• - الموافق2024/11/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لعبة المصالح بين تركيا وروسيا

هل شهدت العلاقات التركية الروسية تدهورا وتراجعًا في الآونة الأخيرة؟ هل سيتوقف التدهور في العلاقات بين البلدين؟ أم ستنتقل تلك العلاقات إلى مستوى أكبر من التدهور والأزمة؟ أم تعود المياه إلى مجاريها مرة أخرى من حالة الوفاق بين الروس والأتراك، ما الدوافع المح


في السنتين الماضيتين ومن قبل غزو أوكرانيا وما بعدها، وصف بعض من خبراء العلاقات الدولية، الوشائج بين روسيا وتركيا بأنه التقاء مصالح غير مسبوق في تاريخ تلك العلاقات، بل إن البعض ذهب بعيدًا بأنه شبه ما يجري بنواة حلف جديد آخذًا في التشكل بين تلك الدولتين.

فقد أدت الحرب الأوكرانية إلى عزلة روسيا عن المجتمع الدولي، وخاصة عن الدول الصناعية الكبرى. وتبقى تركيا واحدة من الشركاء المهمين القلائل الذين يحافظون على علاقات جيدة مع روسيا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان تجمعهما منذ أعوام علاقة جيدة. ومنذ عامين صرح المتحدث باسم الكرملين ديميتري بسيكوف، أن أردوغان وبوتين تربطهما علاقة صداقة، كما أن أردوغان قال نهاية نوفمبر في نفس السنة أنه تجمعه ببوتين علاقة ثقة.

ولكن في الآونة الأخيرة بدا نوع من التوتر في العلاقات كان له عدة ظواهر:

منها قصف القوات الروسية وميليشيات الأسد شمال سوريا، بعد أن بدا قبلها بوتين رافضًا لمطالب الأتراك في الشمال السوري، وهي المناطق الواقعة تحت الحماية التركية، وهذا الذي دفع أردوغان إلى إعلان موافقة تركيا على دخول السويد لحلف الناتو بعد طول امتناع وتحفظ وتصديره لأسباب منها إيواء الحكومة السويدية للتنظيمات الكردية المتطرفة وسماحها بممارسة نشاطهم المعادي لتركيا سواء الإعلامي والتمويلي من الأراضي السويدية.

ومن مظاهر توتر العلاقات، استقبال أردوغان للرئيس الأوكراني فلادمير زيلينسكي في إسطنبول، ولكن أخطر ما في الزيارة هو إعلان أردوغان خلال استقباله لزيلينسكي بأن لأوكرانيا الحق في عضوية حلف الناتو مع إدراك أردوغان العميق أن هذه المسألة كانت السبب الرئيس (وليس الوحيد)، في غزو بوتين لأوكرانيا.

 

وقفت روسيا حجر عثرة في وجه صفقة الطائرات المسيرة التركية من طراز بيرقدار، والتي أبرمتها تركيا مع كازاخستان، والتي لا تزال تدور في الفلك الروسي حيث تعيش جالية كبيرة من الروس، ويتواجد فيها قاعدة نووية ضخمة يديرها الروس

كما أعلن أردوغان تضامنه مع أوكرانيا قائلاً: ان ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 هو انتهاك للقانون الدولي، معربًا عن دعمه لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها واستقلالها على جميع الأصعدة، وقال: أظهرنا تضامننا مع أوكرانيا فعلياً من خلال المساعدة الملموسة التي قدمناها في المجالات السياسية، والاقتصادية والإنسانية والتقنية.

ومما زاد من الغضب الروسي سماح أردوغان بعودة قادة جماعة آزوف الإرهابية الخمسة من تركيا إلى أوكرانيا ومرافقتهم زيلينسكي في أثناء عودته، وجاء رد الفعل الروسي عنيفًا بصدور بيانات غاضبة من الكرملين، انطوت على اتهام أنقرة وكييف بانتهاك بنود الاتفاق، حيث أوضح الناطق باسم الكرملين: أنه وفقًا لبنود الاتفاقيات كان من المفترض أن يبقى قادة مجموعة آزوف المتطرفة في تركيا حتى نهاية الصراع، مؤكدًا أن أنقرة وكييف انتهكتا الاتفاقية، وأن موسكو لم تُبلّغ بشأن نقل المسلحين هؤلاء.

وحاول أردوغان التخفيف من الغضب الروسي ففي خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس الأوكراني، أعلن أردوغان أن الرئيس الروسي بوتين سيزور إسطنبول الشهر المقبل، ولكن ما لبث الكرملين ردًا على تصريح أردوغان وبعد حادثة الإفراج عن فوج آزوف القول: لم تُحدّد أي مواعيد للقاء الزعيمين حتى الآن.

