• - الموافق2024/10/06م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء اغتيال نصر الله؟

ما هي الأهداف الاستراتيجية الذي سعت إسرائيل لتحقيقها من وراء "حسن نصر الله" وبقية قادة الحزب في هذا التوقيت تحديدا، وهل تمت عمليات الاغتيال المتعاقبة لقيادات حزب الله بناء على صفقة بين نتنياهو والنظام الإيراني تخلى فيها عن أحد أهم أذرعه الخارجية؟


مثّل اغتيال الأمين العام لما يعرف بحزب الله، ذروة التصعيد الصهيوني العسكري ضد الحزب، والذي يبدو أنه سيتواصل على الأقل خلال الأيام القادمة، وربما يدخل في مرحلة جديدة تؤدي إلى اجتياح بري بمواصفات خاصة كما تقول وسائل الاعلام الأمريكية، أو ينتهي التصعيد العسكري الصهيوني في منتصف الشهر القادم بعد أن يكون قد حقق أهدافه، كما تقول بعض وسائل الإعلام داخل الكيان الصهيوني.

ولكننا نلاحظ أنه في أسبوع واحد فقط، بدأ بقيام إسرائيل بتفجير أجهزة البيجر والاتصالات اللاسلكية بأنواعها المختلفة، واستهداف البنية التحتية للحزب من مقرات وأنفاق ومخازن السلاح والصواريخ، واغتيال للقيادات العسكرية البارزة بالحزب، من بينهم قادة بـ"قوة الرضوان" و"مجلس الجهاد"، وصولاً إلى اغتيال زعيم الحزب حسن نصر الله.. الرابط الوحيد المشترك بين هذه العمليات، هو حجم الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي وهشاشة منظومة الأمن الداخلية للحزب.

وقد أثارت حملة القصف الصهيوني تجاه معاقل حزب الله وجمهوره الشيعي في لبنان، ومن ثم تصفية قياداته العسكرية والسياسية وتعمده التدمير وقتل مناصريه، أثارت تلك الهجمات واستدعت عددا من الأسئلة الحائرة:

لماذا هذا التوقيت بالتحديد الذي اختارته قيادات الكيان الصهيوني للتصعيد، بعد أن صمت الكيان طوال عام تقريبا على إعلان حزب الله تدخله لمساندة المقاومة بعد طوفان الأقصى؟

فطوال الشهور السابقة، اكتفى الجيش الصهيوني واقتصر رده على مجرد غارات محدودة ردا على تهجير عشرات آلاف المستوطنين اليهود من قراهم في الشمال الفلسطيني المحتل.

فكيف تطورت المناوشات بين الطرفين من قواعد اشتباك محسوبة بدقة إلى حرب حقيقية يشنها الطرف الصهيوني على الحزب؟

والسؤال الأهم، هل تخلى الكيان الصهيوني ومنافسه الاقليمي الايراني عن توظيف الحزب لأهدافهما في المنطقة؟

للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا، تحديد خصائص الصراع الإقليمي في المنطقة، ومن ثم تحديد ما كان يمثله نصر الله وحزبه في كل من استراتيجية القوى المتصارعة وبالذات الإيرانية والصهيونية.

أذرع إيران...النشأة والدور

في أعقاب ثورة أطاحت بالشاه الحاكم السابق لإيران عام 1979، ومنذ مجيء نظام الآيات وصبغه للنظام بصبغة دينية مذهبية وفي نفس الوقت ثورية، أصبح له تأثير كبير على الداخل الإيراني بفسيفسائه العرقية والمذهبية والفكرية، وكانت له احتكاكاته وتداخلاته الإقليمية والدولية.

 

ولكي يهرب الرجل إلى الأمام عمل على دخوله في حرب من نوعية جديدة مع حزب الله كوسيلة جديدة لتأجيل الصفقة، لعل وعسى يصل ترامب ويقدم له الضفة الغربية، يقدمها نتانياهو بدوره للشعب اليهودي، يحاول بها محو هزيمته في الطوفان.

