• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ترامب جونيور.. صانع قرار خفي في كواليس الإدارة الجديدة

لقد أضاف ترامب خيارا جديدا لساكني البيت الأبيض لم يكن متاحا من قبل، وهو الاستعانة بأفراد الأسرة في الفريق الرئاسي وإدخالهم إلى منظومة السلطة والحكم، في ولايته الأولى استعان ترامب بابنته إيفانكا وزوجها كوشنر، واليوم يبرز ترامب جونيور من خلف الكواليس


في ظل انتقال السلطة في الولايات المتحدة، يبرز اسم دونالد ترامب جونيور كأحد أبرز الشخصيات التي لعبت دورًا محوريًا في تشكيل الإدارة الجديدة، لكن بعيدًا عن الأضواء ومع دخول والده إلى البيت الأبيض مجددًا، يصبح نجل الرئيس شخصية مؤثرة في عملية الاختيارات السياسية والإدارية، من دون أن يتصدر المشهد، حيث يركز جونيور على عامل الولاء العائلي، مفضلاً مرشحين يشاركونه نفس الرؤية السياسية ويضمنون ولاءهم المطلق لوالده. هذا الدور الخفي قد يكون أحد الأسباب التي جعلت ترامب جونيور القوة الناعمة في تشكيل إدارة دونالد ترامب الثانية، في وقت تسعى فيه تلك الإدارة إلى خلق توازن بين الولاء والقدرة السياسية.

تطور دوره السياسي

لطالما كان ترامب يعتمد على عائلته في اتخاذ قراراته السياسية، لكنه في هذه المرة يُظهر ثقته الكبيرة في ولاء ابنه الأكبر من زوجته السابقة الأولى والمتوفاة إيفانا، فقد ساهم ترامب جونيور بالفعل في تحديد مصير العديد من المناصب الوزارية، هذه المرة لم يقتصر دور ترامب جونيور على تقديم المشورة فقط، بل امتد ليشمل فرض تأثيره على بعض الاختيارات، بل وإبعاد آخرين عن دائرة التعيينات، لقد نما نفوذ ترامب جونيور بشكل مطرد حيث أصبح أكبر عامل جذب في دائرة الحملة بعد ترامب نفسه، وقد جعلته انتقاداته الحادة للمنافسين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، مفضلًا لدى حركة ماغا (MAGA) أو "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" المناصرة بقوة لترامب، وبعد أن اختارت إيفانكا، التي كانت تعتبر لفترة طويلة الطفلة المفضلة لدى ترامب، أن تنأى بنفسها عن الحياة السياسية وكذلك فعل زوجها جاريد كوشنر، صعد ترامب جونيور في تغيير رمزي للأدوار داخل العائلة الترامبية.

ترامب جونيور، البالغ من العمر 46 عامًا، هو رجل أعمال ويشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترامب، وكان من بين شخصيات تلفزيون الواقع السابقة التي ظهرت في برنامج "المتدرب"، وهو مستشار لوالده وكان سمة ثابتة في حملتيه ترامب الانتخابيتين، ففي الحملة الرئاسية لعام 2020 أثبت ترامب جونيور أنه جامع تبرعات بارز، وكتبت عنه وسائل الإعلام لاحقًا أنه بدأ يحتل مكانة من النفوذ لا مثيل لها داخل حركة ماغا، لدرجة وصفه بأنه سيكون أفضل وجه لمستقبل هذه الحركة من بين جميع الشخصيات المحيطة بالرئيس ترامب.

