جيش قوامه مئات الآلاف من الجنود والضباط، ولديه العديد من الأسلحة والعتاد العسكري، وهو في حالة حرب دائمة حتى قبل أيام كان يقوم بقصف المناطق المحررة، فكيف تبخر بهذه السهولة في أيام معدودات وأين ذهب؟
لايزال الغموض يحيط بأسباب
الانكسار السريع المفاجئ للجيش السوري الموالي لنظام الأسد، أمام تقدم قوات ثوار
سوريا، بشكل مفاجئ أصاب الذهول في الدوائر العالمية والعسكرية.
ولكن الإحباط والذهول
وخيبة الأمل والحسرة من الانكسار المفاجئ لهذا الجيش، كان أعظم وأكبر لدى أنصار
المحور الإيراني.
فما هي تلك الأسباب
المحتملة التي جعلت الفصائل العسكرية لثوار سوريا، تتقدم سريعًا في اشتباكات محدودة
مع كتائب الجيش السوري لبشار الأسد؟ بل طوال ال١١ يومًا لم يحدث قتال حقيقي، وكان
معظم ما يدور هو عبارة عن تسليم المواقع إلى المعارضة ثم الانسحاب. أين ذهب الدعم
الروسي وميليشياته العسكرية الفاغنر وغيرها؟ هل صحيح إن إيران قد تخلت عن بشار
طواعية ولم ترسل أذرعها الشيعية: اللبناني والعراقي والأفغاني والباكستاني؟ هل تبخر
كل هذا وتركوا حليفهم يسقط بهذه السهولة؟
للإجابة على هذه الأسئلة،
لابد من تتبع الأخبار المتناثرة والتي تدفقت في الأيام الماضية، كذلك فحص أقوال
شهود الأحداث وتصريحاتهم، ثم تحليل ما قالوا لأن بعض تلك الأخبار والشهادات تتضارب
مع بعضها.
وباستقراء تلك المعلومات
نجد أن هناك عاملين رئيسيين ساهما في اخراج المشهد بتلك الصورة: عامل داخلي يتعلق
بجيش النظام، والعامل الخارجي ويرتبط بشكل أساسي بمواقف تركيا وروسيا وإيران.
جيش النظام
في البداية لابد من إعطاء
فكرة سريعة عن جيش بشار هذا وتركيبته العسكرية وتشكيلاته.
قبل عام ٢٠١١، أي قبل
اندلاع الثورة، احتل جيش النظام السوري المرتبة الثالثة بين أقوى الجيوش العربية
وصُنف الـ 26 عالميا.
فقد كان تعداد الجيش
السوري ما يقرب من نص مليون، منهم ١٢٠ ألف في الأجهزة الأمنية متوزعين كالآتي: منهم
عشرون ألف في الدرك الذي يأتمر بسلطة وزارة الداخلية، ومائة ألف في الميليشيا
الشعبية لحزب البعث الحاكم.
أما بقية الجيش فكان
كالتالي: فقد تراوح عدده في سلاح البر ما يقرب من 314 ألف رجل، والبحرية أربعة
آلاف، وسلاح الجو عشرة آلاف، وقوات الدفاع الجوي عشرين ألفا.
|
وقال ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية، إن الغضب كان يتراكم على مدار
الأعوام الماضية نتيجة سوء الأحوال المعيشية، إذ لم يكن راتب العسكري
يتجاوز ما يقدر بـ 40 دولارا، مضيفا أن هناك استياءً متزايدا ضد الأسد |
من حيث
التنظيم: يتألف سلاح
البر من سبع فرق مدرعة، وثلاث فرق مشاة مؤللة (تستخدم الآليات)، وفرقتين للقوات
الخاصة، وفرقة للحرس الجمهوري، الذي أنشئ في 1976 ومهمته حماية دمشق.
وتعتبر فعالية القوات
الخاصة المؤلفة خصوصا من العلويين (الطائفة التي ينتمي إليها بشار الأسد)، والحرس
الجمهوري أكبر من فعالية الجيش عموما.
ويعتبر المعهد الدولي
للدراسات الإستراتيجية، أن عدد قوات النخبة التي يستطيع النظام أن يثق بها يناهز
خمسين ألف رجل، إذا ما أضيفت إليها القوات الخاصة والحرس الجمهوري والفرقتان
الثالثة والرابعة.
