حماس تدافع عن ملايين الفلسطينيين المقهورين منذ أكثر من سبعين عاما المشردين عن ديارهم وأوطانهم
"لا زالت واشنطن تعتبر قوى المقاومة قوى إرهابية طالما تدافع عن نفسها وشعبنا وتعمل
على رد حقوق الشعب الفلسطيني"
هذا ما صرح به الكاتب السياسي المقرب من حركة حماس مصطفى الصواف الذي يقول: أنه لا
يرى أن الإدارة الأمريكية قد غيرت موقفها تجاه حماس وقوى المقاومة، مضيفا: "صحيح
هناك تغير في الرأي العام الأمريكي، لكن لا يوجد تغيير في السياسة العامة للدولة"
بينما قال الباحث والحقوقي الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة معين عودة، لوكالة
الأناضول للأنباء، إن فكرة وجود علاقة مباشرة بين إدارة بايدن وحماس صعبة حاليا،
"لأن حماس مصنفة منظمة إرهابية في واشنطن".
وفي الوقت الذي تصنف فيه الولايات المتحدة حماس كمنظمة إرهابية، فإنها تعترف
بالحوثية في اليمن وترفض تصنيفهم بالإرهاب وتتعامل معهم سرا وعلنا، بالرغم من انهم
يرفعون شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل..
وبعد ان صنفت ادارة ترامب الحوثية قبل رحيلها بأسابيع بأنها منظمة إرهابية، عادت
ادارة بايدن لتلغي هذا التصنيف فور مجيئها وقال متحدث باسم وزارة الخارجية
الأمريكية، إن الوزارة أبلغت الكونغرس رسميا بنية وزير الخارجية أنطوني بلينكن حذف
الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية.
فهل الحوثية حركة بعيدة عن الارهاب والقتل بينما حماس تمارس القتل والارهاب؟
لو تحدثنا عن جرائم الحوثية في اليمن فإن القائمة تطول: ففي أحدث تقرير أصدرته
مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان رصدت فيه ارتكاب الحوثيين في عام 2020،
لنحو 1700 انتهاك يتعلق بالاستهداف المباشر للمدنيين، في المناطق التي تخضع
لسيطرتهم؛ حيث قتل 712 مدنياً من بينهم 122 طفلاً و66 امرأة، كما أصيب نحو 940
مدنياً من بينهم 247 طفلاً و113 امرأة، وقال التقرير: إن جماعة الحوثي جندت منذ
بداية النزاع أكثر من 30 ألف طفل، من بينهم 4600 طفل في عام 2020، في تجاهل واضح
للحظر المفروض على تجنيد الأطفال بموجب القانون الدولي الإنساني والمعاهدات
والأعراف الدولية.
كذلك أعلن مركز حقوقي يمني غير حكومي، عن توثيقه 53 حالة انتهاك طالت مدنيين في
محافظة تعز خلال شهر فبراير الماضي، ارتكبت أغلبها ميليشيات الحوثي بشكل مباشر
ومتعمد، واحتلت النساء والأطفال صدارة المشهد؛ من حيث الضحايا الذين سقطوا على يد
ميليشيات الحوثي. وقال مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في تقريره الشهري إن
فريقه الميداني استطاع توثيق مقتل 9 مدنيين بينهم 4 أطفال، تسببت ميليشيات الحوثي
بمقتل 5 مدنيين 4 منهم من الأطفال؛ حيث قتل طفل واحد بشظايا القذائف، إضافة إلى قتل
طفلين برصاص قناص تابع لميليشيات الحوثي، فيما قتل طفل برصاص مباشر، وقتل مدني
بانفجار لغم أرضي زرعته ميليشيات الحوثي. ووثق الفريق الميداني للمركز حالة اختطاف
وإخفاء قسري نفذتها ميليشيات الحوثي، ووثق أيضاً قيام ميليشيات الحوثي بتهجير 10
مدنيين قسرياً بينهم امرأة من مزارعهم ومنازلهم في منطقة الحيمة العليا بمديرية
التعزية.
نحن هنا نتكلم عن جرائم حدثت في الأشهر الأخيرة فقط، ولا نذكر الجرائم التي تتم منذ
ما يقرب من عشر سنوات، حين قاموا بذبح قيادات وضباط وجنود الجيش اليمني عند
احتلالهم المحافظات اليمنية ودخولهم صنعاء.
ولكن هل التعامل الأمريكي مع حوثية اليمن هو جزء من استراتيجيتهم مع إيران باعتبار
الحوثية فرع وذراع من أذرعها في المنطقة؟ أم تتعامل معهم كجماعة منفصلة عن التوجهات
الإيرانية ترى فيها أمريكا أن هناك مصالح مشتركة معها؟
لكي نحلل كيف يفكر صناع القرار الأمريكي في مصالحهم مع الحوثية، علينا أن نطلع على
تقرير نشره موقع
Responsible Statecraft
الأمريكي إذ يكشف الموقع الأمريكي أن الحوثيين يراعون المصالح الأمريكية فهم بحسب
الموقع كانوا دوماً قادرين على اعتراض "الشحن الدولي" نفسه في جنوب البحر الأحمر،
إن أرادوا ذلك. ولكن حتى الآن، يهاجم الحوثيون أهدافا عسكرية واستراتيجية إماراتية
وسعودية (وبعض سفن البحرية الأمريكية خطأ)، لكنهم لم يهاجموا الشحن التجاري.
أي أن هذا الجزء من التقرير لا يرى في الحوثية أي خطر على أمريكا، ولكن يوظفهم لهدف
ما حيث يمضي التقرير فيقول: "الحل الأمثل للمنطقة وواشنطن هو تمكين القوات المحلية
والدولية من العودة إلى التوازن". في إشارة إلى ترك الأطراف المحلية (أي الحوثيين
مع التحالف) تتقاتل دون تدخل أمريكي.
