كيف تؤثر الحرب على غزة على الانتخابات الأمريكية والتي لا يفصلنا عنها سوى أشهر قليلة، هل يخسر بايدن أصوات المسلمين في أمريكا، في المقابل حتى يتحصل ترامب على أصوات اليهود مما يرجح كفته، أم ثمة عوامل أخرى أكثر تأثيرا في مسار الانتخابات؟
مع تفاقم الحرب
الإسرائيلية على قطاع غزة بشكل مطرد وتزايد الخسائر في صفوف المدنيين، تتزايد
الانعكاسات التي تتركها الحرب على المنطقة والإقليم بأكمله، بل تتجاوز ذلك بآلاف
الأميال وصولًا إلى الولايات المتحدة؛ الحليفة الكبرى للكيان الصهيوني وداعمته
الأولى، إذ تلقي الحرب بظلالها على انتخابات الرئاسة الأمريكية التي من المنتظر أن
تُعقّد في نوفمبر المقبل، ورغم أن المنافسة المقبلة قد باتت شبه محسومة بين الرئيس
الجمهوري السابق دونالد ترامب والرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، إلا أن احتمالات
فوز الأخير تبدو قاتمة، فدعمه اللامحدود لإسرائيل جعله محط غضب لفئة متزايدة من
الناخبين، لا سيما الشباب وبعض الأقليات والجاليات العربية والمسلمة هناك، في حين
أنه ـ وبالرغم من كل ما قدمه من دعم للكيان الصهيوني في حربه الأخيرة على غزة ـ لم
يحظَ بالرضا التام من يهود أمريكا الذين يرون أنه لم يقدم ما يكفي من مساعدة ودعم
وضغوط لتحقيق النصر الإسرائيلي، فهل يخسر بايدن سباق البيت الأبيض بسبب حرب غزة؟،
وهل فوز ترامب سيكون أفضل للقضية الفلسطينية أم أنه أسوأ بكثير من بايدن؟، وفي أي
موضع يضع تقع القضية الفلسطينية على قائمة اهتمامات الأمريكيين؟
تأثيرات وتوابع
بعد هجوم طوفان الأقصى
الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأراضي المحتلة، سافر بايدن سريعًا
إلى إسرائيل للتعبير عن التضامن، وكذلك أيضًا للتحذير من المبالغة في رد الفعل، إذ
كشفت تقارير إعلامية أنه كرر هذا التحذير باستمرار، علنًا وفي السر، وبالرغم من
التحذيرات ظلت الولايات المتحدة تواصل تزويد إسرائيل بالسلاح، حيث تعدّ الولايات
المتحدة الشريك الأكبر لإسرائيل في العالم وأكبر مورد للمساعدات العسكرية لها، حيث
تزودها بمساعدات بقيمة 3.8 مليار دولار سنويًا، بالإضافة إلى حمايتها في المحافل
الدولية مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث تستخدم واشنطن بشكل روتيني حق
النقض (الفيتو) لمنع القرارات التي تنتقد إسرائيل، المثير أن هذه الديناميكية لم
تعمل دائمًا على تحقيق مصالح الولايات الخاصة في المنطقة.
|
حتى لو تمكنت إسرائيل من إضعاف حماس بشكل كبير، فإن الحركة سوف تحتفظ
بوجودها داخل غزة، ومن الأهمية بمكان أن تستقطب الدعم الخارجي لها،
وبالتالي فإن حماس من الممكن أن تخرج من هذه الحرب بدعم متزايد من
الفلسطينيين وبمكانة إقليمية أعظم |
مع تواصل الحرب؛ يتزايد
الإحباط داخل إدارة بايدن بشأن تعامل الحكومة الإسرائيلية مع العمليات العسكرية
المستمرة منذ أشهر لاجتثاث حماس من غزة، وبدأ الرأي العام الداخلي في الولايات
المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة ينتقد تعامل إدارته مع هذا الصراع برمّته، لا شك أن
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تحمل تأثيرات وتوابع عديدة على المنطقة والعالم
بأسره، لكن الولايات المتحدة كان لها نصيبها من التبعات، والتي يمكن ملاحظتها في
النقاط التالية:
● تشهد
الولايات المتحدة عزلة دولية متزايدة بسبب دعمها المطلق لإسرائيل، فقد اضطرت إلى
استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن في ثلاث مناسبات لمنع الدعوة إلى وقف فوري
لإطلاق النار،
هذا الإصرار الأمريكي على عدم منع المجازر في غزة،
يلحق ضررًا كبيرًا بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولا شك أن معظم دول العالم
باتت تنظر إلى واشنطن ليس فقط باعتبارها متواطئة في الحرب في غزة، ولكن أيضًا
كمشارك مباشر فيها.