أما من حيث العتاد
والتسليح، فقد امتلك الجيش السوري نحو 4950 دبابة، وأضاف معهد لندن أنه يحوز أيضا
ترسانة كبيرة من الصواريخ وقيادتها في حلب.
وتمتلك البحرية فرقاطتين.
ولدى سلاح الجو 356 طائرة مقاتلة (555 في 2009) ومعظمها سوفياتي الصنع. وتعود هذه
الأرقام إلى فترة ما قبل الحرب ضد الفصائل المسلحة عام 2012، ثم تراجعت بعدها.
أما قوات الدفاع الجوي فلم
تتأثر كثيرا على ما يبدو بالمعارك، وفي حوزتها آلاف الصواريخ أرض-جو الروسية الصنع،
والبعض منها جديد وفعال.
ولكن بعد بزوغ الثورة،
ومقابلتها بشار أسد بالعنف والمذابح، اضطر ثوار سوريا الى الدفاع عن أنفسهم وانشق
العديد من الضباط والجنود من أهل السنة، فتقلص الجيش السوري من حيث العدد ومن حيث
أيضا المعدات القتالية، كما بينت نشرة "الموازين العسكرية" التابعة لمعهد لندن حيث
أظهرت أن الأرقام السابقة قد تراجعت كثيرا خلال الحرب الأهلية (الثورة الشعبية)،
بالإضافة أن جيش دولة الكيان الصهيوني قد قام بتدمير ما يقرب من 80 إلى 90 % من تلك
المعدات، فور الإطاحة بنظام بشار، لأنه كان يخشى من وقوعها في حوزة الشعب السوري.
أسباب الانهيار
الأخير للجيش
هناك عدة أسباب ساهمت
مجتمعة في انهيار جيش النظام السوري وعدم صموده منها: انهيار المعنويات، واعتماد
الجيش على الدعم الروسي والإيراني، ومنها كذلك التدخل التركي، وأيضا قدرات الفصيل
العسكري والذي قاد الثوار الى الاجتياح.
وسوف نحلل تأثير هذه
العوامل المتداخلة والتي يترتب كل عامل منها على الآخر، مع العلم أن كل عامل له
وزنه وثقله في التغيير يختلف عن الآخر، وهذا ما سنبينه في أثناء التحليل.
فقد قامت وكالة رويترز
للأنباء بتحقيق صحفي ضخم للإجابة على سؤال لماذا لم يقاتل الجيش السوري؟ اعتمدت فيه
على شيئين: أولا وثائق مخابرات عثرت عليها رويترز في مكتب عسكري مهجور في العاصمة،
وثانيا تحدثت رويترز إلى نحو عشرة مصادر من بينهم اثنان منشقان عن الجيش السوري،
وثلاثة ضباط سوريين كبار، وقائدان لفصيل عراقي يعمل مع الجيش السوري، ومصدر أمني
سوري ومصدر مطلع على أسلوب جماعة حزب الله اللبنانية، أحد حلفاء الأسد العسكريين
الرئيسيين.
وطلبت معظم المصادر عدم ذكر أسمائها لأنها غير مخولة بالحديث
إلى وسائل الإعلام أو خوفاً من الانتقام.
وأرجعت تلك الوثائق سبب
التآكل إلى تدهور معنويات القوات المسلحة والاعتماد الشديد على الحلفاء الأجانب،
خاصة فيما يتعلق بهيكل القيادة، فضلا عن الغضب المتزايد بين صفوف الجيش إزاء الفساد
المستشري، وفي موازاة ذلك، وصفت الوثائق التي كتبها بعض كبار قيادات الجيش، الضباط
والجنود على حد سواء بأنهم محبطون بسبب الأجور المنخفضة باستمرار حتى بعد
الانتصارات العسكرية المؤلمة التي تحققت في وقت سابق من الحرب منذ عدة سنوات، في
حين تزداد عائلة الأسد ثراء، في ظل إجبار الكثيرين على البقاء بالخدمة الإلزامية
بعد انتهاء مدتها.
|
لقد ساهمت علاقات تركيا بكل من
روسيا وإيران إلى اقناعهما بوقف دعمهما للأسد، خاصة أن روسيا منهكة في
حربها مع أوكرانيا، كما أن إيران لم تفق بعد من الضربة التي وجهها لها
الكيان الصهيوني. |
وفي إحدى الوثائق السرية،
حذرت إدارة المخابرات الجوية السورية رجالها من العقاب دون تساهل إذا لم يقاتلوا،
ورغم ذلك واصلت أعداد الجنود الفارين في الارتفاع.