وقبل تلك الزيارة، شهد إقليم كارنو كاراباخ تطورًا جديدًا، فبعد أن كانت أرمينيا وعلى لسان رئيسها على وشك الاعتراف بأحقية أذربيجان في هذا الإقليم، منهيًا حالة العداء التاريخية بينهما، إذا بروسيا تتدخل لدى الأرمن وتطلب منهم عدم تسليم أذربيجان الإقليم، لأنه سيخل بالتوازنات الاستراتيجية في المنطقة كما جاء على لسان المسئولين الأرمن، كما طلبت من البلدين (أذربيجان وأرمنيا) عدم إدخال أي طرف آخر في المفاوضات الثلاثية، والمقصود بالطبع تركيا.

كما وقفت روسيا حجر عثرة في وجه صفقة الطائرات المسيرة التركية من طراز بيرقدار، والتي أبرمتها تركيا مع كازاخستان، والتي لا تزال تدور في الفلك الروسي حيث تعيش جالية كبيرة من الروس، ويتواجد فيها قاعدة نووية ضخمة يديرها الروس.

وقد أعلنها صراحة فيكتور بونداريف، رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الشيوخ بالبرلمان الروسي، حين اشتكى من تحول تركيا إلى دولة غير صديقة بعد سلسلة من القرارات الاستفزازية على حد قوله.

ويتبقى السؤال الأهم في هذا الصدد: هل سيتوقف التدهور في العلاقات بين البلدين؟ أم ستنتقل تلك العلاقات إلى مستوى أكبر من التدهور والأزمة؟ أم تعود المياه إلى مجاريها مرة أخرى من حالة الوفاق؟

لكي نصل إلى إجابة لهذه التساؤلات ينبغي النظر إلى طبيعة تلك العلاقات: هل هي علاقات استراتيجية أم تكتيكية؟ ما طبيعة المصالح بين البلدين؟ هل لطبيعة شخصية رئيسي الدولتين تأثير على تلك العلاقة؟

مرحلية أم استراتيجية ...العلاقات الروسية التركية

بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة مرمرة بإسطنبول بيهلول أوزكان، فإن روسيا بالنسبة لتركيا، هي كندا بالنسبة للولايات المتحدة، وألمانيا بالنسبة لفرنسا، أي الجارة البحرية، وبالتالي بينهما روابط تاريخية، جعلت من موسكو أكبر شريك تجاري لأنقرة.

 

أعلنت تركيا أنها بصدد إعادة بناء مصنع طائرات البيرقدار في أوكرانيا والذي دمرته روسيا في بداية غزوها لأوكرانيا، وهذا ما دفع أولغا سكابييفا، مقدمة البرامج البارزة في قناة "روسيا ون" الحكومية إلى الدعوة بأن ترد روسيا على المستثمرين الأتراك بالصواريخ

وبالصرف النظر عن ما يقوله الأكاديمي التركي، فقد أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية أهمية تركيا لروسيا، فتركيا صارت بمثابة نافذة روسيا على العالم.

كيف ذلك؟

بموجب اتفاقية مونترو الدولية لتنظيم الملاحة وحركة العبور من المضائق التركية وحمايتها (البوسفور والدردنيل) في أوقات الحروب والسلام الموقّعة في عام 1936، تمنح الحقوق الكاملة لتركيا في ممارسة سيادتها على المضائق وإدارتها وإعادة تحصينها، وتعطي حرية المرور عبر مضائق البحر الأسود للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب، وتسمح بمرور السفن الحربية لدول حوض البحر الأسود من دون أي تحديد.

أما السفن الحربية التابعة لدول من خارج حوض البحر الأسود، فقد سمحت الاتفاقية بأن تكون سفناً خفيفةً ومساعِدة بحيث لا يزيد عدد المجموعة المارة عبر مضيق في آن واحد عن تسع سفن، وبحمولة إجمالية لا تتجاوز 15 ألف طن، فيما تمثّل المضائق التركية المخرج الوحيد للسفن الروسية من البحر الأسود المغلق، وتمر عبرها نحو 20 سفينة تجارية روسية يومياً، كما تمثّل السفن التجارية الروسية 40 % من الحمولة المارة في المضيقَين (البوسفور في إسطنبول، والدردنيل في جناق قلعة)، وقد طالبَ الاتحاد السوفياتي (السابق) أكثر من مرة بتعديل معاهدة مونترو بأن تشترك دول البحر الأسود كلها بالإشراف على الملاحة في المضائق، إلا أن الاتفاقية بقيت من دون أي تعديل على حقوق تركيا حتى الساعة، وبالتالي فإن أي توتر في العلاقات بين موسكو وأنقرة، سيكون له تداعيات خطيرة على حركة الملاحة الروسية، وعلى مرور القطع الحربية الروسية من وإلى روسيا عبر المضائق إن لم تكن العلاقة إيجابية مع الجار التركي، ما قد يخنق موسكو تجارياً وعسكرياً في الحالة المعاكسة.

