• - الموافق2024/12/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
السودان يريد سوار الذهب

مرت على الدولة السودانية محاولات انقلاب عسكري وصلت إلى 11 محاولة على مدار 64 عاما نجحت ثلاث منها فقط، وفيها تسلمت القوات المسلحة السودانية الحكم إثر ما أطلق عليه البعض انقلابات عسكرية بينما سماها آخرون تصحيح لمسار الحكم بعد انسداد الأفق أمام الطبقة الحاك


"القوي السياسية هي من رفضت إعادة تجربة سوار الذهب"

هكذا خرج قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مؤتمر صحفي يوم أمس الثلاثاء يبرر فيه تحرك الجيش السوداني، لينهي الفترة الانتقالية التي كان يتقاسم فيها الجيش السوداني مع بعض القوى المدنية العلمانية، ويعتقل بعض قيادات تلك القوى وممثليهم في الحكومة من وزراء وغيرهم.

ويمضي برهان في مؤتمره الصحفي فيقول مبررا: أن القوي السياسية هي من رفضت إعادة تجربة سوار الذهب، مشيرا الي أن القوي السياسية أرادت الاستفراد بالمشهد بالسودان، مضيفا أن القوات المسلحة قدمت كل التنازلات المطلوبة لتلبية إرادة الشعب السوداني، قائلا استجبنا لإرادة الشعب السوداني ووضعنا أيدينا بأيدي القوى الوطنية.

وأشار الي أن قوى الحرية والتغيير رفضت الاستماع لوجهة نظرنا، وكان هناك تحريض على القوات المسلحة، وهناك وزير في الحكومة كان يدعو للفتنة في السودان.

والملاحظ أنه منذ سنتين وبعد يوم واحد فقط من إسقاط نظام الرئيس عمر البشير، صرح الفريق أول ركن عمر زين العابدين رئيس اللجنة السياسية المكلفة بالمجلس العسكري الانتقالي حينها في السودان، "نحن أبناء سوار الذهب ولن نخون الشعب".

ولكن من هو سوار الذهب هذا الذي يستشهد به قادة الجيش السوداني؟ وماذا فعل لتكون تجربته مثلا يستشهد به؟

تسلط سيرة المشير سوار الذهب على حقبة استثنائية من تاريخ السودان زهد فيها ضباط الجيش عن الحكم، وتركوا فيها الأمور وسياسة الدولة لطبقة من المدنيين اختارهم الشعب في انتخابات حرة نظيفة.

فالمشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، الرئيس الخامس للسودان الذي وخلافا لكثير من القادة العسكريين وعد بترك السلطة لحكومة مدنية وأوفى وعده.

فقد تسلم الرجل السلطة إثر انقلاب على الرئيس السابق جعفر النميري، استجابة لانتفاضة السادس من أبريل 1985، وكما وعد سلم السلطة بعد عام إلى حكومة منتخبة برئاسة الصادق المهدي (رئيس الوزراء).

عند استعراض تاريخ الجيش السوداني وتدخله في السياسة، نجد أن ظاهرة سوار الذهب هي ظاهرة فريدة في تاريخ السودان المعاصر، فقد مرت على الدولة السودانية محاولات انقلاب عسكري وصلت إلى 11 محاولة على مدار 64 عاما نجحت ثلاث منها فقط، وفيها تسلمت القوات المسلحة السودانية الحكم إثر ما أطلق عليه البعض انقلابات عسكرية بينما سماها آخرون تصحيح لمسار الحكم بعد انسداد الأفق أمام الطبقة الحاكمة السياسية المدنية.

انقلاب الفريق عبود

أولى انقلابات الجيش السوداني الناجحة، هي انقلاب الفريق عبود، الذي جاء بعد الاستقلال. فبالرغم من فوز الحزب الاتحادي السوداني بالانتخابات وهو الحزب الذي نشأ بهدف الارتباط السوداني السياسي بمصر كبلد واحد، إلا أنه وافق على الانفصال عنها عام 1956 بالتعاون مع حزب الأمة الذي يقوده المهديون والذي يكن عداء تاريخيا لمصر، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ السودان حيث المنافسة بين الحزبين في الانتخابات ليتم تداول الحكم بينهما.

كان الحزبان يعبران عن أكبر جماعتين صوفيتين في السودان، الأولى وهي طائفة الأنصار والثانية تعبر عن طائفة الختمية الميرغنية، ولكن سرعان ما تفاقمت الخلافات بين الحزبين سواء بين بعضهما، أو حتى داخل كل حزب على حدة مما أثر على أحوال البلاد في بداية استقلالها وساءت حالة البلاد الاقتصادية، خاصة أن حكومة الأحزاب قد أخفقت في بيع القطن السوداني الذي تراكم لعدة أعوام، وكان القطن في ذلك الوقت هو عمود الاقتصاد السوداني، مما أدى إلى تصاعد سخط الجماهير عليها، وأيضا كان هناك من ينتقد الخلافات مع مصر الذي تصاعدت بسبب منطقة حلايب، وبسبب اقتسام مياه النيل.

وفي عام 1958 أي بعد عامين من الاستقلال، فوجئ الجميع بتسليم رئيس الوزراء حينها عبد الله خليل (وهو المنتمي لحزب الأمة بالخلاف لتوجهات الحزب) السلطة إلى الجيش.

كان قائد الجيش حينئذ الفريق إبراهيم عبود الذي أعلن فور توليه الحكم بأنه سينهى الجفوة المفتعلة بين مصر والسودان، كما أعلن قبوله للمعونة الأمريكية والاعتراف بالصين الشعبية.