 

هذا التوجه نحو اختيار شخصيات تضمن الولاء أكثر من الكفاءة السياسية كان واضحًا، وذكرت تقارير عديدة أن ترامب جونيور كان له دور واضح في هذا التوجه الاستراتيجي

في يوليو الماضي أخبر ترامب جونيور وكالة أكسيوس أنه يريد "حق النقض على من يتم اختياره في الإدارة الثانية"، حتى يتمكن من منع السيئين الذين ليسوا مخلصين لوالده بدرجة كافية، وسرعان ما أصبح دوره أكثر وضوحًا في دعمه لصديقه المقرب السيناتور جي دي فانس، الذي اعتُبر مرشحًا رئيسيًا لمنصب نائب الرئيس حيث يحظى بشعبية كبيرة في أوساط القاعدة الشعبية لترامب، وقد أسهم ترامب جونيور في تلميع شخصية فانس الذي قدم نفسه كخصم شرس للسياسات التقليدية لا سيما مع تصريحاته المثيرة للجدل حول الشركات والمعارضة للمساعدات الخارجية وهو ما جعل منه شخصية مثيرة للجدل بالنسبة للعديد من المانحين الجمهوريين المؤثرين، وفي المقابل تم استبعاد بعض الأسماء الكبيرة مثل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، الذي كان له دور بارز في إدارة ترامب الأولى.

الولاء قبل الخبرة

هذا التوجه نحو اختيار شخصيات تضمن الولاء أكثر من الكفاءة السياسية كان واضحًا، وذكرت تقارير عديدة أن ترامب جونيور كان له دور واضح في هذا التوجه الاستراتيجي، فهو لم يسعَ فقط إلى اختيار أشخاص ذوي كفاءة أو خبرة، بل ركز بشكل أساسي على أولئك الذين يلتزمون بسياسات والده ويشاركونه رؤيته الاقتصادية التي تتمحور حول الحماية التجارية وتقليص التدخلات العسكرية والمساعدات الخارجية، لذا لم تكن الكفاءة السياسية أو الخبرة الدولية هي المعيار الأول للمرشحين، بل الولاء المطلق للرؤية الترامبية، من أجل ضمان أن تكون الإدارة الجديدة متوافقة مع سياسات ترامب الأب بشكل تام، وكما أوضح ترامب الأب حين صرح قائلًا إن "الخبراء غير مرحب بهم في هذه الإدارة"، قال ترامب جونيور في تصريح سابق على قناة "فوكس نيوز" إن ترامب سيقدر الولاء وسيبحث عن أشخاص لا يعرفون أفضل من الرئيس المنتخب للولايات المتحدة.

بصفته رئيسًا فخريًا لفريق انتقال الرئيس المنتخب الجمهوري، أشارت مصادر مطلعة إلى ترامب جونيور كان في مقدمة مجموعة أساسية من الأشخاص الذين يقررون من سيشغلون المناصب العليا في البيت الأبيض القادم، وكانت بصمته واضحة في بعض الاختيارات؛ من أبرزها: اختيار النائبة الديمقراطية السابقة تولسي جابارد، لتكون مديرة الاستخبارات الوطنية، واختيار روبرت إف. كينيدي جونيور لتولي إدارة وكالات الصحة العامة، ويُقال إن ترامب جونيور هو من نجح في التوسط مع كينيدي لتعليق حملته الرئاسية وجذبه لتأييد والده، ومن ثمَّ طرح فكرة انضمام كينيدي إلى الإدارة في وقت مبكر، وكذلك أسهم في اختيار سيرجيو جور، لتولي رئاسة مكتب شؤون الموظفين، ومن المعلوم أن جور يدير هو وترامب جونيور شركة نشر اسمها "Winning Team Publishing"، التي نشرت في السابق كتابين للرئيس ترامب الأب.

لقد أصبح ترامب جونيور مرئيًا بشكل متزايد في السياسة الجمهورية مؤخرًا، حيث لم يقم بحملات لصالح والده فحسب، بل وأيضًا لصالح المرشحين ذوي التفكير المماثل، وألقى هذا العام بدعمه الكبير خلف معظم المرشحين الجمهوريين الذين نجحوا في الوصول إلى مجلس الشيوخ مؤخرًا، وتأثيره السياسي تجاوز فكرة الدعم والاختيارات إلى تغيير وجهات نظر الرئيس ترامب، فعلى سبيل المثال نجده قد تمكن من تغيير وجهة نظر والده حيال العملات المشفرة وإقناعه بهذا القطاع الاقتصادي، رغم أن ترامب قد سخر من تلك العملات ذات يوم إبان تواجده في منصبه، ويُضاف إلى ذلك إرسال بعض الإشارات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فبعد فوز والده في الانتخابات الرئاسية، هاجم فولوديمير زيلينسكي، مدعيًا أن الرئيس الأوكراني على بعد أسابيع فقط من "فقدان مصروفه"، في إشارة إلى توقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا، إذ أنفقت إدارة بايدن أكثر من 64 مليار دولار في صورة مساعدات لأوكرانيا منذ غزو روسيا للأخيرة في فبراير 2022م.

