اغتيال حسن نصرالله.. نهاية رجل طهران اللبناني

تمكن حسن نصرالله من وضع نفسه في مكانة مختلفة لدى المنظومة الإيرانية، فهو لم يعمل ضمن نظام فحسب؛ بل ساعد في صنعه. كان نصرالله جزءًا من توسيع شبكة طهران في المنطقة، ولغ في دماء السوريين وأوسع الصهاينة شتما حتى قضوا عليه.


كان في سن الثانية والثلاثين عندما تم انتخابه أمينًا عامًا لحزب الله اللبناني، خلفًا لعباس الموسوي، وخلال 20 عامًا، وتحديداً بعد حرب يوليو/ تموز 1993م؛ تمكن من بناء آليات معقدة وجهز فرقًا من العاملين في هيكل الحزب شديد التعقيد، عمل "حسن نصر الله على توسعة المليشيا المسلحة بشريًا وتنظيميًا، واستطاع بمساعدة إيرانية ـ أسدية أن يجهز تلك الحشود عسكريًا وماديًا، فجعل من الحزب دويلة داخل الدولة اللبنانية، وخاض حروبًا وتدخل في شؤون دولٍ إنه حسن نصرالله؛ الأمين العام لحزب الله اللبناني، والذي اغتالته إسرائيل مؤخرًا في غارة جوية على العاصمة اللبنانية بيروت.

طريق البدايات

وُلِدَ حسن نصرالله في 31 أغسطس1960م، في عائلة شيعية فقيرة في بلدة البازورية بقضاء صور في جنوب لبنان، عندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان انتقلت عائلته إلى الجنوب حيث أنهى دراسته الثانوية، وتلقى تعليمًا دينيًا في مراكز وحوزات شيعية في لبنان والعراق وإيران، قبل أن ينضم إلى "حركة أمل" خلال دراسته الثانوية، وتدرج بالمناصب حتى أصبح عضوا في المكتب السياسي للحركة في عام 1979م، انسحب من الحركة بعد 3 أعوام مع عدد من المسؤولين إثر خلافات حول كيفية مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لينضم بعدها مباشرةً لحزب الله الذي تأسس في العام نفسه، وتولى مسؤولية تعبئة المقاومين في منطقة البقاع، وانتقل بعد عامين إلى بيروت حيث تولى منصب نائب مسؤول المنطقة، ثم أصبح المسؤول التنفيذي العام المكلّف بتطبيق قرارات مجلس شورى الحزب.

 

 إلا أن تلك الشعبية سرعان ما شهدت تراجعًا ملحوظًا بعد ظهور حقيقة حزب الله وزعيمه بالانحياز لنظام بشار الأسد إبان الثورة السورية في عام 2011م، ناهيك عن دور نصرالله في زعزعة استقرار بعض دول المنطقة

في سن الثانية والثلاثين؛ تولى نصرالله منصب الأمين العام للحزب في 16 فبراير1992م، بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في هجوم إسرائيلي على موكبه، ومع توليه القيادة تمكّن نصرالله من توجيه الحزب في سلسلة من العمليات النوعية الناجحة ضد إسرائيل، وبفضل هذه العمليات المزعجة للمحتل الصهيوني اضطرت قواته إلى الانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000م بعد احتلال دام 22 عامًا، ازدادت شهرة ومكانة حزب الله محليًا وإقليميًا نظرًا لدوره في تحرير جنوب لبنان، وفي الإطار تحول الحزب تحت زعامة نصرالله من جماعة مقاومة تركز على تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي إلى حزب سياسي يمتلك ترسانة قوية تحت تصرفه، كما ترشح أعضاؤه وفازوا بمقاعد في الانتخابات البرلمانية، وأصبحوا وزراء في حكومات لبنانية وطوروا تدريجيًا شبكة رعاية اجتماعية تقدم لعناصر الحزب الرعاية الصحية والتعليم والخدمات المالية، كما ارتفع عدد المقاتلين من بضعة آلاف إلى ما يقدر بنحو 100 ألف مقاتل، كما أن حزب الله هو التشكيل الوحيد في لبنان الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وذلك بدافع مقاومة إسرائيل، كما أنه يمتلك ترسانة أضخم من أسلحة الجيش اللبناني.

