• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حقيقة أشرف مروان!

لماذا هذا الحرص الصهيوني على الإبراز الدائم للأدلة التي تظهر مروان بأنه كان جاسوسًا صهيونيًا؟ هل هو الحرص على تذكير العرب بأنهم في حالة ضعف ومن السهل اختراقهم؟ أم أن الصهاينة يشعرون هم أنفسهم وغير متيقنين بأن مروان كان يعمل لصالحهم


أشرف مروان ليس مجرد ظاهرة رجل تم الاشتباه في عمالته لأعداء المسلمين، فكم من الخائنين ابتليت بهم تلك الأمة طوال تاريخها على مر الزمان.

وفي التاريخ المعاصر، ومنذ قيام دولة الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨ كان هناك الكثير من الجواسيس والعملاء من أبناء جلدتنا ممن استعان بهم هذا الكيان ليمكنوا له، ويتمكن من إحكام قبضته على فلسطين ويستمر في تمدده التوسعي؛ سواء باحتلال الأرض أو بالهيمنة السياسية عن طريق التسلل إلى دهاليز دوائر الحكم في العالم الإسلامي.

ولكن قضية الجاسوسية التي تم اتهام أشرف مروان بها تنبع خطورتها وتفردها من وجهين:

الأول وهو أن أشرف مروان كان زوج ابنة جمال عبد الناصر، الذي امتدت فترة حكمه منذ الخمسينات حتى نهاية الستينات تقريبًا، ووصل نفوذ مروان إلى أنه كان جزءًا من السلطة السياسية في أوائل السبعينات حيث شغل رسميًا منصب مدير مكتب المعلومات للرئيس السادات. أي أن أشرف مروان لم يكن فردًا عاديًا صعد ليتصل بدوائر السلطة، كما في حالة معظم جواسيس الكيان الصهيوني المتواجدين في المنطقة العربية، بل كان من النخبة السياسية والتي تشترك في صنع القرار في واحدة من أهم الدول العربية والأكثر تأثيرًا في ذلك الوقت.

الأمر الثاني والذي يجعل أمر أشرف مروان مختلفًا، هو الحرص الصهيوني على الكشف من حين لآخر عن أدلة عمالته للكيان، وهو أمر غير اعتيادي لم تمارسه دولة الكيان الصهيوني من قبل مع من يفترض أنهم جواسيسها، فقد تكرر ترداد تلك الأقاويل في الأعوام 2018، 2020، 2021، حتى أنه منذ خمس سنوات ساهم الكيان مع منصة نيتيفليكس في إنتاج فيلم (الملاك) والذي تبنى الرواية الصهيونية في إظهار أشرف مروان كعميل لدولة الاحتلال وضد بلده.

ثم عادت دولة الكيان مجددًا وخلال الأيام الماضية، فنشرت صورة أشرف مروان، خلال لقائه مع ضابط الموساد زُعم أنه جرى عشية الحرب، وذلك أثناء فاعلية إطلاق الموساد كتابًا يحكي القصة قبل وأثناء حرب أكتوبر، وبمناسبة مرور خمسين عامًا على اندلاعها.

وهذا الأمر يستدعي توجيه أسئلة من قبيل

 لماذا هذا الحرص الصهيوني على الإبراز الدائم للأدلة التي تظهر مروان بأنه كان جاسوسًا صهيونيًا؟ هل هو الحرص على تذكير العرب بأنهم في حالة ضعف ومن السهل اختراقهم؟ أم أن الصهاينة يشعرون هم أنفسهم وغير متيقنين بأن مروان كان يعمل لصالحهم وأنه ربما كان يعمل للطرف الآخر؟

والإجابة على هذه الأسئلة من الصعوبة بمكان، لأن حياة هذا الرجل في شطر كبير منها تتعلق بعالم المخابرات والجاسوسية وهو عالم مليء بالأسرار والدسائس والمؤامرات والمعلن منه لا يمثل شيئًا بالنسبة لما خفي منه.

ولكن بتتبع المعلومات القليلة المتوفرة عن هذا الرجل وتاريخه، وبتطبيق منهج تحليلي يراعي عدة عناصر أهمها: علاقات مروان بالأنظمة المختلفة، وعلاقاته بالموساد، وطبيعة النخبة السياسية في ذلك التوقيت يمكن إزالة بعض من الغموض في قصة أشرف مروان، ثم تدقيق المعلومات المنشورة وبمقارنتها ببعضها.

أشرف مروان والبدايات

ولد أشرف أبو الوفا مروان في يناير 1945، كان والده ضابطًا بالقوات المسلحة كان يعمل في جهاز الحرس الرئاسي بعهد عبد الناصر، وانضم أشرف لاحقاً إلى الجيش بعد حصوله على شهادة في الهندسة الكيماوية،

وتزوج من منى جمال عبد الناصر، بعدها عُين برئاسة الجمهورية حتى وصل إلى منصب سكرتير مساعد للمعلومات حتى وفاة عبد الناصر.

