• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha

كيف صعد يفغيني بريغوجين إلى تلك المكانة القريبة من الرئيس بوتين؟، وكيف سقط منها؟، كيف عاش الرجل الذي ملأ الإعلام بضوضائه، وأشعل الكثير من الحرائق وأشبع الناس قتلا وتجهيرا، وكيف قتل؟


في 23 أغسطس 2023، سقطت طائرة خاصة كانت في طريقها من موسكو إلى سان بطرسبرج، توفى جميع الأشخاص العشرة الذين كانوا على متنها، كان لهذا الحادث أن يمرّ سريعًا من بين حوادث عديدة تحدث يوميًا حول العالم لولا أن أحد ركابها كان يُدعى يفغيني بريغوجين، إنه زعيم مجموعة فاغنر، قوة المرتزقة الأكثر شهرة في العالم، هو بطل في عيون بعض الروس والوجه الأبرز للتدخلات العسكرية الروسية في مختلف أنحاء العالم، وفي عيون آخرين هو قاتل مأجور ورجل عصابات محظوظ تستخدمه الدولة لتنفيذ عملياتها القذرة دون مسائلة، وبين هذا وذاك هو أحد قلائل صرخوا يومًا في وجه المؤسسة العسكرية الرسمية، وربما هو الوحيد الذي أعلن تمردًا مسلحًا ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فما هي قصة يفغيني بريغوجين؟

نشأة إجرامية وصعود سريع

وُلِدَ يفغيني فيكتوروفيتش بريغوجين في عام 1961، التحق بمدرسة رياضية داخلية في لينينغراد، كانت معروفة في الاتحاد السوفيتي بتنشئة الرياضيين الأولمبيين، وكان بريغوجين متزلجًا محترفًا ولكنه تعرض لإصابة أبعدته عن ممارسة الرياضة، في عام 1979 ترك بصمته الأولى في سجل الإجرام عندما كان يبلغ من العمر 18 عامًا، حيث حُكِمَ عليه بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ بتهمة السرقة والسطو المسلح، وسرعان ما تحولت جرائمه البسيطة إلى جرائم أكثر وحشية عندما حاول قتل امرأة كان يريد سرقتها وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة 13 عامًا، كان قد بلغ للتو العشرين من عمره، اكتسب بريغوجين خلال الفترة التي قضاها خلف القضبان مهارات مناسبة للازدهار في روسيا الجديدة التي كانت تظهر خارج أسوار السجن، وعندما تم إطلاق سراحه في عام 1990 بدأ ببيع الوجبات السريعة في لينينغراد (سان بطرسبرغ الآن)، ثم افتتح مطعمه الأول الذي سرعان ما تحول إلى سلسلة متعددة الفروع، تشير التقارير إلى أن العمل الجاد لم يكن وحده هو السبب الأول وراء قصة النجاح تلك، بل ثمة خلطة تضم العمل الجاد والجريمة المنظمة والرشاوي والتعاون مع السلطات والعصابات، يشير أحد المقربين من بريغوجين إلى أن العديد من المسؤولين الصغار كانوا يتناولون العشاء مجانًا في مطاعمه، أحدهم كان نائب رئيس البلدية المسؤول عن الكازينوهات، ويُدعى فلاديمير بوتين.

 

استغل بريغوجين عداءه مع الجنرالات ليصور نفسه كشخصية سياسية شعبوية، يقاتل من أجل "جنود روس ضعفاء وغير مؤهلين يرأسهم قادة من الأوغاد والمتآمرين"

أدى صعود بوتين إلى السلطة إلى دفع بريغوجين في مسارٍ موازٍ نحو الأعلى أيضًا، وبعد أن أصبح بوتين رئيسًا في عام 2000، أصبح بريغوجين هو مُورد الطعام المفضل في المناسبات الرسمية الكبرى بالكرملين، مما أكسبه لقب "طبّاخ بوتين"، وقد أتاح له هذا الدور التقرب أكثر من الرئيس الروسي وكبار المسؤولين، ناهيك عن العديد من زعماء العالم، مهارة بريغوجين في تنظيم الحفلات الكبرى بالكرملين جعلته لا يقدر بثمن بالنسبة للرئاسة التي اعتمدت عليه بثقة كبيرة، لا سيما وأن هناك تقليدًا طويلا من التسمم السياسي في روسيا، فدور الطاهي الرسمي أكثر أهمية في الكرملين من أي مكان آخر بالعالم، وكان بوتين يعرف ذلك أفضل من أي شخص آخر، إذ كان جده هو الطاهي الشخصي لستالين، في ظل هذه الثقة حصل بريغوجين على عقود لتزويد المدارس والسجون والجيش الروسي بأكمله بالطعام، وهو ما أكسبه ثروة ضخمة، وسرعان ما تحول بريغوجين من طاهٍ إلى ما يشبه القائد العسكري، ليقود شركة خاصة تقوم على تجنيد المرتزقة ونشرهم في جميع أنحاء العالم من شبه جزيرة القرم إلى سوريا، ومن ليبيا إلى الكونغو، وتوسع دور المجموعة التي حملت اسم "فاغنر" ليصبح عناصرها كجنود أشباح، يداهمون الأراضي وينفذون اغتيالات ومهام تخريبية ويحتجزون الرهائن ويفرضون الأمن بدلًا من السلطات المحلية.

