• - الموافق2024/05/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
رئيس وزراء إيطاليا

التاريخ السياسي لـ"برلسكوني" يمكن تقييمه بشكل متباين ومتنوع، حيث إنه شخصية سياسية متعددة الجوانب، وقد أثارت بعض أفعاله ومواقفه الجدل والانتقادات. فهو محرر الاقتصاد الإيطالي المتهم بالفساد والعلاقات الجنسية. وهو داعم إسرائيل وصديق للدول العربية


توفي قبل أيام قليلة، رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني عن عمرٍ ناهز الـ 86 عامًا، بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي فيما كان يعاني أيضًا من سرطان الدم، بوفاته تُطوى صفحة قطب المال والأعمال الذي كان رئيسًا للحكومة الإيطالية 3 مرات بين عامي 1994 و2011 وعضوًا في مجلس الشيوخ ورئيسًا لحزبه اليميني " فورزا إيطاليا"، كما تُطوى أيضًا صفحة سلسلة فضائحه الجنسية وملفات الفساد التي طاردته وشوهت سمعته على مدى سنوات، فمن هو سيلفيو برلسكوني الذي شغلت أخباره وسائل الإعلام لعقود وظل مثيرًا للجدل حتى بعد أن ترك السلطة؟

من عالم المال إلى السياسة

وُلِدَ سيلفيو برلسكوني في عائلة بسيطة، في 29 سبتمبر عام 1936 في مدينة ميلانو الإيطالية، وعمل بجد منذ صغره لمساعدة عائلته في تحمل النفقات، وبعد الانتهاء من دراسته في المدرسة الثانوية، التحق بكلية الهندسة في جامعة ميلانو، وتخرج منها بتقدير جيد جدًا، بعدها بدأ برلسكوني عمله كمساعد مهندس في شركة بوناكيستيللي، قبل أن يبدأ في بيع أجهزة تلفزيون صغيرة في الأسواق المحلية، وكانت هذه هي بداية مسيرته في عالم الأعمال، حيث أسس شركته الخاصة للإعلانات والتسويق عام 1978، التي تحولت فيما بعد إلى مجموعة "ميديا سيت"، والتي أصبحت لاحقًا مجموعة إعلامية ضخمة تضم العديد من شركات الإعلام والاتصالات، واصل نجاحاته المالية إلى أن أصبح أحد أغنى رجال العالم، حيث قُدّرِت ثروته بنحو 7.6 مليار دولار أمريكي.

 

 تميزت علاقة برلسكوني بدولة الاحتلال الإسرائيلي بالتحالف الوثيق والداعم لإسرائيل والصهيونية، حيث قام برلسكوني بالعديد من الزيارات الرسمية إليها وإلقاء كلمات مؤيدة للدولة اليهودية

بعد نجاحه في عالم الأعمال، بدأ برلسكوني بالتدخل في السياسة، حيث شكل حزب "فورزا إيطاليا" في عام 1994، وفاز بالانتخابات العامة في نفس العام، وتولى منصب رئيس الوزراء الإيطالي، وعلى الرغم من نجاحه في الحكم، إلا أن حكمه انتهى في عام 1995 بعد أن تم إدانته بتهمة الفساد، ومع ذلك تمكن برلسكوني من العودة إلى الحكم مرة أخرى في عام 2001، وحكم لمدة 5 سنوات، وفي عام 2006 خسر الانتخابات العامة أمام رومانو برودي، ثم عاد إلى الحكم مرة أخرى في عام 2008 واستمر لمدة 3 سنوات إضافية، لكنه سرعان ما تعرض للعديد من المشاكل القانونية خلال فترة حكمه الثالثة مثل تهم الفساد والفضائح الجنسية، وهو ما أدى إلى تراجع شعبيته ومع تفاقم المشاكل التي واجهها انتهت فترة حكمه في عام 2011 بعد خسارته في الانتخابات العامة أمام ماريو مونتي، ورغم خروجه من السلطة إلا أنه واجه العديد من الاتهامات الجنائية المتعلقة بالفساد والاحتيال وتهم أخرى، وتم إدانته في العديد منها.

