• - الموافق2025/01/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ترامب وإعادة رسم خرائط العالم

تحدث ترامب عن ضم مناطق من العالم إلى العلم الأمريكي منها جزيرة غرينلاند وكندا والسيطرة على قناة بنما، فلماذا تلك المناطق تحديدا التي يختارها ترامب، وهل يملك فعلا القوة والأداة اللازمة للسيطرة عليها، وأخيرا ماذا إذا لم ينجح ترامب في خططه ؟


فهم سلوك الدول الكبرى المهيمنة على العالم هو أول خطوة في فهم السياسة والواقع، ومن ثم توقع انعكاساتها على الآخرين ومن بينها أمتنا الإسلامية، خاصة أن كتاب الله تحدث عن الصراع بين امبراطورتي الفرس والروم، في وقت كانت هناك قلة مؤمنة تصارع أعداءها في بقعة صغيرة في العالم لا تكاد تذكر حينها على الخرائط.

ولذلك من الأهمية بمكان تحليل ما جاء في تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب منذ أيام، فقد كتب على موقع "TRUTH Social" مقترحًا أن تنضم كندا إلى الولايات المتحدة.

وقال ترامب إن "العديد من الناس في كندا يحبون أن يصبحوا الولاية الأمريكية رقم 51.

ويبرر ترامب هذا الضم، بأنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تتحمل العجز التجاري الهائل والإعانات التي تحتاجها كندا لتبقى واقفة على قدميها.

ولا تقتصر رغبة ترامب بضم الدول على كندا فقط، بل كانت هناك منطقتين أخريين لم تحظيا بتغطية إعلامية.

 فقد سبق وأعلن ترامب نيته إعادة السيطرة على قناة بنما، وشراء جزيرة غرينلاند الدنماركية، خلال فترة رئاسته القادمة، بل لم يستبعد ترامب التحرك العسكري للسيطرة على تلك المنطقتين أي قناة بنما وجزيرة غرينلاند، ولكنه في حالة كندا أكد في مؤتمر صحفي عقده في منتجعه بفلوريدا بإمكانية استخدام القوة الاقتصادية لتحقيق هدفه بضم كندا، ولكنه لن يلجأ إلى الخيار العسكري.

ولكن ما الذي دفع ترامب ليسلك هذا الطريق؟

هل هو سبب اقتصادي لما تمتلكه المناطق الثلاث من ثروات؟

أم أنه دافع جيوسياسي يتعلق بقلق امريكي من وضع نظام دولي آخذ في التشكل وفق قوى كبرى أخرى؟

أم أن الهدفين متداخلان في نظر ترامب؟

وهل هناك علاقة بين رغبة ترامب في ضم المناطق الثلاث، وبين أقواله أثناء الحملة الانتخابية عن حدود الكيان الصهيوني الصغيرة، والتي تعني رغبته في توسيعها، وبين تصريحات نتانياهو عن عزمه تغيير خريطة الشرق الأوسط؟

لفهم توجهات ترامب فيما يتعلق بهذا التغيير، لابد في البداية من توضيح الأهمية الجيوسياسية لتلك المناطق الثلاث والتي يرغب ترامب في ضمها، ثم نشرع في تفسير الدوافع الأمريكية لهذ الضم، وأخيرًا نحلل مدى إمكانية ترامب في تنفيذ خططه تلك والعوائق التي قد تحول دون تنفيذ تلك المخططات.

مناطق الثروة والهيمنة

المناطق الثلاث التي تحدث عنها ترامب هي بالفعل تشكل أهمية اقتصادية واستراتيجية ضخمة.

 

دخلت الولايات المتحدة في صراع على زعامة العالم تم وصفه بالحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، لينتهي الصراع بانهيار الاتحاد السوفيتي، لتتربع أمريكا على عرش النظام الدولي باعتبارها الدولة الأولى في هذا النظام.

