• - الموافق2024/11/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من وراء تفجير خط الغاز نورد ستريم؟

قال الرئيس الروسي بوتين: إن العقوبات لم تكن كافية للأنجلو ساكسون، لقد انتقلوا إلى التخريب، وأضاف: من الصعب تصديق ذلك، لكن الحقيقة هي أنهم وراء تفجيرات خطوط أنابيب الغاز الدولية نورد ستريم، كما سارعت سفارة موسكو في كوبنهاغن، إلى المطالبة بنشر علني للتحقيق


في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي دوى انفجاران وقعا تحت بحر البلطيق مزقا خطي أنابيب غاز طبيعي عملاقين من روسيا إلى ألمانيا، وصفه الاتحاد الأوروبي والعديد من الحكومات الأوروبية بأنه هجوم وطالبوا بإجراء تحقيق.

وقد تضاربت التصريحات حول من يقف وراء الانفجارات التي حدثت في أنابيب خطي سيل الشمال 1 و2، أو نوردم 1و2.

ففي حين اتهم الغرب روسيا بالتفجير، فقد علق الرئيس الأمريكي بايدن على انفجار خط أنابيب الغاز نورد ستريم بقوله لقد كان عملاً تخريبياً متعمداً، وفي هذا السياق كتب المستشار الرئاسي الأوكراني ميخائيلو بودولاك على تويتر: تسرب الغاز في نورد ستريم ليس أكثر من هجوم إرهابي خططت له روسيا وعمل عدواني ضد الاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، قال الرئيس الروسي بوتين: إن العقوبات لم تكن كافية للأنجلو ساكسون، لقد انتقلوا إلى التخريب، وأضاف: من الصعب تصديق ذلك، لكن الحقيقة هي أنهم وراء تفجيرات خطوط أنابيب الغاز الدولية نورد ستريم، كما سارعت سفارة موسكو في كوبنهاغن، إلى المطالبة بنشر علني للتحقيق بالتسريب.

ولكن رئيسة المفوضية الأوروبية كتبت على تويتر أن المفوضية تريد الوضوح الكامل بشأن تسرب الغاز، مؤكدة أن أي محاولة متعمدة لتعطيل البنية التحتية للطاقة الأوروبية غير مقبولة، محذرة في الوقت عينه من أنه سيواجه أقوى رد فعل ممكن.

وعززت رئيسة وزراء السويد المنتهية ولايتها ماغدالينا أندرسون، فرضية التخريب حين صرّحت، بأنّ الحادث ربما يكون عملية تخريبية، بينما صرح رئيس الوزراء الدنماركي ميت فريدريكسن إن الانفجارات كانت نتيجة عمل متعمد من قبل أطراف مجهولة.

وسجل علماء زلازل في السويد والدنمارك انفجارات تسببت في هزات على مقياس ريختر بمقدار 2.1 و2.3، وذكروا أن هذه الهزات تتوافق مع انفجار كبير أو جراء قنبلة حرب قوية إلى حد ما، كما نقلت صحيفة بوليتيكن عن أستاذ الجيوفيزياء في جامعة كوبنهاغن كلاوس موسغورد، لم يعد هناك شك على أن ما جرى من تسريب في خطي الغاز ناتج عن عمل تخريبي.

ويبقى السؤال مطروحًا من الذي فجر خط الغاز؟

لكي نصل للاحتمال الراجح علينا الإجابة قبله عن ما أهمية خطي غاز نورد ستريم؟ ومن الأكثر استفادة من تفجيره؟ فالمحققون في القضايا الغامضة يبدأون بحثهم دائما بقاعدة ابحث عن المستفيد.

 

لا شك أن هناك صراعًا غربيًا روسيًا على تغيير النظام الدولي، فروسيا تريد إنهاء الهيمنة الأمريكية، وترى أن الوقت قد حان لإنزال العم سام من قمة النظام، وأن حرب أوكرانيا والتصدي لتمدد الناتو هي الفرصة السانحة

نورد ستريم ولعبة الغاز العالمية

يمتد خط أنابيب نورد ستريم 1 على عمق 1200 كيلومتر تحت بحر البلطيق من الساحل الروسي بالقرب من مدينة سان بطرسبرغ، إلى شمال شرق ألمانيا، ليُعد أطول أنبوب غاز تحت البحر في العالم، حيث يمكنه نقل نحو 170 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا كحد أقصى من روسيا إلى ألمانيا.

وتم افتتاح هذا الخط في أواخر 2011، وهدف إلى زيادة أمن الإمداد نحو أوروبا وجعل الغاز أرخص من نقله عبر سفن نقل. ويمتلكه وتديره شركة نوردستريم أي جي، والتي تمتلك شركة غازبروم الروسية التابعة للدولة معظم أسهمها.