ويتجلى هذا التأثير التركي على روسيا في هذه الوضعية، ما جرى في أبريل الماضي، فرضوخاً للضغوط الأمريكية، أوقفت تركيا عبور البضائع الخاضعة للعقوبات إلى روسيا.

كما أعلنت تركيا أنها بصدد إعادة بناء مصنع طائرات البيرقدار في أوكرانيا والذي دمرته روسيا في بداية غزوها لأوكرانيا، وهذا ما دفع أولغا سكابييفا، مقدمة البرامج البارزة في قناة "روسيا ون" الحكومية إلى الدعوة بأن ترد روسيا على المستثمرين الأتراك بالصواريخ، حتى لا يتمكنوا من بناء مثل هذا المصنع في أوكرانيا.

كما اقترحت سكابييفا تقديم أسلحة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يشنون حربا على الدولة التركية.

ولكن على ما يبدو، فإن هذه الاقتراحات هي في الأصل جزء من لعبة شد الحبل بين بوتين وأردوغان.

فمنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفعت الصادرات التركية  من 2.6 مليار دولار في النصف الأول من عام 2022 إلى 4.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من هذا العام.

وكان أردوغان من بين أوائل زعماء العالم الذين اتصلوا ببوتين خلال تمرد مجموعة فاجنر المرتزقة مؤخرًا بسبب إدارة الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

وسهلت الرابطة الخاصة بين أردوغان وبوتين بيع الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وانتهي الاتفاق منذ أسابيع، فيما تتوسط أنقرة بين روسيا والأمم المتحدة لتمديده وتبادل الأسرى بين الأطراف المتحاربة.

أما النظرة التركية لروسيا فتتراوح بين الاستراتيجي والمرحلي:

بالنسبة للاستراتيجي، فإن العلاقات مع روسيا تتيح لتركيا مجال المناورة مع التحالف الغربي القلق من الدور التركي المتنامي في العالم، فأردوغان يمارس سياسة حافة الهاوية مع كل من أمريكا وروسيا، كما أنه يتمتع بقدرات عالية في مجال المناورات السياسية، وإرسال الرسائل الموحية، فمثلاً في أثناء حضوره واجتماعه مع بايدن بدا أردوغان أكثر مرحًا واحتفاء بالرئيس الأمريكي، في رسالة خفية إلى بوتين، بأن العلاقات المتدهورة بين الرئيسين الأمريكي والتركي قد انتهت.

ولكن في نفس الوقت لم يقدم أردوغان تنازلاً ذا مغزى، فحتى في موضوع انضمام السويد إلى الناتو فإن أردوغان لم يقدمه شيكًا على بياض.

يقول آرون شتاين، كبير مسؤولي المحتوى موقعMetamorphic Media ، بالرغم من شهور من دبلوماسية القنوات الخلفية بقيادة وزارة الخارجية الأمريكي لإقناع أردوغان بالتخلي عن اعتراضاته على انضمام السويد، مقابل تنازل الكونجرس الأمريكي عن اعتراضاته بشأن بيع طائرات F-16 لتركيا، ولكن لم يستغرق الأمر أقل من يوم ليقول أردوغان إن البرلمان التركي ربما لن يكون قادرًا على التصديق على انضمام السويد قبل أن يدخل في عطلة الأسبوع المقبل، رغم أن لديه السلطة لتمديد جلسة البرلمان، وهو ما يبرره شتاين بأن الرئيس التركي يريد ضمانات مؤكدة بأن الكونجرس سيسمح ببيع طائرات مقاتلة من طراز إف 16 قبل التوقيع بشكل كامل على انضمام السويد للناتو.

كل ذلك في سبيل أن أردوغان يفتح لتركيا ثغرات في هيكلية النظام الدولي تتيح لها أن تكون دولة أساسية في تراتبية هذا النظام، أو باللغة الدارجة إمكانها أن تلعب مع الكبار، وتتخلى عن دور الدولة الهامشية والتي كانت تلعبه بعد انهيار الخلافة العثمانية.

ويتبقى السؤال الأهم: لماذا أغلق بوتين مؤقتًا ملفات التفاهم مع أردوغان؟

بوتين ينظر إلى هذه الملفات كجزء من صفقة كبرى مع الغرب تنهي الحرب في أوكرانيا، فلماذا يضعها في حجر أردوغان؟

فاتفاقه مع الغرب سينهي استنزافه في أوكرانيا، ويؤمن له أهدافه الاستراتيجية.

بينما أردوغان أدرك المغزى الروسي، فسارع إلى تعديل علاقاته مع الغرب، وتخفيف حدة التوتر معه في العديد من الملفات، سواء في صفقات السلاح الروسي أو في مسألة انضمام السويد لحلف الناتو.

أردوغان لايزال يمارس استراتيجيته القائمة على استغلال الفرص السانحة له لدى الغرب والشرق، ليخترق الفجوات بينهما حتى يجد لتركيا مكانًا كلاعب عالمي.

أعلى