طموحـات مبهمـة

رغم كل السمعة السيئة التي يتمتع بها بريغوجين وفساده وقلة كفاءته العسكرية وانعدام خبرته السياسية، إلا أن دوره داخل هياكل السلطة في الكرملين ظل دون وضوح، ظل بريغوجين بعيدًا عن الأنظار ولم يعترف أبدًا بوجود فاغنر أو ارتباطه بها لسنوات، وله تاريخ طويل في مقاضاة وسائل الإعلام الروسية والغربية التي زعمت أن له علاقات مع المجموعة، لكنه ادعى في وقت لاحق أن موقفه هذا كان لحماية جنود فاغنر، وقال في إحدى المقابلات: "لقد قمت بتنظيف الأسلحة القديمة بنفسي، وفرزت السترات الواقية من الرصاص بنفسي، ووجدت متخصصين يمكنهم مساعدتي في هذا الأمر، ومنذ تلك اللحظة، في 1 مايو 2014، وُلِدَت مجموعة من الوطنيين، سُمِّيَت فيما بعد كتيبة فاغنر، حينها أصبح بريغوجين أداة رئيسية في طموح بوتين لاستعادة النفوذ الروسي على مستوى العالم، كانت فاغنر شركة عسكرية خاصة في بلد يفترض أن مثل هذه المنظمات غير قانونية، لكنها كانت بالفعل موجودة رسميًا، وقد تمكّن بريغوجين من إدارتها حيث بلغ قوامها عشرات الآلاف من المقاتلين باستخدام المال إلى حد كبير، وكان المحاربون القدامى وأقاربهم يتلقون الرواتب، فضلاً عن تعويضات الوفاة والإصابة من خلال شبكة معقدة من الوسطاء المجهولين المنتشرين في جميع أنحاء البلاد، وبالرغم من ذلك يعتقد معظم الخبراء أن قوة فاغنر الحقيقية أقل بكثير مما زعمه بريغوجين مرارًا.

الغموض الذي يحيط بموقع فاغنر في سلسلة القيادة وفّر لموسكو إمكانية إنكار جرائم الحرب التي ترتكبها المجموعة في أي مكان، ورغم المديح الذي يكيله الإعلام الروسي لبريغوجين وما يثيره البعض حول دوره في هرم السلطة، كان بريغوجين يلتزم الصمت بشأن طموحاته المستقبلية، وعلى نحو متزايد كان هناك ما يشير إلى أنه سوف يصبح لاعبًا مهمًا في مستقبل بلاده، خاصةً إذا نجا من جروح وسموم أعدائه في النخبة الروسية. ثمة تكهنات كثيرة حول طموحات بريغوجين السياسية، لا سيما وأنه نجح في إثبات نفسه كبطل في الصراع الذي تخوضه الأمة الروسية، يُقال إنه كان سيرشح نفسه لمنصب رئيس أوكرانيا بعدما تستولي عليها موسكو، وقال مقربون منه إنه لم يكن يريد الوظيفة العليا في وطنه، فرئيس روسيا مسؤول عن كل شيء من أخطاء وإخفاقات، هو يريد منصب مريح دون أن يكون عليه أن يتعامل مع أي مشكلات أو أعداء، ومع تزايد تواتر انتقاداته لكبار القادة العسكريين في روسيا، بدأ في الظهور كشخصية عامة، وأصر على أن قواته يمكنها القيام بمهمة غزو أوكرانيا بشكل أفضل بكثير من القوات النظامية الروسية، لكن يبدو أن تكراره لهذه التصريحات قد أغضبت خصومه في السلطة.