وقد وافقت ألمانيا أيضًا على بناء خط أنابيب موازٍ هو - نورد ستريم 2 - لكن توقف العمل به قبل وقت قصير من غزو روسيا لأوكرانيا.

قبل غزو روسيا لأوكرانيا، كانت ألمانيا تحصل على 55 في المئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا، ولكن في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وكوسيلة للضغط على روسيا، استخدم الغرب سلاح المقاطعة لأنه يعلم جيدًا أن الدخل الروسي في معظمه من إمدادات الغاز والنفط.

ولكن هل استطاعت دول أوروبا الاستغناء عن الغاز القادم من روسيا عبر نورد ستريم بالكامل؟

لقد تمكنت ألمانيا من خفض نسبة اعتمادها على الغاز الروسي إلى 35 في المائة وتعهدت بإيقاف الواردات الروسية من الغاز بشكل كامل، وذلك عبر عدة طرق: منها الحصول على إمدادات بديلة من الغاز من كل من النرويج وهولندا، ومنها أيضًا السعي إلى شراء خمس محطات عائمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة، كما تعمل ألمانيا على زيادة استخدامها للفحم وإطالة عمر محطات الطاقة التي كانت تخطط لإغلاقها، على الرغم مما لذلك من آثار سلبية على البيئة، أما إيطاليا وإسبانيا فتحاول بدورهما استيراد المزيد من الغاز من الجزائر للتعويض عن نقص الغاز الروسي.

ولكن كل هذه الإجراءات ستستغرق عدة سنوات لكي تتمكن أوروبا من استبدال اعتمادها على الغاز الروسي بمصادر أخرى.

ولكن من فجر إذن خط نورد ستريم ليقطع الغاز الروسي عن أوروبا تمامًا وكاملاً، هل هي روسيا وما مصلحتها في ذلك، هل هي أمريكا؟

سنحاول مناقشة كل من الاحتمالين وتحليل الدوافع المحتملة لاتهام الطرفين.

روسيا وتفجير نورد ستريم

لا شك أن هناك صراعًا غربيًا روسيًا على تغيير النظام الدولي، فروسيا تريد إنهاء الهيمنة الأمريكية، وترى أن الوقت قد حان لإنزال العم سام من قمة النظام، وأن حرب أوكرانيا والتصدي لتمدد الناتو هي الفرصة السانحة.

 

منذ عقود والإدارات الأمريكية المختلفة قد وضعت نصب عينها تحجيم الغاز الروسي في قلب استراتيجيتها الموجهة للروس حتى منذ أيام الاتحاد السوفيتي، ففي عهد الرئيس رونالد ريغان أوائل الثمانينات وافق على خطة لتخريب خطوط الغاز، ففجرت الولايات المتحدة خط أنابيب غاز سوفيتي في سيبيريا في صيف عام

ومن بين أدوات روسيا لامتلاك القوة العالمية هي سعيها للاستحواذ على جزء كبير من سوق الطاقة خاصة المتجهة لأوروبا، نظرا للقرب الجغرافي وبالتالي فإن الغاز الروسي هو لأوروبا الأقل تكلفة.

ولكن روسيا وهي تضخ الغاز لأوروبا وضعت في اعتبارها، أن اعتماد أوروبا على الغاز القادم منها سيجعل أوروبا تأخذ موقفًا على الأقل محايدًا إذا أخذت روسيا خطوة في اتجاه التصادم مع قواعد اللعبة الدولية وتنهي الهيمنة الأمريكية.

لذلك فإن فرضية أن روسيا قامت بتفجير الخط لتقطع الغاز عن أوروبا هي فرضية غير صحيحة، لأنها بذلك ستفقدها ورقة خطيرة ومهمة في صراعها لإنهاء التفرد الأمريكي عالميًا.

قد يرد قائل بأن بوتين قد أمر بتخفيض الغاز الذاهب لأوروبا قبل التفجير بأسابيع.

نعم حدث ذلك، حتى أن شركة غازبروم الروسية الحكومية أعلنت أنها قد اكتشفت أعطالاً في خط الغاز الطبيعي الذي يمتد إلى أوروبا، ولم تحدد إطارًا زمنيًا تنتهي فيه عمليات الإصلاح والصيانة لهذا الخط الذي كان يعمل قبل وقف تدفق الغاز بـ 20 في المئة فقط من قدرته.

