• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
صعود هاريس وفرص فوزها

منذ استقالة بايدن يبدو أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية أخذت زخما كبيرا، فبعد أن كان ترامب متصدرا بفارق كبير أصبحت استطلاعات الرأي تشير إلى تنامي حظوظ هاريس وتقارب كبير بين المرشحين، فما هي فرص فوز هاريس بالانتخابات؟


تبقى السياسة الامريكية وما يجري في كواليسها من أحداث والتي تؤثر على عملية صنع القرار السياسي، مثار الاهتمام لكل من يتأثر بهذه السياسات، خاصة ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال حتى هذه اللحظة هي اللاعب الأكبر في السياسة العالمية، وتتبوأ المرتبة الأولى في هيكلية النظام الدولي، وتسعى إلى الهيمنة حيث تصوغ أجهزة صنع القرار فيها استراتيجيتها على ذلك الأساس.

لذلك يمكن ملاحظة الاهتمام العالمي بما جرى في الأيام الماضية، عشية إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن تخليه عن الترشيح للانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم مع استمراره كرئيس للبلاد حتى انتهاء مدته في يناير القادم.

ولم يكتف بايدن بذلك بل رشح نائبته كاميلا هاريس لتكون خليفته في منصب الرئاسة القادم، حيث ستواجه مرشح الحزب الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب.

وإثر هذا الترشيح ثارت تساؤلات عديدة عن مدى كفاءة نائبة الرئيس وجدارتها لتولي هذا المنصب؟

ولماذا تم طرح هذا الاسم بالذات على الرغم من وجود أسماء أخرى كانت مرشحة ربما تكون أكثر استحقاقا منها للوصول إلى هذا المنصب؟

ومن هو المتحكم في هذا الاختيار ودوافعه؟

للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا التعرف في البداية على تأثير منصب الرئيس في صنع السياسة الأمريكية، ثم تتبع كواليس تنحي بايدن واختيار هاريس كمرشحة، والعوامل التي ساهمت في صعودها لتلك الغاية.

موقع منصب الرئيس في صناعة القرار السياسي الأمريكي

يعتبر رئيس الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية هو الممسك الفعلي بزمام السلطة التنفيذية حسب الدستور الأمريكي في المادة الثانية، وبحكم رئاسته للدولة والحكومة فهو يرسم السياسة العامة، وله سلطة البت والتقرير في مجموع خططها وبرامجها؛ ونظراً لبنية النظام الرئاسي فإنه لا وجود لمجلس وزراء يهيمن على مصالح الدولة، ولا وجود لمبدأ التضامن الوزاري عن القرارات والسياسة العامة، وهكذا فإن السلطة التنفيذية الفعلية تبقى في يد الرئيس، وأنه إذا استشار رئيس الدولة وزراءه فإن آثار الاستشارة تنحصر في مجرد المناقشة وتبادل الرأي، أما القرار النهائي فيتخذه رئيس الدولة بمحض اختياره وإرادته، وهناك مقولة شهيرة للرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لنكولن عندما لاحظ مخالفة وزرائه السبعة لهإن سبعة في هذا المجلس يقولون: لا، وإن واحداً يعني نفسه يقول: نعم ! إذًا نعم تغلبت على لا.

ورغم أن الكونجرس يتمتع بسلطة إعلان الحرب فإنه لم يعلن الحرب إلا في خمس مناسبات، بينما نفذت القوات الأمريكية عشرات العمليات العسكرية بأوامر من السلطة التنفيذية (الرئيس)، دون إعلان رسمي عنها من قِبَلِ الكونجرس.

وفي مجال الإدارة يرأس الرئيس فعلياً الإدارة الفيدرالية، ويعين كبار موظفيها بعد إقرار الكونجرس. ويبلغ عدد موظفي الإدارة الفيدرالية حوالي ألفي موظف من كبار مسؤولي الدولة ورؤساء الوكالات والمصالح الإدارية، ونتج عن تضخم الجهاز التنفيذي تضخم كبير في سلطات الرئيس مقابل الكونجرس.

 

فزوج هاريس يهودي ويدعى دوغ ايمهوف ويعمل في شركة دي ال آيه بايبر والتي تملك مكاتب متخصّصة بحملات الضغط في واشنطن، ويصفه أصدقاؤه بأنه شخص مرتبط باليهودية التي تشكّل وعيه السياسي.

