يخوض أوغان الانتخابات المقبلة ببرنامج انتخابي يقوم على أفكاره القومية المتطرفة التي ظلَّ مخلصًا لها، ويبدو أن سياسته الوحيدة الواضحة بدون لبس هي التشدد في مواجهة اللجوء والهجرة
مع حصوله على أكثر من 100
ألف توقيع مطلوبة لقبول ترشحه، بات الباحث والأكاديمي سنان أوغان هو المرشح الرابع
لانتخابات الرئاسة التركية التي ستُعقَد في 14 مايو المقبل، يعدّ أوغان هو أصغر
المرشحين سنّا وأقلهم حظًا في فرص الفوز، وأكثرهم تطرفًا في آرائه القومية ومناهضته
للأجانب والمهاجرين، في غالب التوقعات فإن ترشحه لن يسفر عن مفاجأة، سوى أنه قد
يربك خطط بعض المرشحين الآخرين بعدما يأخذ حصةً من الأصوات الداعمة لهم، فمن هو
سنان أوغان؟، وما هي آراؤه السياسية وبرنامجه الانتخابي المثير للجدل؟
بين الدراسة
والسياسة
وُلِدَ سنان أوغان عام
1967م في إغدير، وهي مدينة تقع في أقصى شرق تركيا على الحدود مع أرمينيا وإيران،
كأصغر أبناء مزارع فقير ينحدر من أصول أذربيجانية عاش أوغان طفولته وسط ظروف مادية
قاسية، اضطرته إلى العمل في وظائف بسيطة لتأمين لقمة عيشه وإتمام تعليمه الأساسي،
وفي عام 1985م انتقل إلى إسطنبول بهدف إتمام دراسته الجامعية، حيث تخرج لاحقًا من
كلية إدارة الأعمال بجامعة مرمرة، كانت مسيرة دراسته وتكوينه العلمي مثيرةً للإعجاب
لما تحمله من صبرٍ وإصرار، إذ واصل تعليمه وحصل على درجة الماجستير من كلية القانون
المالي والبنوك، قبل أن يسافر إلى روسيا للحصول على درجة الدكتوراه في العلاقات
الدولية والعلوم السياسية من جامعة موسكو، وبعدها لم يبتعد عن المجال الأكاديمي
فبدأ مساره العملي كباحث في معهد الدراسات التركية بجامعة مرمرة بين عامي 1992م
و1998م، ثم عمل كمحاضر ونائب عميد في مؤسسة الدراسات العالمية التركية بكلية إدارة
الأعمال في جامعة أذربيجان، وفي نفس الوقت كان يعمل في وزارة الخارجية التركية
كممثل لوكالة التعاون والتنسيق التركية في أذربيجان.
في عام 2004م، أسّس أوغان
مركز العلاقات الدولية والتحليل الإستراتيجي (TÜRKSAM)، والذي
يعدّ أشهر مراكز التحليل والتخطيط الاستراتيجي في تركيا، وقد أصدّر من خلاله دراسات
بحثية مهمة حول موضوعات الاقتصاد والعلاقات الخارجية وقضايا الأمن، كما أنه يواصل
نشر مقالاته وأبحاثه في العديد من المجلات العلمية التركية والدولية، وله حضور
ملموس في الإعلام المرئي والمسموع ومشاركات عديدة في المؤتمرات والندوات واللقاءات
العلمية داخل تركيا وخارجها، وكان من اللافت أن أوغان قد ظلَّ على اتصال وثيق
بالسياسة طيلة سنوات دراسته، حيث تبنّى الفكر المناصر للقومية التركية والداعم
للتقارب بين الشعوب المتحدثة باللغة التركية، وقد دفعه توجهه القومي إلى الانضمام
لحزب الحركة القومية التركي، وكان داعمًا قويًا لرئيس الحزب، دولت بهجلي، من خلال
التقارير والتحليلات التي يعدّها حول القضايا السياسية المختلفة، وقد ساعده دوره في
الحزب على الترشح للبرلمان التركي عن ولاية أيدر عام 2011م، حيث تم انتخابه نائبًا
عن الولاية الوحيدة التي فاز فيها حزب الحركة القومية في تلك الانتخابات، وخلال
تواجده في البرلمان شغل منصب عضو لجنة الدستور البرلمانية ولجنة الشؤون الخارجية،
مما أكسبه بعض الشهرة في وسائل الإعلام التي بدأت تتنبه إلى اسمه.
