الحقيقة المؤسفة في ذكرى النكبة، هو أنه بعد مرور 73 عامًا عليها لا يزال هناك من يجهل حقيقة ما حدث، وبفضل الألة الإعلاميةواسعة التاثير والتي يسيطر اليهود عليها
ثلاثة وسبعون عامًا من كفاح الشعب الفلسطيني ونضاله ضد العدو الإسرائيلي، ثلاثة
وسبعون عامًا من القتل والمجازر والسطو على منازل الفلسطينيين وتهجيرهم منها
واغتصاب أرضهم وطمس هويتهم وتزييف تاريخهم وغيرها من الانتهاكات التي لا تُعدّ ولا
تُحصى، وبالرغم من كل ذلك.. لا تزال الذاكرة الفلسطينية تأبى النسيان، وتأبى
الأجيال الفلسطينية الجديدة أن تنسى حقوقها أو تتنازل عنها، ويصادف اليوم، الـ15 من
مايو، ذكرى النكبة الفلسطينية الثالثة والسبعين، والتي كان ضحيتها تهجير نحو 950
ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم، من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يعيشون في 1300
قرية ومدينة، وتتزامن الذكرى هذا العام مع الأحداث الأخيرة التي يشهدها الحرم
القدسي الشريف، من اقتحام الصهاينة لساحاته ومنع المصلين من الوصول إليه، إضافة إلى
العدوان الشرس والقصف الغاشم على أبناء قطاع غزة والاعتداء على الفلسطينيين عند
نقاط التماس مع الضفة الغربية والمدن المختلطة، ومناصرة وانتفاضة عموم العرب
والمسلمين في أرجاء العالم للقضية الفلسطينية العادلة، فيما يواصل أبناء فلسطين
مقاومتهم وصمودهم.
ذاكرة تأبى النسيان
تنفيذًا لوعد بلفور المشئوم عام 1917؛ عمد الاحتلال البريطاني إلى تسهيل هجرة
اليهود من جميع أرجاء العالم إلى فلسطين، وصولًا إلى النكبة الكبرى حين سيطر
الصهاينة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، ودمروا 531 منها بالكامل وما تبقى منها تم
إخضاعه لكيانهم المزعوم وقوانينه، حيث بات يسيطر على 78% من أرض فلسطين، وقد رافق
ذلك عملية تطهير واسعة بحق كل ما هو فلسطيني، حيث اقترفت العصابات الصهيونية أكثر
من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، منها مجازر دير ياسين والطنطورة، والتي أدت إلى
استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني، وحين تم اتخاذ قرار التقسيم، وهو قرار الجمعية
العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، الذي عملت الولايات المتحدة وفرنسا على
استصداره، جاءت النكسة، ليتوسع الاستيطان والتهجير، ويسيطر الاحتلال على أكثر من
85% من مساحة فلسطين، ويبلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين 58 مخيمًا رسميًا
تابعًا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهى تتوزع بواقع 10
مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيمًا في لبنان، و19 مخيمًا في الضفة
الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة، وبالرغم من أنه لا يُسمح للفلسطينيين النازحين
بالعودة إلى ديارهم، يُسمح لليهود من جميع أنحاء العالم بالانتقال إلى إسرائيل وطرد
الفلسطينيين من منازلهم واغتصابها منهم.
طيلة السنوات الماضية، حاول الإسرائيليون مرارًا طمس معالم الأرض الفلسطينية ـ لا
سيّما مدينة القدس ـ وصبغها بالصبغة اليهودية، عبر بناء المستوطنات واحتلال الأراضي
ومصادرة الأملاك من الفلسطينيين وطردهم من المدينة وتهويد الطابع العام لها، فمنذ
أن سيطرت إسرائيل على القدس الشرقية وهى تحاول نزع هويتها، حيث سعت إلى تقليص عدد
الفلسطينيين في المنطقة وتوسيع الوجود الاستيطاني غير القانوني عن طريق عزل القدس
الشرقية عن الضفة الغربية، وسرقة الأراضي، واتباع سياسات تمييزية في التخطيط
والبناء والميزانية، كما تمت مصادرة 35٪ من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية
وتسليمها إلى أكثر من 200 ألف مستوطن غير شرعي هناك، وعلى الرغم من كون الفلسطينيين
لا يزالون يشكلون ما يقرب من 40٪ من إجمالي سكان المدينة، فإن أكثر من 70٪ منهم في
المدينة تحت خط الفقر و10٪ فقط من ميزانية بلدية القدس مخصصة لهم، وعلى الرغم من
قيام الأردن ، الذي أدار المنطقة قبل الغزو الإسرائيلي للمدينة عام 1967 ، قدم على
ما يبدو وثائق تثبت الملكية الفلسطينية - فإن عمليات الإخلاء هذه ستشكل انتهاكًا
خطيرًا للقانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب.