وكانت العلاقات بينه وبين أمريكا ودية فقد تلقى دعوة من الرئيس الأمريكي جون كنيدي لزيارة الولايات المتحدة، أسفرت عن إسهام أمريكا في مشروع الطرق السودانية، تلك الزيارة عززت الشكوك في كون انقلاب عبود مدعوم أمريكيا.

لقد حاول عبود تشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة شئون البلاد، ولكنها فشلت في حل المشاكل التي تواجهها السودان بالرغم من تدفق المعونات الغربية عليها.

ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير تمثلت في الممارسات الديكتاتورية للعسكر، وسياسات تضييق الخناق وكبت الحريات التي تصاعدت إلى حد التنكيل والقبضة الأمنية المشددة.

مما دفع الناس بعد ست سنوات من حكمه إلى الثورة والتي سميت بثورة أكتوبر عام 1964، حيث تعد تلك الثورة أول ثورة شعبية تطيح بنظام عسكري في المنطقة بأسرها، حين أزاحت نظام عبود وأجبرته على تقديم استقالته بعد 3 أسابيع فقط من انطلاقها، ليتسلم السلطة المدنيون وبعدها عاد الجيش إلى ثكناته.

انقلاب نميري

وبعد خمس سنوات من الحكم المدني عاد الجيش ليقوم بانقلاب عام 1969، بقيادة العميد جعفر نميري ومعه مجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي السوداني وبعض الأحزاب القومية.

وظل نميري في الحكم طيلة ستة عشر عاما، وبالرغم من أن عهد نميري شهد أطول هدنة بين المتمردين والحكومة دامت 11 عاما، فإنه عرف أيضا ظهور الحركة الشعبية وجناحها العسكري الجيش الشعبي لتحرير السودان، كما عرف بروز جون قرنق أبرز زعماء المتمردين، وشهدت الحرب الأهلية في عهده فصولا دامية.  

انقلاب البشير

نفذ سوار الذهب وعده وسلم السلطة بعد عام لحكومة منتخبة ترأسها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي مؤتلفا مع الحزب الوطني الاتحادي بزعامة محمد عثمان الميرغني تارة ومع الجبهة الإسلامية بزعامة الدكتور حسن الترابي تارة أخرى.

لم تعش هذه الحكومة الديمقراطية غير ثلاثة أعوام تقريبا تخللتها صراعات كثيرة بين القوى السياسية، نجم عنها عدم استقرار سياسي، واستقطاب حاد بين المكونات السياسية، وتقدم كبير لتمرد الجنوب على حساب الجيش السوداني، حتى باتت العاصمة الخرطوم مهددة بالسقوط في يد زعيم المتمردين الجنوبيين جون جارانج.

نجح العميد عمر البشير في 30 يونيو 1989 في تنفيذ انقلاب عسكري بمساعدة "الجبهة القومية الإسلامية" بزعامة الراحل حسن الترابي؛ وتمكن من انتزاع السلطة من الحكومة المدنية المنتخبة التي كان يرأسها الراحل الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك.

وظل البشير في الحكم ما يقرب من ثلاثين عاما، واختلف الكثيرون في تقويم حكمه ممن يعدونه نظاما إسلاميا تعرض لمؤامرة خارجية، وممن يقولون إنه نظام عسكري ديكتاتوري ارتدى رداء الدين لتثبيت أركان حكمه، لينتهي به المطاف إلى شبه ثورة وتحالف عسكري مدني يساري أطاح به لتولي الحكم.

خصائص انقلابات السودان:

من التتبع السريع لانقلابات الجيش السوداني يمكن ملاحظة عدة خصائص مشتركة أهمها:

1-انها تجيء بعد فشل النخبة المدنية من الأحزاب في الحكم وإدارة شئون البلاد، وتصاعد الأزمات الاقتصادية والمعيشية مما يؤدي إلى ازدياد سخط وغضب الناس.

2-أن هذه الانقلابات العسكرية تتم في الغالب بدعم مصري مخابراتي خفي، لاعتقاد راسخ لدى القيادات العسكرية المصرية الحاكمة أن وجود نظام حكم ينبع من الشعب في السودان، سيكون بمثابة عدوي يمكن أن تنتقل إلى الشعب المصري.

3-أن هذه الانقلابات يعقبها ثورة شعبية تطيح بالحكم العسكري في السودان، يعقبها انتقال الحكم إلى النخبة المدنية السودانية من أحزاب وجماعات، والتي تعجز في النهاية عن إدارة البلاد وتتفاقم الخلافات بينها.

ولكن الذي مثل استثناء في انقلابات الجيش السوداني كان انقلاب الجنرال سوار الذهب.

 لماذا هذا الاستثناء؟

لأنه لم يكن انقلابا على حكم مدني بل كان انقلابا على حكم عسكري جاء بانقلاب، ثم ان سوار الذهب كان رجلا ذو توجهات نظيفة غير طامع بالحكم، معروف عنه التزامه الديني الغير منتمي لأي فصيل أو جماعة سياسية أو طائفة بالسودان، حتى أنه بعد الاعتزال تفرغ لأعمال الدعوة الإسلامية من خلال منظمة الدعوة الإسلامية كأمين عام لمجلس أمنائها، فالرجل جاء بصدق ليخلص البلاد من ورطتها، والأهم أنه لم يكن له أي انتماء خارجي... لذلك التف حوله الشعب السوداني.

فهل سيتكرر نموذج سوار الذهب على يد قيادات الجيش السوداني الحالي، أم أن نموذجهم لن يختلف عن نماذج تحركات الجيش السوداني في المرات السابقة؟

أعلى