مخلص للقومية
المتطرفة
كان أوغان وبهجلي تربطهما
علاقة جيدة، ولكن بعد أن تبنى الأخير توجهًا جديدًا لدعم سياسات الرئيس رجب طيب
أردوغان في أعقاب انتخابات نوفمبر 2015، انضم أوغان إلى شخصيات قومية أخرى ككتلة
معارضة لقيادة بهجلي لحزب الحركة القومية، حيث يعدّ هذا الحزب هو قلب القومية
التركية لأكثر من 5 عقود، وفي نفس العام (2015م) أعلن أوغان ترشحه لمنصب رئيس حزب
الحركة القومية، ولكنه طُرِدَ من الحزب بعد أسابيع، ليعود إلى صفوفه مجددًا في نفس
العام بقرار من المحكمة ألغي الطرد، لكنه في مارس 2017م طُرِدَ مجددًا من الحزب مع
3 نواب أخرين وذلك بعد تصويتهم بـ "لا" في الاستفتاء على التعديل الدستوري الداعي
لتغيير النظام البرلماني التركي إلى نموذج رئاسي، وقيامهم بحملة نشطة في صفوف الحزب
للدعاية لهذا التوجه الرافض للتعديلات، وعلى الرغم من طرده مرتين من حزبه، إلا أنه
لم ينتقل إلى حزب آخر أو يؤسس حزبًا جديدًا كما هو معتاد في الحياة السياسية
التركية، بل أعلن أوغان أنه سيبقى مخلصًا لحزب الحركة القومية ولنضاله من أجل
القومية التركية رغم العروض المغرية التي قُدِّمَت له من أحزاب أخرى.
أشاد أوغان سابقًا بحزب
الشعب الديمقراطي (HDP)، الفرع السياسي لمنظمة
حزب العمال الكردستاني الإرهابية الانفصالية، وهو ما أثار الجدل الواسع ضده، قبل أن
يخرج مجددًا ليعلن أنه إذا فاز بالرئاسة فلن يسمح بإقامة دولة مستقلة للأكراد، كما
وصف مطالبة رئيس النظام السوري بشار الأسد بسحب القوات التركية من سوريا بأنها
"خطوة خاطئة"، مطالبًا بإجراء عملية مشتركة بين أنقرة ودمشق ضد حزب العمال
الكردستاني، كما أعرب عن استعداده للقاء الأسد بزعم حل الخلافات بين بلديهما وذلك
في حالة إذا ما فاز بالانتخابات، يزعم أوغان أيضًا أن تركيا تتعرض لـ"غزو صامت" من
الغرب، وبالرغم من ذلك فإن أولويته في السياسة الخارجية هي الحفاظ على علاقات جيدة
مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وتعزيز العمل مع التحالف الغربي،
وفي مسار مغاير لهذا التوجه فإنه يطلق من حينٍ لآخر تصريحات قومية للاستهلاك
المحلي، مثل الشعار الذي أطلقه: "لا أمريكا ولا روسيا ولا الصين، كل شيء من أجل
تركيا".
تحالف الأجداد
(آتا)
يترشح أوغان للرئاسة عن
تحالف أتـا (ATA)
أو
الأجداد، وهو عبارة عن كتلة من 4 أحزاب؛ حزب النصر وحزب القويم وحزب التحالف وحزب
دولتي، وجميعها أحزاب معروفة بمواقفها اليمينية والقومية المتطرفة، ويدخل "أتـا"
السباق الرئاسي في مواجهة مع كتلتين سياسيتين رئيسيتين؛ هما تحالف الجمهور بقيادة
حزب العدالة والتنمية ومرشحه الرئاسي رجب طيب أردوغان وتحالف الأمة بقيادة حزب
الشعب الجمهوري ومرشحه كمال كيليجدار أوغلو، ويمكن التعرف أكثر على تحالف "أتـا" من
خلال التعرف على أفكار وسياسات الأحزاب المكونة له، لا سيّما حزب النصر برئاسة
أوميت أوزداغ، وهو معروف بتصريحاته العنصرية والمعادية للأجانب، واستعمال خطاب
الكراهية خاصة ضد السوريين اللاجئين في تركيا، وسبق وأن صرّح أوزداغ بأنه سيرسل
السوريين إلى بلادهم بـ "منجنيق".