أزمات متعددة

تعرض برلسكوني للعديد من الأزمات والمشاكل خلال فترات حكمه الثلاثة كرئيس لوزراء إيطاليا، ومن أبرز هذه الأزمات والمشاكل:

1- قضايا الفساد:

تعرض برلسكوني للعديد من التهم القضائية بتهم الفساد والاحتيال والرشوة خلال فترة حكمه، وتم إدانته في بعض هذه القضايا، وتشمل هذه القضايا فضيحة ميلانو الشهيرة، التي تعلقت بشراء شركة كانت تستخدم لتحويل الأموال والتلاعب بالحسابات، وقد أدى ذلك إلى تراجع ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية بالاقتصاد الإيطالي.

2- الفضائح الجنسية:

تعرض برلسكوني للعديد من الاتهامات بالتحرش والاستغلال الجنسي للنساء خلال فترة حكمه، وهذا أدى إلى تصاعد الضغوط عليه من قبل الرأي العام والمعارضة السياسية والشركاء الدوليين، بالرغم من ذلك تجاهل برلسكوني الاتهامات بشكل مستمر ونفى جميع الادعاءات ضده، ولكنه تعرض لعدة إجراءات قانونية ومحاكمات، وتم إدانته في بعض القضايا، بيد أنه استطاع التماس الاستئناف واستخدام بعض نفوذه السياسي لإثبات براءته.

3- الأزمة المالية:

عانت إيطاليا خلال فترة حكم برلسكوني من عدة أزمات مالية واقتصادية، أبرزها أزمة الدين العام في عام 2011، حيث بلغ الدين العام الإيطالي نسبة 120% من الناتج المحلي الإجمالي، مما أدى إلى اضطرابات مالية وهبوط في قيمة اليورو، وفي عام 2012 بلغ عجز ميزانية إيطاليا 4.6% من الناتج المحلي، وهو ما دخل إيطاليا في فترة ركود طويلة خلال فترة حكم برلسكوني وأدى إلى زيادة البطالة، أشارت التقارير إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه الأزمة يعود إلى سوء إدارة الاقتصاد والفساد وسوء استخدام الأموال العامة خلال حكم برلسكوني، وتم اتهام برلسكوني بالتقاعس في مواجهة هذه الأزمة وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف آثارها.

4- الاحتجاجات الشعبية:

شهدت إيطاليا العديد من الاحتجاجات الشعبية خلال فترة حكم برلسكوني، وخاصة بعد قضايا الفساد والجنس التي واجهها، وقد تصاعدت هذه الاحتجاجات وأدت إلى تراجع شعبيته وتنامي الضغوط عليه من الرأي العام والمعارضة.

5- علاقته بالمافيا:

تعرض برلسكوني للعديد من الانتقادات والاتهامات بسبب علاقاته الجدلية والمثيرة بالمافيا، وقد تم التحقيق معه في العديد من القضايا المتعلقة بهذه العلاقة، وتم اتهامه بتبييض الأموال والتعامل مع العصابات المنظمة، ورغم ذلك لم تتم إدانته في أي من هذه القضايا.

6- علاقته بمعمر القذافي:

كان برلسكوني يتمتع بعلاقات جيدة مع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي وكان يعتبره صديقًا شخصيًا، وقد قام برلسكوني بتوقيع اتفاقيات تجارية مع ليبيا، ودفعت هذه العلاقات إلى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا في ذلك الوقت، لكن دعم برلسكوني للقذافي أثار الكثير من الانتقادات.