ولكن لنتذكر جيدًا ما حدث قبل الإعلان الروسي هذا، فعقب اعتراف موسكو بالمنطقتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، أعلن المستشار الألماني أنه قرر تعليق التصديق على تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" مع روسيا رداً على ذلك، محذراً من عقوبات إضافية محتملة، فجاء الرد الروسي بتبطيء إمدادات الغاز وليس منعها.

فهناك فرق بين بطء الإمداد لتذكير أوروبا وزجرها عن التماهي الكامل مع أمريكا في العقوبات ضد روسيا، وبين المنع الكامل الذي حدث في أعقاب التفجيرات التي لحقت بخط الغاز.

أمريكا واللعبة الخفية

ويتبقى السؤال ما هي الدوافع المحتملة لو كانت أمريكا هي الفاعل الرئيس في تفجيرات خط الغاز كما يبدو؟

منذ عقود والإدارات الأمريكية المختلفة قد وضعت نصب عينها تحجيم الغاز الروسي في قلب استراتيجيتها الموجهة للروس حتى منذ أيام الاتحاد السوفيتي، ففي عهد الرئيس رونالد ريغان أوائل الثمانينات وافق على خطة لتخريب خطوط الغاز، ففجرت الولايات المتحدة خط أنابيب غاز سوفيتي في سيبيريا في صيف عام 1982، وقد تم نشر المعلومات عن هذه العملية لأول مرة في صحيفة الغارديان في فبراير 2004.  

 

لم تخف إدارة بايدن رغبتها بوقف تدفق الغاز من نورد ستريم، ففي مؤتمر صحفي له وقبل الغزو الروسي بأسبوعين وأمام المستشار الالماني أولاف شولتس ‏وعد بايدن صراحةً بعدم وجود نورد ستريم 2 إذا غزت روسيا أوكرانيا، وهنا سألته الصحفية كيف تفعلون ذلك وخط الغاز تحت السيطرة الألمانية، فأجاب بايدن سنقوم بذلك

أما كوندوليزا رايس، التي شغلت منصب وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش فقد أوضحت ما تنوي أمريكا فعله وتبرير ذلك، ففي مقطع فيديو متداول من مقابلة على برنامج N24 في عام 2014 قالت: الاقتصاد الروسي، ضعيف، ف 80% من الصادرات الروسية هي النفط والغاز والمعادن، سيقول الناس حسنًا أوروبا ستنفد فيها الطاقة، نعم ولكن الروس ستنفد لديهم السيولة قبل أن تنفد الطاقة من أوروبا.

وتابعت قائلة: أنا أفهم أنه من غير المريح أن يكون لديك تأثير على روابط الأعمال بهذه الطريقة، ولكن هذه إحدى الأدوات القليلة المتوفرة لدينا، على المدى البعيد، أنت ببساطة تريد تغيير هيكل الاعتماد على الطاقة وتريد الاعتماد أكبر على منصات الطاقة الأمريكية الشمالية.

ومنذ الإعلان عن إنشاء خط الغاز ستريم 2، منذ عدة أعوام والولايات المتحدة دأبت على استنكار الخطوة الأوروبية في الاعتماد على الغاز الروسي، حتى إدارة ترامب المعروفة بعلاقتها الجيدة مع روسيا، قد أعلنت عن عدم رضاها عن ذلك عندما صرح ترامب أن أوروبا ترهن نفسها عند روسيا في اعتمادها عليها في استيراد الغاز.

فالدوافع الأمريكية في قضية استيراد الغاز الروسي تتعلق بقضيتين اقتصادية واستراتيجية:

أما الاقتصادية فأمريكا تريد من أوروبا الاعتماد على الغاز الأمريكي، ليتدفق عائداته لصالح أمريكا بدلاً من روسيا.

أما الدافع الاستراتيجي، فيتمثل في إنهاء الطموح الروسي للصعود العالمي ومنافسة أمريكا في الهيمنة العالمية وقطع ذراعه الأقوى والأهم في مصادر دخله وهي تصدير الطاقة.

لم تخف إدارة بايدن رغبتها بوقف تدفق الغاز من نورد ستريم، ففي مؤتمر صحفي له وقبل الغزو الروسي بأسبوعين وأمام المستشار الالماني أولاف شولتس ‏وعد بايدن صراحةً بعدم وجود نورد ستريم 2 إذا غزت روسيا أوكرانيا، وهنا سألته الصحفية كيف تفعلون ذلك وخط الغاز تحت السيطرة الألمانية، فأجاب بايدن سنقوم بذلك، أعدك أننا سنكون قادرين على القيام بذلك.

قبل التفجير بعدة أيام، تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين عن توريد أمريكا للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، وقال إنها فرصة هائلة لإزالة الاعتماد على الطاقة الروسية بشكل نهائي.

 

 

 

 

 

 

 

أعلى