اعتبر النظام نفسه واعتبره آخرون نظاما له مشروعه الطموح، فمع الانهيار السياسي للأمة الإسلامية والذي بدأ منذ أكثر من قرنين من الزمان تكالبت مشروعات الأعداء من كل حدب وصوب تساعد في تقطيع جسد الأمة، وتحاول أن تنال من عقيدتها وتحجم من رسالتها كخير أمة أخرجت للناس، وظهرت امبراطوريات كنا اعتقدنا أنها اندثرت وذهبت ولم يعد لها ذكر في التاريخ...استيقظت من سباتها لتحاول أن تأخذ ثاراتها من أمة الإسلام، وكانت امبراطورية الفرس إحداها والتي تسربلت باسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية متخذة من المذهب الاثنى عشري الجعفري طريقًا وستارًا لضخ سمومها تجاه المسلمين.

وتخط إيران مشروعها وتتمدد في حواضر المسلمين فتسقط الواحدة تلو الأخرى في أحضانها أو في دائرة نفوذها، فسقطت بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، وينتشر دعاتها يجوبون الآفاق في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها من الديار التي يوجد فيها المسلمون، ولا يعلم أحد إلا الله أين سيقف هذا التمدد؟

وصاغ آيات إيران استراتيجية التمدد تلك بحيث ترتكز على ركيزتين: الأولى هي صناعة وزرع أذرع لها داخل الدول المختلفة، أما الركيزة الثانية فهي الشروع في البدء بمشروع نووي يرفع الدولة الفارسية الشيعية إلى مصاف الدول الكبرى.

كان حزب الله أولى الأذرع الإيرانية في المنطقة، وتحول به الحال إلى أن يكون أكبرها وأقواها، بل أصبح يمثل رافعة لباقي الأذرع، واعتبر بأنه درة تاج التمدد الإيراني.

فعلى سبيل المثال تمول إيران جماعة الحوثي في اليمن وتزودهم بالسلاح المتطور من مسيّرات وصواريخ وخلافه، ومن يدربهم على السلاح هم خبراء حزب الله بالاشتراك مع ضباط الحرس الثوري الإيراني في فيلق القدس.

ولندرك مدى أهمية الحزب بالنسبة لإيران، علينا أن نعرف حجم الأموال التي يتم ضخها لأنشطته.

ففي تقرير صادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات عام 2017، ذُكر فيه أن حزب الله اللبناني يتلقى ما بين 700 إلى 800 مليون دولار سنوياً من إيران لتمويل أنشطته.

ولم تقتصر الهيمنة الإيرانية على حزب الله في مسألة التمويل، بل تعدتها إلى تعيين القيادات الأكثر ولاء لها.

فقد تم إزاحة صبحي الطفيلي أول أمين عام للحزب، نظرا لآرائه غير المنسجمة مع التوجهات الإيرانية والإتيان بعباس الموسوي في قيادة الحزب، والذي لم يلبث أن اغتاله الجيش الصهيوني، ليعتلي نصر الله قيادة الحزب لأكثر من ثلاثين عامًا، بدأها بإعلان ولائه، ففي حشد جماهيري قال فيه: إن الناس ينتقدون تبعية الحزب لإيران، وأنا أقول لكم إن حزب الله ليس تابعًا لإيران، بل هو إيران في لبنان.       
ساعد الحزب في عهد حسن نصر الله الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في تكوين الأذرع الشيعية الأخرى في المنطقة، فتم احتواء الحوثيين في اليمن الذي تخلى معظمهم عن الزيدية واعتنقوا الاثنى عشرية، وكذلك ساهم في توحيد الفصائل الشيعية في العراق الموالية لإيران، تحت مسمى الحشد الشعبي.

كذلك ساهم حزب الله في تدريب الفصائل الفلسطينية، ومنها حماس والجهاد.

فالجهاد اعتبرت نفسها جزءًا من المشروع الإيراني، أما حماس فقد تعاملت باستقلالية مع هذا المشروع بل انتقدت دوره علانية في قمعه للثورة السورية، وبالرغم من ذلك فلم ينقطع الدعم الإيراني لحماس باعتباره يخدم مشروعها ويقوي أوراقها التفاوضية مع الغرب.