● حتى وقت
قريب كان الموقف الداعم لإسرائيل هو الذي يؤيده معظم الأمريكيين، ولكن شهدت الأشهر
القليلة الماضية تطورًا كبيرًا في المزاج الأمريكي، لا سيما بين الديمقراطيين، حيث
تزايدت أعداد الذين ينتقدون بايدن لعدم رغبته في ممارسة المزيد من الضغط على
إسرائيل لوقف هجومها المستمر على غزة، وبات من السذاجة بمكان أن ينظر الأمريكيون ـ
قبل غيرهم من شعوب العالم ـ إلى بلدهم باعتبارها نصيرًا متحضرًا للمعايير الدولية
وحقوق الإنسان والحريات العامة والقوانين الإنسانية، خاصةً مع دفاع إدارة بايدن
الثابت عن إسرائيل دون أي قيود أو شروط.
● تواجه
الولايات المتحدة ضغوطًا سياسية وعسكرية متزايدة في جميع أنحاء المنطقة، حيث تعرضت
القوات العسكرية الأمريكية في بعض قواعدها بالمنطقة لمجموعة متنوعة من الهجمات
انتقامًا من تصرفات إسرائيل في غزة، ناهيك عن التصعيد الحادث في ممرات الملاحة
بالبحر الأحمر جراء الهجمات الحوثية على السفن المتجهة إلى إسرائيل والاضطرابات
المكلفة للتجارة الدولية، ولا شك أن تكاليف التصعيد الإقليمي المستمر الناتج عن
الصراع سوف تستمر الولايات المتحدة في تحمل جانب كبير منها.
● معظم
المناقشات حول الحرب في غزة تفترض أن إسرائيل ستنتصر في النهاية، فالإعلام العبري
والغربي لا يتصور أي نتيجة غير النصر والأسئلة الوحيدة التي يطرحها هي في أي إطار
زمني وبأي تكلفة، لكن الملاحظ حتى الآن أنه بالرغم من التفوق الذي تتمتع به إسرائيل
مقارنةً بحركة حماس، فإن المقاومة الفلسطينية لا تزال صامدة وتُكبد الإسرائيليين
خسائر في الميدان، ومن المتوقع ألا يكون هناك انتصارًا كاملًا كما يظن الصهاينة، بل
ربما تنتهي بهزيمة كارثية بالنسبة لإسرائيل، وهو ما سيضرّ بشدة بالولايات المتحدة
وسمعتها بعد كل ما قدمته من دعم وأسلحة.
●
حتى لو تمكنت إسرائيل من إضعاف حماس بشكل كبير، فإن الحركة سوف تحتفظ بوجودها داخل
غزة، ومن الأهمية بمكان أن تستقطب الدعم الخارجي لها، وبالتالي فإن حماس من الممكن
أن تخرج من هذه الحرب بدعم متزايد من الفلسطينيين وبمكانة إقليمية أعظم، لكن
الأسوأ بالنسبة لواشنطن هو احتفاظ إيران بموطئ قدم في تلك البقعة الجغرافية الحرجة.
