• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
محرم إينجه.. مُنَافِس أردوغان السابق ومُشتِّت جبهة المعارضة

دائمًا ما يُوصَف إينجه بأنه من العلمانيين المعتدلين، لكن هذا الوصف لم يجعله بعيدًا عن انتقادات العلمانيين أنفسهم قبل المحافظين بسبب بعض آرائه المتناقضة،


مع إعلان اللجنة العليا للانتخابات في تركيا عن القائمة النهائية لأسماء مرشحي انتخابات الرئاسة التركية، كان من المألوف أن نرى اسم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو الذي اتفقت عليه معظم قوى المعارضة بعد مخاص عسير، ومرشح تحالف "آتا" سنان أوغان، لكن المفاجأة كانت مع وجود اسم رئيس حزب الوطن محرم إينجه، الخطيب المفوّه والمرشح الرئاسي السابق، والذي يرى كثيرون أن ترشحه قد أربك حسابات المعادلة الانتخابية في تركيا، فمن هو محرم إينجه؟، وما هي آراؤه السياسية وفرص فوزه؟

مدرس.. برلماني.. مرشح رئاسي!

وُلِدَ محرم إينجه في 4 مايو 1964م لعائلة مهاجرة من اليونان، عمل كمدرس للفيزياء والكيمياء في المدارس الثانوية قبل أن يتلمّس خطاه في الحياة السياسية التركية كنائب برلماني عن محافظة يالوفا الواقعة في شمال تركيا الغربي لأربع دورات متتالية في أعوام 2002 و2007 و2011 و2015، كخطيب بارع بات مشهورًا بخطبه المثيرة في البرلمان التركي وقدرته على مقارعة الحجة بالحجة وعلى إيصال صوته إلى النخبة وإلى المواطنين البسطاء، وكانت قدرته على حشد الجماهير سبيلًا لنيل ثقة حزب الشعب الجمهوري ليصبح نائب رئيس المجموعة البرلمانية للحزب لفترتين، ثم مرشح الحزب في مواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2018، كانت الترجيحات في غالبيتها تشير إلى بقاء أردوغان في السلطة لكن في نفس الوقت كانت التقارير تشير إلى أن إينجه سيكون خصمًا ومنافسًا شرسًا لأردوغان، فاز أردوغان وفقًا للتوقعات ولكن المفاجأة الكبرى كانت في أن هزيمة إينجه قد حدثت في الجولة الأولى وبعد حصوله على 30.6٪ فقط من الأصوات، وهو ما أحدث إحراجًا كبيرًا لحزبه وللمعارضة ككل، وكان الأسوأ من ذلك أنه بدلًا من الإقرار بهزيمته علنًا وتحية من انتخبوه وناصروه كما هو معتاد، اكتفى إينجه ببعث رسالة موجزة إلى صحفي بارز لنشرها في صحيفته، يعترف فيها إينجه بفوز أردوغان، كانت هذه الفعلة سببًا في تقويض شعبيته.

طوال فترة وجوده في البرلمان، كان إينجه معروفًا بمعارضته الشديدة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وكان دائم الانتقاد لأردوغان، كما أنه معروف أيضًا بجهوده في تعزيز التعليم والبحث العلمي في تركيا وقد دعم العديد من المبادرات التي تهدف إلى تحسين النظام التعليمي في البلاد، ولعل هذا ما مكّنه من نيل بعض الشعبية الواسعة، لا سيما بين صفوف المعارضين، ترشّح إينجه مرتين في عامَي 2014 و2018 لزعامة حزب الشعب الجمهوري في مواجهة كمال كيليجدار أوغلو، لكنه خسر في كلتَيهما، ليقرّر الانسحاب من الحزب في فبراير 2021 بعدما فشل في إيجاد ما يطمح إليه، وقام في مايو من نفس العام بتأسيس حزب جديد، وصفه بأنه حزب قومي علماني وأعطاه اسم "الوطن"، استغل إينجه الصورة الإيجابية التي تشكّلت حوله في انتخابات الرئاسة 2018 ليجذب أصواتًا من مختلف الانتماءات إلى حزبه الجديد.

