حقل الغاز الفلسطيني

ماذا تعرف عن حقول الغاز الفلسطيني في البحر المتوسط؟ لماذا لم يتم استخراج الغاز من تلك الحقول حتى الآن؟ هل في ظل أزمة الغاز الحالية من الممكن أن يمسح الكيان الصهيوني ببدء الاستخراج؟ وهل ثمة صفقة خفية وراء ذلك؟


تدور مفاوضات حثيثة هذه الأيام بين الأطراف الثلاثة، مصر والسلطة الفلسطينية ودولة الكيان الصهيوني حول مشروع تنقيب الغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط فيما يعرف باسم حقل (مارين غزة1)، الذي يقع قبالة شواطئ قطاع غزة.

مصر التي على ما يبدو بأنها نجحت في إقناع دولة الكيان بالبدء في استخراج الغاز من الحقل الفلسطيني بعد تطويره، فيما المفاوضات التي تجري حالياً متعلقة بتوزيع الآليات والحصص والإيرادات لكل طرف.

 

 في هذا التوقيت وبعد استئناف الحديث الرسمي في فلسطين عن استكمال المفاوضات لتوقيع اتفاقية استغلال حقل غاز (مارين غزة 1) مع شركة "إيجاس" المصرية، ظهرت تساؤلات حول احتمالات نجاح تنفيذ الاتفاق حال إتمامه، في ظل عقبات صهيونية وفلسطينية داخلية.

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، كان قد أكد سابقًا أن حكومته ستشكل فريقاً يضم عدداً من الوزراء لمتابعة موضوع الغاز الفلسطيني في قطاع غزة، وأن رئيس صندوق الاستثمار محمد مصطفى، وفريقه يقومون بالتفاوض مع مصر لإنجاز اتفاقية الغاز الفلسطيني في قطاع غزة.

وفق خبراء اقتصاديين، فإن كلفة تطوير الحقل تقدر بحوالي (1.1) مليار دولار، وسيؤمن نحو (200) مليون دولار على الأقل لخزينة السلطة الفلسطينية سنوياً، فيما يزيد احتياطي الحقل على (33) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، والقيمة السوقية لاحتياطي الغاز تقدر ما بين (7 8) مليارات دولار، وإذا لم يتم تصديره والاقتصار فقط على استخدامه داخل الأراضي الفلسطينية فسيكفي (25) عامًا، ولا حاجة للاعتماد على الغير وتحديدًا دولة الكيان. وتجري مباحثات بين صندوق الاستثمار الفلسطيني ومجموعة اتحاد المقاولين "CCC"  من جهة والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" لتطوير الحقل، ويمتلك كل من صندوق الاستثمار ومجموعة اتحاد المقاولين حصة تبلغ (27.5%) من الحقل، أما النسبة المتبقية فتملكها الشركة المُشغلة. فيما يفتح ملف الغاز الفلسطيني المجال أمام السلطة الفلسطينية كي تصبح لاعبًا استراتيجيًا في سوق الطاقة بالمنطقة، خاصة أنها ضمن (9) دول أعضاء في منتدى غاز المتوسط.

في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر الماضي، نظمت الفصائل الفلسطينية، بغزة، فعالية شعبية ومجتمعية في ميناء غزة، رفضاً لاستمرار الحصار الصهيوني، وللمطالبة بالحق في الثروات الطبيعية في حقول الغاز والممر المائي، وألمحت إلى أنها لن تسمح بسرقة غاز غزة وستكون المُدافعة عن كل الحقوق الفلسطينية.

في هذا التوقيت وبعد استئناف الحديث الرسمي في فلسطين عن استكمال المفاوضات لتوقيع اتفاقية استغلال حقل غاز (مارين غزة 1) مع شركة "إيجاس" المصرية، ظهرت تساؤلات حول احتمالات نجاح تنفيذ الاتفاق حال إتمامه، في ظل عقبات صهيونية وفلسطينية داخلية.

ففي الوقت الذي تطالب فيه الفصائل في قطاع غزة؛ وعلى رأسها حركة حماس، بنصيب القطاع من الثروات الطبيعية، تعتبر السلطة الفلسطينية نفسها بأنها هي التي تملك الحق القانوني في هذه المطالبة، فملكية الحقل تنقسم بين السلطة الفلسطينية واتحاد المقاولين الفلسطيني، والبقية بنسبة (45%) ستكون للشركة المشغلة للحقل، ما يعني أن حركة حماس عليها أن تعمل مع السلطة من أجل الاستفادة من عائدات الغاز.

ومن جانب دولة الكيان، فإذا تم التوقيع على الاتفاق مع الشركة المصرية فسيكون بالضرورة هناك ترتيبات تنتفع من خلالها بقوة الاحتلال من عائدات الحقل مثل عائدات النقل عبر خط الأنابيب المصري- الصهيوني، وكذلك حق مرور السفن من وإلى مصر إلى منطقة قطاع غزة الاقتصادية، التي تمر بمناطق بحرية تسيطر عليها.

الحقل يقع على بعد 36 كيلومترًا غرب غزة في مياه المتوسط، وطورته شركة الغاز البريطانية "بريتيش غاز" عام 2000 ثم خرجت منه لمصلحة شركة "رويال داتش شل" التي غادرته أيضًا في 2018.