 

 كان برلسكوني من أشد المؤيدين لغزو العراق، وكان يعتقد أن الإطاحة بصدام حسين ستؤدي إلى استقرار المنطقة بشكل عام، وسوف تساعد على تحقيق الأمن والاستقرار في العراق

صداقة قوية مع دولة الاحتلال "إسرائيل"

تميزت علاقة برلسكوني بدولة الاحتلال الإسرائيلي بالتحالف الوثيق والداعم لإسرائيل والصهيونية، حيث قام برلسكوني بالعديد من الزيارات الرسمية إليها وإلقاء كلمات مؤيدة للدولة اليهودية، كما كان ينظر إلى إسرائيل على أنها شريك استراتيجي لإيطاليا في منطقة الشرق الأوسط، وبفضل هذه العلاقات، تم تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين روما والكيان الصهيوني، حيث تم تعزيز التعاون في مجالات مثل الأمن والدفاع والتكنولوجيا، وشهدت العلاقات الثنائية أيضاً زيادة في مجال التعاون الثقافي والعلمي، وكان برلسكوني يحظى بدعم وتأييد من الكثير من القادة اليهود في إيطاليا وخارجها، ويعتبر من الأصدقاء المقربين لرئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود أولمرت، والحالي بنيامين نتنياهو، وسبق وأن وصف دولة الاحتلال  بأنها "جزء أساسي من ثقافة الغرب"، ودعم حقها في الوجود، وقال ذات خطاب إنه يعتبر نفسه "صهيونيًا" في إشارة إلى تأييده القوي للدولة اليهودية.

دعم برلسكوني  الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية خلال فترات ولايته كرئيس للوزراء الإيطالي، ولم ينتقد برلسكوني مطلقًا سياسة الاستيطان الإسرائيلية، ولم يطالب أبداً إسرائيل بوقف التوسع في المستوطنات، وكان ينظر إلى الاستيطان على أنه مسألة تتعلق بالسيادة الإسرائيلية، وحتى عندما أصدرت دول الاتحاد الأوروبي بيانات انتقادية لسياسة الاستيطان، لم تنضم إيطاليا علنًا خلال فترة حكمه إلى هذه الانتقادات، بل سعى دائمًا لتعزيز العلاقات مع الدولة الصهيونية وتأييدها ولو على حساب حقوق الفلسطينيين أو حل الدولتين، وكان يتجنب الحديث عن القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولم يكن يتحدث علناً عن حقوق الفلسطينيين، ولم يدعم حل الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل ركز اهتمامه على دعم إسرائيل فقط، وتبنى موقفًا صارمًا ضد منظمات المقاومة الفلسطينية المسلحة ودعا مرارًا إلى زيادة الضغط عليها، وكان النقاد يرون في ذلك موقفًا متحيزًا وغير متزن تجاه الصراع الدائر في المنطقة.

مواقفه وسياسته الدولية

التاريخ السياسي لـ "برلسكوني" يمكن تقييمه بشكل متباين ومتنوع، حيث إنه شخصية سياسية متعددة الجوانب، وقد أثارت بعض أفعاله ومواقفه الجدل والانتقادات، ويمكن تلخيص أبرز ملامح سياساته في النقاط التالية:

* غـزو العـراق:

فيما يتعلق بالغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، كان برلسكوني من أشد المؤيدين لغزو العراق، وكان يعتقد أن الإطاحة بصدام حسين ستؤدي إلى استقرار المنطقة بشكل عام، وسوف تساعد على تحقيق الأمن والاستقرار في العراق، وعلى الرغم من أن برلسكوني لم يكن متواجدًا بشكل مباشر في قيادة الحملة العسكرية ضد العراق، إلا أنه قدم دعمًا شديدًا للحملة وللتحالف الدولي الذي شاركت فيه بلاده، حيث أرسلت إيطاليا قواتها العسكرية إلى العراق في إطار القوات التحالفية التي تقودها الولايات المتحدة، واعتبر برلسكوني هذه المشاركة ضرورية لتحرير العراق من حكم صدام حسين وإحلال الديمقراطية في البلاد، وتسببت مشاركة إيطاليا في الغزو في انقسام المجتمع الإيطالي وزعزعة الاستقرار السياسي في البلاد وقد تلقى برلسكوني انتقادات شديدة على موقفه المؤيد لغزو العراق من العديد من الجماعات الدولية وقد تم تقديم برلسكوني كشاهد ومدافع عن الحرب في العديد من المحاكمات الدولية لمسؤولي الحرب، وكان يعتبر المحاكمات هجومًا على سياسة الحرب وعلى الحلفاء الذين شاركوا فيها.

