• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل ستبقى الحكومة الفرنسية عنصرية

هل ستبقى الحكومة الفرنسية عنصرية


 

الديمقراطية الفرنسية التي يزعم الفرنسيون أنها أنموذج الديمقراطية الحرة عالمياً ليس لها حقيقة في تصرفاتها العجيبة من الإسلام والمسلمين وعلمائهم ودعاتهم. فقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) أن فرنسا أحالت بتاريخ 3/4/2012م 13 معتقلاً إسلامياً إلى القضاء بتهمة الإعداد لأعمال إرهابية تشمل التخطيط لاختطاف قاض للتحقيق في ليون. ويذكر أن وزارتي الداخلية والشؤون الخارجية منعتاً قبل أيام الدكاترة: يوسف القرضاوي، والدكتور عائض القرني والدكتور حجازي، والشيخين عبد الله بصفر، وعكرمة صبري من دخول الأراضي الفرنسية؛ والذين جاءوا تلبية لدعوة وجهت إليهم؛ لحضور مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا المقرر عقده بتاريخ  6 - 9/4/2012م، وقد بررت السلطات الفرنسية إجراءات المنع هذه بالخوف من المساس بـ «أمن الدولة» من هؤلاء الأشخاص، وذلك على خلفية «أحداث تولوز» الأخيرة[1].

إن هذه الأساليب الغربية من المنع لهذه الشخصيات الإسلامية المشهورة بعلمها ومكانتها، لا يعني لأول وهله سوى الحقد والعنصرية والكراهية للإسلام وأهله. وهذا ما أكده بكل وضوح د. أحمد جاب الله - رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا - حين كشف عن وجود هيئات تابعة لليمين الفرنسي المتطرف - كمجلس الجمعيات اليهودية - والتي تملك مواقع كثيرة مهمتها رصد فتاوى علماء المسلمين فيما يتعلق بالقضايا التي تمسُّ الكيان الصهيوني في (فلسطين المحتلة)، وتلك التي تتعلق بحقوق المرأة لاستخدامها ورقة لمنع العلماء المذكورين آنفاً من دخول فرنسا.

وأضاف د. جاب الله أنه في أثناء اجتماعه بوزير الداخلية الفرنسي (كلودغيان) أخبره بأن منع هؤلاء العلماء إنما كان بسبب تشددهم ومعاداتهم لليهود وأن لهم مواقف معينة من المرأة قد تمَّ رصدها من قبل جماعات اليمين المتطرف. وقد وصف (جاب الله) هذا التصرف بالمزايدة السياسية خاصة وأن الانتخابات الفرنسية (آنذاك) على الأبواب، وأوضح أنهم في اتحاد المنظمات الفرنسية بصدد رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الفرنسية على تلك الهيئات والجمعيات؛ لكونها تحاول تشويه صورة المسلمين ظلماً وعـــدواناً - بوصمهم بالإرهاب والتطرف - وأنهم عازمون على القيام بحملات إعلامية في الميديا الفرنسية للردِّ على تلك المزاعم والأباطيل.

 وأنهم اتصلوا بالعلماء والدعاة الممنوعين وأبلغوهم بما حصل بالتفصيل والاعتذار منهم لما حدث. وأضاف قائلاً: إن التأثير السياسي الضعيف للجالية المسلمة أسهم فيما حصل على الرغم من أنهم يمثلون 10% من الشعب الفرنسي، ولكون كثير من المسلمين يعزفون عن المشاركة الانتخابية[2]، ومعلوم أن التطرف اليميني في الغرب موجود في معظم أنحاء أوروبا بما فيها فرنسا والتي تصاعدت فيها مؤخراً وتيرة الكراهية والعداوة للإسلام والمسلمين؛ حينما أسلم كثير من الغربيين بما فيهم العلماء والمفكرين و (رجال الدين) عندهم من قسس ورهبان وهذا ما أقضَّ مضاجعهم!

وهذا ما يوضحه بجلاء كتاب (التاريخ السري للجمهورية الفرنسية الخامسة) لمجموعة من الإعلاميين الفرنسيين بباريس، والذي يتمحور حول سبعة فصول تضم ما يزيد على المئة مقال معززة بالوثائق والتعريف ببعض الشخصيات الوطنية في التاريخ الفرنسي مما يساعد في فهم كيفية الأسرار التي يتناولولها الكتاب وكيف أثرت هذه الأسرار الهائلة من منتصف القرن الأخير وكيف أصبحت هذه (التابوهات) ركناً ركيناً في تطور الشق المرئي من جمهوريتهم بأجهزتها الخاصة إن مؤامراتهم وعمليات القتل والتعذيب والاختطاف وارتكاب المجازر المروعة في المستعمرات الفرنسية السابقة. مما يعطي صوراً قبيحة جداً عن عنصرية الفرنسيين وإرهابهم[3].