 

هل تملك كلا من مصر والسلطة الفلسطينية وسائل للضغط على الكيان الصهيوني في حال تراجع عن موقفه وعطل الاتفاق واستخراج الغاز بحجج واهية وهذا ديدنه في نقض الاتفاقيات دائمًا والتراجع عنها ووضع العراقيل أمام تنفيذها؟

مصادر رسمية فلسطينية، أكدت الأسبوع الماضي، أن الجانبين سيوقعان خلال الربع الأخير من العام الجاري 2022، على الاتفاق الفني الذي يحدد توزيع الحصص على الشركاء وكيفية تسويق الغاز، فيما المباحثات مستمرة منذ شباط/ فبراير الماضي، بين الأطراف الثلاثة وتم الاتفاق على قضايا مرجعية، أهمها أن تكون الأولوية في الغاز لسد احتياجات السوق الفلسطيني، ولا سيما شركات توليد الكهرباء الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة الذي يعاني من مشكلة الكهرباء، إضافة إلى محطة كهرباء جنين التي يجري العمل عليها.

بنود الاتفاقية تمت صياغتها على أساس إعطاء حقوق حصرية للمطورين، للتنقيب عن الغاز والنفط في المناطق البحرية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتطوير وتسويق أية كميات تجارية يتم اكتشافها من الغاز والنفط في منطقة الرخصة لمدة (25) عاماً، وتكون شركة "BG" هي المطور الفني للحقل ولها الحق في إجراء أية مسوحات زلزالية وحفر أية آبار في منطقة الرخصة للتنقيب عن الغاز والنفط، كما تعطي اتفاقية الرخصة حقوقًا حصرية لإنشاء البنية التحتية اللازمة لنقل وتوصيل الغاز من منطقة الاستكشاف والتطوير، بموجب الرخصة إلى أماكن الاستهلاك في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي مقابل ذلك، تحصل السلطة الوطنية الفلسطينية على نسبة (12.5%) من إجمالي عوائد المبيعات بشكل شهري، وذلك عند بدء الإنتاج، كما تحصل على ضريبة الدخل التي سيتم فرضها بنسبة (25%)، على أرباح الشركة المطورة، وعائد أرباح على المشروع بحسب نسبة مساهمة صندوق الاستثمار الفلسطيني في شركة التطوير والتي تعتبر حالياً (27.5%) كحد أدنى، وذلك في حال إدخال مطور جديد بنسبة (45%) كحد أقصى بموجب قرار مجلس الوزراء للعام 2017، وتلتزم السلطة الوطنية الفلسطينية، بإعطاء الأولوية للتزود من الغاز لاحتياجاتها من قبل المطورين، بما في ذلك إلغاء أية اتفاقيات قائمة لشراء الغاز من مصادر أخرى للتأكد من إمكانية إنتاج وتسويق أكبر قدر ممكن من الغاز الطبيعي المستخرج من قبل المطورين في فلسطين. ونظراً لضخامة وتكلفة مثل هذه المشاريع ومتطلبات تمويلها ودرجة المخاطر العالية، والتي يتم تنفيذها من قبل كبرى الشركات العالمية المتخصصة، فإن هذه الاتفاقية تحتكم إلى قوانين نيويورك والتحكيم الدولي.

تفاصيل استخراج الغاز من حقل (مارين غزة 1) قيد البحث، والمحادثات تتقدم بشكل جيد، لكن القضية برمتها تتعلق بنقطتين مركزيتين:

-                هل تملك كلا من مصر والسلطة الفلسطينية وسائل للضغط على الكيان الصهيوني في حال تراجع عن موقفه وعطل الاتفاق واستخراج الغاز بحجج واهية وهذا ديدنه في نقض الاتفاقيات دائمًا والتراجع عنها ووضع العراقيل أمام تنفيذها؟

-                هل تستطيع مصر التوصل لصيغة سياسية أو توافقية بين حماس وفتح تؤدي إلى وضع اتفاق يرضى به الطرفان؟ وما هي الحصة التي ستحصل عليها حركة حماس من جراء بيع الغاز قبالة سواحلها؟ وهل ستقبل بذلك؟ وهل ستكون الصيغة التوافقية والوحدة التناسبية بينهما في تقسيم أرباح الغاز هي المعيار والبوصلة للتعاطي مع أي ثروات طبيعية يتم اكتشافها في غزة بعد ذلك؟ وهل هناك ضمانات اقتصادية منحتها حركة حماس لمصر، تلتزم فيها بعدم إنفاق هذه الأموال في شراء الأسلحة والمعدات القتالية والصواريخ التي تهدد أمن الكيان؟

تحتوي قضية استخراج الغاز الفلسطيني من حقل (مارين غزة 1) رغم أنها حق طبيعي، ومصدر من مصادر الثروات الطبيعية التي يحق لأي بلد الانتفاع منها للعديد من التعقيدات في الوضع الفلسطيني، نظرًا لحساسية الموقف الفلسطيني، الذي يعاني من الاحتلال الذي يفرض سياساته الاحتلالية، ويحرم الشعب من حقوقه الشرعية، والحصار وسياساته الظالمة، إضافة إلى الانقسام الفلسطيني الذي دمر القضية الفلسطينية وشتت الموقف وحرف البوصلة عن قضية الشعب الفلسطيني الأساسية المتمثلة في الاحتلال وممارساته القمعية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل. فهل ستنجح الأطراف في المضي قدمًا في انتزاع الحق الفلسطيني في قضية غاز غزة أم ستقف الخلافات السياسية والاحتلال سدًا منيعًا أمامها؟ 

أعلى