آراء وتناقضات

دائمًا ما يُوصَف إينجه بأنه من العلمانيين المعتدلين، لكن هذا الوصف لم يجعله بعيدًا عن انتقادات العلمانيين أنفسهم قبل المحافظين بسبب بعض آرائه المتناقضة، ففي عام 2013م، انتقد حزب العدالة والتنمية الحاكم واتهمه باستخدام مسألة الحجاب لأغراض انتخابية، وفي نفس الوقت وجّه انتقاداته للأحزاب المعارضة العلمانية لنفس المسألة، مُقرّا أمام نواب البرلمان بأن أخته محجبة وأنه يجب على الأحزاب العلمانية تحترم الخيارات الشخصية للأفراد، وإبان انتخابات الرئاسة 2018م أعلن أنه إذا تمكن من الفوز على أردوغان فإن أول قرارته سيكون بيع القصر الرئاسي الذي أقامه أردوغان في أنقرة وإعادة أموال بيعه إلى خزينة الدولة أو بتحويل القصر إلى ما أسماه "معبد المعرفة"، كما أشار مرارًا إلى أنه سيعزز علاقات بلاده مع اليونان، ليس بسبب انحداره من عائلة يونانية مهاجرة، وإنما بسبب قناعاته بأن التوتر بين البلدين يشكّل عائقًا أمام التنمية المحلية لتركيا، وهي فرضية لا يتوافق عليها معه الكثير من الأتراك، وكان إينجه هو السياسي العلماني المعارض الوحيد الذي حضر صلاة جمعة افتتاح آيا صوفيا فيما غاب قادة الأحزاب المعارضة.

منذ تأسيس حزبه، ظلَّ إينجه على موقف مضاد للسلطة والمعارضة، وعندما أعلن عن رغبته في تكوين تحالف سياسي، قال إنه لن ينضم لتحالف "الجمهور" الحاكم الذي سيمثله رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقبلة، أو تحالف "الأمة" المعارض الذي سيمثله كمال قليجدار أوغلو، وقال إينجه في تصريحات صحفية إن "الحكومة متعبة ومنهكة، ولكن المعارضة لا تستطيع حل الأزمات"، كما صرّح أيضًا بأنه "يقف ضد حكم الرجل الواحد"، لكنه في نفس الوقت أعلن ذات مرة أنه لا يعارض أردوغان، وقد تسبب هذا التصريح في تنامي شعور لدى بعض أطياف المعارضة بأن إينجه هو مرشح كرتوني دفع به أردوغان لتفتيت أصوات المعارضة وأنه دعمه سابقًا في الخفاء لإفشال حزب الشعب الجمهوري.

مفاجأة للمعارضة

عندما وحّدت قوى المعارضة التركية صفوفها وتمكنت 6 أحزاب ذات توجهات مختلفة من تجاوز خلافاته واختارت زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو ليكون مرشحها أمام أردوغان، ظنّت أنها بذلك قد قامت بالمهمة الأصعب، لكنها لم تحسب حساب إينجه الذي بادر بإعلان ترشحه بمفرده تحت ألوان حزبه الوطن وقبل أسابيع قليلة فقط من موعد إغلاق باب الترشح، إذ نجح إينجه في جمع 100 ألف تزكية ضرورية لنيل بطاقة الترشح، لا يمكن إغفال أن إينجه عندما ترشح للرئاسة عن حزب الشعب الجمهوري ـ وهو حزب ينتمي للتيار العلماني اليساري، أسّسه مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923م ليكون أول حزب حاكم في تركيا الحديثة ـ قد حصل على 30.6٪ من أصوات الناخبين، وهي نسبة أعلى من نسبة الـ 25٪ التي تعدّ هي أعلى نسبة تحصّل عليها حزب الشعب الجمهوري، مما يعني أن إينجه قد حصد أصوات أخرى من خارج كتلته الحزبية.