طوفان الأقصى ومأزق الكيان وإيران

ولكن جاء طوفان الأقصى، ليرسم حدودا جديدة بين إيران وأذرعها من جانب، وبين حماس من جهة أخرى، فقد منعت إيران أذرعها من التدخل المباشر والمشاركة في القتال بين المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني، والاكتفاء بما يعرف بالإسناد، أي الدخول في صراع له قواعد اشتباك بين الصهاينة وبقية الأذرع وفي مقدمته حزب الله، هذه القواعد محددة جغرافيا والأهداف ونوعية سلاح.

ومع تعثر قتال الجيش الصهيوني في حملته على قطاع غزة، بالرغم من حملة الإبادة والقتل غير المسبوقة، وعجزه عن تحقيق هدفيه في إنهاء حكم حماس أو تفكيك بنيتها العسكرية، كما فشل في إخراج أسراه من قبضة حماس، وقع رئيس وزراء دولة الاحتلال نتانياهو في مأزق خطير.

 

وتتحدث صحيفة لو براسيان الفرنسية عن وجود جاسوس إيراني هو الذي نقل للصهاينة مكان تواجد نصر الله في الضاحية الجنوبية، حيث ظلت طائرات F-35 التابعة لإسرائيل المجهزة بقنابل خارقة للتحصينات، متواجدة في السماء اللبنانية وتنتظر وصول الهدف إلى مركز القيادة

تمثل في تعرضه لضغوط قوية من قيادات الأجهزة الأمنية والجيش بضرورة التوقيع على هدنة والانسحاب من غزة، والتي تعني بدء محاسبته على فشله في منع الطوفان، وفي نفس الوقت يضغط حلفاؤه في اليمين الديني الصهيوني بضرورة الاستمرار في القتال والذي تحول إلى حملة إبادة وتجويع حقيقي، مع استمرار هجمات المقاومة وكمائنها والتي أوقعت جنوده وآلياته وبدا بمظهر العجز الاستراتيجي.

نتانياهو يدرك أن الصفقة مع حماس آتية لا محالة، ولكن يجب عليه تحسين ظروفها وتجميع أوراقه، لكي تتخلى حماس عن تصلبها وتمسكها بالبقاء في غزة بعد انسحاب الجيش الصهيوني، الأمر الذي يعني في مفهوم حرب العصابات انتصارها. 

وفي نفس الوقت فإن احتمالات تغيير الإدارة الأمريكية ووصول ترامب كبير وهو المناصر الأكبر لأحلام الكيان، وكما تقول معاريف فقد عقد نتانياهو وترامب في لقائهم الأخير اتفاقا، تم فيه تعهد نتانياهو بتأجيل التوقيع على الصفقة مع المقاومة حتى استلام ترامب للرئاسة، نظير اعتراف ترامب عند وصوله إلى الحكم، بسيادة الكيان على الضفة الغربية.

ومن هنا فإن تذرع نتانياهو بالبقاء في محور فيلادليفيا، ما هو إلا ذريعة لتأجيل الصفقة بالرغم من الضغوط الهائلة من عائلات الأسرى، ولكي يهرب الرجل إلى الأمام عمل على دخوله في حرب من نوعية جديدة مع حزب الله كوسيلة جديدة لتأجيل الصفقة، لعل وعسى يصل ترامب ويقدم له الضفة الغربية، يقدمها نتانياهو بدوره للشعب اليهودي، يحاول بها محو هزيمته في الطوفان.

ولكن الحرب مع الحزب صاحب القدرات العسكرية الهائلة غير مأمونة العواقب فكان التفكير في شيء جديد يعطي صورة النصر:

أولا اختراق تكنولوجي هائل لكوادر الحزب، واغتيال البنية القيادية للحزب سواء العسكرية أو السياسية، وهذا ما حدث.

ثانيا لكن لكي يتمكن من تحقيق هذا لابد له من اختراق أمني كبير لحزب الله، فكان يلزم تدخل أمريكا مع إيران الراعي الرسمي للحزب ومفاوضتها على ذلك، وهو ما تم.