* علاقاته بالدول الإسلامية:

كانت علاقة برلسكوني بالدين الإسلامي متوترة، وكان يتبنى بعض المواقف المثيرة للجدل تجاه المسلمين والإسلام، ففي عام 2006 أثار برلسكوني الجدل عندما قال في كلمة له إن الحضارة الإسلامية ليست متطورة، وأن الثقافة الغربية تفوقها في العديد من المجالات. وهذا الكلام أثار غضبًا واسعًا وانتقادات من قبل المسلمين والعرب، انتقد برلسكوني بشدة الإسلام والمسلمين خلال حملاته الانتخابية ووصفهم بأنهم "أعداء الغرب"، وقد اتهم برلسكوني أيضاً بتبني مواقف مناهضة للمسلمين والإسلام، وتحريضه على العنصرية والتمييز الديني. وقد انتقد بعض النقاد برلسكوني لتحالفه مع الحزب اليميني المتطرف "الشمال الجديد" الذي يتبنى مواقف مناهضة للمسلمين والأجانب، وفي الوقت نفسه حاول برلسكوني تحسين العلاقات مع العالم العربي والإسلامي من أجل مصالح تجارية واستثمارية وزار العديد من الدول العربية خلال فترة رئاسته للوزراء.

* سياسته تجاه إيران:

سياسة برلسكوني تجاه إيران كانت صارمة وحازمة، حيث اعتبر إيران تهديدا للاستقرار في المنطقة، ولا سيما بسبب برنامجها النووي ودعمها لعناصر معادية لإسرائيل، وكان دائمًا ما يعتبر برنامج إيران النووي غير مشروع وتهديدًا للسلم والأمن الدوليين، ودعم العقوبات والضغوط الدولية على إيران، ودعا إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية أكثر صرامة على طهران، وحذر مرارًا من أن إيران تمثل تهديدا لإسرائيل، وأكد أن إيطاليا تدعم الحق الطبيعي لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، وفي عام 2010، طالب برلسكوني بحظر تمامًا لبرنامج إيران النووي وحظر تصدير الأسلحة إليها.

* علاقته بملف الهجرة:

تبنى برلسكوني بعض المواقف القاسية تجاه المهاجرين غير الشرعيين إلى بلاده، واتخذ إجراءات صارمة لمكافحة الهجرة إلى بلاده، بما في ذلك بناء جدران حول بعض المدن الإيطالية لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، وفي عام 2002 أثار الجدل عندما قال إن الجنسية الإيطالية هي الأولوية، وأن المهاجرين الذين يدخلون البلاد بشكل غير شرعي يجب أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية، وهذا الكلام أثار غضبًا وانتقادات من قبل العديد من المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني.

شخصية مثيرة للجدل

بشكل عام، يعتبر برلسكوني شخصية مثيرة للجدل في السياسة والأعمال والإعلام، حيث اتخذ مواقف مثيرة وتعرض للانتقادات بشأنها، فأغلب الآراء تشير إلى أن آثار فترة حكمه السلبية على ايطاليا أكبر وأشد وطأة من نجاحاته خاصة ما يتعلق بتراكم الديون، والركود الاقتصادي، وفضائح الفساد.

اشتهر بأسلوبه اللامبالي الذي أثار الانتقادات الشديدة من البعض، وهذا ما جعله محط نقاش كبير ودائم في اوساط المجتمع الإيطالي، ويمكن القول إجمالًا إن حياة سيلفيو برلسكوني شهدت العديد من التحديات والانتكاسات، وكانت دائما مليئة بالفضائح، بالرغم من ذلك لا يمكن إنكار بصمته التي تركها خلال فترة حكمه المتقطعة في عالم السياسة وعالم الأعمال والتي ستظل حاضرة في تاريخ إيطاليا السياسي والاقتصادي.

 

أعلى