• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء كارثة درنة!

أسئلة كثيرة حول الفاجعة التي حدثت في درنة، ما الذي حدث قبلها وأدى إلى زيادة أعداد القتلى والمفقودين وما التطورات بعد الفاجعة التي تشير إلى استغلال الأمر عسكريا من قبل بعض القوى الإقليمية، وما هي تداعيات تلك الحادثة على ملف الوحدة الليبية؟


"وبينما تدفن مدينة درنة موتاها، يتحول الظلم إلى غضب بين الأحياء ويتصاعد السؤال: لماذا تُركت المدينة عرضة لكارثة توقّعها البعض؟"

بتلك العبارات سلط ماثيو كامبل، في تقرير بصحيفة ذا تايمز البريطانية الضوء على كارثة درنة.

في يوم الأحد العاشر من هذا الشهر، شهدت مدينة درنة الليبية إعصارًا لم تشهده ليبيا طوال تاريخها، واجتاحت سيول وفيضانات جلبتها العاصفة العاتية التي هبت من البحر المتوسط، وأدت لانهيار سدود وجرفت في طريقها بنايات ومنازل، ومُحيت أجزاء كبيرة من المدينة.

 

 أعلن الحكم المصري عن توجيه مساعدات عاجلة إلى المدينة التي تقع قريبة من الحدود المصرية، ولكن ما شاهدناه وما نشره النظام المصري هو طابور وقوافل ضخمة من المدرعات والدبابات المصرية المقاتلة تعبر الحدود وهي ترفع الأعلام المصرية، بينما يستقبل حفتر رئيس أركان الجيش المصري

وتظهر صورة فضائية البحر كما لو كان قد ابتلع جزءًا كبيرًا من درنة بعد الكارثة، بينما توضح صورة أخرى مجرى السيل وقد جرف منطقة بما عليها، فقد جرفت المياه التي تراوح ارتفاعها بين 6 و7 أمتار غالبية مباني المدينة وألقت بها في البحر، بعدما أتت على حي الجبيلة بالكامل، وألحقت أضرارًا بالغة بحي المغار جنوبًا، وفي الأحياء المرتفعة وهي شيحا الشرقية، وشيحا الغربية، والساحل الشرقي، وباب طبرق، غيرت العاصفة وجه المدينة بعدما دمرت ما يصل إلى 10 كيلومترات مربعة.

هذه هي الصورة التقريبية لما حدث ولا نستطيع أن نجزم بتلك الآثار وهذا يستدعي التساؤل:

ما هي أعداد الضحايا هل هم خمسة آلاف شخص كما قدرتها مصادر إعلامية قريبة من حكومة شرق ليبيا والتي يهيمن عليها اللواء الأسبق خليفة حفتر؟ أم عشرة آلاف قتيل كما تقول وسائل اعلام تابعة لحكومة غرب ليبيا؟ أم هي كما أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الذي يقدر الضحايا بـ 11 ألفا و470 قتيلا، و10 آلاف و100 مفقود، إلى جانب 40 ألف نازح شمال شرقي البلاد؟

لماذا هذا التضارب الضخم في تقدير القتلى؟

ما المساحات التي تم محوها بفعل الإعصار وانهيار السد، هل هي ربع درنة أم نصفها أو أكثر أو أقل؟

وفي ظل عدم وجود أرقام جازمة يبقى السؤال، لماذا تم منع الصحفيين ووكالات الأنباء من تغطية ما يحدث؟

مع العلم بأن الأعاصير تحدث في كثير من مناطق العالم، بل في بعض المدن تحدث سنويا، ولا يكاد يسقط ضحايا في مثل تلك الحوادث، فلماذا هذه الخسائر المرعبة التي حدثت في درنة وما حولها من القرى؟

وهناك أشياء أخرى غير مفهومة صاحبت إعصار درنة، فقد أعلن الحكم المصري عن توجيه مساعدات عاجلة إلى المدينة التي تقع قريبة من الحدود المصرية، ولكن ما شاهدناه وما نشره النظام المصري هو طابور وقوافل ضخمة من المدرعات والدبابات المصرية المقاتلة تعبر الحدود وهي ترفع الأعلام المصرية، بينما يستقبل حفتر رئيس أركان الجيش المصري، فما الذي يجري؟

هل صحيح ما ذكره نشطاء ليبيون من أن إعصار درنة ذريعة لتدخل مصري عسكري جديد يجري شرعنته وتبريره بمواجهة آثار الإعصار؟

حقيقة الكارثة

نظرًا لموقع المدينة، فإن درنة لها تاريخ مع السيول والأعاصير.

