• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
قوات الدعم السريع.. سحر جيش السودان الذي انقلب عليه!

حانت لحظة الحقيقة لقوات الدعم السريع، من النشأة إلى مرحلة النهاية هل تصبح الدعم السريع هل القوة الحاكمة في السودان بديلا عن الجيش أو تتلاشى وتصبح الكلمة الأولى للجيش


بعد عقدٍ من القتال جنبًا إلى جنب بين قوات الدعم السريع والجيش النظامي في السودان، يعود التشكيل المسلح إلى سطح الأحداث هذه الأيام في ظل الحشد المتبادل بينه وبين قوات الجيش في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، جراء خلاف بشأن شروط دمج قوات الدعم السريع ضمن صفوف القوات المسلحة، ويبدو أن الأوضاع مرشحة للوصول إلى مرحلة جديدة قد يكون عنوانها الاقتتال بخلاف التعقيد المتزايد لخطوات إعادة الحكم المدني للبلاد، فكيف نشأت قوت الدعم السريع؟، وما هي مكوناتها وأهدافها؟، وكيف ساهمت في إسقاط نظام البشير؟

النشأة والتطور

منذ نشأتها في عام 2013م، ظلت قوات الدعم السريع محل اهتمام كبير محليًا وإقليميًا ودوليًا، لاسيما وأنها ظهرت وسط سياق معقد كانت فيه تشتعل الحرب الأهلية بين الجيش والحركات المتمردة في إقليم دارفور، كان الإقليم بالفعل يشهد نزاعًا مسلحًا منذ عام 2003م عندما حشدت حكومة الرئيس آنذاك عمر البشير الرعاة العرب لمحاربة المتمردين الأفارقة السود في دارفور، تسبب النزاع في سقوط نحو 300 ألف قتيل إلى جانب تشريد ما يفوق الـ 2.5 مليون شخص وفقًا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة، ومع تعقّد الأوضاع وتمدد زمن القتال لجأ نظام البشير ـ وكما هو معمول به في كثير من السيناريوهات المماثلة لاحتواء فوضى الحروب الأهلية أو التمردات والاحتجاجات الداخلية ـ إلى مجموعات مسلحة غير رسمية، فاستغل النظام التباينات الإثنية والعرقية والجغرافية، وعمد إلى تشكيل ميليشيا موالية له خارج إطار الهيكل التنظيمي الرسمي لمؤسسات الدولة العسكرية، في مثل هذه الظروف يكون الهدف عادةً هو الهروب من المساءلة عن العنف، ومعرفة أفراد هذه الميليشيات بالجغرافيا المحلية، فضلًا عن التكاليف التشغيلية المنخفضة لها مقارنةً بالجيش النظامي، فتمَّ تشكيل قوات الدعم السريع لمحاربة المتمردين في دارفور، ومن ثمَّ حماية الحدود وحفظ النظام في البلاد لاحقًا.

 

لا يوجد تعداد رسمي لأفراد قوات الدعم السريع، لكن التقديرات تشير إلى أن عددها يقارب الـ 100 ألف عنصر، لهم قواعد خاصة تضمّهم وهي منتشرة في مختلف أنحاء البلاد

أثبت هؤلاء المقاتلون فعاليتهم وقدرتهم على القتال، فقام البشير بإضفاء الطابع الرسمي عليهم في قوة شبه عسكرية تسمى وحدات استخبارات الحدود، التي تطورت لاحقًا لتصبح قوات الدعم السريع، وهي بشكل عام تمثل امتدادًا لمليشيا الجنجويد التي جوهرها هم البدو الرُحّل من فرعي المحاميد والماهرية من قبائل الرزيقات في شمال دارفور والمناطق المجاورة من تشاد، وبمرور الوقت بدأت هذه القوات تتواجد داخل المدن مما أحدث نوعًا من التضارب بين القوات الأمنية والعسكرية النظامية، كما أنها واجهت انتقادات محلية ودولية واسعة بسبب بعض الانتهاكات التي مارستها، لكن النظام السوداني ظلَّ ينفى عنها صفة القبلية أو اتهامات ارتكاب العنف، مؤكدًا طوال الوقت أنها قوة قومية تشكّلت في ظل ظروف خاصة، وظلت تحظى بثقة البشير مما منحها المزيد من القوة والنفوذ كأحد أذرع النظام القوية التي يستعين بها في تنفيذ بعض المهام.