تراجع وانتكاسة

في عام 2004م لعب نصرالله دورًا محوريًا في أكبر صفقة تبادل أسرى بين حزب الله وإسرائيل، شملت إطلاق مئات الأسرى اللبنانيين والعرب، فازدادت شعبيته في العالمين العربي والإسلامي، وخلال الحرب مع إسرائيل في عام 2006م؛ حيث كانت الشعوب العربية والإسلامية متعطشة إلى رصاصة تُطلق صوب الكيان الصهيوني، تعززت تلك الشعبية وبات وجهًا مألوفًا في ظل خطبه الحماسية، ولطالما نظر إليه أنصاره باعتباره رمزًا دينيًا وسياسيًا، يفسرون كل تحركاته ويحللون خطاباته، بل ويمتدحون لون عباءته وابتساماته الساخرة. كان مخادعا جماهيرا كبيرا استطاع من خلال دغدغة مشاعر الشعوب كسب عواطفهم.

إلا أن تلك الشعبية سرعان ما شهدت تراجعًا ملحوظًا بعد ظهور حقيقة حزب الله وزعيمه بالانحياز لنظام بشار الأسد إبان الثورة السورية في عام 2011م، ناهيك عن دور نصرالله في زعزعة استقرار بعض دول المنطقة والعبث بمقدرات شعوبها وأرواحهم، أما في الداخل اللبناني واجه نصر الله معارضة بين اللبنانيين الذين اتهموه بربط مصير بلادهم بإيران، وهو ما أضعف حكم لبنان وورط البلاد في صراعات إقليمية، وإلى جانب تحريضه المستمر على الصراعات فإن نفوذه السياسي الذي أسّسه من خلال تحالف مع مجموعة شيعية أخرى بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جانب شراكته الاستراتيجية في عام 2006م مع الزعيم المسيحي ميشال عون، الذي انتُخب رئيسًا بعد 10 سنوات بدعم من حزب الله، خاصةً وأن هذه التحالفات لم ترق لكثيرٍ من اللبنانيين، ويُضاف إلى ذلك توجيه محكمة دولية إلى حزب الله أصابع الاتهام في اغتيال رئيس الوزراء السابق والزعيم السني رفيق الحريري بتفجير ضخم في فبراير 2005م ببيروت، واتسعت الشريحة المعارضة للحزب وأمينه العام بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020م، وتقارير عن ضلوع الحزب في عرقلة التحقيق لمعرفة ظروف الحادث المدمر الذي هزّ بيروت بأكملها.

 

 تقول تقارير أيضا إن الحزب في عهد نصرالله عمل على تدريب المتمردين الحوثيين الذين يقاتلون الحكومة الشرعية في اليمن، وكذلك الميلشيات الشيعية المسلحة في العراق

رقم في معادلة إيران!

لقدرته على دمج أدوار القائد العسكري والزعيم السياسي تمكن من وضع نفسه في مكانة مختلفة لدى المنظومة الإيرانية، فهو لم يعمل ضمن نظام فحسب؛ بل ساعد في صنعه. كان نصرالله قريبًا من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وكان جزءًا لا يتجزأ من توسيع وتعميق شبكة طهران من القوات بالوكالة في المنطقة، فقام الحزب بالانغماس في المعارك على الأرض السورية، توافقا مع الانتماء العقائدي والرؤى الشيعية التوسعية وواقع المصالح الإيرانية، لقد حوّل الصراع السوري نصرالله إلى شخصية مثيرة للانقسام، بل وحتى محتقرة، وكان قراره بإلقاء ثقل حزب الله خلف بشار الأسد في سوريا، وتورطه في الصراعات الطائفية في العراق واليمن، سببًا في كشف حقيقته التي طالما حاول إخفائها.

بمرور الوقت أصبح نصرالله يحظى بتسجيل اسمه في دفاتر مجرمي الثورة السورية، إذ كيف لمن يدعي أنه مقاوم أن يدير بندقيته صوب العرب المسلمين بدلاً من الصهاينة المجرمين، تقول تقارير أيضا إن الحزب في عهد نصرالله عمل على تدريب المتمردين الحوثيين الذين يقاتلون الحكومة الشرعية في اليمن، وكذلك الميلشيات الشيعية المسلحة في العراق والتي تعمل تحت مظلة تسمى "المقاومة الإسلامية في العراق"، بعض هذه الميليشيات تأسست في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م، مثل كتائب حزب الله العراقية، ولا يخفى على أحد أن هذه الجماعات المتشددة قد عاثت فسادًا في دماء أهل السنة وممتلكاتهم وأموالهم في إطار تنفيذهم للمخطط الإيراني الصفوي للهيمنة على المنطقة.