بالنسبة لجريلاند، تعد أكبر جزيرة بالعالم بمساحة تصل إلى 2.16 مليون كيلومتر مربع، وهي تتمتع بالحكم الذاتي في ظل السيادة الدنماركية حيث إن لها حكومتها وبرلمانها، لكنها ليست جزءًا من الاتحاد الأوروبي، إذ خرجت منه عقب استفتاء عام 1985، ولا تزال الدنمارك تتحكم في سياستها الخارجية والأمنية. ويبلغ عدد سكان الجزيرة 57 ألف نسمة فقط، والمسيحية هي ديانتهم الرئيسية، وتحتل موقعا جيوسياسيا فريدا بين أمريكا وأوروبا، وبصورة أدق، تمثل بوابة إستراتيجية تقع بين المحيط الأطلسي الشمالي وأمريكا الشمالية.

وتحتوي على موارد مختلفة من النفط والغاز، إضافة لمعادن نادرة ومهمة في صناعة السيارات الكهربائية، والتحول الأخضر، وكذلك تصنيع المعدات العسكرية، ووفقا لإحصاءات البنك الدولي لعام 2021، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لغرينلاند 3.2 مليارات دولار.

وتتواجد فيها بالفعل قاعدة جوية أمريكية، وقد أسست الولايات المتحدة بها أيضا محطة رادار مع بداية الحرب الباردة، والتي تُعتبر الأهم في أقصى الشمال لمراقبة التهديدات الصاروخية وتتبع الأجسام الفضائية.

ولم يكن ترامب أول من فكر في شراء هذه الجزيرة، فالفكرة تعود إلى ستينيات القرن التاسع عشر، عندما كان أندرو جونسون رئيسا للولايات المتحدة.

وفي هذا الإطار يتحدث تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية يرجع تاريخه إلى عام 1867 عن الأهمية الاستراتيجية لغرينلاند مع الإشارة إلى مواردها الواعدة، وأن فكرة الاستحواذ عليها مثالية.

ولكن لم يحدث تحرك رسمي حتى عام 1946 عندما عرض هاري ترومان على الدنمارك 100 مليون دولار مقابل الجزيرة. وكان قد عرض في وقت سابق مقايضة أراض في ألاسكا مع مناطق استراتيجية في غرينلاند.

وفي الفترة الانتخابية الأولى لترامب عرض على الدنمارك شراءها، ووصفها حينها بأنها صفقة عقارية كبيرة يمكن أن تخفف من الأعباء المالية للدانمارك، ولكن طلبه قوبل بالرفض من جانب حكومة الدنمارك.

أما كندا، فتبلغ مساحتها 9.9 مليون متر مربع، وتمتلك خطا ساحليا هو الأطول في العالم بواقع 243 ألف كيلومتر مربع، وهي تُعد ثاني أكبر بلدان العالم مساحة، ولكن عدد سكانها قليل نسبيا. إلا إن وزنها الاقتصادي يتجاوز عدد سكانها بكثير.

وتتبع كندا، التي تتكون من عدد من المستعمرات البريطانية السابقة، النظام الديمقراطي البرلماني البريطاني كما تعترف بالملك البريطاني رئيسا لها.

كما تُعد أحد أكبر البلدان التجارية في العالم وواحدة من أغناها، ففي عام 2023، بلغت حصة من إنتاج النفط 6% وهو ما جعلها رابع منتج للذهب الأسود عالميًا، كما أنها الخامس عالميًا في إنتاج الغاز الطبيعي بالعام ذاته، والأولى في العالم في إنتاج اليورانيوم في العام الذي سبقه.

أما بنما فقد بلغت مساحتها 75.420 كيلومتراً، وتتميز بموقع إستراتيجي مهم وتُشكل جسرا بين أمريكا الشمالية والجنوبية حيث تقع القناة التي جرى تسميتها على اسم الدولة، وتربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ؛ الأمر الذي يتيح للسفن عبورا سريعا بينهما دون الحاجة إلى المرور حول رأس هورن في أقصى جنوب أمريكا الجنوبية، وفي المجموع، تتعامل القناة مع ما يقرب من 270 مليار دولار من البضائع سنوياً.