هذا غيض من فيض حقيقة فلسفات ومنطلقات اليمين المتطرف في الغرب، وهو ما اعترف به بعض عقلاء القوم في دراسات عــديدة منها - على سبيل المثال لا الحصر - كتاب (اليمين المتطرف في القرن الحادي والعشرين) وكتاب (أيدلوجيا اليمين المتطرف) حيث سلط فيه المؤلفون طوام الحقد والبغض للإسلام والمسلمين، وأنهم الخطر المحدق ببلدانهم ودينهم ممَّا يلزم معه في زعمهم إيقاف المد الإسلامي، والتحذير ممَّا يدعو إليه الإسلام وعلماؤه ودعاته[4]. وهذا ما عرفناه ولمسناه ورأيناه رأي العين.

ومن مظاهر العنصرية ضد المسلمين في الغرب عامة وفي فرنسا بخاصة ما يلي:

1 - ما نشرته صحف اليمين المتطرف من تحقير للأجانب، وتخويف وإثارة للرعب منهم، ممَّا قد يجعل بعض شبابهم يعانون من كراهية التصرف الأحمق للآخر دفاعاً عن نفوسهم، عمَّا يدينون به من أخلاق وقيم.

2 - التخويف من تزايد المسلمين وهجراتهم ممَّا يهدد في زعمهم بأسلمة أوروبا عبر تزايد هجراتهم النظامية وغير النظامية إذ يقول (لوبان): إننا لا نريد أن نعيش في المستقبل الذي يرى فيه الفرنسي وهو يشحذ على أبواب المساجد الفرنسية يوم الجمعة! ممَّا يلزم معه تحديد هجرات المسلمين.

3 - الغلظة التي يعامل بها الوافدون في المطارات والموانئ والتي بلغت إلى حدِّ إقامة سجون خاصة بهم.

4 - محاربة مظاهر الالتزام للمسلمين وبخاصة مسألة حجاب المسلمات، ومنع الطالبات منهنَّ من الدراسة عند التزامهن بذلك، ولا يُتخذ ذلك الإجراء مع الراهبات النصرانيات ولباسهن قريب الشبه بلباس المسلمات.

5 - طرد العمال العرب والمسلمين من المصانع، والاستغناء عنهم بالوافدين من أوروبا الشرقية.

نعم فرنسا عنصرية:

يحاول بعض الباحثين بادعاء الموضوعية والظهور بمظهر الليبرالية الكاذبة الزعم بأن فرنسا ليست عنصرية كما جاء في كتاب (هل فرنسا عنصرية)؟ للأستاذ شريف الشوباشي، والذي لم يجرؤ فيه على القول بهذه الحقيقة، فهو حينما سأل هل فرنسا عنصرية؟ قال بتفلسف وروغان: إن الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة. وإذا نظرنا إلى فرنسا في الآونة الأخيرة. نجد اتجاهاً عنصرياً ظهر ببروز الجبهة الوطنية إلى أن قال: إن من الظلم أن نقول: إن المجتمع الفرنسي كله من العنصريين (ومن قال بذلك)؟!، وأرجع المظاهر العنصرية إلى أنها وليدة الأزمات الاقتصادية. ولا شك أن التعميم غير صحيح علمياً؛ لكن المظاهر العنصرية معروفة وظاهرة، وفوز دعاة العنصرية من اليمين المتطرف أكبر دليل، وهذا ما أكده الباحث الفرنسي (ميشال فيفيوركا) في كتابه (فرنسا العنصرية)، وهو حصيلة بحوث علمية ميدانية أجراها الباحث المذكور مع فريق عمل مؤلف من ستة باحثين حول المشكلات التي يواجها المجتمع الفرنسي اليوم، وخاصة على المستويين الاجتماعي والثقافي، وإن ذلك ليس اتجاه حزب الجبهة الوطنية الفرنسية فقط، وإنما يذهب أبعد من ذلك حينما غاص في الأسباب والدوافع من خلال رصده لبعض أوجه الحياة الاجتماعية السائدة في مناطق فرنسية، توجد فيها تجمعات المهاجرين المهمة حيث تظهر ملامح الأزمة العنصرية أكثر من أي مكان آخر، وللمؤلف (فيفيوركا) كتاب آخر بعنوان (فضاء العنصرية) ويعدُّ كالجانب النظري لكتابه (فرنسا العنصرية). والكتابان يعكسان بجلاء اهتمام المثقفين الفرنسيين بمعالجة هذه المشكلة، وينطويان بلا شك على إدانة مختلف أشكال العنصرية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الخوف من الإسلام والمسلمين، وحالهم المتخلفة والمزرية لا تسرُّ صديق؟ وهذا ما توضحه بجلاء حقيقة الإسلاموفوبيا وهي ظاهرة جديدة أفرزتها جملة الأحداث الإقليمية والدولية التي شهدها العالم مع بداية الألفية الثالثة، وهي تعني الخوف المرضي غير المبرر من الإسلام والمسلمين، ويستمد مفهوم (الفوبيا) من قاموس الأمراض النفسية عند التعبير عن حالة من حالات الوسواس القهري؛ حين لا يستطيع المريض التحكم في ردود أفعاله عند تعرضه للمثير الذي يسبب خوفه وإرهابه؛ غير أن مصطلح (الإسلاموفوبيا) في حالته التاريخية والثقافية والسياسية له جذور عميقة تعكس تاريخاً مضطرباً في أحيان كثيرة بين الغرب والشرق، وخاصة في خضم الأزمات التي تعصف من وقت لآخر بعلاقات المسلمين، والذي تسهم في إذكائه وسائل الإعلام الغربية بالتخويف من وجود 16 مليوناً من المسلمين في أوروبا بوصفه خطراً متوهماً على الغرب.