في إطار سعيها للهيمنة الإقليمية؛ استعملت إيران نصرالله وحزبه للتدخل المباشر في العراق الذي تحول إلى ساحة نفوذ خلفية لمشروعها الطائفي، ولم تنجُ سوريا واليمن من هذا التمدد، حيث شهدتا اختراقًا غير مسبوق بتغيير بنيتهما الطائفية ونشر التشيع فيهما، وليس آخرًا، لبنان، الذي أضحى مسرحًا لتلاعب طهران في موازين القوى والقرار السياسي، وهو ما يكشف عن نية إيران الحقيقية في تعزيز قبضتها على المنطقة.

ولعل الخطة الخمسينية التي وُضعت من قبل الدوائر الإيرانية هي دليل قاطع على هذا السعي المتواصل للهيمنة على الشرق الأوسط، وهو مشروع لم يتوقف رغم تغير الأشكال والأساليب، حيث انتقل من الثورة الصريحة إلى التخطيط البطيء الذي يعتمد على الفكر والسياسة والتحرك المدروس.

عودة إلى الواجهة

عاد اسم نصرالله إلى واجهة الأحداث مجددًا في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في فجر السابع من أكتوبر 2023م. جاءت العملية كإشارة على تصعيد جديد في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفرضت معادلات غير مسبوقة على أرض المعركة، وسط زخم عسكري وإعلامي واسع. في هذا السياق، أعلن نصرالله فتح جبهة جديدة في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية، في خطوة أثارت توقعات واسعة حول مدى تدخل حزب الله في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. هذه الجبهة، التي أكد نصرالله في خطبه الحماسية أنها لن تهدأ إلا بعد انتهاء العدوان على غزة، أعادت التركيز على دوره كلاعب إقليمي ذي ثقل في ساحة الصراع مع إسرائيل، وأعادت فتح نقاشات حول تأثيراته الاستراتيجية على مسار الأحداث.

بالنسبة للأعداء والأتباع؛ فإن عودة نصرالله إلى دائرة الضوء في ظل التوتر الإقليمي، أعادت معه تهديداته بتدمير إسرائيل وإنهاء الوجود الأمريكي في المنطقة، وهي تصريحات نارية كثيرًا ما يدغدغ به العامة.

نهاية مفاجئة

قامت أجهزة الاستخبارات الصهيونية بمحاولات عديدة لاغتياله، مما دفعه إلى اتخاذ تدابير استثنائية لأمنه، ونادرًا ما ظهر في العلن، لقد أدرك نصرالله مبكرًا مدى دهاء الخصم الصهيوني، وفطن إلى أن أي خطأ بسيط قد يكلّفه حياته، لذا فإن نصرالله لم يقد السيارة منذ 1986م، لم يكن يتعامل مع الهواتف الخلوية أو مواقع التواصل الاجتماعي،

جاءت نهاية نصرالله المفاجئة، بعد أن أمضى 32 عامًا في قيادة الحزب المسلح وجزء من المشهد اللبناني والصراع الإقليمي، بفعل غارة جوية إسرائيلية استهدفت مقره في الضاحية الجنوبية لبيروت، لم يكن مقتله حدثًا عاديًا، فقد أحدث ردود فعل متباينة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

على مدار عقود، كانت خطابات نصرالله تبعث برسائل معقدة إلى ساحة الشرق الأوسط، إذ أدت كل خطوة له إلى إشعال التكهنات حول مستقبل الصراع الإقليمي، وبين الظهور والتحفظ، بقي نصرالله يحتفظ بخطابه المشحون بالعاطفة والوعيد. والذي لم يذق منه كام ذاق أهل السنة في سوريا من قتل وتشريد واغتصاب، ويبقى السؤال: هل سيظل حزب الله ألعوبة بين طهران وسيؤدي نفس الأدوار بعد رحيله، أم أن اللعبة قد تغيرت نهائيًا؟

أعلى