لا شك أن ترشح إينجه يعدّ خبرًا غير سار للمعارضة، إذ لا يزال إينجه يحظى بقبول لدى فئات واسعة من معارضي أردوغان، ولا يزال حتى الآن بمقدوره جذب أصوات ناخبي حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيّد، وهما من المكونات الرئيسية لتحالف المعارضة الحالي، مما قد يمكّنه من لعب دور المشتت لأصوات المعارضة، إذ سيحرم أوغلو من أصوات هو في حاجة إليها للفوز من الدورة الأولى، مرجئًا بذلك اتّضاح النتيجة النهائية إلى الدورة الثانية، خاصةً وأن استطلاعات الرأي تُظهر تقاربًا بين نقاط أردوغان وأوغلو، فكلاهما تحصّل على أقلّ من 50٪، مما يعنيّ أن الأصوات التي سيحصل عليها إينجه ستَحول دون فوز أردوغان وأوغلو من الجولة الأولى التي ستُقام في 14 مايو المقبل.

خبر سار لأردوغان

إذا كان هناك مستفيد من وراء ترشح إينجه للرئاسة، فإنه بلا شك الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، فتوحّد صفوف المعارضة سيجعل حظوظه تتراجع، خاصةً مع توسع الطيف السياسي المعارض الذي يدعم كمال قليجدار أوغلو وانضمام الأكراد إلى الكتلة الداعمة له، بَيْدَ أن ترشح إينجه الذي خرج للتو من رحم حزب الشعب الجمهوري قد خلط الأوراق وقد يجعل المعارضة على شفا خسارة فرصة جدّية قد لا تتكرّر للتخلُّص من أردوغان، بعض التقارير تشير إلى أن ترشح إينجه للرئاسة يأتي كذريعة للانتقام من حزب الشعب الجمهوري وقليجدار أوغلو نفسه، حتى ولو كان ثمن ذلك نجاح أردوغان مجدّدًا واستمراره لخمس سنوات أخرى في السلطة.

ليست مسألة ترشّح إينجه وحدها هي التي تسعد أردوغان، فترشح السياسي القومي سنان أوغان قد يترك أثرًا سلبيًا على حظوظ قليجدار أوغلو، وذلك من منطلق أن الأصوات التي سينالها أوغان - ومهما كانت قليلة - ستكون من حصة قليجدار أوغلو، وبالتالي فإن أكثر المستفيدين من هذا الوضع هو أردوغان الذي يدرك جيدًا أن صفوف المعارضة قد لا تتوحّد بالشكل الحالي في كلّ مرّة، وبالتالي فإن فوزه في هذه الانتخابات يعدّ مصيريًا، لأنه سيعطي قبلة حياة لحزبه كي يمهّد الطريق خلال خمس سنوات إضافية لتجهيز شخصيّة قيادية جديدة ينافس بها بعد انتهاء ولاية أردوغان المقبلة.

فرص الفوز والخسارة

يجمع غالبية المحللين المهتمين بالشأن التركي على أن إينجه، البالغ من العمر الآن 58 عامًا، يتمتع بأفضلية كبيرة في التواصل مع الجمهور، وأنه سيكون بلا شك لديه صدى واسع بين الناخبين الشباب المناهضين للوضع الراهن، أولئك الذين سئموا من أردوغان أو غير مقتنعين بترشح قليجدار أوغلو، الذي يبلغ من العمر 74 عامًا ويقدم نفسه على أنه "قوة سياسية هادئة"، فهو بالنسبة لهم لا يحمل أي تجديد ولا ينتمي على الأقل لنفس جيلهم، بالرغم من كل ذلك فإن الفرصة ليست مواتية تماما لفوز إينجه، أو على الأقل انتقاله للجولة الثانية من السباق الرئاسي.

ثمة تقارير تحدثت عن جهود داخل المعارضة لمحاولة إقناع إينجه بالانسحاب من السباق، فالمخاوف من استمراره داخل حلبة التنافس ليست مركزة فقط على تأثيره على حظوظ قليجدار أوغلو في الجولة الأولى، بل إن تأهل الأخير لجولة ثانية قد يدفع إينجه إلى دعم أردوغان وبالتالي إضعاف المعسكر المعارض في جولة الحسم.

أعلى