من بطل إلى متمرد

رغم أن بريغوجين كان مجرد دمية من دمى الكرملين، إلا أنه كان يتمتع بقدر كبير من الحرية للتصرف وربما اتخاذ القرار، في فبراير 2018 أرسل رجاله للاستيلاء على آبار النفط في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا، لم يدرك بريغوجين أن القوات الخاصة الأمريكية كانت متواجدة في المنطقة، وهو فشل استخباراتي كبير وضعف تنسيق من بريغوجين الذي كان يتمادى في غروره بالسلطة، عندما رأى الأمريكيون أن المرتزقة يتحركون صوبهم، جرت الاتصالات الطارئة بوزارة الدفاع الروسية للتأكد من أنهم ليسوا على وشك بدء حرب عالمية إذا صدوا الهجوم، أكد الروس للأمريكيين أنه ليس لديهم أحد في المنطقة، فقصف الأمريكيون جنود فاغنر، وبحسب تقديرات فقد قُتِلَ أكثر من 100 عنصر من مرتزقة فاغنر، تضاربت الروايات حول كيفية السماح بحدوث تلك الكارثة، قال بريغوجين إنه حصل على الإذن مسبقًا للقيام بالمهمة، لكن الجنرالات الروس قرروا التنصل منه وربما أرادوا تقليص حجمه، تسببت الحادثة في شرخ كبير بين فاغنر ووزارة الدفاع الروسية، زاد اتساعه لاحقًا عندما غزت روسيا أوكرانيا، كان بريغوجين غاضبًا ممن وصفهم بـ "الجنرالات الكسالى الذين يتناولون طعامهم في الأطباق الذهبية"، بينما يُرسل رجاله من مجموعة فاغنر إلى منازلهم في توابيت.

 

من المؤكد أن تمرد بريغوجين القصير قد محى رصيده من الثقة لدى بوتين، ناهيك عن الدعم اللوجستي ومساحة الحرية التي كان يحظى بها متفوقًا على الصلاحيات المتاحة لبعض القادة الكبار

كانت أوكرانيا المدعومة من الغرب تقاوم بشراسة أكثر مما كان متوقعًا، وكان بريغوجين دائم الظهور بزي المعركة الكامل بالقرب من خطوط المواجهة، شكّل مجموعات على الإنترنت لاصطياد وتجنيد المرتزقة وبالتوازي كان يجنّد السجناء الروس مقابل حريتهم إذا ما انتهت الحرب، ووفقًا لتقارير فإنه كان هناك في وقت ما نحو 50 ألفًا من أفراد فاغنر في أوكرانيا؛ 4 من كل 5 منهم كانوا سجناء ستبقين داخل السجون الروسية، كان بريغوجين دائم التمجيد لفاغنر ويحاول نسب كل انتصار ولو صغير لمرتزقته، كانت معركة باخموت في أوكرانيا هي القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ بدا جنرالات روسيا غير مستعدين لمساعدته، لا سيما وأن سيرغي شويغو، وزير الدفاع، وفاليري جيراسيموف، رئيس الأركان العامة، كانا ينظران إلى عناصر فاغنر على أنهم وقود للمدافع تتمثل مهمتهم في تطهير حقول الألغام من خلال السير عبرها وتحديد مواقع العدو عن طريق إطلاق النار، لكن بريغوجين أراد أن تمهد المدفعية الثقيلة الطريق أمام رجاله، كما يحدث للوحدات النظامية، حدث الخلاف عندما رفضت وزارة الدفاع الروسية الامر بحجة أنها غير مستعدة لاستخدام مخزونها المحدود من القذائف لتسهيل الأمور على المرتزقة.