وقال ضابط كبير في الاستخبارات العسكرية، إن الغضب كان يتراكم على مدار الأعوام
الماضية نتيجة سوء الأحوال المعيشية، إذ لم يكن راتب العسكري يتجاوز ما يقدر بـ 40
دولارا، مضيفا أن هناك استياءً متزايدا ضد الأسد،
بما
في ذلك بين أنصاره من العلويين، وإنه إذا اشتكى أي شخص من الفساد، فإنه كان يُستدعى
للاستجواب في محكمة عسكرية، مؤكدا كنا نعيش في مجتمع مخيف ونخشى أن نقول كلمة
واحدة.
فيما كشف قائد مجموعة
قتالية عراقية لوكالة رويترز، بأنهم غالبا ما كانوا يدعون جنود الجيش السوري لتناول
الطعام معهم بدافع الشفقة، لأن حصصهم الغذائية لم تكن تكفيهم.
بينما قال عقيد سوري
ومصدران أمنيان سوريان ومصدر أمني لبناني لرويترز، إن مركز القيادة والسيطرة
المركزي للجيش السوري لم يعد يعمل بشكل جيد بعد مغادرة الضباط الإيرانيين وحزب
الله، وإن الجيش يفتقر إلى استراتيجية دفاعية.
وعلى ما يبدو فقد كان بشار
يعلم بسقف الرواتب المتدنية لضباطه وجنوده، لذلك عندما شعر بسلبية جنوده قبل 4 أيام
من سقوطه، أصدر مرسوما يقضي بزيادة رواتب العسكريين بنسبة 50%، غير أن فرار الجنود
تواصل، بينما وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي يزعم بعد سقوط الأسد أنه في
زيارته الأخيرة له وجد الرئيس السابق متفاجئا من سلوك جيشه.
موقف القوى
الإقليمية
لقد ساهمت علاقات تركيا بكل من روسيا وإيران إلى اقناعهما بوقف دعمهما للأسد، خاصة
أن روسيا منهكة في حربها مع أوكرانيا، كما أن إيران لم تفق بعد من الضربة التي
وجهها لها الكيان الصهيوني.
وقد أكد على تلك الحقيقة، وزير الخارجية التركي هاكان فيدان،
في مقابلة مباشرة عرضتها قناة إن تي في التركية الخاصة، فقال
بالحرف "أن
الأمر الأكثر أهمية قضى بالتحدث إلى الروس والإيرانيين، والتأكد من أنهم لن يتدخلوا
عسكريا في المعادلة. لقد تحدثنا الى الروس والإيرانيين وقد تفهموا.
وأضاف "بهدف الإقلال قدر
الإمكان من الخسائر في الأرواح، جهدنا لتحقيق الهدف من دون سفك دماء عبر مواصلة
مفاوضات محددة الهدف مع لاعبَين اثنين مهمين قادرين على استخدام القوة".
واعتبر الوزير التركي أنه
لو تلقّى الأسد دعم
روسيا وإيران، لكان "انتصار المعارضة استغرق وقتا طويلا، وكان هذا الأمر سيكون
دمويا".
وقال أيضا "لكنّ الروس
والإيرانيين رأوا أنّ هذا الأمر لم يعد له أيّ معنى. الرجل الذي استثمروا فيه لم
يعد رجلا (يستحق) الاستثمار. فضلا عن ذلك، فإن الظروف في المنطقة وكذلك في العالم
لم تعد هي نفسها".
ويتطابق ما صرح به فيدان
مع السرعة التي اجتاحت بها المعارضة المسلحة المحافظات السورية.
ولكن هذا لا ينقص من مجهود
الفصائل المسلحة السورية والتي صبرت سنوات طوال، بتمسكها بقضيتها، ومحاولة توحيد
جهودها، ومثابرتها على التدريب، بل تعدى الأمر الى تصنيع السلاح، ثم إدارتها
للمنطقة المحررة بكفاءة، نقلتها إلى سوريا ككل، لتتحرر درة أرض الشام، كخطوة أولى
لتحرير الشام كله من دنس الصهاينة ورفع راية الأمة فوق الأقصى من جديد.