ولكي نتعمق أكثر في شخصية أشرف مروان، يحكي الدكتور محمود جامع أحد أقرب مستشاري السادات في حديث تليفزيوني: عينه السادات سكرتيرًا للمعلومات، مشيرًا إلى أن مروان كان ذكيًا جدًا وله شبكة علاقات عامة قوية ومخططًا ومحاورًا ممتازًا، وكان السادات يرسله للملوك والرؤساء والأمراء العرب بدءًا من عام 1971، برسائل شفهية ومكتوبة. وتابع جامع: أخبرني السادات شخصيًا بثقته الشديدة في مروان وأنه في منتهى الأمانة والذكاء، ويبلغ رسائله بدقة علاوة على علاقاته العامة بمجموعة كبيرة من الشخصيات النافذة في دول مختلفة وصداقاته مع القذافي، وبدأ نجمه يعلو وظل مساندًا للسادات حتى في ظل الحرب الإعلامية التي شنت ضد عهد الرئيس عبد الناصر، مما جعل أسرة الأخير تقاطع مروان إلى حد أن حاتم صادق زوج هدى عبد الناصر لم يدعه في حفل زواج إحدى بناته.

 

 يرى جهاز الاستخبارات العسكرية أن هذه التحذيرات من قبل مروان كانت جزءًا من خطة الخداع الاستراتيجية المصرية، وأن الموساد قد تم خداعه من قبل أشرف مروان وأن هذا الخداع قد ألحق ضررًا جسيمًا بدولة الكيان

تبدأ قصة مروان مع الكيان الصهيوني، في عام 1969 عندما كان في الرابعة والعشرين من عمره اتصل بالسفارة الإسرائيلية في لندن وعرض العمل لحساب الموساد، ولم يتحمس ضابط الموساد للشاب لأن طريقة عرضه تبدو مريبة وغير مقنعة وترك مروان بياناته في السفارة وانصرف، ولكن مسئولي الموساد عندما عرفوا أنه ابن ضابط كبير في الجيش المصري وأنه على صلة قرابة بالرئيس عبد الناصر أبدوا اهتمامًا كبيرًا بالشاب وبدأوا بالتعاون معه ليتم اعتباره أهم عملاء إسرائيل في مصر، وكان يقبض بعد كل مقابلة مع ضابط الموساد مائة ألف جنيه إسترليني.

هذا الجزء من الرواية الذي نشره الجانب الصهيوني، ولم ينكره الجانب المصري، ولكن ظهر الخلاف في تفسير ما حدث.

ولكن متى بدأ الصهاينة في الحديث عن هذه القصة؟

صراع المخابرات حول مروان

ظهرت أول إشارة إلى هذا الرجل في كثير من الكتب الإسرائيلية التي تناولت حرب أكتوبر وكلها تشير إلى عميل موجود داخل القيادة المصرية أخبرهم عشية الحرب بموعدها، وأحدها كان كتاب قد صدر عام 1993 للواء في الجيش الإسرائيلي يدعى إيلي زعيرا، الذي طرد من منصبه كرئيس للاستخبارات العسكرية بعد فشل إسرائيل في التنبؤ بالحرب عليها، وقال هذا اللواء إن إسرائيل فوجئت بالحرب لأنها وقعت ضحية عميل مزدوج، غير أنه لم يذكر اسمه في ذلك الكتاب.

في عام 2004 يعود إيلى زعيرا في لقاء تليفزيوني ليقول: من الثابت أن أشرف مروان رافق السادات في زيارته للملك فيصل بالسعودية في أغسطس 73، والتي أخبر السادات الملك فيصل فيها بنيته شن الحرب قريبًا جدًا، فلماذا صمت مروان كل هذا الوقت حوالي شهرين؟ ولماذا لم يبلغ إسرائيل بالخبر سوى قبل اندلاع الحرب بساعات؟ بحيث لا تصبح المعلومة ذات قيمة، ولماذا ضيع يومًا كاملاً وبعدها طلب لقاء رئيس الموساد في لندن، ولم يبلغهم بالخبر بالتليفون أو في نفس البرقية التي طلب فيها تحديد الميعاد إذا كان فعلاً يعمل لمصلحة إسرائيل.

ويرد جاد شيمرون (وهو ضابط سابق في الموساد تحول إلى مؤرخ) على زعيرا في حديث لوكالة رويترز للأنباء يقول فيه: إننا نعلم الآن من شهادات عملاء إسرائيليين أن مروان كان الرجل الذي سرب هذه المعلومات إلى الموساد، وأضاف شيمرون ولقد برر رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تقاعسه بقوله إن مروان كان يشتبه بأنه عميل مزدوج للمصريين.