استغل بريغوجين عداءه مع الجنرالات ليصور نفسه كشخصية سياسية شعبوية، يقاتل من أجل "جنود روس ضعفاء وغير مؤهلين يرأسهم قادة من الأوغاد والمتآمرين"، وقد قارن ذلك بما يراه انحطاط النخب الروسية والظلم في المجتمع، فبدأت ملامح الخلاف تطفو إلى السطح، أبسطها أن التلفزيون الرسمي الروسي الذي اعتاد على تكريم بريغوجين ورسم هالات البطولة حوله، توقف عن إعطائه أي اهتمام هذا العام، مما يشير إلى أن أعداء بريغوجين في المؤسسة السياسية قد بدأوا في تحجيمه، وفي نهاية مايو زعم بريغوجين أنه استولى على باخموت رغم مقتل 20 ألف شخص من رجاله، وهاجم شويغو، وكذلك وزير الخارجية سيرجي لافروف، وغيرهم من النخبة المحيطة بالكرملين، وقال إنه يشعر بالاشمئزاز من الجشع والفساد وعدم الكفاءة التي يراها في المستويات العليا للجيش والسلطة، وصلت الأوضاع إلى نقطة الانهيار عندما زعم أن القوات الروسية هاجمت رجاله أثناء نومهم في معسكراتهم، وفي اليوم التالي قاد قوة عددها 25 ألف مقاتل من أوكرانيا إلى روسيا وصرح بأنه سيسير بقواته على طول الطريق إلى موسكو لتطهير السلطة، استولى في البداية على مدينة روستوف أون دون، وهي مركز عسكري مهم لدى الروس دون أي مقاومة تقريبًا، لكنه سرعان ما عكس مساره في وقت لاحق من اليوم، بعد أن وافق على اقتراح الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بوقف التمرد والانتقال إلى بيلاروسيا، وفي المقابل ستقوم موسكو بإسقاط تهم الخيانة الموجهة إليه ومنح العفو لجنوده.

ميت يسير على قدمين!

كانت تصريحات بريغوجين المنتقدة للجيش الروسي غير مسبوقة بالنسبة للنظام السياسي الروسي الذي يخضع لرقابة مشددة، حيث لا يستطيع سوى بوتين توجيه مثل هذه الانتقادات، ومن المؤكد أن تمرد بريغوجين القصير قد محى رصيده من الثقة لدى بوتين، ناهيك عن الدعم اللوجستي ومساحة الحرية التي كان يحظى بها متفوقًا على الصلاحيات المتاحة لبعض القادة الكبار، كان لا بد للتمرد أن ينتهي في لحظةٍ ما، إذ لا يمكن لأي ثروة شخصية أن تحافظ على قوة عسكرية كبيرة قادرة على تحدي جيش نظامي لفترة طويلة، خاصة دون الوصول إلى النظام المالي الذي تسيطر عليه الدولة، لقد كتب بريغوجين شهادة وفاته عندما فكر في بدء هذا التمرد، ووصفته بعض وسائل الإعلام بأنه "رجل ميت يسير على قدمين". كان بوتين قد وصف التمرد المسلح بأنه "طعنة في الظهر" وهدد بمعاقبة "الخونة"، تطورت المواجهة اللفظية عندما رد بريغوجين بأن بوتين أخطأ بشدة في وصف مقاتلي فاغنر المتمردين بأنهم "خونة"، أشارت بعض التقارير إلى أن بعض القادة العسكريين والضباط في جهاز الأمن الفيدرالي كانوا غاضبين من بريغوجين ويعتبرونه تهديدًا للنظام الحكام، لا سيما وأن لديه مجموعة عسكرية كبيرة لا تسيطر عليها الدولة، ومن المؤكد أنهم بعد انتهاء الحرب سيريدون مكافآتهم، بما في ذلك المكافآت السياسية.

في السابق، سخر بوتين من الادعاءات القائلة بأن بريغوجين كان متورطًا في مناورات الظل للسياسة الخارجية نيابة عن الكرملين، وقال بوتين في مقابلة مع التلفزيون النمساوي: "إنه مجرد صاحب مطعم في سان بطرسبرج"، لكن بوتين في قرارة نفسه كان يدرك أن بريغوجين بالنسبة له هو مجرد أداة للتدخل في الخارج مع الاحتفاظ بالقدر المعقول من الصلاحيات، لكن يبدو أن بريغوجين قد تجاوز هذه الصلاحيات المحدودة عندما تعالى صوته بانتقادات وقحة على نحو متزايد، وهو ما دفع البعض إلى التساؤل عن سقف طموحاته، لم يمرّ سوى شهرين على التمرد الفاشل إلا وسقطت طائرة بريغوجين بالقرب من قرية كوزنكينو في منطقة تفير الروسية، ليتوفى بريغوجين على الفور وتنتشر موجة من التكهنات حول سبب الحادث، السلطات الروسية قالت إن الطائرة تحطمت بسبب مشاكل فنية، لكن بعض الخبراء شككوا في هذا التفسير وأشاروا إلى أن الطائرة كانت من طراز جديد نسبيًا، وأنه لا يوجد دليل على وجود أي مشاكل ميكانيكية، هناك أيضًا احتمال أن يكون الحادث مجرد حادث عادي، حيث كانت الطائرة تحلق في طقس سيئ ومن المحتمل أن يكون الطيار قد ارتكب خطأ ما، بعض التقارير قالت إن هناك اعتقاد بأن الطائرة قد أسقطت بصاروخ أرض جو أو أكثر، لكن أغلب التكهنات تشير إلى أن الحادث مُدبر، خاصةً وأن بريغوجين شخصية مثيرة للجدل وكان له العديد من الأعداء في مقدمتهم الرئيس الروسي ووزير دفاعه ورئيس أركانه، ومن الممكن أن يكون أحد هؤلاء الخصوم قد أراد رؤيته ميتًا، لكن بشكل عام من المرجح أن تستمر التكهنات المحيطة بالحادث لبعض الوقت.