إعادة نشر الحقائق
الحقيقة المؤسفة في ذكرى النكبة، هو أنه بعد مرور 73 عامًا عليها لا يزال هناك من
يجهل حقيقة ما حدث، وبفضل الألة الإعلاميةواسعة التاثير والتي يسيطر اليهود عليها،
باتت النظرة الرائجة ـ لا سيّما في الغرب ـ نحو الفلسطينيين على أنهم مصدر إزعاج
وعليهم تحمل تبعات الوجود الإسرائيلي، إذ يجهل كثيرون المظالم التي تراكمت على مدى
ما يقرب من قرن من الصراع، يحتاج العالم ـ وخاصةً الأجيال الجديدة ـ إلى التعرف على
تاريخ النكبة والفظائع التي ارتكبتها إسرائيل، فلا جدوى من مطالبة العالم الخارجي
بالتدخل لفرض الحلول التي نراها من وجهة نظرنا صائبة، إذا كان العالم بالأساس يجهل
حقيقة قضيتنا، أو على الأقل يعرفها من وجهة نظر المحتل الإسرائيلي، نحن مطالبون
الآن أن نستغل حالة الانتعاش التي أصابت القضية الفلسطينية وجعلتها تتصدر عناوين
الأخبار حول العالم مجددًا، علينا أن نعرّف العالم بأن النكبة الفلسطينية هى تماما
محاكاة مماثلة لهلاك السكان الأمريكيين الأصليين في القارة الأمريكية الشمالية على
أيدي المستوطنين الاستعماريين القادمين من أوروبا، علينا أيضا أن نفضح إصرار
إسرائيل البغيض على عدم حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومن المفارقات هنا بشكل خاص
أنه إذا كان ينبغي لأي شخص أن يعترف بحق العودة، فإن الشعب اليهودي هو الذي أسس
دولته المزعومة اعتمادًا على هذه الفكرة، وإذا الأوروبيون المعاصرون يشتكون من
الهجرة من إفريقيا وآسيا، ويشتكي الأمريكيون من الهجرة من المكسيك ودول أمريكا
اللاتينية، فعلينا أن نعيد التذكير بما تعرض له الفلسطينيون منذ أكثر من قرن من
الزمان، حين كانوا يعيشون تحت الانتداب البريطاني وفجأة تعرضوا لموجة من المهاجرين
اليهود الروس والبولنديين والهنغاريين والنمساويين والألمان والفرنسيين ومن كل بقاع
الأرض.
علينا تذكير العالم بالسياق التاريخي للنكبة بكل اللغات المنطوقة، ونشر قصص استهداف
المدن والقرى الفلسطينية وتدميرها وإجبار سكانها على الفرار أو الموت، وكذلك عنصرية
إسرائيل وأيديولوجيتها الوحشية التي بدأت في القرن الماضي، ولا شك أن الذاكرة
الفلسطينية تحمل من قصص التطهير العرقي بحق أبنائها ما يفوق المجلدات، ومخيمات
اللاجئين الفلسطينيين التي لا حصر لها هي شهادة حية على ذلك الواقع الأليم، فلا
يمكن إنكار أن إسرائيل تتظاهر بالنوايا السلمية أمام العالم، لكنها مستمرة في إغراق
الأرض بالدم الفلسطيني، وتواصل النكبة التي بدأتها عام 1948 ولن تتوقف طالما لا
رادع لها، وطالما بقيت سياساتها ناجحة في جذب استعطاف العالم في صفّها، ويكيفنا أن
نقرأ عناوين أي صحيفة غربية ترديدًا مستمرًا لعناوين مثل "حق إسرائيل في الدفاع عن
نفسها"، وهو حق لا يتمتع به الفلسطينيون على ما يبدو في وجه الهجوم الصهيوني الغاشم
عليهم!، أو تصريحات القادة والسياسيين التي تدعو "جميع الأطراف إلى وقف التصعيد"،
دون الإشارة أو الاعتراف بأن مليارات الدولارات التي يتم تحويلها سنويًا من أمريكا
وأوروبا إلى إسرائيل هى التي تجعل القصف الإسرائيلي للفلسطينيين ممكنًا.