والولايات المتحدة هي أكبر مستخدم للقناة، حيث يتوجه أكثر من 70% من جميع حركة العبور من الموانئ الأمريكية وإليها عبرها، مع العلم بأن الولايات المتحدة قد شيدت جزءاً كبيراً من القناة وتولت إدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن. لكن الولايات المتحدة وبنما وقعتا اتفاقيتين في عام 1977، مهدتا الطريق أمام عودة القناة إلى السيطرة البنمية الكاملة. وسلمت الحكومة الأمريكية السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999 بعد فترة من الإدارة المشتركة.

وتعد بنما منتجا مهما للنحاس؛ إذ صدّرت ما قيمته 2.94 مليار دولار في 2022، ما جعلها ثامن مصدر للخام في العالم.

 

وينتمي ترامب إلى المدرسة الأولى والتي تزدري الحلفاء، ولا يهمها الحروب بين الدول، بل اهتمامها يتركز على بقاء أمريكا كقوة اقتصادية وعسكرية عظمى، وسحق أي محاولات لصعود أي قوة أخرى تحاول زحزحة أمريكا من القمة.

البقاء في الصدارة والهيمنة

منذ بدء عصر الاستعمار الغربي في نهاية العصور الوسطى، ومحاولات أوروبا بسط نفوذها على الرقعة الجغرافية العالمية، شرعت في وضع خرائط وتقسيم تلك الجغرافيا إلى دول وممالك تخدم نظريتها الاستعمارية.

كان على رأس ذلك الاستعمار حينها بريطانيا، والتي نجحت إلى حد كبير في تغيير هيكلة تلك الجغرافيا وفق مصالحها وتطلعاتها، وأحيانا تقاسمت بريطانيا ذلك التقسيم في بعض المناطق مع دول كبرى أخرى، كما فعلت في الشرق الأوسط عندما تشاركت مع فرنسا تقسيم إرث الدولة العثمانية فيما يعرف باتفاقية سايكس بيكو.

وبعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى، وتراجع الدور البريطاني، وبات معروفا أن أمريكا ستستلم قيادة المعسكر الغربي، والتي واتتها الفرصة لإثبات تلك الزعامة في حرب السويس عام ٥٦ عندما منعت البنك الدولي من إقراض الحكومة المصرية لبناء السد العالي، والتي قابلت المنع بتأميم قناة السويس، فأعلنت بريطانيا وفرنسا ومعهم الكيان الصهيوني الحرب على مصر، وهنا تدخلت أمريكا وأرغمت هذه الدول على الانسحاب، فظهرت أمريكا رسميا كقائدة للغرب.

بعدها دخلت الولايات المتحدة في صراع على زعامة العالم تم وصفه بالحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، لينتهي الصراع بانهيار الاتحاد السوفيتي، لتتربع أمريكا على عرش النظام الدولي باعتبارها الدولة الأولى في هذا النظام.

لكن في العقود الأخيرة عادت روسيا بقوة لتنافس في ترتيب النظام الدولي، وبرزت الصين كوحش اقتصادي يتمدد في العالم بوتيرة سريعة لتحتل المرتبة الثانية في المجالات سواء الاقتصادية أو العسكرية، وتطالب بجزر تايوان باعتبارها أراضي مقتطعة منها.

هنا عاد إلى البروز في أمريكا مرة أخرى مدرستا العزلة والشراكة الاستراتيجية العالمية، ولكنهما متفقتان على بقاء الهيمنة الأمريكية على العالم، وينتمي ترامب إلى المدرسة الأولى والتي تزدري الحلفاء، ولا يهمها الحروب بين الدول، بل اهتمامها يتركز على بقاء أمريكا كقوة اقتصادية وعسكرية عظمى، وسحق أي محاولات لصعود أي قوة أخرى تحاول زحزحة أمريكا من القمة.

ومن هنا يمكننا فهم ما يقوم به ترامب في ضم المناطق الثلاثة، فمحاولة تغيير الخرائط المستقرة والتي أسهمت أوروبا وبالذات بريطانيا في صناعتها، تصب في النهاية في خانة إضعاف هؤلاء الحلفاء واهمالهم.