فهذا الكلام يقدم تبريرا جيدا وجوابا على سؤال لماذا رفعت أمريكا جماعة الحوثيين من
سجل الجماعات الإرهابية.
ولكن هذا التبرير يمكن تفسيره جزئيا وليس كل الدوافع الأمريكية.
فإقدام أمريكا في عهد بايدن على رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب يرتبط أيضا
باستراتيجية تلك الإدارة تجاه العالم وإيران.
حيث أعاد بايدن تقييم التهديدات والتحديات الاستراتيجية التي تواجهها أمريكا، حيث
خلصت هذه التقييمات إلى ضرورة تركيز الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين وروسيا
لمواجهة تمددهم في العالم، والذي بات يهدد التفرد الأمريكي بالسيطرة العالمية
ومكانتها كقوة كبرى.
وتضمنت الوثيقة الاستراتيجية للسياسات الخارجية المؤقتة لإدارة بايدن التي نشرت في
وقت سابق من شهر مارس الماضي، هذه العبارة "صيناً أكبر نفوذا وأكثر إثباتا لوجودها
هي المنافسة الوحيدة التي لديها القدرة على حشد قدراتها الاقتصادية والدبلوماسية
والعسكرية والتقنية لتحدي النظام العالمي المستقر والمنفتح بشكل دائم".
وقبل تعيينه في منصبه الحالي، شارك مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مع
كبير مستشاري بايدن للشؤون الآسيوية كورت كامبيل، في كتابة مقال نشرته مجلة (فورين
أفيرز) قالا فيه بصراحة ووضوح إن "حقبة التواصل مع الصين وصلت إلى نهايتها".
ولذلك نجد أن الكونجرس الأمريكي أقر مشروع قانون ضخم للسياسة الصناعية، يهدف إلى
مواجهة التهديد الاقتصادي المتزايد من الصين، ويأمل في التغلب على الانقسامات
الحزبية لضخ أكثر من 170 مليار دولار في البحث والتطوير.
أما مع روسيا، فقد أعلنها بايدن صريحة، أنه يضع خطوطا حمراء لروسيا في العالم ينبغي
لها عدم تجاوزها، وفي نفس الوقت فإن رئيس القيادة الشمالية للقوات المسلحة
الأمريكية وقيادة الدفاع الجوي والفضائي في أمريكا الشمالية، قد صرح خلال جلسة
استماع في مجلس النواب في شهر مارس الماضي، إن "روسيا تسعى لنشر مزيد من الأسلحة
المتطورة لضمان قدرتها على إيصال الرؤوس النووية إلى أراضي الولايات المتحدة"،
وأعرب عن قلقه إزاء "الوتيرة القياسية منذ الحرب الباردة" لتحليق الطيران الروسي
بالقرب من ولاية ألاسكا الأمريكية في العام الماضي، والمناورات الروسية في منطقة
القطب الشمالي والمحيط الهادئ".
ونتيجة لهذه التهديدات تحاول الإدارة الأمريكية سحب نفسها من الملفات الأخرى
للتركيز على الملف الصيني الروسي، ويعتبر الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط
وأفغانستان من أبرز تلك المناطق التي سيتم الانسحاب منها.
ولكن المعضلة الرئيسة أمام الإدارة الأمريكية هي عدم ترك هذه المناطق في حالة
انفلات سياسي وأمني بحيث تهدد أمن أمريكا، لذلك يجري التفكير الأمريكي ويتركز في
البحث عن وكلاء يتولون زمام هذه المناطق وتتعامل أمريكا مع هؤلاء الشركاء فقط، فام
اختيار التعامل مع إيران في الشرق الأوسط باعتبارها بالفعل مهيمنة على القرار في
عدد من العواصم العربية المؤثرة كدمشق وبغداد وصنعاء وبيروت، مثلما تجري الإدارة
الأمريكية محادثات مع تركيا لتكون شريكا رئيسا لأمريكا في أفغانستان، كي تتفرغ
أمريكا لمشكلتها الأساسية مع الصين وروسيا.
أما حماس فماذا فعلت حتى تصر الإدارة الأمريكية على تصنيفها كجماعة إرهابية؟
حماس قاومت المحتل الصهيوني مغتصب الأوطان، ورفضت الانصياع لاستدراجها إلى فخ
المفاوضات كما فعل مع منظمة فتح، وكعقاب لها أقدم المحتل الصهيوني مرات عديدة على
اغتيال قياداتها، بدء من الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري
وغيرهم من القيادات، وانتهاء بمئات من المقاومين الأبطال من أفراد الحركة.
حماس تمكنت من تصنيع سلاح خاص بها، واستنفرت علماءها وخبراءها فصنعت البنادق
والصواريخ والطائرات المسيرة، وألحقت خسائر لا يستهان بها مع العدو التاريخي للأمة
الإسلامية، الذي هو في نفس الوقت الامتداد الصهيوني لأمريكا، بل هو الخنجر الذي
غرزته داخل جسد الأمة ليستنزفها، وتحاول حماس بإمكانياتها الذاتية نزع هذا الخنجر
بعيدا عن هذا الجسد ومداواة جراحه.
حماس تدافع عن ملايين الفلسطينيين المقهورين منذ أكثر من سبعين عاما المشردين عن
ديارهم وأوطانهم، وتبعث الأمل في مئات الملايين من المسلمين الذين يحاولون احياء
الأمل في بعث أمة الإسلام من جديد فكان حقا على أمريكا تصنيفها إرهابية.