|
المسار الحالي لإدارة بايدن يعرض الولايات المتحدة لخطر فقدان قدراتها
الدبلوماسية، فضلا عن تأجيج العداوات العميقة ضدها مما قد يعرض علاقات
واشنطن الاقتصادية للخطر بينما يمنح منافسيها مكاسب تجارية واستراتيجية
جديدة، وهذا كله من شانه التأثير سلبًا على موقف بايدن في الانتخابات
الرئاسية المقبلة |
بين الدعـم والتصويت
على عكس رئيسه السابق
الرئيس باراك أوباما، الذي تشاجر علنًا مع نتنياهو بشأن التوسع الاستيطاني
الإسرائيلي وتداعياته على جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة، كان جو بايدن
منذ فترة طويلة ثابتًا في دعمه لإسرائيل وحكومتها، حتى أنه ذهب إلى حد اكتساب سمعة
أنه فعل أكثر من أي مسؤول آخر في الإدارات الأمريكية لحماية إسرائيل من الضغوط
الدبلوماسية، ولا يزال يواصل إلى حد كبير اتباع هذا النهج انطلاقًا من تمتعه
بعلاقات عميقة مع اليهود الأمريكيين وبعض جماعات الضغط الأكثر تأييدًا لإسرائيل.
من المهم أن ندرك أن بعض
أقوى المدافعين عن إسرائيل في الولايات المتحدة ليسوا يهودًا، وخاصة على الجانب
الجمهوري، إذ غالبًا ما تحظى إسرائيل بدعم مطلق من المسيحيين الجمهوريين المتشددين
الذين يؤمنون بادعاءات الحق الإسرائيلي في كل أرض فلسطين، وبالرغم من أن اليهود
الأمريكيين يميلون تقليديًا إلى التصويت للديمقراطيين بمعدل أعلى مما قد يوحي به
وضعهم الاقتصادي، لكن هناك علاقات جمهورية كبيرة مع كل من اليهود اليمينيين واللوبي
الإسرائيلي هناك، ولم يخف نتنياهو تفضيله لدونالد ترامب، الذي اعترف بالقدس عاصمة
لإسرائيل وتوسط في عمليات التطبيع مع بعض دول الخليج العربي.
تغيّر المعادلة
لقد مضت أكثر من
ستة أشهر على الحرب الإسرائيلية
على غزة، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بموعد انتهائها، رغم أنه سيكون من التفاؤل إلى حد
السخافة افتراض أي تسوية سياسية واقعية ترعاها الولايات المتحدة ـ وتحديدًا إدارة
بايدن الحالية ـ في المستقبل القريب، صحيح أن صبر بايدن تجاه رئيس الوزراء الصهيوني
بنيامين نتنياهو بدأ ينفد، وقد سبق وأن حذّرَ بايدن إسرائيل مرارًا من أنها تخاطر
بخسارة الدعم الدولي بسبب الطريقة التي تدير بها حربها في غزة، لكن استطلاعات الرأي
بين المسؤولين الأمريكيين لا تزال تؤكد دعمهم لموقف الولايات المتحدة الحالي بشأن
الصراع في غزة، معتقدين أنه لن يعرض أمن البلاد في المستقبل للخطر، رغم أن هذا
الإصرار يُظهر بوضوح مدى الافتقار إلى القدرة على التعلم من أخطاء الماضي في العراق
وأفغانستان وأماكن أخرى من العالم،
فالمسار الحالي لإدارة بايدن يعرض الولايات المتحدة لخطر فقدان قدراتها
الدبلوماسية، فضلا عن تأجيج العداوات العميقة ضدها مما قد يعرض علاقات واشنطن
الاقتصادية للخطر بينما يمنح منافسيها مكاسب تجارية واستراتيجية جديدة، وهذا كله من
شانه التأثير سلبًا على موقف بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ثمة مشكلة أخرى كبيرة
بالنسبة لبايدن؛ وهي أن خصمه الأبرز دونالد ترامب، الذي تمكن من الجمع بين فئات
متهمة بمعاداة السامية ودعمه الثابت لإسرائيل، ليس لديه الكثير ليخسره من خلال
المأساة التي تتكشف يومًا بعد آخر في غزة، لن يهتم سوى عدد قليل من مؤيديه بقربه من
نتنياهو، لكنه قد يزداد دعمه بين الناخبين اليهود الديمقراطيين السابقين الذين
يحبون دعمه لإسرائيل، ومن بين الولايات الست التي يُنظر إليها بشكل عام على أنها من
المرجح أن تغير نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، هناك ولايتان فقط؛ هما أريزونا
وبنسلفانيا، لديهما عدد كافٍ من الناخبين اليهود لتحديد مسار النتيجة، لدرجة أن أي
انخفاض طفيف في دعمهم للحزب الديمقراطي قد يكلّف بايدن أصوات هاتين الولايتين.