وفي المجال الدبلوماسي يخول الدستور الرئيس سلطات واسعة؛ فهو الذي يحدد برامج السياسة الخارجية، ويعقد الاتفاقيات والمعاهدات، ويقوم بعملية التفاوض مع الدول وتعيين السفراء؛ ولكن في مجال المعاهدات فإن الدستور يقيد القرار الدبلوماسي للرئيس بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ في حالة عقد المعاهدات.

إلا أن الرئيس يفلت في الواقع من مراقبة مجلس الشيوخ لقراراته في مجال السياسة الخارجية باللجوء إلى الاتفاقيات التنفيذية، ويعني الاتفاق التنفيذي اتفاقاً بين الرئيس ودولة أجنبية له قوة القانون وتشكل هذه الاتفاقات النسبة الغالبة من الاتفاقيات التي تبرمها الولايات المتحدة مع الدول الأجنبية، والمثال الواضح في عهد ريجان عام 1986م، وفضيحة إيران جيت.

أما في المجال التشريعي فلا يمنح الدستور الأمريكي الرئيس صلاحية التقدم بمشاريع القوانين؛ لكنه يتمتع بحق الاعتراض (الفيتو) على القوانين التي يقرها الكونجرس، ولا يسقط الاعتراض إلا في حالة التصويت مرة ثانية عليه بأغلبية الثلثين بعد قراءة جديدة، ويمكن للرئيس لفت نظر الكونجرس لقضايا تشريعية معينة وذلك من خلال النواب الذين يمثلون الحزب في المجلسين بحكم الوضع القيادي الذي يتوفر عليه الرئيس داخل الحزب.

تنحي بايدن وصعود هاريس

ماذا يجري في الحزب الديمقراطي؟ ولماذا يوشك الديمقراطيون، بعد كل الألم الذي تكبدوه لإقناع الرئيس جو بايدن بالتنحي، أن يتوجوا كامالا هاريس نائبة الرئيس التي يظهر بوضوح أنها أضعف مرشح ديمقراطي يمكن أن يقدموه؟

هذا التساؤل طرحته مجلة نيوزويك الأمريكية عشية إعلان بايدن على تويتر، تخليه عن الترشح لسباق الرئاسة المحتدم لصالح نائبته هاريس.

وتفسر المجلة في تقريرها لماذا هاريس بالذات هي أضعف المرشحين، وتجيب أنه توجد عدة أسباب لذلك الضعف منها:

أول هذه الأسباب، ترجعها المجلة إلى ما جرى في الانتخابات التي جرت في العالم في الأسابيع الماضية، لأنه أصبح من المسلّم به تقريبا في جميع أنحاء العالم أن من كان يشغل منصب تنفيذي من الصعب عليه أن ينجح في إعادة الفوز به، ويشهد على ذلك ما عاناه الزعماء في المملكة المتحدة وفرنسا والهند من نتائج ضعيفة في الانتخابات التي جرت في هذه البلاد.

ثاني الأسباب، أن ترشيح هاريس يُبقي قضية سن بايدن -التي أرّقت الديمقراطيين- حية، لأنها جزء ممن ينبغي أن يرد على سؤال الجمهوريين، كيف قام الموجودون في البيت الأبيض بالتستر على حالة الرئيس العقلية، وبالتالي سيتعين عليها الدفاع أكثر من غيرها عن بايدن. 

ثالثا لأن قضية الهجرة إلى الولايات المتحدة، وسجل بايدن فيها، إحدى أكبر قضيتين في هذه الحملة، وتتحمل هاريس المسؤولية لأنه قد تم تكليفها بحل قضية الحدود، وبالتالي ربما تكون هذه هي نقطة الضعف السياسية الكبرى التي تواجهها الإدارة، ومن الصعب فهم طرح الشخص الأكثر ضعفا فيما يتصل بهذه القضية باعتباره مرشح الحزب.

واكتفت المجلة بطرح تلك التساؤلات، ولم تجب عن السؤال الذي طرحه تقريرها في البداية لماذا تم اختيار أضعف مرشح ديموقراطي لتقديمه في انتخابات الرئاسة؟

وبتتبع ما جرى في الأيام الأخيرة، يمكن إرجاع هذا الأمر إلى عدة احتمالات منها: تأثير اللوبيات على السياسة الأمريكية، ورغبة بايدن.