يعني هذا أن أول ذكر لقضية عمالة أشرف مروان جاءت من الجانب الصهيوني، في إطار تبرير قائد المخابرات العسكرية الصهيونية، بعد أن تم إقالته بعد فشله في التنبؤ ببدء الجيش المصري للحرب.

والملاحظ أن هذا الجدل في الجانب الصهيوني حدث بعد ما يقرب من ثلاثين سنة من الحرب، ولكنه كان بمثابة بداية اندلاع شرارة الشد والجذب بين مخابرات دولة الكيان الصهيوني والمخابرات المصرية، وأن تجري الردود المتبادلة في مسارات مختلفة إحداها اغتيال مروان نفسه.

ففي عام 2007، دعا الرئيس المصري حسني مبارك أشرف مروان للقاهرة لحضور حفل زفزف ابنه جمال، وجرى خلاله أخذ الصور لتظهر العلاقات الحميمية بين مبارك ومروان، في اليوم التالي من ظهور هذه الصور شهد الإعلام الصهيوني معركة بين تسفي زامير زعيم الموساد الأسبق إبان حرب أكتوبر، وبين إيلي زعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) في ذلك التوقيت، حيث تبادل الطرفان الاتهامات في حقيقة أشرف مروان، فبينما يرى جهاز الاستخبارات العسكرية أن هذه التحذيرات من قبل مروان كانت جزءًا من خطة الخداع الاستراتيجية المصرية، وأن الموساد قد تم خداعه من قبل أشرف مروان وأن هذا الخداع قد ألحق ضررًا جسيمًا بدولة الكيان، يؤكد جهاز الموساد على أن مروان كان عميلاً مخلصًا للكيان الصهيوني بدافع المال.

وبعدها بأسابيع تم اغتيال أشرف مروان، بعد أن تم إلقائه من شرفة منزله في منطقة جيمس القريبة من القصر الملكي البريطاني ببكنجهام بالعاصمة البريطانية لندن، وتم إحضار جثمانه للقاهرة وحضر الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك جنازته، وقال في تأبينه: مروان كان وطنيًا مخلصًا، وقام بالعديد من الأعمال الوطنية لم يحن الوقت للكشف عنها.

ولا تأتي مناسبة إلا ويكشف الموساد عن جانب من قصة مروان ليؤكد على رواته بأنه كان عميلاً للكيان، ثم يسرع الجانب المصري ليرد بعكس ذلك، ومنذ أسابيع كشف الموساد عن صورة لقاء بين مروان وضابط الموساد، ليرد الجانب المصري بنشر رسالة بخط مروان مؤرخة بتاريخ قبل الحرب بيومين كان قد بعثها الى السادات، وبين السطور كلام بالحبر السري بخط مروان كشف فيه عن لقائه بالمخابرات الصهيونية ونجاحه في إعطائهم المعلومة المضللة.

هل كشف مروان موعد الحرب للكيان الصهيوني؟

لعل أخطر ما كشف عنه مروان لجهاز الموساد الصهيوني ومحل الجدال والنقاش والاتهامات هو تسريبه لتوقيت حرب أكتوبر.

فالمؤرخ الصهيوني المقيم في لندن أهارون بيرغمان والضابط السابق في الجيش الإسرائيلي يقول في كتاب له، أن مروان في مساء يوم الخامس من أكتوبر أبلغ رئيس الموساد بأن موعد الهجوم المصري السوري سيكون قبل حلول المساء من يوم 6 أكتوبر، وبالتحديد في الساعة السادسة بعد الغروب.

ولكن عند التدقيق في هذا التوقيت نجد أن الحرب قد بدأت في الساعة الثانية ظهرا أي قبل موعد الحرب الذي أعطاه مرون للصهاينة بأربع ساعات.

ولكن هل الأربع ساعات غيرت مسار الحرب؟

بالرجوع إلى مذكرات سعد الدين الشاذلي قائد الجيش المصري في حرب أكتوبر، ذكر أن القوات المصرية المعدة للعبور وكان يبلغ تعدادها ما يقرب من ستين ألف جندي بمعداتهم وكامل أسلحتهم، قد اكتمل الحشد لها على طول غرب القناة عصر يوم الخامس من أكتوبر، ويقول الشاذلي بالحرف الواحد: حتى لو علم الكيان الصهيوني بنية الحشد بالعبور في ذلك التوقيت فلن يفلح في وقف عبورها.

وهذا يثبت أن إبلاغ مروان الصهاينة بموعد الحرب المتأخر قليلاً، لم يكن له جدوى حقيقية في وقف عملية العبور نفسها والتي تمت بنجاح منقطع النظير، وأن أشرف مروان قد قام بعملية تضليل وتشويش وإرباك للصهاينة، الأمر الذي سبّب لجهاز مخابراتهم عقدة لا يزالون يعانون منها حتى الآن.

أعلى