تيم والز.. نائب الرئيسة

تيم والز هو الشخص الذي وقع عليه الاختيار ليكون نائبا للمرشحة الرئاسية كامالا هاريس، وسيكون له دور بلا شك كبير في توجيه السياسة الأمريكية، لكون هاريس في حال فوزها ستكون المرأة السابقة إلى البيت الأبيض، فمن هو نائب الرئيسة؟


اختارت نائبة الرئيس الأمريكي الحالي والمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة المقبلة كامالا هاريس، حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، ليكون نائبها في حملتها الانتخابية للبيت الأبيض، كان والز البالغ من العمر 60 عامًا قد صعد إلى صدارة الترشيحات مؤخرًا قبيل اختياره، بعدما وجد الديمقراطيون أنه يظهر السياسات التي يدعمها حزبهم بوضوح وبطريقة عملية، وأنه الأنسب في الفترة الراهنة لمجابهة الجمهوريين، فمن هو تيم والز؟، وما هي أبرز أفكاره وآراؤه حيال القضايا والملفات الهامة؟

إلى عالم السياسة

وُلِدَ تيم والز ونشأ في بلدة صغيرة في نبراسكا، تخرج بدرجة في العلوم الاجتماعية من كلية تشادرون ستيت عام 1989م، خدم كضابط صف في الحرس الوطني بالجيش الأمريكي لمدة 24 عامًا، حيث التحق بالجيش في سن 17 عامًا، وتقاعد في عام 2005م برتبة رقيب أول، وهي واحدة من أعلى الرتب العسكرية المجندة، وقد سمحت له خدمته العسكرية بأن يطوف جميع أنحاء الولايات المتحدة والسفر في مهمة خارجية إلى أوروبا، وخلال خدمته العسكرية حصل على درجة الماجستير في القيادة التعليمية من جامعة مينيسوتا في عام 2001م، ولاحقًا أصبح مدرسًا للجغرافيا، أولاً في الصين، ثم في ولاية نبراسكا وأخيرًا في ولاية مينيسوتا، وإلى جانب تدريسه للجغرافيا كان يدير فرق كرة القدم في المدارس الثانوية التي عمل بها.

 

 من خلال اختيار مرشح يتمتع بمؤهلات والز، تسعى حملة هاريس إلى إشراك الناخبين الذين يركزون بشكل متزايد على القيادة الحكيمة والحلول العملية للقضايا الملحة، لا سيما وأن والز يحظى بشعبية متزايد في مناطق الريف الأمريكي

ترشح والز لأول مرة لمنصب سياسي في عام 2006م في منطقة الكونغرس الأولى في مينيسوتا ذات الميول الجمهورية، واحتفظ بمنصب نائب الكونغرس عن المنطقة حتى عام 2016م حيث هزم الجمهوريين 5 مرات متتالية، وفي عام 2018م ترشح لمنصب حاكم ولاية مينيسوتا وفاز، ثم تكرر فوزه مرة أخرى في عام 2022م، وأصبح رئيس رابطة حكام الولايات الديمقراطيين، وهو المنصب الذي منحه مكانة وشهرة واسعة على مستوى الولايات المتحدة، ومع تخلي الرئيس الحالي جو بايدن عن الترشح لفترة رئاسية جديدة، وتشرح نائبته كامالا هاريس بدلًا منه عن الحزب الديمقراطي، سرعان ما قفز اسم والز ليكون نائبًا لها، وتعددت ظهوراته الإعلامية في الأسابيع الأخيرة، مما وضع اسمه على القائمة المختصرة لمنصب نائب الرئيس، وقد ساعدته عوامل عدة ليكون في مركز الصدارة بالنسبة للديمقراطيين.