يعلم ساسة العالم جيدًا أن عمليات الإخلاء التي تقوم بها إسرائيل تعدّ انتهاكًا
مباشرًا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه لا يجوز لسلطة الاحتلال تهجير
المدنيين قسرًا أو نقل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها في إطار
التغيير الديموغرافي للأراضي المحتلة، ولا شك أن النظام القمعي الذي تفرضه إسرائيل
على الشعب الفلسطيني ليس عرضيًا ولا مؤقتًا، بل محسوبًا ومنهجيًا ودائمًا، ويهدف
إلى ضمان بقاء الفلسطينيين في وضع القهر الدائم، قد يقول قائل إن تجريد الفلسطينيين
من ممتلكاتهم، والممارسات الغاشمة للاحتلال والتمييز الهيكلي جميعها أمور مرئية لكل
من يهتم برؤيتها، لكن هذا غير صحيح، فالمجتمع الدولي، وخاصةً دوله القوية، لا تزال
مترددة في الاعتراف بالواقع الذي يحدق بها في وجهها، وهي غير مستعدة لاتخاذ أيّ
إجراءات حقيقية لإنهاء هذا الواقع، بل على العكس فإن حكومات وقادة هذه الدول تتماهى
ما تروّج له آلة الدعاية الحكومية الإسرائيلية المجهزة جيدًا، والمعروفة بالعبرية
باسم هاسبارا، إلى جانب جماعات الضغط والمنظمات الإعلامية التي تعمل بالوكالة لها،
والتي تشيع على الدوام أن إسرائيل دولة ديمقراطية وتقوم على المساواة والتعددية، مع
تغييب الكثير من الحقائق المتعلقة بسياسات القمع والظلم وممارسات الفصل العنصري.
ملحمة بطولية متجددة
هذا العام؛ دوّت صافرات الإنذار بالمدن الفلسطينية لمدة 73 ثانية، إيذانًا بانطلاق
فعاليات استذاكر ما جرى في عام 1948، كما انطلقت التكبيرات من مآذن المساجد، إذ
تأتي ذكرى النكبة هذا العام متزامنة مع ملحمة بطولية يخوضها أبناء فلسطين، حيث
يتصدى الفلسطينيون المرابطون للقصف والعدوان الإسرائيلي بأرواحهم ودمائهم، ليقدموا
الشهيد تلو الآخر، فيما تدكّ صواريخ المقاومة المدن المحتلة، في سبيل استعادة
الكرامة الفلسطينية وشموخها، فالنكبة الفلسطينية ليست مجرد ذكرى يحييها الفلسطينيون
أو حدثًا عابرًا، بل تشكل حدثًا تاريخيًا لقضية وطن مسلوب وشعب مشرد، وفيما تأتي
ذكراها الـ73 فإن ثمة نكبة جديدة راهنة تحل بالفلسطينيين وهو ما يؤكد أن الصراع
سيظل قائمًا إلى أن يتم تحرير الأرض، وليس فرض التهدئة والسلام بقوة الأمر الواقع.
بانتفاضتهم الحالية نصرةً للأقصى وأهل القدس؛ أثبت الفلسطينيون مجددًا رفضهم لكافة
أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، بدءًا من اتفاقية كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة
وانتهاءً باتفاقيات إبراهيم، وأثبتوا أيضا أن الأرض ـ كانت وستظل ـ حقًا لهم، وأن
لا اغتصاب ولا هيمنة ولا احتلال للأرض الطاهرة ما دام هناك نفس فلسطيني عربي مسلم
ينادي بعروبة هذه الأرض وقدسيتها، ومهما طال الزمن على القضية الفلسطينية.. ستظل
أرض فلسطين، من نهرها إلى بحرها ومن شمالها الى جنوبها، ملكٌ لأبنائها وعاصمتها
القدس الموحدة.