ازدادت مكانة هذه القوات في يناير 2017 عندما أجاز البرلمان السوداني قانونًا انتقلت بموجبه تبعية قوات الدعم السريع من جهاز الأمن الوطني والمخابرات إلى الجيش وقائده حينها هو البشير نفسه، وكان من اللافت للنظر أن هذه القوات قد حافظت على زخمهما ووجودها حتى بعد أن عزل قادة الجيش البشير من الرئاسة في 11 أبريل 2019م على إثر احتجاجات شعبية واسعة مناهضة له، وشارك قادة تلك القوات في المجلس العسكري الذي استلم الحكم برئاسة عبدالفتاح البرهان، وفي أغسطس من نفس العام تولى قائدها، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم، وذلك بعدما تم التوصل إلى وثيقة سياسية بين العسكريين وقوى إعلان الحرية والتغيير تحمل اسم "الاتفاق الإطاري" بشأن هيكل السلطة خلال الفترة الانتقالية.

خلافات مع الجيش

لا يوجد تعداد رسمي لأفراد قوات الدعم السريع، لكن التقديرات تشير إلى أن عددها يقارب الـ 100 ألف عنصر، لهم قواعد خاصة تضمّهم وهي منتشرة في مختلف أنحاء البلاد، وفي ظل تنامي نفوذها كانت قيادة الجيش تعرب دائما عن قلقها إزاء نمو هذه القوات وتوسع انتشارها، لا سيّما مع تزايد دورها كحرس حدود على وجه الخصوص لتضييق الخناق على الهجرة غير النظامية، وتزايد نشاطها التجاري وممتلكات قادتها في تعدين الذهب والماشية والبنية التحتية، في ظل هذا الوضع حاول حميدتي في أكثر من مناسبة أن يطمئن باقي الأطراف عبر إعلانه أنه لا يمانع دمج قوات الدعم السريع ضمن صفوف الجيش لتكوين جيش وطني موحد وقوي، ورغم أن الاتفاق الإطاري به بند خاص بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة إلا أن هذا البند ظل حبيس الأوراق ولم يخرج إلى أرض الواقع، بعدما نشب خلاف بشأن طبيعة عملية الدمج، والذي يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

1ـ يطالب الجيش بعملية دمج تستغرق عامين، أي مع نهاية الفترة الانتقالية، بينما يطالب قادة الدعم السريع بأكثر من 10 أعوام.

2ـ يرى الجيش أن تتم مراجعة رتب ضباط وقادة قوات الدعم السريع، بينما يطالب الدعم السريع بأن يتم استيعاب ضباطه في الجيش برتبهم الحالية.

3ـ يطالب الجيش بإيقاف التجنيد الجديد لصالح قوات الدعم السريع، بينما يعارض قادة الدعم السريع هذا المطلب، لأنه سيؤثر على نمو هذه القوات والولاء لها.

4ـ الخلاف بشأن قيادة القوات المشتركة السودانية خلال فترة الدمج، فالجيش يقترح هيئة قيادة مكونة من 4 قادة من الجيش و2 من الدعم السريع، لكن الدعم السريع يطالب بأن تكون القيادة تحت رئاسة مدنية.