خصمان سيئان
ثمة سؤال جوهري يطرح نفسه؛
هل كان ترامب سيفعل أي شيء بشكل مختلف إذا كان رئيسًا مكان بايدن في ظل الحرب
الدائرة الآن؟، الجواب يكاد يكون من المؤكد: نعم!، فإذا كان بايدن لم يمارس سوى
ضغوط ضعيفة وغير متسقة على إسرائيل؛ فإن ترامب لم يكن ليمارس عليها أي ضغط، فكل ما
نعرفه عن الرئيس السابق، بدءًا من سجله السياسي المنحاز إسرائيل إلى تصريحات كبار
مستشاريه بشأن الحرب، يشير إلى أنه لن يكون لديه أي مخاوف بشأن الانحياز الكامل
لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، وفي حين تحدثت بعض التقارير عن ضغوط لطيفة من
بايدن نحو إسرائيل وراء الكواليس بشأن قضايا مثل إدخال المساعدات الغذائية وحماية
حياة المدنيين، وهي لم تثمر بشكل ملحوظ عن شيءٍ يُذكر، فمن الصعب أن نتخيل أن ترامب
كان سيحرك ساكنًا للدفاع عن المدنيين في غزة، هؤلاء الذين يريد هو نفسه منعهم من
دخول الولايات المتحدة.
يتفهم اليمين الإسرائيلي
كل ذلك ويتوق إلى ترامب كرئيس أكثر من بايدن، وقد أوضح وزير الأمن الإسرائيلي
إيتمار بن غفير وجهة النظر تلك بشكل واضح، حين قال في مقابلة صحفية: "بدلًا من أن
يقدم لنا دعمه الكامل؛ فإن بايدن مشغول بتقديم المساعدات الإنسانية والوقود إلى
غزة، حيث يذهب ذلك في النهاية إلى حماس، لو كان ترامب في السلطة لكان سلوك الولايات
المتحدة مختلفًا تماما"، وهو ما يؤكد أن ترامب سيكون أسوأ بعدة مرات من بايدن،
وسيكون أكثر استيعابًا للعناصر المتطرفة في حكومة نتنياهو، وليس المقصود من هذا
التحليل أن يكون دفاعًا عن بايدن، فلا ينبغي الحكم على الرئيس الحالي بمعايير سلفه،
لا سيما وأن له سجله الخاص من الدعم والتأييد لإسرائيل.
مع اقتراب تنصيب أحد هذين
الرجلين في يناير المقبل؛ ليس من المتوقع أن يتخذ أي رئيس قادم قرارًا مغايرًا بشأن
الحرب على غزة، خاصةً في ضوء الإجماع المؤيد لإسرائيل بين الحزبين الجمهوري
والديمقراطي في السياسة الأمريكية، وسيكون للقضايا الداخلية مثل الاقتصاد والصحة
والهجرة ستكون أكثر أهمية بالنسبة للناخب الأمريكي، لكن التاريخ الأمريكي يخبرنا أن
ليندون جونسون قد اضُطر إلى عدم الترشح لإعادة انتخابه بسبب معارضة سياساته في
فيتنام، فيما تبددت فرص جيمي كارتر في إعادة انتخابه عندما فشلت محاولة إنقاذ
الرهائن الأمريكيين في إيران، فهل سيكون للحرب في غزة التأثير نفسه على الرئيس جو
بايدن؟