يتذكر المؤرخ الليبي المؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي في حديثه لوكالة الأناضول التركية، أنه في عام 1941، حدث فيضان كبير في وادي درنة وضرب المدينة وجرف من قوته دبابات وآليات حربية ألمانية إلى البحر، وكان ذلك وفق الدرناوي أثناء الحرب العالمية الثانية، لذلك لم يتحدث أحد عن الأضرار البشرية التي وقعت آنذاك.

ويسجل المؤرخ الليبي فيضانات أخرى بسبب وادي درنة أعوام 1959، 1968 ،1969 لكنها لم تسجل أضرارًا كبيرة وقتها على حد قوله.

بينما يرجع الجغرافيون سبب الكارثة، أن ​​​​​​​درنة مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شرق ليبيا يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر، ويشطرها لنصفين مجرى الوادي الذي يعد من أهم معالمها، ويتجاوز طوله 60 كيلومترا تقريبًا، وتصل مساحة حوضه إلى 570 كيلومترا مربعا تقريبا، والذي يُعد المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من كافة وديان الجبل الأخضر الليبي بشرق البلاد.

 

يلاحظ تقرير صحيفة ذا تايمز البريطانية التناقض بين ما تصفه قوات حفتر ما حدث بأنه كارثة طبيعية، وبين اتهام أهالي المنطقة لحكومة حفتر بالمسئولية عن ما حدث، فقد تم تخصيص ميزانيات كبيرة لصيانة وإصلاح السدود، ولكن لم يتم فعل أي شيء.

هذا الوادي الذي امتلأ بكمية كبيرة من مياه الأمطار التي سببها إعصار دانيال يقدرها الخبراء بحوالي 115 مليون متر مكعب من المياه، تعادل سعة 115 مليون خزان مياه منزلي، يضاف إليها قوة التدفق الهائلة والطمي والحجارة التي صحبتها الأمطار الأمر الذي زاد من قدرتها التدميرية، وارتفع مستواها بشكل غير مسبوق لتشكل طوفانا وضغطا هائلا على أهم سدين يحجزان المياه في الوادي مما تسبب في انهيارهما، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا والخسائر المادية، وتبلغ سعة سد منصور الواقع على بعد 13 كيلومترا من المدينة نحو 23 مليون متر مكعب، بينما تبلغ سعة تخزين سد درنة الواقع على بعد كيلومتر واحد نحو 1.5 ميون متر مكعب، وشُيّد السدان في عام 1986 لحماية المدينة.

وقد حذّرت دراسة في عام 2002 من أن سدَّي درنة يمثلان خطرا محتملا على المدينة، لكنهما بقيا طيلة هذه السنوات دون أي صيانة.

دور حفتر في تفاقم الكارثة

السؤال المطروح الآن، هل لحفتر الذي يدير ويتحكم في شرق ليبيا دور في تزايد خسائر هذا الإعصار لدرجة الكارثة؟

يلاحظ تقرير صحيفة ذا تايمز البريطانية التناقض بين ما تصفه قوات حفتر ما حدث بأنه كارثة طبيعية، وبين اتهام أهالي المنطقة لحكومة حفتر بالمسئولية عن ما حدث، فقد تم تخصيص ميزانيات كبيرة لصيانة وإصلاح السدود، ولكن لم يتم فعل أي شيء.

وأكد ما تقوله الصحيف ما نشره ديوان المحاسبة الليبي بعد الكارثة، الذي ذكر أن وزارة الموارد المائية تقاعست منذ فترة كبيرة في متابعة خطابات الضمان، بشأن صرف مبلغ بقيمة 2 وربع مليون يورو لصيانة سدي درنة في عام 2020 لصالح شركة برسيل التركية، نظرًا لموقف حفتر من تركيا وقتها.

وأكد التقرير أن الوزارة ومن معها تقاعسوا وأهملوا عقودا وقعتها الحكومة ومنها عقد لصيانة وتأهيل سدي درنة وأبو منصور بتاريخ ديسمبر 2020، وأن هناك مشروعات منذ 2012-2013 باسم مشروع إعادة تأهيل سد درنة، حيث صرفت ميزانية له ولم يحدث أي شيء ولم يعرف مصير الأموال، وفق التقرير.