 وللأستاذ الدكتور (سعيد اللاوندي) كتاب نفيسٌ في هذا الموضوع بعنوان (الإسلاموفوبيا[5] لماذا يخاف الغرب من الإسلام) تناول فيه بالبحث والتحليل هذه الظاهرة راصداً أسبابها وتجلياتها وانعكاساتها على الوجود العربي والإسلامي في أوروبا، ويقترح في الوقت نفسه حلولاً قد تسهم في ردم الفجوة بين دعاة الاندماج والتهميش عند الباحثين لهذه المسألة.

لأن الفرنسيين قد ضجوا من تصرفات اليمين الفرنسي من جراء تصرفاته الحمقاء مع الآخر حتى أظهرهم أمام العالم متناقضين مع ديمقراطيتهم المعروفة وبخاصة في عهد الرئيس السابق (ساركوزي) وهزيمته المجلجلة وخروجه غير مأسوف عليه أكبر دليل على فشل تلك التوجيهات العنصرية التي تأنفها الشعوب بفطرتها والأمل كبير بأن يكون عهد (فرانسوا هولاند) الرئيس الجديد عهد استقرار ديمقراطية حقه ليعيش الجميع حياة مستقرة بعيداً عن عنصرية اليمين المتطرف الذي أثبت الشعب الفرنسي كرهه له بإسقاطه مؤخراً في الانتخابات الأخيرة.

فكم نحن بحاجة ماسة لدراسة الغرب وتحليل مواقفه المناوئة لديننا وعقيدتنا، كما بحث ذلك علماء ومفكرو الغرب أنفسهم بكل جلاء وبدون مجاملات ونفاق، إن أكبر صفعة لليمين الفرنسي المتعصب والمعادي للإسلام هو إسلام القنصل الفرنسي في الكويت، وإعلانه ذلك في أحد المساجد المعروفة وسط احتفاء المسلمين هناك حيث ضجَّ المسجد بالتهليل والتكبير {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].        

 :: موقع مجلة البيان الالكتروني


[1] صحيفة الحياة العدد 17897 الصادر في 12/5/1433هـ الموافق 4/4/2012م.

[2] صحيفة الشرق العدد 123، الصادرة في 13/5/1433هـ الموافق 5/4/2012م بتصرف.

[3] انظر مجلة (الإسلام اليوم) عرض موجز للكتاب المذكور بتصرف العدد 28، الصادر في صفر 1428هـ الموافق مارس 2007م.

[4] عن ملف (أوروبا بلا مآذن أوروبا بلا إسلام) بتصرف من مجلة (المجتمع) العدد 1880.

[5] كتاب (الإسلاموفوبيا لماذا يخاف الغرب من الإسلام) د. سعيد اللاوندي نشرته دار النهضة مصر عام 2007م. 

 

أعلى