عوامل الاختيار

مع استعراض الديمقراطيين للسيرة الذاتية لوالز - كجندي ومعلم ومدرب وعضو في الكونغرس وحاكم ولاية وجدوا في صورته بطلًا للطبقة المتوسطة والنهج الليبرالي مع سجل حافل بالفوز في المناطق الريفية والمحافظة، كما أنه صاحب سياسات ومبادرات حظيت بشعبية واسعة النطاق، ويمكن تلخيص عوامل اختياره كنائب للرئيس كالتالي:

خلال فترة وجود في الكونغرس كنائب؛ تمكن والز من العمل على مشاريع قوانين تتماشى مع رؤى الحزب الديمقراطي؛ حيث عمل على توسيع الرعاية الصحية، والإجازات المدفوعة الأجر، والوجبات المدرسية المجانية، والدفاع عن قضايا المحاربين القدامى، إلى جانب تنظيم النقابات وحقوق العمال والحد الأدنى للأجور، كما أعطى الأولوية لمبادرات الطاقة المتجددة، وجميعها قضايا تهم الناخبين.

في ولاية مينيسوتا وبصفته حاكمًا للولاية؛ عزز والز التزامه بأجندة تقدمية وعمل على حماية حقوق الإنجاب والرعاية الصحية، وتوسيع حقوق التصويت، ودعم الحق في امتلاك السلاح لكن توسيع عمليات التحقق من الخلفية التاريخية وفحص المعلومات الأساسية لأصحاب الأسلحة النارية، كما وقع أمرًا تنفيذيًا يلغي شرط الحصول على شهادة جامعية لـ 75% من وظائف ولاية مينيسوتا، وهي الخطوة التي حظيت بدعم من الحزبين وتبنتها أيضًا العديد من الولايات الأخرى في وقتٍ لاحق.

من خلال اختيار مرشح يتمتع بمؤهلات والز، تسعى حملة هاريس إلى إشراك الناخبين الذين يركزون بشكل متزايد على القيادة الحكيمة والحلول العملية للقضايا الملحة، لا سيما وأن والز يحظى بشعبية متزايد في مناطق الريف الأمريكي وكذلك بتأييد الجماعات ذات الميول اليسارية التي روجت له باعتباره صوتًا موثوقًا ولديه سجل حافل في كسب الناخبين، وخاصة القدرة على جذب الناخبين الشباب والمهاجرين والمستقلين في الولايات المتأرجحة.

يعدّ والز من أشد المدافعين عن حقوق المهاجرين في الولايات المتحدة، كما أنه من أشد المدافعين عن حقوق الأطفال والعمال والأشخاص المهاجرين الذين تعيش بلدانهم في أزمة، وهو ما يتوافق مع سياسات الحزب الديمقراطي الداعمة للمهاجرين في أغلبها، لضمان أصواتهم.

ستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة بمثابة اختبار حاسم للحزب الديمقراطي، حيث إن المخاطر أعلى من أي وقت مضى وسط مناخ سياسي مستقطب، لذا فإن اختيار والز سيمكن الحزب الديمقراطي من ضمان بقاء مينيسوتا في أيدي الديمقراطيين، صحيح أنه لم يفز أي مرشح رئاسي جمهوري بأصوات هذه الولاية منذ هزيمة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في عام 1972، لكن هناك خشية من أن ينجح ترامب من تكرار ما حدث مع نيكسون بعدما قام بحملة انتخابية قوية هناك، وكرر مرارًا أن مينيسوتا ستكون أصواتها للجمهوريين هذا العام.

آراء وأفكار

يسلك والز مسار أكثر ليبرالية في سياساته، صحيح أنها تجد من يؤيدها ويدافع عنها، ولكنها في السياق العام تظل غريبة وشاذة، منها: إقراره للاستخدام الترفيهي لمخدر الماريجوانا، ودفاعه الدائم عن الشذوذ والتحول الجنسي، ومنذ هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي لم يتحدث والز بشكل واسع عن إسرائيل أو الحرب على غزة، باستثناء أنه أدان حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ووصفها بأنها لا تمثل الشعب الفلسطيني، كما التزم الصمت بعد دعوات المتظاهرين في ولاية مينيسوتا إلى سحب استثمارات الولاية من الشركات الإسرائيلية.

