"عرب الرمل".. سماها المصطفى بـ"عرب القرآن"


إعداد: جلال الشايب


عرفت من خلال الأوراق الرسمية (الحكومية) باسم عرب الرمل؛ ولكنها على أرض الواقع هي "عرب القرآن".. وذلك ما هو إلا تعبير حقيقي عن واقع أهل القرية الكرام الذين نذروا أنفسهم وحياتهم لحفظ كتاب الله وتحفيظه لكل أهلها ابتداءً من الأطفال بكل مراحلهم العمرية؛ ومرورا بالشباب، وكبار السن؛ والمرأة؛ بل لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكنه تعدى لوضع مناهج عملية تطبيقية لتحفيظ القرآن للجنين في بطن أمه..كما أنها لم تتوقف بل وصلت إلى وضع وتدريس المناهج الخاصة بالمعاقين (ذهنيا وجسديا).

ويذكر أن من أطلق عليها هذا الاسم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عبر رؤيا لأحد الصالحين من أهلها؛ ويجري الآن العمل على تغيير اسمها علي الأوراق الرسمية ليتطابق مع الواقع حني إنك لا تجد بيتا إلا وفيه حافظين أو محفظين للقرآن؛ ليتحقق قول ربنا سبحانه وتعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]

واشتهرت قرية "عرب القرآن" ووصل صيتها إلى ربوع العالم –ليس فقط الإسلامي بل كل أقطار الأرض- فإنك إن كُتب لك أن تزور هذه القرية العظيمة فإنك لتَرَى أهلها وقد جمعوا من أشكال الأرض، فهذا بملامحه الصينية، والثاني بشكله الروسي والثالث الياباني والرابع الآسيوي والخامس العربي وهكذا، الكل جاء ليحفظ القرآن الكريم؛ على يد مشايخ فقهوا القرآن بعد حفظه، ففطنوا إلى قول ربنا سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15]، وطبقوه عمليا بمناهج مختلفة وضعت لكل فئة وشريحة.

ولكن وعلى الرغم من شهرة هذه القرية العظيمة في شتى أرجاء الأرض؛ إلا أنها لم تجد فرصتها ولا حظها في مصر (مقرها الأم)، لتلك الحرب التي كان معلنة على القرآن وأهله، إلا أن الله تعالى شاء أن تبرز هذه القرية، وتعود من جديد داخل مصر كلها؛ فبرز اسمها يعلو في سماء تحفيظ القرآن الكريم، مع عودة العلامة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق الأب الإمام السلفي المهاجر في سبيل الله، وذلك بعد غياب دام ما يقرب من ثلاثة وثلاثين عاما، كان ممنوعا خلالها من العودة إلى وطنه مصر ومسقط رأسه عرب القرآن، فقد ألقي فيها خطبة الجمعة الماضية وسط حشود كبيرة من أهل القرية والقنوات الفضائية التي نقلت الخطبة علي الهواء.

ومن الجدير بالذكر أن عرب القرآن عرفت بشهرة الكثير من شبابها بإجادة طريق "نور البيان في حفظ وتحفيظ القرآن " التي تُعد أبسط طريقة في تسهيل حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، فقاموا بنشرها بين أبناء القرية التي بها أكثر من عشرين مكتبا لتحفيظ القرآن تبدأ من صباح كل يوم، وهذه المكاتب ليست قاصرة علي الأطفال كما قد يتبادر إلي الذهن وإنما لكل الفئات العمرية حتى الطلاب فيها يتراوح عمرهم من الثلاثة وحتى الثلاثة بعد المائة إن وجد؛ فهناك الشيوخ من الرجال والقواعد من النساء يتسابقون في حفظ كتاب الله رغم أن كثير منهم لا يجيد القراءة والكتابة.

ولم يبخل أبناء القرية علي غيرهم بطريقة نور البيان وإنما جندوا أنفسهم لنشرها في كل محافظات مصر حيث يتم تعليمها للراغبين في ذلك من خلال كتب واسطوانات مدمجة فضلا عن استعداد جنود القرآن من أهل عرب القرآن للذهاب إلي الراغبين وتعليمهم إياها مجانا وفي أي مكان من أرض الجمهورية؛ بل ولو وصل الأمر إلى الخروج بعيدا عن سماء مصر، ما دام هناك احد يريد أن يتعلم فلن يجد أبدا من يقول له "لا"، وكذلك استقبالهم في عرب القرآن للمعايشة ومشاهدة التجربة عمليا.

ويذكر أيضا أن حب أهل القرية لكتاب الله لم يتوقف على ما سبق وإنما اجتهدوا في ابتكار برنامج مكثف لحفظ القرآن كاملا خلال أربعين يوما فقط بشرط التفرغ التام من الراغب في الحفظ والهمة العالية والإقامة في القرية، ويوفروا له كل واجبات كرم الضيافة ..وقد نجح أحد المحبين للقرآن في حفظه في 37 يوما. 

وما توقف نشر طريقة نور البيان علي مصر وأهلها فقط وإنما امتد إلي الخارج حيث استضافهم خادم الحرمين في مكة والمدينة لتعليم محفظي القرآن هناك بتلك الطريقة التي تمثل السهل الممتنع.. وسافروا كذلك إلي الولايات المتحدة بدعوة من الأقلية المسلمة هناك والي السودان وغيرها من الدول ليبلغوا العالم كله بهذا الفتح الإلهي في تسهيل حفظ كتابه العزيز.

وداخل القرية كان هناك استقبال لأطفال وشباب من مختلف الدول العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية حتى انك تجد مجاهدين من الصين والدول الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي ومن الولايات المتحدة ومن مختلف الدول الأوربية تركوا بلادهم وجاؤا في ضيافة أهل عرب القرآن الذين وفروا لهم كل سبل الإقامة الكريمة والدراسة الجادة حسبة لوجه الله ليخرجوا منها ويعودوا إلي بلادهم حافظين ومحفظين لغيرهم.

وقد سخر الله سبحانه وتعالي جنودا من أهل عرب القرآن لخدمة دينه والإشراف علي تلك المشروعات غير المسبوقة وعلي رأسهم الشيخ عصام يوسف ومحبيه في تحفيظ القرآن لأهل القرية والقرى المجاورة ونشر طريقة نور البيان في مصر والعالم.. وكذلك الشيخ محمد عبد الحفيظ الذي عاش في الولايات المتحدة لفترة طويلة وعمل بالتدريس فيها حتى وصل إلي مدير مدرسة وهو يُحفظ القرآن لغير الناطقين بالعربية من مختلف دول العالم الذين جاؤوا إلي عرب القرآن.

وأثناء تواجدنا بالقرية ووسط أهلها فوجئنا بالداعية الإسلامي الشاب الدكتور حازم شومان الذي يتميز بأسلوبه الماتع في مخاطبة جماهيريه.. وكان معه الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور أمين الأنصاري، وما كان منهما إلا أن احتضنا المجاهدين المسلمين الذين جاؤا من مختلف دول العالم لحفظ القرآن ومنهم الأطفال والشباب والفتيان الذين نذروا حياتهم لحفظ كتاب الله؛ على الرغم من كونهم لا يعرفون كلمة واحدة خارج كتاب الله باللغة العربية، والعجيب أنه يحفظ القرآن وبأحكامه التجويدية، وينطقه بلغة فصحية.

 

 

أعلى