لماذا يسعى الغرب دائما إلى طرح المحاصصات الطائفية والعرقية في كل مرة تتحرر فيها الشعوب من طواغيتها حدث ذلك في العراق ودعوا لذلك في أفغانستان وليبيا.. إلخ، ما حقيقة هذه الدعوات وهل تمثل نموذجا ناجحا للحكم؟
يتردد كثيرًا في الإعلام أن سوريا دولة يعيش بها طوائف كثيرة، سواء كانت طوائف
عِرقية أو مذهبية أو دينية، وبالتالي فإنه يمكن اعتبارها دولة طائفية.
وخطورة هذا الطرح تأتي أنه يمهد ويؤسس لنظام سياسي جديد يطلق عليه دولة فيدرالية،
يسمح فيه لكل طائفة سواء كانت عرقية أو مذهبية، بنوع من الاستقلالية وإدارة شئونها
بمعزل عن السلطة المركزية، أو تتقاسم فيه الحكم مع السلطة المركزية.
والسؤال هنا، لماذا يكرر مبعوثو الغرب الذين يتوافدون للقاء قائد الإدارة العسكرية
في دمشق أحمد الشرع، اقتراحات تتعلق بضرورة أن يكون النظام السياسي المزمع إنشاؤه
في الدولة السورية الجديدة متعددًا، ويستوعب جميع الطوائف؟
ولماذا يستشهدون بالنموذج العراقي كنظام سياسي فيدرالي أعطى للأكراد منطقة حكم ذاتي
في شمال العراق؟
وما خطورة مثل هذه الأطروحات على الدولة السورية الجديدة؟
للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا ثلاثة أمور:
الأول بيان الفروق بين عدة مفاهيم في علم السياسة: الدولة الطائفية، والدولة
الفيدرالية.
والأمر الآخر تحليل أهداف الغرب من طرح الفيدرالية هذه في الوضع السوري.
ولكن قبل ذلك ينبغي معرفة التركيبة السكانية في سوريا ونسب الطوائف العرقية
والمذهبية والدينية.
معالم التركيبة السكانية في سوريا
تعاني مجتمعات العالم الثالث المتعددة الطوائف، من عدم توافر مصادر موثوقة ومعتمدة
تحدد بشكل واضح العدد الحقيقي للسكان من ناحية، ومن ناحية أخرى نسب الاثنيات
العرقية والمذهبية والدينية، وسوريا ليست بعيدة عن هذا التوجه.
وتختلف البيانات سواء المتعلقة بعدد السكان أو نسب الطوائف في سوريا، بتعدد توجهات
المصادر التي يرد فيها تعداد السكان ونسبهم.
ووفق تقرير أصدره المكتب المركزي للإحصاء الحكومي في سوريا بالتعاون مع صندوق الأمم
المتحدة للسكان، فقد تم تقدير عدد السكان في منتصف عام 2010 بنحو 20.6 مليون نسمة،
وكان من المتوقع أن يصل عدد السكان (لولا الثورة عام 2011) لنحو26.3
مليون نسمة في منتصف عام 2020.
|
فالطوائف كانت موجودة في سوريا منذ القدم، ولكنها لم تتحول إلى أيديولوجيا
إلا بعد وصول البعثيين إلى الحكم، حيث تسلل بينهم ضباط دروز ونصيريين،
محاولين الوصول إلى الحكم بتلك الصفة الطائفية، وهذا ما تمكن منه بالفعل
حافظ الأسد عام 71 بانقلابه على الانقلاب |
وتتوزّع أعداد السوريين في الداخل بين المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة
والتي يوجد فيها 4.3 مليون شخص تقريباً، ومناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في
شمالي وشرق سوريا، حيث فيها 2.6 مليون شخص، ومناطق النظام السوري السابق والتي كان
يسكنها نحو 9.6 مليون شخص.
بينما في الخارج، وبحسب تقرير الخارجية الأميركية للحريات الدينية الصادر في عام
2023، كان أكثر من نصف سكان البلاد لا يزالون نازحين مقارنةً بتعدادهم قبل 2011،
وشمل ذلك 6.8 مليون شخص من النازحين داخلياً، وحوالي 5.1 مليون لاجئ.
بينما يشير تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية لعام 2023، إلى أن 74
في المئة من السكان هم من أهل السنة التي تتنوع في أعراقها بين العرب الأكثرية،
والأكراد والشركس والشيشان، وبعض التركمان.
ويؤكد على هذه النسبة، منظمات حقوقية منها المجموعة الدولية لحقوق الأقليات، إلى أن
ما بين 74-75% من السكان هم من المسلمين السنّة، وهم عرقياً أكراد وشركس وشيشان
وبعض التركمان وعرب تبلغ نسبتهم قرابة 50%.
بينما تقدر كثير من مصادر أهل السنة، أن نسبتهم في سوريا تصل إلى 80%.
