تفجيرات أجهزة

شكلت العملية النوعية التي قامت بها إسرائيل أمس مستهدفة الآلاف من عناصر حزب الله في وقت واحد مفاجئة غير متوقعة على كثير من المستويات الأمنية والسياسية والعسكرية، كذلك كان التوقيت والمكان لافتين وهو ما يطرح العديد من الأسئلة


أصيب آلاف الأشخاص في لبنان، بعد انفجار أجهزة استدعاء تستخدمها جماعة حزب الله للتواصل بين أعضائها في وقت واحد تقريبًا في جميع أنحاء البلاد يوم الثلاثاء.

قُتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص وجُرح نحو 2800 آخرين، العديد منهم إصاباتهم خطيرة.

ولم يتضح بعد كيف وقع الهجوم ـ الذي يبدو أنه كان متطورا للغاية ـ على الرغم من أن حزب الله ألقى بالمسئولية على إسرائيل. ورفض المسؤولون الإسرائيليون حتى الآن التعليق.

ما هي أجهزة البيجر التي تم تفجيرها؟

يمكن تعريف "البيجر" بأنه جهاز لاسلكي صغير كان يُستخدم بشكل شائع قبل انتشار الهواتف المحمولة لإرسال واستقبال رسائل نصية قصيرة أو تنبيهات.

ويعتمد عمل "البيجر" على إرسال إشارات عبر الشبكات اللاسلكية، وكانت تستخدم بشكل رئيسي في المستشفيات، والشركات، وبين رجال الأمن، وأحياناً قليلة بين الأفراد.

وهناك نوعان رئيسان من هذه الأجهزة:

1. أجهزة بيجر المستقبِلة: ويمكنها أن تستقبل الرسائل أو الإشعارات من جهات إرسال معينة، دون إرسالها.

2. أجهزة بيجر المستقبِلة والمرسِلة: ويمكنها إرسال واستقبال الرسائل النصية، على الرغم من محدودية قدراتها، مقارنة بالهواتف الذكية اليوم.

وكانت أجهزة البيجر تُستخدم للتواصل السريع في الحالات الطارئة أو في مواقف لا يستطيع فيها الأفراد الرد مباشرة على المكالمات، وبعد ظهور الهواتف المحمولة الذكية، انخفض استخدامها بشكل كبير، لكنها لا تزال تُستخدم في بعض الصناعات، مثل الرعاية الصحية، حيث تكون الحاجة للتواصل السريع والموثوق أمراً حيوياً.

وفي الآونة الأخيرة رأى حزب الله أن البيجر وسيلة آمنة لا يمكن تتبعها فأمر منسوبيه بالتخلي عن أجهزتهم المحمولة واستخدام البيجر عوضا عنها، وهو الأمر الذي رصده العملاء وسربوه للموساد، ويُفترض أنه تم  اختراق الشركة التايوانية التي طلب منها الحزب إنتاج 3000 جهاز أو 5000 وفق رواية رويترز، لتوزيعها على أعضائه.

متى وأين حدث ذلك؟

بدأت الانفجارات في العاصمة اللبنانية بيروت وعدة مناطق أخرى من البلاد حوالي الساعة 15:45 بالتوقيت المحلي (13:45 بتوقيت جرينتش) يوم الثلاثاء.

وقال شهود عيان إنهم شاهدوا دخانًا يتصاعد من جيوب الناس، قبل أن يشاهدوا انفجارات صغيرة بدت مثل أصوات الألعاب النارية والطلقات النارية.

وفي أحد المقاطع، أظهرت لقطات من كاميرات المراقبة انفجارًا في جيب بنطال رجل بينما كان يقف أمام متجر. وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن الانفجارات استمرت لنحو ساعة بعد الانفجارات الأولية.

وبعد فترة وجيزة، بدأ عشرات الأشخاص في الوصول إلى المستشفيات في مختلف أنحاء لبنان، حيث أفاد شهود عيان عن مشاهد ارتباك جماعي.