كان والز أقل شهرة من المرشحين المحتملين الآخرين لمنصب نائب الرئيس، لا سيما وأنه لا ينحدر من ولاية ساحة معركة تقليدية بين الجمهوريين والديمقراطيين، بالرغم من ذلك ظل الجمهوريون منتقدين لـ "والز" بسبب ما يرون أنه استجابة بطيئة للاضطرابات العنيفة التي أعقبت مقتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد ضابط شرطة مينيابوليس في عام 2020م، ويُضاف إلى ذلك أنه ألغى جميع قيود الإجهاض في الولاية التي سنّها المشرعون الجمهوريون في الماضي.

 

من المتوقع أن يلتزم والز بالموقف الديمقراطي السائد بدعم إسرائيل، مع توجيه انتقادات سطحية وغير مؤثرة لتعامل إسرائيل مع الحرب على قطاع غزة.

القضايا الخارجية

يعكس اختيار كامالا هاريس لـ "والز" كمرشح لمنصب نائب الرئيس في السباق الرئاسي مدى التوافق الاستراتيجي في أسلوب الحكم المرتقب إذا ما فازا في الانتخابات التي ستُجرَى في نوفمبر المقبل، كما يشير هذا الاختيار إلى نهج استباقي للتحديات التي تفرضها الانتخابات المقبلة والمرحلة الحرجة التي تعيشها السياسة الأمريكية الخارجية، ويمكن تلخيص أبرز أفكار ورؤى والز للسياسة الخارجية كالتالي:

العلاقات مع الصين:

أثار اختيار والز الاهتمام داخل الصين بسبب تاريخه الطويل مع دولة يُنظر إليها على أنها أكبر منافس اقتصادي وعسكري لواشنطن، لا سيما وأن والز سافر إلى الصين لتدريس اللغة الإنجليزية والتاريخ الأمريكي وظل هناك لعامين، كما أنشأ شركة لتنظيم رحلات إلى الصين للطلاب الأمريكيين، وزار الصين أكثر من 30 مرة، وخلال فترة وجوده في الكونغرس عمل على مشروعات قوانين تنتقد سجل بكين في مجال حقوق الإنسان، لكن اختياره الآن كنائب للرئيس يثير التكهنات حول سياساته المرتقبة للتعامل مع بكين خلال الفترة المقبلة، خاصةً وأنه سبق وأن دعا ترامب ـ عندما كان رئيسًا ـ إلى إنهاء حربه التجارية مع بكين.

موقفه من الحروب:

على مدار 12 عامًا قضاها في الكونغرس، كان من الصعب تصنيف أيديولوجية والز، فبينما كان يمثل الحزب الديمقراطي، نجده قد اجتمع مع الجهوريين على كثيرٍ من القضايا، إذ صوَّت لصالح مواصلة تمويل الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، بالرغم من أنه فاز بالانتخابات للكونغرس في عام 2006م على أساس برنامج دعا إلى سحب القوات الأمريكية من العراق، ورغم إدانته للحرب الروسية على أوكرانيا إلا أنه دعم تقديم الولايات المتحدة للأسلحة إلى أوكرانيا لشنّ هجومًا مضادًا، من المتوقع أن يواصل هاريس ووالز سياسة إدارة بايدن في دعم أوكرانيا.

كثيرًا ما يعارض إرسال قوات أمريكية إضافية إلى الخارج، وفي عام 2009م زار والز سوريا والتقى ببشار الأسد كجزء من وفد الكونغرس الذي حاول دون جدوى الضغط على سوريا لوقف تدفق الأسلحة إلى الجماعات المسلحة في العراق، كما عارض لاحقًا خطة الرئيس باراك أوباما آنذاك لإصدار أمر بشن ضربات عسكرية على سوريا في عام 2013م ردًا على استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية، مشيرًا إلى معارضته لمزيد من إشراك الجيش الأمريكي في الصراعات في الشرق الأوسط.

