما يتم تدريبهم من الشباب يصل إلى
عشرين ألف.
ولكن أخطر تلك هذه العمليات والتي قامت بها المخابرات الباكستانية
هي ما يعرف بعملية توباك، وكانت في إطار خطة عمل لثلاثة أطراف
من أجل الاستيلاء على
كشمير عبر حرب بالنيابة بدأها الرئيس الباكستاني
ضياء الحق عام 1988.
وخلال سنوات التسعينات كانت ست منظمات إسلامية رئيسية
على الأقل وعدد من
المنظمات الأصغر تعمل في كشمير.
ودعمت
الحكومة
الجماعات
المؤيدة لباكستان التي تعمل في كشمير مثل حزب المجاهدين،
وحركة الأنصار التي
تشير تقارير إلى أنها
تضم عددا كبيرا من غير الكشميريين، وذلك إضافة إلى جماعات العمر
والبرق وجيش محمد
وعسكر طيبة التي تتشكل إلى حد كبير من مقاتلين من
أفغانستان وباكستان. وقد تدرب كثير من هؤلاء
الإسلاميين في أفغانستان.
|
فقد
تنظر الهند إلى نفسها بإمكانياتها الضخمة باعتبارها قوة كبرى تتمتع
بالعوامل التي تؤهلها لذلك؛ فهي تملك عدداً هائلاً من السكان لتصبح في
السنوات القليلة الماضية أكبر دول العالم سكانا متخطية الصين، ومساحة
جغرافية واسعة مديدة، وإمكانيات اقتصادية وتقنية عسكرية ضخمة.
|
لقد قامت إستراتيجية الحكومات المتعاقبة في كشمير على أساس استنزاف الهند التي تفوق
باكستان عددا وعدة بسلسة من الحروب السرية عن طريق جماعات المقاومة الكشميرية
الإسلامية منها أو الوطنية.
ولكن بدأت جماعات المقاومة الكشميرية تخرج عن السيطرة، لذلك بدأ الموقف منها ينقلب،
يقول شوجا نواز مؤلف كتاب "السيوف المتقاطعة: باكستان وجيشها والحرب الداخلية" أن
الاستخبارات العسكرية الباكستانية فقدت سيطرتها على المجموعات المسلحة في كشمير.
وطبقًا لنواز فإن بعضًا من المجموعات التي دربتها الاستخبارات الباكستانية لإشعال
المقاومة في كشمير تورطت في تفجيرات وهجمات داخل باكستان ولذلك تحولوا إلى أهداف
للجيش.
ويذكر الباحث الباكستاني جمال عارف في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب (في ظلال الحرب
...القصة غير المروية عن كشمير)، أن هناك عددا من ضباط الجيش الباكستاني يريدون
استرداد كشمير من الهند فعدوهم الأساسي هو تلك الدولة الهندوسية.
ولكن المحلل السياسي الهندي إعجاز أحمد، يؤكد على أن كبار جنرالات الجيش الباكستاني
ليس لديهم أي علاقات خاصة بالجماعات الجهادية، فهم قد جاءوا من خلفية عسكرية مهنية
صارمة وأنه يتم التدقيق في جميع مستويات الضباط في الجيش الباكستاني، بحيث لا يصل
لمنصب الليفتانت جنرال (الفريق)، أو جنرال (لواء)، قبل اختبار تجريه وزارة الدفاع
الأمريكية، وهذا القول انفرد به إعجاز أحمد، ولم يقل به أحد غيره، ولم يذكر في
حديثه المصدر الذي استند عليه في ذكر هذه المعلومة.
تطور الصراع الأخير
تنظر الهند إلى نفسها بإمكانياتها الضخمة باعتبارها قوة كبرى تتمتع بالعوامل التي
تؤهلها لذلك؛ فهي تملك عدداً هائلاً من السكان لتصبح في السنوات القليلة الماضية
أكبر دول العالم سكانا متخطية الصين، ومساحة جغرافية واسعة مديدة، وإمكانيات
اقتصادية وتقنية عسكرية ضخمة.
كل ذلك جعل نظامها السياسي منذ استقلالها عن بريطانيا يحاول إثبات هيمنته ليس داخل
الدائرة الإقليمية فحسب؛ بل يمتد على المستوى الدولي. ويدرك أركان النظام أن هذا
الدور لن يتم إلا عبر اعتراف الدول الأخرى بدورها الإقليمي في المنطقة، وأنها
اللاعب الأساسي في جنوب آسيا. ولكن تبقى هناك عدة عقبات في سبيل تحقيق هذا الطموح
هي:
اعتراف الدول الكبرى الأخرى، ومنافسة باكستان، وتنامي التطلعات الانفصالية بداخلها.
وعند التأمل في الصراع الحالي، نجد أن هناك مسارين لهذا الصراع بين البلدين:
الأول: هو تطور الصراع إلى حرب شاملة بين البلدين، لا يمكن التحكم في نوعية السلاح
المستخدم فيه، حيث يمكن أن تزلق إلى حرب نووية بين الدولتين، وهذا السيناريو المرعب
ستحاول الدول الكبرى كأمريكا وروسيا والصين تجنبه، لأنه فضلا عن الخسائر البشرية
الهائلة وتدمير المنشآت وكل ما على ظهر الأرض، يمكن أن يتوسع لتساند الدول الكبرى
كل من الخصمين، وهنا يمتد الصراع جغرافيا وهذا ما لن تسمح به هذه الدول.
الثاني: هو استمرار المناوشات الجارية بينهما، ولا تتطور إلى حرب شاملة، وتتدخل
القوى الكبرى وخاصة الصين وامريكا للحيلولة دون التصعيد، وهو السيناريو المرجح.