 

الآن، تعدّ قوات الدعم السريع بمثابة القوة الحاكمة الحقيقية في السودان، إنها نوع جديد من النظام الحاكم الذي يمزج بين الميليشيات العرقية والمشاريع التجارية وعناصر المرتزقة العابرين للحدود

وضع تمييزي

في 30 يوليو 2019، أصدر البرهان مرسومًا دستوريًا عدّل بموجبه قانون قوات الدعم السريع، حيث حذف المادة الخامسة التي كانت تنص على خضوع تلك القوات لأحكام قانون القوات المسلحة، وبإلغاء هذه المادة أصبحت قوات الدعم السريع شبه مستقلة وتتبع لقائدها حميدتي، هذا الوضع التمييزي لقوات الدعم السريع من شأنه أن يجعلها تحافظ على امتيازاتها، التي تفوق الجيش السوداني، بما فيها العتاد العسكري والمرتبات، وفي مايو 2014م قامت بعثة الأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) باتهام هذه القوات بأنها تتربح من الحرب الدائرة بالإقليم وتسعى لتمديد أمدها، كما أن الوضع التمييزي الدستوري لهذه القوات يمنحها أيضا تأثيرًا مهمًا على العملية الانتخابية المقبلة في نهاية الفترة الانتقالية.

الآن، تعدّ قوات الدعم السريع بمثابة القوة الحاكمة الحقيقية في السودان، إنها نوع جديد من النظام الحاكم الذي يمزج بين الميليشيات العرقية والمشاريع التجارية وعناصر المرتزقة العابرين للحدود، ورغم مطالب القوى السياسية في السودان بضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية وإعادة هيكلتها وتكوين جيش مهني موحد ذو عقيدة عسكرية جديدة، ويقوم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي، ظلّت قوات الدعم السريع ـ وفقًا للاتفاق الإطاري ـ بوضع منفصل ومتصل في ذات الوقت بالقوات المسلحة، باعتبارها من قوات حركات الكفاح المسلح، التي رغم تبعيتها للقوات المسلحة إلا أن القانون يحدد لها أهدافها ومهامها ويكون رأس الدولة قائدًا أعلى لها.

مهام وانتهاكات

حققت قوات الدعم السريع مكاسب لافتة خلال الأعوام القليلة الماضية، وكانت مشاركتها في قمع المشاركين في احتجاجات سبتمبر 2013م، والتي راح ضحيتها العشرات في الخرطوم، مشاركة مهمة بالنسبة للنظام الحاكم آنذاك، في نوفمبر 2017م، تمكنت خلال معركة قصيرة في دارفور، من القبض على الزعيم التاريخي لميليشيا "الجنجويد"، موسى هلال، المدرج على قائمة العقوبات الأمريكية بسبب حرب دارفور، كما شاركت لاحقًا في فض اعتصام المحتجين بالقرب من القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم في يونيو 2019م، وقد أكسبتها مشاركتها في الحرب باليمن ضمن قوات الجيش السوداني المشاركة، بعدًا إقليميًا مهمًا، لا سيما وأنها كانت القوة الأكبر بين القوات السودانية على الأرض في اليمن.

لطالما واجهت قوات الدعم السريع اتهامات بارتكاب انتهاكات في إقليم دارفور، وهناك تقارير أممية متعددة تتهمها بارتكاب "جرائم فظيعة"، منها حرق قرى واغتصاب نساء وسرقة ممتلكات، وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش (HRW) عناصر هذه القوات في أحد تقاريرها بأنهم "رجال بلا رحمة"، وقد تسبّبت أفعال قوات الدعم السريع في استدعاء البشير إلى المحكمة الجنائية التي أصدرت مذكرة توقيف بحقه وبحق عدد من المسؤولين السودانيين في نظامه، من بينهم وزير الدفاع السابق عبدالرحيم محمد حسين.

وضع متأزم

بعد عقد من الزمن؛ وصلت الخلافات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني إلى نقطة غير مسبوقة من التوتر الأمني، بشكل يكشف عمق الأزمة السودانية المستمرة منذ سنوات، فبعد أن نشأت قوات الدعم السريع لأول مرة كضرورة عسكرية لدعم الجيش في ولايتيْ النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور، يجد السودانيون أنفسهم أمام قوة عسكرية كبيرة تخوض صراعًا سياسيًا في عاصمتهم، هذا الصراع لن يحدد مصير تلك القوات فحسب، بل ربما يحدد مصير العملية السياسية الراهنة بأكملها في السودان الذي يعاني بالأساس من أزمات سياسية واقتصادية وأوضاع أمنية غير مستقرة في عدد من أقاليمه، خاصة دارفور.

 

أعلى