رغم أن هذا التحالف ليس
لديه قاعدة انتخابية كبيرة
نظرًا لأنه يتشكل من
أحزاب صغيرة لم تكن
أسماؤها معروفة جيدًا بين الجمهور، إلا أنه سيخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية
المقبلة، ويطمح قادة تلك الأحزاب في تكرار نجاح تجربة الأحزاب الفاشية القومية
المتطرفة الصاعدة في أوروبا، بَيْدَ أنهم لم يكن لديهم القدرة على صياغة أي فلسفة
أو برنامج سياسي واضح لهم سوى التنديد بالسوريين كأعداء، وقد أشار أحدث استطلاع
للرأي عن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات إلى أن أوغان، بصفته مرشح تحالف أتـا،
لن يتحصل سوى على 2٪ فقط من الأصوات.
برنامج مثير
للجدل
يخوض أوغان الانتخابات
المقبلة ببرنامج انتخابي يقوم على أفكاره القومية المتطرفة التي ظلَّ مخلصًا لها،
ويبدو أن سياسته الوحيدة الواضحة بدون لبس هي التشدد في مواجهة اللجوء والهجرة، وهي
فكرة أدت إلى دعم العناصر اليمينية المتطرفة له خاصةً في وقت يتزايد فيه عدد
اللاجئين في تركيا، ومن أبرز وعود أوغان الانتخابية:
1ـ إلغاء النظام الرئاسي
وإعادة تركيا مجددًا إلى النظام البرلماني.
2ـ العمل على إيجاد حل
سريع للمشاكل الديمغرافية التي سببتها ـ وفقًا لرأيه ـ هجرات الشعوب الأخرى نحو
تركيا، وفي هذه النقطة ظلَّ أوغان طوال الوقت يشيطن اللاجئين ويعتبرهم سببًا لكل
أزمات تركيا، وقد صرّح سابقًا بالقول: "بمجرد انتخابي كرئيس، سأعيد جميع اللاجئين
والهاربين الذين يسرقون مستقبل الشباب التركي".
3ـ تأمين عودة المهاجرين ـ
وخصوصًا السوريين والأفغان ـ إلى بلادهم وترحيلهم في أقرب وقت ممكن، فبدلًا من وضع
برنامج واضح لحل مشكلات تركيا الاقتصادية والأمنية، يجعل وصفته السحرية الوحيدة لحل
جميع مشكلات وأزمات تركيا مقصورة على طرد المهاجرين، حيث يزعم أوغان أن "مسألة
كيفية إصلاح الاقتصاد ليست صعبة على الإطلاق، ففرص العمل والنفقات الاجتماعية في
تركيا ستصبح أكثر فاعلية بمجرد خلوها من السوريين والمهاجرين الآخرين".
4ـ تجديد السياسة التركية؛
إذ يرى أن المعارضة مسؤولة مثل الحكومة تماما عن التدهور السياسي والاقتصادي في
تركيا على مدى السنوات العشرين الماضية، وقد صرّح في هذا الصدد بالقول: "عالمنا
السياسي لم يعد بحاجة إلى الأجداد، ولكن السياسيين الشباب النشطين والحيويين"،
لافتًا في هذا الصدد إلى أنه يمثّل مستقبل تركيا.
ولا يخلو البرنامج من وعود
انتخابية أخرى تتشابه إلى حد كبير مع وعود المرشحين الأخرين، مثل: تشكيل اقتصاد
إنتاجي ودعم القطاع الزراعي من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي غذائيًا، دعم الحياة
الديمقراطية في تركيا، مع العمل على تحقيق العدالة، والدفاع عن حقوق الإنسان، لكن
بشكل عام ـ ومثل المرشحين الأخرين ضد أردوغان ـ فإن هدفه الأول هو إنهاء الحكم
المطول لحزب العدالة والتنمية، إذ يتفق ثلاثتهم على أن إقصاء أردوغان وحزبه يجب أن
تأتي أولًا، ومن ثمَّ يأتي الحديث عن مصالح تركيا ومستقبلها ثانيًا وثالثًا وإلى ما
لا نهاية.