• - الموافق2024/12/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
في ذكرى مقتل مجرم حرب!

في مقال له في صحيفة واشنطون تايمز وصف الصحفي الأمريكي الشهير كينيث تيمرمان قاسم سليماني بأنه قوي وذو نفوذ طاغ ومتهور ويظهر بوقاحة بميادين القتال، وأصبح صانعا للحكومات ورؤسائها في العراق، ويقود مليشيا من مئة ألف رجل.


في مثل هذا اليوم منذ عام، أطلقت صواريخ أميركية من طائرة مسيرة (من دون طيار)، والهدف قاسم سليماني، مهندس حروب إيران في المنطقة وقائد ميليشياتها، وبجانبه أبو مهدي المهندس نائب قائد ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي العراقية الموالية لطهران.

وقاسم سليماني هو قائد ما يطلق عليه فيلق القدس، والذي كان يعد الرجل الأخطر في النظام الإيراني، والأهم أنه كان المسئول عن علاقات إيران بأذرعها الخارجية في المنطقة العربية وتسليحها وتدريبها وتمويلها.

فأحد أهم مسارات الاستراتيجية الإيرانية للتمكين في العالم الإسلامي واحياء الإمبراطورية الفارسية، تمثلت في إيجاد أذرع لها في محيطها الإقليمي تستطيع بها بسط هيمنتها ونفوذها في المناطق التي تتمدد إليها.

وارتبطت تلك الاستراتيجية بمصطلح تصدير الثورة، فمنذ الإطاحة بنظام الشاه استعمل الخميني لفظ تصدير الثورة أكثر من مرة حتى أن أنصاره جمعوا كلامه عن التصدير تلك في رسالة وأطلقوا عليها "تصدير الثورة كما يراه الامام الخميني" وورد في هذا الكتيب عبارات كثيرة منها "إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم"

ويعني الخميني بمصطلح تصدير الثورة محاولة نقل نموذجه (جمهورية النظام الإيراني الجديد) إلى الدول المجاورة وتوسيع نطاق نفوذه الاستراتيجي.

ولتطبيق تلك الاستراتيجية على الأرض عمد النظام الى تأسيس فيلق القدس، الذي بدوره هو واحد من خمسة فيالق يتكون منها الحرس الثوري الإيراني، فهناك ثلاثة من هذه الفيالق تعتبر تقليدية وقريبة من دور الجيش الإيراني وهي الفيالق البرية والبحرية والجوية، ومهامها تتداخل مع مهام قوات الجيش الإيراني الذي يتكون أيضاً من هذه الأنواع الثلاثة الرئيسية بالإضافة إلى وجود فيلقين مهمين: قوات التعبئة (الباسيج) وتتركز مهامه في الداخل الإيراني وفيلق القدس وهو منوط بالدور الخارجي ومن أشهر قواده قاسم السليماني.

وقد أعلن عن تأسيس فيلق القدس بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، بينما تتحدث مصادر أخرى أن ذلك تم عام 1991.

ولا يعرف ميزانية فيلق القدس حيث تبقي إيران هذا الأمر سرا حتى أن هذا الأمر لا يخضع لمناقشة البرلمان الإيراني، ولكن أقل هذه التقديرات تصل بالرقم الى ثلاثمائة مليون دولار.

ولعل أصدق وصف ما اعتبره رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي أنه لولا الحرس الثوري وفيلق القدس لكانت الآن كل من دمشق وبغداد مرتعا للإرهابيين، حسب وصفه.

قاسم سليماني

ولد هذا الرجل عام 1957، وكان من أوائل الملتحقين بالحرس الثوري عام 1980، وشارك في الحرب ضد العراق قائدا لفيلق ما يعرف ب (41 ثأر الله)، ومع بداية التسعينيات عمل قائدا للحرس الثوري في محافظة كرمان قرب الحدود الأفغانية، قبل أن يعين قائدا لفيلق القدس عام 1998.

وحسب تقرير قناة إيران إنترنشنال، فإن هذا الفيلق قد تمكن من انشاء ميليشيات، لا تزال بمثابة الأذرع العسكرية للجمهورية الايرانية ضد خصومها وأعدائها في كل هذه المناطق والبلدان، ولم يكن قاسم سليماني القائد العام لهذه الجماعات فحسب، بل كان أيضًا مؤسسًا لبعضها، مثل الحشد الشعبي، وفاطميون، وزينبيون، كما استخدم هذه الجماعات كشبكة في إطار استراتيجيات إيران للتمدد في المنطقة.

وقد كشفت وثيقة سرية للاستخبارات الإيرانية نشرها موقع ذا انترسيبت الأمريكي، دور قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في ارتكاب جرائم إبادة أثناء الحرب على داعش، وكشفت تلك الوثائق كيف أعرب الجواسيس الإيرانيون سراً عن قلقهم من التكتيكات الوحشية التي يفضلها سليماني ووكلائه العراقيون، والتي كانت تؤسس بحسب تقديرهم لرد فعل كبير ضد الوجود الإيراني في العراق، ومن بين تلك المجازر التي كان لسليماني دورا فيها ما قام به في مجزرة جرف الصخر ضد السكان السنة.