ولكن المجموعة الدولية لحقوق الأقليات، تشير إلى أن نسبة النصيريين (العلويين) الذي
ينتمي لهم الرئيس السابق بشار الأسد، من سكان سوريا بلغ 12%، فيما شكل الإسماعيليون
والشيعة قرابة 2%.
أما موقع "أوريان 21" الفرنسي للدراسات الاستراتيجية فيشير إلى أن الحرب غيّرت من
طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، فلم يعد العرب السنّة يمثلون سوى نصف
السكان بعد أن كانوا الأغلبية.
ويرجع الكاتب بيير إيف بايي في تقريره هذا التغيير إلى لجوء عدد كبير من العرب
السنة لدول أخرى، إضافة إلى النهج الطائفي الذي اعتمده الرئيس بشار الأسد في تعامله
مع المعارضين لحكمه.
ومما يعطي تقرير مركز اريان مصداقية، ما نشره مركز جسور للدراسات أن عدد سكان سوريا
عام 2023 بلغ تقريباً 26 مليون نسمة، منهم تقريباً 16مليوناً يقطنون داخل سوريا، و9
ملايين تقريباً خارجها، إضافة إلى 897 ألف شخص بين قتيل ومفقود.
وبحسب تقرير لوكالة رويترز يُعد المسيحيون ثالث أكبر طائفة في سوريا، إذ كانوا
يشكلون 10 بالمئة من السكان قبل عام 2011، لكن أعدادهم تراجعت بشكل كبير ليصبح
عددهم الآن أقل من مليون نسمة.
وبحسب تقرير المنظمة الخيرية (العون للكنيسة المحتاجة) صدر في عام 2023، فإن عدد
المسيحيين في سوريا انخفض خلال عقد من الزمن من مليون ونصف إلى نحو 300 ألف حالياً
أي أقل من 2%، لافتة إلى أن قرابة 25 ألف منهم في حلب.
كما تقدر نسبة الدروز في سوريا بحوالي 3 بالمئة من إجمالي السكان، ووفق معهد واشنطن
لسياسات الشرق الأدنى، فإن عدد الدروز يقدر بحوالي نصف مليون نسمة بعد أن كان 770
ألف نسمة عند اندلاع الحرب الأهلية في مارس 2011.
ولا توجد إحصائيات رسمية عن عدد الأكراد في سوريا، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى
أن أعدادهم تتراوح بين 2 و3 ملايين كردي، يتوزعون في مناطق الحسكة وعين العرب
وعفرين وأحياء في دمشق وحلب، بحسب مركز جسور للدراسات.
سوريا والطائفية
مفهوم الطائفية مفهوم مشتق من (طاف، يطوف، طواف، فهو طائف)، فالطائفية منسوبة إلى
الطائفة.
وتبعًا لما ورد في المعجم الكافي فإن الطائفة هي مؤنث الطائف، وهي من الناس:
الجماعة والفِرقة، ومن الأشياء: القطعة.
|
منذ عام 2017، اتفق الروس
والأمريكيون على طرح الفيدرالية كنظام سياسي لسوريا، فهناك تصريح لنائب
وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، منذ عدة سنوات، يعرب فيه عن أمل
روسيا في إنشاء جمهورية فيدرالية في سوريا. |
والنظام الطائفي في علم السياسة، هو نظام اجتماعي تقوم فيه المجتمعات على أسس دينية
أو قومية أو مذهبية، ولكنه بات أكثر في الاستخدام كتعبير عن الصبغة الدينية
والمذهبية للنظام السياسي.
وفي هذا الإطار، يُعرِّف فؤاد شاهين الطائفية على أنها ظاهرة نفسية ودينية
واجتماعية واقتصادية وسياسية في الوقت نفسه، أما درجة تأثير هذه المظاهر فيها،
فتختلف بالنسبة للحقبة التاريخية وبالنسبة لهيمنة إحدى هذه المظاهر على المظاهر
الأخرى، فهي في النهاية ظاهرة متعددة الأوجه تختلف تبعاً للظروف التاريخية.
بينما عرّف قاموس كامبريدج الطائفية، على أنها دعم قوي جدا من القائمين على النظام
للمجموعة الدينية أو السياسية التي ينتمون إليها، مما قد يسبب مشاكل بين المجموعات
المختلفة.
ويقول فاضل الربيعي حول الطائفية أنها ليست بالضبط تجسيدا للطائفة أو تعبيرا
عنها، كما أنها ليست مرادفا لها، أي إننا لا نستطيع القول إن الطائفية تعني
الطائفة، ولكن متى تحولت الطائفية إلى إيديولوجية أو عقيدة سياسية، تكون قد أعادت
ربط الأفراد أنفسهم، المنحدرين من طبقات اجتماعية متعارضة في المصالح والرؤى،
ولكنهم ينتسبون إلى مذهب واحد في المجتمع في رابطة جديدة، تقوم على أساس تصعيد
المشاعر وتقديس (الهوية الفرعية).