 

ترامب جونيور هو حاليًا الصوت الرائد في أذن والده، بل إن الرئيس المنتخب أصبح يعتمد بشكل خاص على ابنه للحصول على المشورة بشأن استراتيجية البيت الأبيض

بعيدًا عن دائرة الضوء

قال ترامب جونيور إنه لا يخطط للانضمام إلى إدارة والده بالطريقة التي فعلتها شقيقته الصغرى إيفانكا خلال فترة ترامب الأولى، لكنه سيستمر في دعم والده وأجندته، وأوضح أنه يريد أن يكون صوتًا مؤثرًا في صنع القرار ولكن من خارج البيت الأبيض، قال أيضا إنه ليس لديه خطط للترشح لأي منصب في الإدارة الجديدة، لكنه كان يعمل على تنمية الجيل القادم من حركة والده، وتعزيز الجمهوريين ذوي التفكير المماثل والذكاء في التواصل.

إن أسلوب الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا يتجلى بوضوح في طريقة ابنه ترامب جونيور، بل إن الأخير يتبنى نهجًا أكثر عدوانية من والده، لا سيما في دعواته إلى تعطيل الحكومة الفيدرالية، وفي الطريقة التي يدلي من خلالها بالتصريحات وفي حماسه للتنمر، والغريب أن أسلوبه العدواني يحظى بجاذبية كبيرة خاصة لدى الشباب الأصغر سنًا، وبالإضافة إلى نشاطه السياسي، أعلن مؤخرًا أنه سينضم إلى شركة رأس مال استثماري تستثمر في الشركات ذات الميول المحافظة والاقتصاد المناهض للبيئة والمجتمع والحوكمة، بدلاً من أن يكون جزءًا من فريق والده في البيت الأبيض.

صانع قرار خفي

في ظل تلك المعطيات، يظل دور ترامب جونيور محوريًا في تشكيل التوجهات السياسية المستقبلية لإدارة والده، حتى وإن لم يتخذ هو بنفسه أدوارًا رسمية، فمن الواضح حتى الآن ـ من خلال أسماء التعيينات وقبل اعتماد مجلس الشيوخ لها ـ أن الإدارة الجديدة ستكون مليئة بالولاءات الشخصية أكثر من كفاءات المؤسستين السياسية والديبلوماسية، وبينما يسعى ترامب جونيور للحفاظ على نفوذ والده السياسي، قد يواجه تحديات في إقناع بعض أعضاء الحزب والجماعات السياسية التقليدية بالتحلي بالمرونة في هذه المرحلة الانتقالية.

أبلغت مصادر مطلعة وكالة "رويترز" مؤخرًا أن ترامب جونيور هو حاليًا الصوت الرائد في أذن والده، بل إن الرئيس المنتخب أصبح يعتمد بشكل خاص على ابنه للحصول على المشورة بشأن استراتيجية البيت الأبيض. في النهاية يبدو أن ترامب جونيور سيظل صانع القرار الخفي الذي يبني لنفسه دورًا داخل البيت الأبيض، محاطًا في خضم موجات من التأثير السياسي الذي يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى على استراتيجية حكومة ترامب المستقبلية، ومن يدري لعله يحلّ محلّ والده في المنصب الرئاسي ذات يوم، مواصلًا مسيرة الترامبية في حكم الولايات المتحدة، فالتفاحة السيئة لا تسقط بعيدًا عن الشجرة.

أعلى