وبالنسبة لقناة بنما بالذات، فهي ممر حيوي للتجارة الأمريكية، ولكن أيضًا للصين، كما تقول "بي بي سي" فالسيطرة على هذه المنطقة ستسمح لدونالد ترامب بالحصول على وسيلة إضافية للضغط الاقتصادي على المنافس الصيني.

وفي ذات السياق، قال ريتشارد جونسون، المتخصص في شؤون الولايات المتحدة في جامعة كوين ماري في لندن: إن دونالد ترامب لم يختر أهدافه بالصدفة، كل هذه المناطق لها صلة بأولويات الرئيس المنتخب على ساحة السياسة الدولية.

هل سينجح ترامب؟

توالت ردود فعل الدول التي تمتلك هذه الأراضي معبرة عن سخطها من تصريحات ترامب تلك، متوعدة بتحديها ومجابهتها.

فقد قالت حكومة جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك إنها ترحب بالاستثمارات الخارجية إلا أنها ليست للبيع.

جاء ذلك ردا على تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألمح فيها إلى احتمال شراء واشنطن للجزيرة الخاضعة لإدارة الدنمارك.

ومن جانبه، قال رئيس وزراء غرينلاند موتي بوروب إغيدي إن غرينلاند لن تكون للبيع أبدا، كما قال رئيس الوزراء الدنماركي السابق لارس راسموسين إن حديث ترامب ليس سوى مزحة شبيهة بكذبة الأول من أبريل.

بينما في حديث لشبكة بلومبيرغ الأمريكية، يرى البروفيسور راسموس ليندر نيلسن من جامعة غرينلاند على أن قانون الحكم الذاتي لعام 2009 يحظر بيع الجزيرة، إذ يعترف بالغرينلانديين بوصفهم شعبا مستقلا. وأوضح أن أي عملية شراء ستتطلب استقلال الجزيرة أولا، وهو أمر لا يزال قيد المناقشة بين السياسيين المحليين.

بينما رد رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو على تهديدات دونالد ترامب بشأن قناة بنما من خلال فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي قال فيه "سيظل كل ميل مربع من القناة والمناطق المجاورة تحت سيطرة بنما". مضيفاً أن "سيادة واستقلال بلادنا غير قابلين للتفاوض".

في حين علق رئيس الوزراء الكندي المستقيل ترودو على منصة إكس قائلا: لا توجد فرصة، ولا حتى فرصة بقاء كرة ثلج في الجحيم، أن تصبح كندا جزءاً من الولايات المتحدة.

كما ردت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، على تصريحات ترامب على منصة إكس، قائلة: تصريحات الرئيس المنتخب ترامب تكشف عن جهل تام بما يجعل كندا دولة قوية. اقتصادنا قوي. شعبنا قوي. ولن نتراجع أمام التهديدات.

وإذا أصر ترامب على المضي قدما في هذا الاقتراح، فإن الأمر لن يكون يسيرا ليس خارجيا فقط بل في الداخل الأمريكي أيضا، فبموجب الدستور الأميركي، يتطلب أي شراء للأراضي موافقة الكونغرس على تمويله. لكن ترامب سبق أن أظهر استعدادا لتجاوز الكونغرس في قضايا مماثلة، كما حدث عندما استخدم ميزانية البنتاغون لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك.

ولكن إذا لم ينجح ترامب في فرض رؤيته في تغيير الخرائط الثلاثة، هل هذا الفشل المنتظر سيصيبه بالإحباط فيحجم عن خططه تجاه الشرق الأوسط بالتحالف مع نتنياهو، كما لمّح لذلك أثناء حملته الانتخابية عندما قال إن دولة الكيان الصهيوني صغيرة؟ أم أن الفشل المنتظر سيحفزه على محاولة تجريبه في منطقتنا؟

الشهور القادمة ستكشف عن مستقبل هذا المخطط.

أعلى