هذه أول كوارث حكومة حفتر، وهي تغاضيها عن صيانة السدود التي تسببت بارتفاع عدد الضحايا والخراب الذي حل بأغلب أحياء درنة، بالرغم من تخصيص الأموال لهذه الصيانة من قبل حكومة طرابلس التي تدير ميزانية ليبيا بشطريها، والتي عندما تتأخر في تسليم الأموال المتعلقة بشرق ليبيا تقوم حكومة حفتر بإغلاق آبار البترول التي تسيطر عليها.

أما الكارثة الثانية وهي الأخطر فهو ما نشرته صحيفة التليجراف البريطانية، من أن عمدة درنة أكرم عبد العزيز والمجلس البلدي للمدينة طلبوا من قوات حفتر المتواجدة في المدينة والمسيطرة عليها منذ 2012، ضرورة السماح بإخلاء وسط المدينة والمنازل القريبة من الوادي والسدود عندما اقتربت العاصفة، لكن هذه القوات رفضت الأمر بل انتشروا لتطبيق قرار حظر التجول مساء يوم الكارثة، وفق الصحيفة.

والمريب بعد نشر تقرير الصحيفة البريطانية، هو اتخاذ حفتر قرارا بإقالة المجلس البلدي للمدينة.

والكارثة الثالثة التي تسببت بها حكومة حفتر فهو تلاعبها بالمساعدات الآتية لدرنة، فقد تحدث لصحيفة التليجراف البريطانية أحد الناشطين وطلب عدم ذكر اسمه لوجود عائلته في درنة، إن قوات حفتر تعمدت تعطيل المساعدات الغذائية وفرق الإنقاذ بعد العاصفة حتى تدخل هي أولا، كما أنها منعت أي مساعدة إلا عن طريق مطار بنينا الذي تسيطر عليه قوات اللواء طارق بن زياد التي يترأسها صدام نجل خليفة حفتر وسط شكوك بسرقة بعض المساعدات، بحسب قوله، وقد اعترفت رئيسة ما يسمى بمفوضة المجتمع المدني في بنغازي وهي أكبر المدن التي يسيطر عليها حفتر ومحسوبة عليه، اعترفت بالتخبط من قبل الإدارة في موضوع الإغاثة وبأن حكومة شرق ليبيا تمنع بعض قوافل المعونات من المرور.

ولكن لماذا فعلت قوات حفتر هذه الكوارث الثلاث؟ هل هو مجرد إهمال منها؟ أم أن الأمر يتعلق بمؤامرة من قبل حفتر تجاه هذه المدينة التي كانت أحد أهم معاقل الثورة الليبية، باستراتيجية تقوم على عملية تفريغ داخلي وتغيير ديموغرافي ممنهج، لإحلال أسر جديدة تنتمي بالولاء لحكومة حفتر؟

هذا الكلام ليس تحليلاً في الفراغ، بل وفق شهادات لأهل درنة سواء من تم تهجيرهم منذ الثورة الليبية أو بعد كارثة الإعصار ونقلتها وسائل إعلام عالمية، فكثير ممن غادروا المدينة هربًا من جحيم قوات حفتر بعد 2014، قاموا ببيع مساكنهم لعوائل من خارج المدينة، وقد أصبحت المدينة تعج بالغرباء.

قوات مصرية في درنة!

ويتبقى السؤال الأصعب، عن أسباب عبور القوات المصرية الحدود وهي ترفع الأعلام المصرية، وتتجه نحو درنة، ونشرت صفحة ليبيا لايف على الفيس فيديو لكتائب ومدرعات وضباط وجنود مصريين يرفعون الأعلام المصرية تحيط بدرنة، وتقول الصفحة أنهم أقاموا ارتكازات وبوابات أمنية حول درنة وفي ضواحيها ويقومون بتفتيش الداخل والخارج من المدينة وخاصة قوافل الإغاثة.

ولكن لماذا تتواجد هذه القوات وتحاصر درنة؟

يبدو أن هناك تخوفات من جانب القوى الإقليمية والدولية من انتهاز قوات الغرب الليبي وداعميهم من الأتراك فرصة الإعصار للدخول إلى هذه المناطق وإعادة توحيد البلاد مرة أخرى، الأمر الذي لا يروق للحلف الإقليمي الداعم لحفتر الذي يريد بقاء الوضع كما هو من الانقسام والتشظي، فتم الاستعانة بالقوات المصرية لإظهار جدية هذا التحالف في منع توحد ليبيا وإعادة اللحمة للشعب الليبي.

أعلى