لماذا يستخدم حزب الله أجهزة الاستدعاء؟

اعتمد حزب الله بشكل كبير على أجهزة الاستدعاء كوسيلة اتصال منخفضة التقنية لمحاولة التهرب من تعقب الموقع من قبل إسرائيل.

جهاز النداء هو جهاز اتصالات لاسلكي يستقبل ويعرض الرسائل الأبجدية الرقمية أو الصوتية.

لقد تم التخلي عن الهواتف المحمولة منذ فترة طويلة باعتبارها عرضة للخطر، كما أظهر اغتيال إسرائيل لصانع القنابل في حماس يحيى عياش في عام 1996، عندما انفجر هاتفه في يده.

لكن أحد عناصر حزب الله قال لوكالة أسوشيتد برس للأنباء إن أجهزة الاستدعاء كانت من علامة تجارية جديدة لم تستخدمها المجموعة من قبل.

كيف انفجرت أجهزة النداء؟

عبر كثير من المحللين عن صدمتهم من حجم الهجوم الذي وقع يوم الثلاثاء، والذي استهدف عناصر حزب الله الذي  يتفاخر بإجراءاته الأمنية المشددة

رأى بعض الخبراء أن عملية اختراق ربما تسببت في ارتفاع درجة حرارة بطاريات أجهزة النداء، مما أدى إلى انفجار الأجهزة. ومن غير المسبوق أن يحدث مثل هذا الفعل.

لكن العديد من الخبراء يقولون إن هذا الأمر غير محتمل، حيث إن لقطات الانفجارات تتعارض مع ارتفاع درجة حرارة البطاريات.

ويقول بعض المحللين إن احتمال وقوع هجوم ما على سلسلة التوريد، والذي يتضمن العبث بأجهزة الاستدعاء أثناء تصنيعها أو أثناء نقلها، هو الأكثر ترجيحا.

تشكل هجمات سلسلة التوريد مصدر قلق متزايد في عالم الأمن السيبراني مع وقوع العديد من الحوادث البارزة مؤخرًا بسبب تمكن المتسللين من الوصول إلى المنتجات أثناء تطويرها.

لكن هذه الهجمات تقتصر عادة على البرمجيات. أما هجمات سلسلة توريد الأجهزة فهي نادرة للغاية لأنها تنطوي على الوصول إلى الجهاز.

لو كان هذا بالفعل هجومًا على سلسلة التوريد، لكان قد تضمن عملية ضخمة للتلاعب بأجهزة الاستدعاء بطريقة ما سرًا.

ويرى شون مورهاوس، وهو ضابط سابق بالجيش البريطاني وخبير في التخلص من الذخائر المتفجرة، قال إن مقاطع الفيديو تشير إلى أن عبوة ناسفة صغيرة - بحجم ممحاة قلم رصاص - قد تم وضعها في الأجهزة، ومن المفترض أنه تم وضعها قبل تسليمها، وهو أمر محتمل جداً من قبل الموساد.

 

ما الذي نعرفه عن المستهدفين؟

قال مصدر مقرب من حزب الله لوكالة فرانس برس إن اثنين من القتلى هم أبناء نائبين من حزب الله، وأضاف أن ابن أحد أعضاء حزب الله قتل.

وكان من بين المصابين السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني، وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن إصابته طفيفة.

ذكرت وكالة رويترز للأنباء نقلا عن مصدر أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لم يصب بأذى في الانفجارات.

وقال وزير الصحة العامة اللبناني فراس الأبيض إن الأضرار في اليدين والوجه تشكل غالبية الإصابات.

وقال في حديث لبرنامج نيوز آور على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "يبدو أن معظم الإصابات في الوجه وخاصة في العينين وأيضا في اليد مع بعض البتر، سواء في اليدين أو الأصابع، وبعضهم مصاب بجروح في الخاصرة".

وأضاف: "الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يتوجهون إلى غرف الطوارئ يرتدون ملابس مدنية، لذلك من الصعب للغاية معرفة ما إذا كانوا ينتمون إلى كيان معين مثل حزب الله أو غيره...