تأثير اللوبيات على اختيار هاريس

في ظل تمتع الحزبين الديموقراطي والجمهوري بتأييد بما يمكن اعتباره مناصفة بين جمهور الأصول البيضاء في أمريكا، لذلك تبقى قضية تأييد الأقليات هي الكفة المرجحة في سباق الرئاسة.

تتمتع هاريس بعدة مميزات تجعلها قادرة على استقطاب أقليتين من هذه الأقليات: اليهود والسود، فاليهود يشكلون نحو 2.5% فقط من سكان الولايات المتحدة، إذ يبلغ تعدادهم 6 ملايين من بين 332 مليون نسمة هم مجموع الشعب الأمريكي، إلا أنها تتمتع بانتشار واسع في النخب السياسية والاقتصادية والثقافية.

أما السود فتبلغ نسبتهم ما يقرب من 13 % من جملة السكان، حوالي 41 مليون.

 

تزال فرص هاريس قوية، فقيادات الحزب سواء المسئولين السابقين أو أعضاء الكونجرس من الحزب الديموقراطي أو حكام الولايات قد أعلنوا دعمهم لها.

فضلاً عن تأييد الكتلة التقليدية التي تميل للديمقراطيين عموما وهي ضد أي مرشح جمهوري

بالنسبة لليهود، فزوج هاريس يهودي ويدعى دوغ ايمهوف ويعمل في شركة دي ال آيه بايبر والتي تملك مكاتب متخصّصة بحملات الضغط في واشنطن، ويصفه أصدقاؤه بأنه شخص مرتبط باليهودية التي تشكّل وعيه السياسي.

ومدحت المجلة اليهودية الأمريكية (ذا فوروارد) إيمهوف ووصفته بأنه الرجل المحترم، وعندما سألت مراسلتها والدته باربرا عن نشأته الدينية أجابت بخجل: أقمنا له حفل (بار ميتسفاه) وهو حفل البلوغ عند اليهود في نيوجيرسي، هذا ما يمكنني أن أخبرك به، دون أن تستطرد.

وقد وُلد إيمهوف في بروكلين ونشأ في نيوجيرسي، ويقال إن لديه ذكريات سعيدة عن المعسكر الصيفي اليهودي حيث فاز بجوائز رياضية.

وتقول المجلة اليهودية أن زواج إيمهوف بهاريس كان مدبّراً، فقد التقيا للمرة الأولى في موعد رتّبه أصدقاء للطرفين.

ومن أجل هذا الارتباط اليهودي، فإن هاريس تحظى بتأييد اثنين من أكبر اللوبيات اليهودية في أمريكا:

فهي أقرب إلى لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية المعروفة باسم (إيباك)، كما أنها قريبة أيضا من منظمة جي ستريت اليهودية والتي أيدتها مباشرة بعد إعلان اختيارها للترشح لمنصب نائب الرئيس.

وإيباك هي أهم منظمة لليهود في أمريكا، حيث يتسابق المرشحون سواء للرئاسة أو الكونجرس على الاستحواذ على دعمها، وقد نظمت حملات جمع أموال لصالح الحملات الانتخابية للمرشحين المؤيدين للكيان الصهيوني، في حين دعمت المنافسين للنواب المناهضين له.

أما منظمة جي ستريت فتضم اليهود الأمريكيين اليساريين، وهي تختلف عن إيباك في أنها ترى أن من حق اليهود الأمريكيين التحدث علنًا عندما تضر سياسات أو تصرفات الحكومة الإسرائيلية بالمصالح طويلة المدى للولايات المتحدة وإسرائيل، بينما إيباك ترى أن حكومة إسرائيل وحدها هي التي تستطيع تحديد مصالحها وسياساتها، وأنه ليس لليهود الأمريكيين الحق في أن يقولوا لحكومة "إسرائيل" ما ينبغي لها أو لا ينبغي لها أن تفعله، فهم لا يعيشون في "إسرائيل" ولا يصوتون بها ولا يخدمون في جيشها.

وبمرور الوقت نجحت "جي ستريت" في أن تصبح ثقلا موازنًا لإيباك، فجمعت ضمن أنشطتها أكثر من 200 ألف يهودي أمريكي، وقدمت دعما ماليا لنحو 163 مرشحًا في انتخابات التجديد النصفي بمجلس النواب، وأصبحت محطة لكبار المسؤولين الأمريكيين مثل وزير الخارجية بلينكن.