وفي مقال له في صحيفة واشنطون تايمز وصف الصحفي الأمريكي الشهير كينيث تيمرمان قاسم سليماني بأنه قوي وذو نفوذ طاغ ومتهور ويظهر بوقاحة بميادين القتال، وأصبح صانعا للحكومات ورؤسائها في العراق، ويقود مليشيا من مئة ألف رجل.

وتشير صحيفة الجارديان البريطانية إلى تعاون قاسم سليماني مع أمريكا في بداياته، عندما تم تعيينه في عام 1998 قائدًا لقوة القدس، فتقول الصحيفة بالحرف إنه لفت انتباه القوى الخارجية والولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر على أمريكا وغزو العراق عام 2003، عندما كان هناك تعاون مع الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان.

ولكن تعدد الصحيفة البريطانية جرائم الرجل، فتتكلم عن أشهر ثمان جرائم ارتكبها وهي:

مشاركته في الحرب الأكثر دموية القرن الماضي (تقصد الصحيفة حرب العراق وإيران)، وتسببه في مقتل وتهجير عشرات الآلاف في العراق، وأيضا بكون سليماني سببا مباشرا في مأساة آلاف السوريين بالتهجير، كذلك علاقاته بممارسات ميليشيا حزب الله، ودعم ميليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن، كما ساهم في تخريب لبنان وأثار الفتن السياسية فيه، فضلا عن أنه في عام 2011، تورط سليماني في مؤامرة لتوظيف كارتل مخدرات مكسيكي لقتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة آنذاك عادل الجبير، وأخيرا تتحدث الجارديان عن إصرار سليماني قبل مقتله على الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي يزور المقاتلين الشيعة في الخطوط الأمامية في العراق أو سوريا.

ولعل التحقيق الذي نشرته صحيفة نيويوركر الأميركية وأجراه الصحافي ديكستر فيلكين، يصف بدقة دور هذا الرجل الذي كما وصفته الصحيفة، بأنه سعى منذ تسلمه قيادة فيلق القدس "إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليكون لصالح إيران، وعمل كصانع قرار سياسي وقوة عسكرية: يغتال الخصوم، ويسلّح الحلفاء".

ولكن دوره في مذابح وتهجير السوريين إضافة إلى مشاركته بأعمال تغيير التركيبة السكانية على أساس طائفي كان الأبرز، لذلك يوم مقتل سليماني، كان يوم فرحٍ عارم وبهجة غامرة على امتداد الجغرافيا التي اتسعت للسوريين في العالم، فوزعت الحلويات وأقيمت الوقفات الاحتفالية ابتداء من مدينة إدلب، وانتشرت الاحتفالات إلى البلدان التي لجأ إليها السوريون في تركيا وأوروبا وحتى في بعض الدول العربية.

فمثلا في معركة السيطرة على مدينة القصير السورية دمرت ميليشيات سلماني جزءًا واسعًا منها، وتقول التقارير الصحفية حينها أنه تم تدمير أكثر من 90% من المدينة بعد حصار خانق للمدينة، وبدأ الناس نتيجة لاشتداد الحصار بمغادرة القصير ليلًا والتسلل عبر البساتين للهروب من جحيم القصف على المدينة وقراها. وتذكر تقارير أن المليشيات الإيرانية واللبنانية إضافةً إلى جنود النظام قتلوا وقتها نحو ثلاثة آلاف إنسان من أهل المنطقة.

أما في حلب فقد تناقلت وسائل إعلام إيرانية صوراً مسربة لسليماني يتجول بين أحياء حلب المهدمة بفعل قصف قواته لها، وقتل سليماني وحلفائه من أهالي حلب عشرات الآلاف كما نتج عن حربهم على المدينة أكبر عملية تهجير تحصل في سوريا، ويذكر الناشط السوري عمر مدنية أنه من أفظع جرائم قاسم سليماني بعد قتل الصغير والكبير في سوريا، هو تدميره المسجد الأموي في حلب والذي تجاوز عمره ١٣٠٠ سنة هجرية.

ولكن ماذا فعل فيلق القدس بزعامة قاسم سليماني لفلسطين والتي سميت ميلشياته باسم القدس؟

في ذروة الحرب الأهلية في العراق بين عامي 2006-2007، قال الجيش الأميركي إن سليماني كان يزود الميليشيات الطائفية بالأسلحة، التي تتهم بارتكاب جرائم مروعة ضد العراقيين والفلسطينيين المقيمين هناك، مما يظهر أن القدس ليس سوى شعار زائف يحمله سليماني.

ولا شك أن إيران عن طريق فيلق القدس أمدت بعض فصائل المقاومة الفلسطينية بالسلاح والتدريب في مرحلة معينة، ولكن الذي يعرف ما يدور في الإقليم يدرك أن إيران تستخدم الملف الفلسطيني كورقة في صراعها مع الكيان الصهيوني المستاء من الصعود الإيراني لينافس إسرائيل على زعامة المنطقة.

فإسرائيل ترى في الدور الإيراني كخادم لاستراتيجيتها في منع صعود أي قوة سنية تسيطر على الشرق الأوسط، ولكن إذا تجاوز هذا الدور ليكون ندا لإسرائيل في زعامة المنطقة فهنا تتدخل إسرائيل للحد من هذا الدور واعادته لحجمه الطبيعي والدور المقبول إسرائيليا.

 

 

أعلى