مستقبـل غامـض

كان بريغوجين واحدًا من أقوى أعضاء بلاط بوتين وأكثرهم إثارة للجدل والحديث عنه، لقد كان صعوده غير عادي بالنسبة لشخص قضى ما يقرب من عقد من الزمن في السجن، ومهما كان سبب حادث وفاته فإنه سيظل حدثًا مهمًا، لقد كان شخصية قوية تربطه علاقات وثيقة بالحكومة الروسية، ومن المرجح أن يكون لوفاته تأثير كبير على مجموعة فاغنر وعلى السياسة الروسية. من الصعب تحديد مصير فاغنر، فالسيناريوهات المستقبلية غير مضمونة بأي حال من الأحوال، المؤكد أن من سيقودها سوف يسيطر على أصول عسكرية كبيرة، ولكن قيمتها ستنخفض إذا لم تتمكن من الاعتماد على دعم الجيش الروسي، كان من بين الركاب القتلى على طائرة بريغوجين؛ ديمتري أوتكين، مؤسس مجموعة فاغنر، وفاليري تشيكالوف، الذي كان مسؤولاً عن إدارة المرتزقة وتأمين الأسلحة، ويفغيني ماكاريان، أحد قادة المجموعة وقد أصيب أثناء القتال ضمن صفوف فاغنر في سوريا، وحتى الآن ليس من الواضح سبب وجود العديد من الأعضاء رفيعي المستوى في فاغنر على متن تلك الطائرة التي كانت متجهة إلى سانت بطرسبرغ، خاصةً وأنهم عادةً ما يكونوا حذرين للغاية بشأن أمنهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا سيحدث لأصول مجموعة فاغنر في روسيا وبيلاروسيا والدول الإفريقية وسوريا؟، سيكون الاندماج في الجيش الروسي أمرًا صعبًا، حيث إن العديد من المقاتلين موالون شخصيًا لبريغوجين، وهناك اختلاف بين طريقة عملهم وبين القوات المسلحة النظامية، هناك خيارات أخرى ممكنة من بينها تعيين زعيم جديد وهذا هو الأقرب للحدوث من أجل الحفاظ على إنجازات موسكو في أفريقيا، خاصةً امتيازات التعدين والدعاية الفعالة المناهضة للغرب، بالنسبة للروس من المهم جدًا أن يستمر عمل فاغنر في مالي وإفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وغيرها، كما أن إفريقيا تمثل عنصرًا أساسيًا في استراتيجية بوتين في أوكرانيا لإثبات أنه ليس معزولًا، وللتحايل على العقوبات الاقتصادية الغربية، وإعادة بناء قواعده عبر القارات، في المقابل قد لا يكون لوفاة بريغوجين تأثير كبير على حرب أوكرانيا، حيث انسحبت قوات فاغنر من الصفوف الأمامية بعد أن خاضت أعنف المعارك على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية.

عندما سُئل بريغوجين مؤخرًا عن مقارنة وسائل الإعلام بينه وبين غريغوري راسبوتين، المعالج الروحي الذي اكتسب نفوذًا على آخر قياصرة روسيا من خلال ادعائه أن لديه القدرة على علاج ابنه من مرض الهيموفيليا، قال بريغوجين: "أنا لا أوقف الدم، لكنني أريق دماء العالم من أجل وطننا الأم". مهما كانت نتيجة التحقيقات في وفاة بريغوجين، فإن موته سيظل درسًا لأي متمردين محتملين قد يدفعهم غرور القوة والمال إلى تحدي الدولة، أو بالأخص رئيسها، ثمة رسالة أخيرة أرادها بوتين أن تصل للجميع: محاولة تحدي القيصر لعبة حمقاء، ومن يفعلها سيلقى مصيره.

 

أعلى