ويبدو أن هاريس أقرب لإيباك من "جي ستريت"، فهي تقول في مؤتمر عقدته إيباك عام 2018:

"بما أنني نشأت في منطقة خليج مدينة سان فرانسيسكو، أتذكّر باعتزاز الصندوق القومي اليهودي التي كنا نستخدمه لجمع التبرعات لزراعة الأشجار في إسرائيل، وبعد سنوات، عندما زرت إسرائيل للمرة الأولى، رأيت ثمار هذا الجهد والبراعة الإسرائيلية التي جعلت الصحراء تُزهر.

ولكن في الأيام السابقة وبعد لقائها بنتانياهو أثناء زيارته لأمريكا، قرأت على وسائل الإعلام بيانا مكتوبا بدقة تنتقد فيه سياسات الرجل، كما تتعاطف فيه مع أهل غزة وما جرى لهم من حملات الإبادة في غزة، وهذا الموقف على ما يبدو في محاولة كلامية للتقرب واستقطاب الشباب الأمريكي والأمريكان ذي الأصول العربية، والذين يحتجون على سياسات بايدن المنحازة والمشاركة في جرائم الكيان الصهيوني.

دوافع بايدن لاختيار هاريس

لم يكن تنحي بايدن لأسباب تتعلق بأمراض الشيخوخة والزهايمر فقط، بل نتيجة أخطاء متراكمة ارتكبها، وخاصة في حرب غزة، فهو لم يؤيد الصهاينة في تدمير غزة ومحاولة إبادة أهلها التأييد الذي يرضى عنه اليهود رضاء كاملا، فقد احتفظ بايدن بهامش من المعارضة الكلامية للإجرام الصهيوني في محاولة حفظ ماء وجه وشكل أمريكا أمام العالم كله وأمام الشباب داخل أمريكا المستنكر لمذابح غزة.

فلعنة دماء غزة قد أصابته، كما أصابت رئيس الوزراء البريطاني الهندوسي المتعصب ريشي سوناك فخسر في الانتخابات، وهي التي أجهزت على اليمين الفرنسي أصحاب الشعبية فتراجعوا إلى المركز الثالث في الانتخابات التشريعية الأخيرة بعد أن كان حلمهم بتشكيل الوزارة على وشك التحقق لأول مرة في تاريخهم.

ولكن هناك من يصف قرار بايدن المتأخر في الانسحاب من السباق الرئاسي، بأنه كان قرارا أنانيا وانتقاميا. وهذا العند والانتقام قد امتد أيضا إلى تسمية نائبته كامالا هاريس، لتكون مرشحة الحزب للرئاسة بدلا من ترك الأمر مفتوحا للأغلبية تختار مرشحها الأقوى للرئاسة.

ففي نظر هؤلاء، فإن شخصية هاريس أضعف من غيرها من المرشحين المحتملين، بمن فيهم هيلاري كلنتون، التي تواجه عقبة واحدة وهي كونها امرأة، بينما تواجه كامالا عقبتين تتعلقان بالنوع والعرق في مجتمع ذكوري أبيض، ناهيك عن أن خبرة هيلاري تفوق بمراحل كامالا. هذا بجانب ان حاكمي كاليفورنيا وبنسلفانيا أقوى من السيدتين.

ويبدو أن بايدن وعائلته يصفيان حساباته القديمة مع الحزب منذ عام 2015، حين فضّلوا عليه ترشيح هيلاري كلينتون بعد أوباما، بينما كان هو أحق بالمنصب كونه نائب الرئيس، وكانت حجتهم وقتها لإزاحته انهياره النفسي بعد وفاة ابنه الأكبر.

ولكن لا تزال فرص هاريس قوية، فقيادات الحزب سواء المسئولين السابقين أو أعضاء الكونجرس من الحزب الديموقراطي أو حكام الولايات قد أعلنوا دعمهم لها.

فضلاً عن تأييد الكتلة التقليدية التي تميل للديمقراطيين عموما وهي ضد أي مرشح جمهوري، ويؤيدها أيضًا من يكرهون ترامب بصفة شخصية، كما تدعمها الفئة الشبابية والتي ترى في هاريس مرشحاً أقرب لفئتها العمرية والثقافية، وهي غير مكروهة شعبيا، فليس لديها فضائح وأخطاء في الماضي قد تؤثر على حظوظها، كما حدث مع هيلاري كلينتون.

 

أعلى