وخارج لبنان، أصيب 14 شخصا في انفجارات مماثلة في سوريا المجاورة، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو منظمة حقوقية مقرها المملكة المتحدة.

من وراء هذا التفجير؟

لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم حتى الآن، رغم أن رئيس الوزراء اللبناني وحزب الله حملا إسرائيل المسؤولية بشكل واضح ومباشر

وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن الانفجارات تمثل "انتهاكا خطيرا للسيادة اللبنانية وجريمة بكل المقاييس".

وفي بيانه الذي اتهم فيه إسرائيل بالوقوف وراء الهجمات، قال حزب الله إنه يحملها "المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي الذي استهدف المدنيين أيضاً".

وأضافت أن "هذا العدو الغادر والمجرم سينال جزاءه العادل على هذا العدوان الآثم لا محالة سواء توقع ذلك أم لم يتوقع".

ولم يعلق المسؤولون الإسرائيليون على هذه الاتهامات، لكن معظم المحللين يتفقون على أنه من المرجح أن تكون إسرائيل وراء الهجوم.

وقال البروفيسور سيمون مابون، رئيس العلاقات الدولية بجامعة لانكستر: "نعلم أن إسرائيل لديها سابقة في استخدام التكنولوجيا لتتبع هدفها" - لكنه وصف حجم هذا الهجوم بأنه "غير مسبوق".

وقالت لينا الخطيب، من مركز تشاتام هاوس في المملكة المتحدة، إن الهجوم يشير إلى أن إسرائيل تسللت "بعمق" إلى "شبكة الاتصالات" التابعة لحزب الله.

وقال جوناثان بانيكوف، نائب ضابط المخابرات الوطنية السابق للحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط:  "هذا أكبر فشل في مكافحة التجسس يواجهه الحزب منذ عقود".

وقالت إيميلي هاردينج، المحللة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إن الاختراق الأمني ​​كان محرجا للغاية لحزب الله. وأضافت لبي بي سي "إن خرقا بهذا الحجم ليس ضارا جسديا فحسب، بل سيجعلهم أيضا يشككون في أجهزتهم الأمنية بأكملها". "وأتوقع أن أراهم يجرون تحقيقا داخليا مكثفا من شأنه أن يصرف انتباههم عن القتال المحتمل مع إسرائيل".

هل يتصاعد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟

حزب الله هو جزء من تحالف يطلق على نفسه محور المقاومة والذي تتبناه طهران، وقد خاضت حرباً منخفضة المستوى مع إسرائيل لعدة أشهر، وتبادلت إطلاق الصواريخ والقذائف عبر الحدود الشمالية لإسرائيل بشكل متكرر. وقد أدت هذه الحرب إلى نزوح مجتمعات بأكملها من الجانبين.

ووقعت الانفجارات بعد ساعات فقط من إعلان مجلس الوزراء الأمنيالإسرائيلي أن العودة الآمنة للسكان إلى شمال البلاد هي هدف رسمي للحرب.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمسؤول أمريكي زائر إن إسرائيل "ستفعل كل ما هو ضروري لضمان أمنها".

وفي وقت سابق من يوم الاثنين، قالت وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية إنها أحبطت محاولة لحزب الله لاغتيال مسؤول سابق.

ورغم التوترات المستمرة، يقول المراقبون إن الجانبين كانا يهدفان حتى الآن إلى احتواء الأعمال العدائية دون تجاوز الخط إلى حرب شاملة. لكن هناك مخاوف من أن الوضع قد يخرج عن السيطرة، حيث هدد حزب الله بالفعل بالرد على انفجارات يوم الثلاثاء.

ونقلت رويترز عن مسؤول في الحزب، أن تفجيرات البيجر "أكبر خرق أمني" للجماعة منذ اندلاع الصراع في غزة بين إسرائيل وح ماس، في 7 أكتوبر.

 

أعلى