وهذا ما كان ينطبق على سوريا، قبل انقلاب حزب البعث في عام
1963،
فالطوائف كانت موجودة في سوريا منذ القدم، ولكنها لم تتحول إلى أيديولوجيا إلا بعد
وصول البعثيين إلى الحكم، حيث تسلل بينهم ضباط دروز ونصيريين، محاولين الوصول إلى
الحكم بتلك الصفة الطائفية، وهذا ما تمكن منه بالفعل حافظ الأسد عام 71 بانقلابه
على الانقلاب،
وبعدها تم تصعيد النصيريين إلى المناصب الحساسة والأخطر داخل النظام، فالرجل
وعائلته استندت إلى دعم الطائفة لأول مرة في تاريخ سوريا.
الغرب ومخططات الطائفية في سوريا
تحت مسمى الدولة الفيدرالية، نفترض أن الغرب بذلك الطرح يحاول إبقاء النظام السياسي
السوري ضعيف.
ولبحث صحة هذه الافتراضية ينبغي أولا تعريف الفيدرالية في علم السياسة، حيث تعتبرها
الموسوعة السياسية شكلاً من أشكال الحكم أو نمطًا من أنماط التنظيم السياسي، تتحد
بموجبه مجموعة من الدول المستقلة أو الولايات أو الكانتونات في دولة فدرالية واحدة
من خلال رابط قانوني وهو دستور، وعلى ذلك تقوم الفدرالية على توزيع الصلاحيات بين
المركز والوحدات أي الجمع بين الحكم المشترك والحكم الذاتي.
وتجاوز عدد الدول التي تعتمد الفدرالية العشرين دولة، أكبرها الولايات المتحدة
الأميركية وأصغرها الإمارات العربية المتحدة.
قد يقول قائل، هذه أمريكا أقوى نظام سياسي في العالم يعتمد الفيدرالية كشكل لنظام
الحكم، والإمارات كذلك دولة مستقرة وتبدو متماسكة، فلماذا تستنكر على سوريا شكل
الفيدرالية لنظام للحكم؟
الفيدرالية في أمريكا والإمارات، لا تتم على أي أساس عرقي أو ديني أو مذهبي، بل تتم
كشكل من أشكال الاتحاد بين محافظات أو مناطق نشأت في الأصل قبل وجود الدولة، أما في
الحالة السورية فإنه يُراد بها تطبيقها بحسب العرق والمذهب، فهذه منطقة للأكراد،
وأخرى للنصيريين، وثالثة للدروز وهكذا...
وقبلها في العراق، تم تطبيق تلك الفيدرالية على أساس عرقي، فكانت مناطق الحكم
الذاتي للأكراد في شمال العراق، وتبدو الدولة العراقية بفضل هذا النظام، دولة عاجزة
وضعيفة.
فالنظام الفيدرالي إذا تم على أساس عرقي أو مذهبي، يكون حينها واجهة وخداعًا لتمرير
التقسيم الفعلي.
ويرى الباحث اللبناني في الشأن الجيوبوليتيكي الدكتور نبيل خليفة، أن المخطط
الاستراتيجي للغرب بأكمله من روسيا وأمريكا إلى إسرائيل وإيران، يتمثل في تبديد
الخطر الديموغرافي الذي يمثله العرب السنة على إسرائيل، مشيرا إلى أن هؤلاء الذين
يناهز عددهم الـ 18 مليون في سوريا يبعثون إسرائيل على الخوف منهم، لأن خطر وجودهم
على إسرائيل، يتخطى خطر السلاح.
والمثير في الأمر أنه
منذ عام 2017، اتفق الروس والأمريكيون على طرح الفيدرالية كنظام سياسي لسوريا،
فهناك تصريح لنائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، منذ عدة سنوات، يعرب فيه
عن أمل روسيا في إنشاء جمهورية فيدرالية في سوريا.
وأكد على اتفاق القوى الكبرى على هذا الطرح، ما قاله دبلوماسي بمجلس الأمن التابع
للأمم المتحدة، طلب عدم نشر اسمه، لوكالة رويترز إن بعض القوى الغربية الكبرى وليست
روسيا فحسب تبحث أيضا إمكانية إقامة نظام اتحادي لسوريا، وعُرضت تلك الفكرة على دي
ميستورا مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالأزمة السورية في ذلك التوقيت.
وبالرغم من أن السلوك الكردي والدرزي وحرصهم على منع أي تمدد عسكري للإدارة
العسكرية التي أسقطت نظام الأسد إلى مناطقهم يوحي بوجود فكرة الفيدرالية، ولكن صمود
أهل السنة في سوريا وتضحيته طوال هذه السنين سيكسر وسينهي أي مشاريع للتقسيم تحاول
أن تطبق في سوريا.