القضية الفلسطينية:

تتلخص رؤية والز للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في دعوته إلى حل الدولتين، وكثيرًا ما صوّت والز لصالح تقديم المساعدات الأمريكية لإسرائيل طوال فترة وجود في الكونغرس، وقبيل اختياره كنائب لهاريس؛ أدان والز هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023م، قبل أن يقوم بتأييد دعوات وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة الآن، ورغم مطالبته للإدارة الأمريكية بتقدم المزيد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، إلا أنه لم يفعل شيئًا ملموسًا لوقف القتل والتخريب الذي تمارسه إسرائيل بالأسلحة الأمريكية في غزة، ومن المتوقع أن يلتزم والز بالموقف الديمقراطي السائد بدعم إسرائيل، مع توجيه انتقادات سطحية وغير مؤثرة لتعامل إسرائيل مع الحرب على قطاع غزة.

قضايا أخرى:

كان والز من أبرز داعمي الاتفاق النووي مع إيران، وكان أيضًا مؤيدًا صريحًا لفتح التجارة مجددًا بين كوبا والولايات المتحدة لما في ذلك من فوائد على بلاده، وعلى عكس الجمهوريين الذين يريدون تقليص دور الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي؛ الضامن الأمني ​​لأوروبا، فإن والز يؤمن بضرورة مواصلة واشنطن دورها كعمود فقري لهذا الحلف، مع ضرورة تطوير قاعدة صناعية دفاعية قارية متكاملة، مع إعادة معايرة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية ومواردها والدعوة إلى شراكة عبر الأطلسي أكثر توازنًا دون التخلي عن الحلفاء الأوروبيين.

إرث بايدن

تتحمل كامالا هاريس ثقل إرث إدارة جو بايدن، بما في ذلك سياساتها الأقل شعبية والتي قد تنفّر الجيل القادم من الناخبين الديمقراطيين للتصويت لصالح حزبها، تأمل هاريس أن يجلب اختيارها لـ "والز" جاذبية متوازنة يمكن أن تعزز الدعم في جميع أنحاء الولايات المتحدة، إذ أن هذا الاختيار يُنظر إليه على أنه وسيلة للمساعدة في توحيد الحزب الديمقراطي وجذب الناخبين التقدميين والمعتدلين، خاصةً وأن الحزب الديمقراطي تحديات كبيرة في الحفاظ على قاعدة ناخبيه، لا سيما في ظل التغيرات الديموغرافية والسياسية المتسارعة، قد يكون اختيار والز خطوة إيجابية في مسار طويل، لكنه لا يضمن النجاح بالضرورة.

بموجب الدستور الأمريكي، لا يتمتع نائب الرئيس بسلطة كبيرة ما لم يمُت الرئيس أو يستقيل أو يُعزل أو تصيبه إعاقة تمنعه من مواصلة الحكم، وعادة ما تشمل مسؤوليات النائب رئاسة مجلس الشيوخ والإشراف على فرز الهيئة الانتخابية، إلا أن الكثير من النفوذ السياسي لنائب الرئيس الأمريكي يعود إلى حد كبير إلى التغييرات التي جلبها الرئيس جيمي كارتر ونائبه والتر مونديل في أواخر السبعينيات، حين وافق كارتر على جعل نائب الرئيس شريكًا كاملاً في الإدارة، ومنحه امتيازات عديدة؛ منها: الوصول غير المقيد إلى إحاطات الاستخبارات وجعله أحد كبار مبعوثيه ومستشاريه، وهو الاتجاه الذي استمر إلى حد كبير حتى يومنا هذا، على الرغم من ذلك، تظل قدرة نائب الرئيس على تشكيل السياسة وفقًا لتقدير الرئيس نفسه. بأي حال فإن الأيام القادمة ستكون حافلة بالتحديات، وسنرى كيف سيسهم والز في تشكيل مستقبل الولايات المتحدة إذا ما فازت هاريس بالرئاسة، وتأثير ذلك على الساحة الداخلية والدولية.

أعلى