ولكن هل يمكن أن تكون إيران قد تخلت عن حزب الله، كما يتردد الآن سواء في أوساط إعلامية، أو من خلال مواقع التواصل، أو من تصريحات لقيادات شيعية لبنانية علاقتها متوترة أصلا مع الحزب وإيران؟

هل تتجرأ إيران وتتخلى عن أذرعها والتي استثمرت فيه مئات المليارات على مدار العقود الثلاثة الأخيرة؟

لا يمكن أن يتصور أحد أن تتخلى إيران عن تلك الأذرع بالكلية، ولكنها يمكنها أن تتخلى عن قيادات تلك المجموعات بل تسلمهم لأعدائهم وتستبدلهم بآخرين، خاصة عندما يبدأ هؤلاء في التململ من الأوامر الصادرة إليهم، لأنهم لا تساير طموحاتهم وآمالهم وتتعارض مع أهداف واستراتيجيات السيد الايراني.

وقد ذكرنا من قبل أن هناك هدفين استراتيجيين لإيران في تمددها الإمبراطوري: استكمال البرنامج النووي ودعم الأذرع، ولكن عند تعارض الهدفان فإن النووي يتم تقديمه على دعم الأذرع، ومن المعروف أن هناك محادثات غير مباشرة تجري بين إدارة بايدن والحكومة الإيرانية، وربما عقدت المساومة معها لتسليم رؤوس حزب الله السياسية والعسكرية لنتانياهو، مقابل التغاضي عن البرنامج النووي والتخلي عن العقوبات التجارية ضدها.

ومما يعضد تلك الفرضية، سهولة الاختراق الذي حدث لهذه القيادات، ومعرفة الصهاينة بأماكن ومواعيد لقاءات تلك القيادات، ومن ثم استهدافهم.

وتتحدث صحيفة لو براسيان الفرنسية عن وجود جاسوس إيراني هو الذي نقل للصهاينة مكان تواجد نصر الله في الضاحية الجنوبية، حيث ظلت طائرات F-35 التابعة لإسرائيل المجهزة بقنابل خارقة للتحصينات، متواجدة في السماء اللبنانية وتنتظر وصول الهدف إلى مركز القيادة.

ويقول مسؤول في المخابرات الفرنسية لقناة TLC الفرنسية، إن التشاؤم الشديد ساد في أوساط حزب الله، لأنهم يريدون أن يعرفوا بأي ثمن من الذي قدم المعلومات إلى الإسرائيليين.

ووفقاً لخبير الاستخبارات الفرنسي، فإن وجود نصر الله في الموقع وفي هذا الاجتماع مع قادة رفيعي المستوى وضابط عسكري إيراني كبير لم يكن من قبيل الصدفة.

بينما يتحدث أحد القيادات الشيعية اللبنانية المناوئة للحزب، عن أن المخابرات العسكرية اللبنانية قد منعت إحدى الطائرات الإيرانية التابعة للحر الثوري من الهبوط في مطار بيروت وكان على متنها عدد من ضباط الحرس الثوري، ومن المعروف أن حزب الله يهيمن على المخابرات العسكرية اللبنانية.

الخلاصة

لقد حاول نصر الله بعد الطوفان أن يوفق بين نقيضين: جني ثمار الطوفان بدون أن يتورط في الحرب كما أمره سيده الايراني، فكان الإعلان عن استراتيجية الإسناد، وقبل كل ذلك فقد وقع في فخ سيده الذي صنع منه زعامة عانى منها أهل السنة، بينما ظل اليهود آمنين، كل الذي خسروه أن بعضهم ترك منازلهم.

نتانياهو لم يفصح بعد عن هدف إنهاء دور الحزب في لبنان كما قال إنه يريد إنهاء حماس من غزة ولكنه لم يفصح عن نفس الهدف مع الحزب، بل الخطاب العلني لهدف حرب جيش الكيان يدور حول تفكيك البنية العسكرية للحزب.

فهل سيتحول الهدف من إعادة سكان شمال الكيان إلى بيوتهم إلى هدف آخر يتمثل في تفكيك حزب الله مثلما أراد أن يفعل في غزة وفشل؟

أعلى