قناة السويس .. بوابة الصراع بين الشرق والغرب
قناة السويس لمن لا يعلم ما هي فإنها ممر مائي
صناعي بطول 193 كم تربط بين البحر الأبيض المتوسط و البحر الأحمر ويمر مركزها في
مدينة بور سعيد و مدينة السويس المصريتين.
وتوفر هذه القناة التي استغرق الحفر فيها مدة
عشر سنوات منذ عام (1859-1869) م، ممر مائي آمن لحركة الملاحة الدولية بين دول
البحر المتوسط وأمريكا وأوروبا و آسيا.
كما توفر هذه القناة موارد مالية كبيرة
للحكومة المصرية بلغت عام 2010 (4.8مليار دولار أمريكي) حيث تشرف عليها هيئة القناة
التي شكلت بمرسوم من الرئيس المصري السابق وهي تتبع وزارة التجارة المصرية وتمنح الاذونات للسفن بالعبور من القناة .
ولو نظرنا للتاريخ فإننا نجد أن السبب الرئيسي
لإنشاء قناة السويس هو صراع نفوذ بين القوى العظمى، وبالرغم البدء بمشاريع مختلفة
كان أولها قناة سيتي الأول عام 1310 قبل الميلاد ثم تبعها نخاو عام 610 ق.م وقناة دارا
الأول، وقناة بطليموس وغيرها من المشاريع المؤقتة التي لم تلبي طموحات القائمين
عليها حتى وصل إلى عهد الخلافة الإسلامية وسميت قناة أمير المؤمنين (عمرو بن العاص)
عام 640 م إلى أن أمر الخليفة "أبو جعفر المنصور" بردم القناة تماماً
وتحولت السفن إلى طريق رأس رجاء الصالح بعد قيام فاسكو دي جاما باكتشاف هذا الطريق حتى سيطرت بريطانيا العظمى عليه
وحولته إلى ممر حكرا عليها لمرور سفنها القادمة من مستعمراتها الهندية.
وفي
أوج الصراع الاستعماري بين بريطانيا و فرنسا أصبحت الأخيرة تبحث لها عن ممر آمن
يوفر لها طرق لإمداد جيوشها التي انتشرت في الشرق الأوسط وشرق وشمال إفريقيا، وفي
عام 1799م أرسل نابليون بونابرت حاكم فرنسا أثناء استعمار جيشه لمصر لجنة من
المهندسين على رأسهم شخص يدعى لوبيير لدراسة
إمكانية إقامة قناة في السويس تربط بين البحرين لكن الدراسة قالت إن منسوب مياه
البحر الأحمر أعلى من منسوب مياه البحر المتوسط وتم تجاهل المشروع وقد توفي في هذا
المشروع 341080 عامل مصري نتيجة أعمال السخرة.
بعد أن تولى محمد سعيد باشا حكم مصر في 14 يوليو
1854 تمكن مسيو دي لسبس - والذي كان مقرباً من سعيد باشا - من الحصول على فرمان عقد
امتياز قناة السويس الأول وكان مكونا من 12 بنداً كان من أهمها حفر قناة تصل بين البحرين،
ومدة الامتياز 99 عاما من تاريخ فتح القناة، واعترضت إنجلترا بشدة على هذا المشروع
خوفاً على مصالحها في الهند.
وفي 1856
تم إصدار وثيقتان هما عقد الامتياز الثاني
وقانون الشركة الأساسي، وفي الفترة من 5 إلى 30 نوفمبر 1858 تم الاكتتاب في أسهم شركة
قناة السويس وبلغ عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب 400 ألف سهم بقيمة 500 فرنك للسهم الواحد
وتمكن مسيو دى لسبس بعدها من تأسيس الشركة وتكوين مجلس إدارتها.
وفي إبريل من عام 1859
بدأت أعمال الحفر وضرب مسيو دى لسبس ممثلا للإستعمار بيده أول معول في الأرض إيذاناً
ببدء الحفر وكان معه 100 عامل حضروا من دمياط ولم يتمكن العمال بعدها من استكمال حفرهم
بسبب معارضة إنجلترا والسلطان العثماني لذلك واستكمل الحفر في 30 نوفمبر 1859 وذلك
بعد تدخل الإمبراطورة أوجينى لدى السلطان العثماني ووصل عدد العمال المصريين إلى
330 عامل والأجانب 80 عامل.
وفي عام 1956
أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن تأميم قناة السويس ونقل ملكيتها من
الحكومة الفرنسية إلى الحكومة المصرية مقابل تعويضات تمنح للأجانب. وهذه الخطوة
أدت إلى بدء العدوان الثلاثي على مصر حيث قامت بريطانيا وفرنسا والكيان
الصهيوني بتوجيه ضربة عسكرية لمصر.
ومنذ نشأتها وتعتبر قناة السويس، أهم شريان مائي
للتجارة العالمية بين الشرق والغرب، واهم طيق مائي تسلكه حركة البترول بين مصادر الإنتاج
وأسواق الاستهلاك، وهذا ما جعل لها الأثر الكبير في التأثير على اقتصاديات
الدول،بالإضافة إلى كونها ممراً للقوافل العسكري التي تمر من البحر الأحمر متجها
إلى حوض البحر المتوسط مثل الأسطول الروسي الرابض في ميناء طرطوس السوري و سفن البحرية
الأمريكية التي تصول وتجول في مياه الخليج العربي، بالإضافة إلى السفن الإيرانية
التي عبرت القناة يوم الجمعة الماضي متوجهة إلى سوريا، وتستخدمها كثيراً الغواصات
الصهيونية في دورياتها داخل البحر الأحمر و البحر المتوسط باعتبارها مناطق نفوذ
تابعة لها.
هذا الأمر جعل قناة السويس تعتبر بوابة لساحة صراع
على النفوذ بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط، لذلك كان الكثيرين من هؤلاء ومن
بينهم الكيان الصهيوني دائم الدفاع عن النظام المصري السابق حسني مبارك لأنه كان
يريد امتلاك مفاتيح هذه البوابة، و حينما قدمت أساطيل أمريكا لحرب أفغانستان
والعراق بقت قناة السويس مفتوحة دون أن يكون للحكومة المصرية أي موقف إيجابي
للتخفيف من معاناة المسلمين في العراق و أفغانستان. وفي الفترة الحالية زادت
تحركات السفن الحربية والغواصات الروسية والأمريكية والإيرانية و الصهيونية في حوض
البحر المتوسط مرورا بقناة السويس لكن الغريب أن الحكومة المصرية لم يخرج لها أي
موقف إزاء حركة الملاحة الموجهة سياسياً، ولم يطرح أي تساؤل عن دور قناة السويس في
تسهيل دخول وخروج هذه الأساطيل التي تستهدف أمن المنطقة العربية، وما دخلت السفن
الإيرانية مؤخراً إلا لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتقويته في وجه شعبه
الأعزل.
وفي الأشهر الأولى للثورة المصرية هدد عدد من
الثوار بإغلاق قناة السويس مما قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية عالمية، فسارعت
الولايات المتحدة من خلال الجنرال جيمس ماتيس قائد القيادة المركزية الأمريكية للتلويح
بالرد "دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً" على أي إغلاق لقناة السويس.
وقيدت مصر في بروتوكولات دولية للتحكم في حركة
الملاحة في قناة السويس بحيث لا يسمح لها بإغلاق القناة في وجه أي دولة إلا إذا
كانت في حالة حرب مع مصر.