• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الخلافات الأوروبية التركية والخسائر الصهيونية

أحد أبرز الخلافات التركية الأوروبية أيضاً مسألة الحملة التركية العسكرية في الشمال السوري والتي استهدفت بالدرجة الأولى منع إقامة مشروع حكم ذاتي كردي على الحدود التركية


ناقش صانعوا القرار في الاتحاد الأوروبي خلال العقدين الماضيين إشكالية مصيرية مؤثرة في مساحة تأثير الاتحاد في مناطق نفوذه، فمعضلة العلاقة بين تركيا وبروكسيل أصبحت أزمة تتفاقم مع مرور الزمن بسبب متغيرات كبيرة طرأت على الأوضاع في تركيا لاسيما منذ إستلام حزب العدالة والتنمية السلطة وتغير سياسات الدولة فيما يتعلق بهويتها الأيديولوجية وسياسياتها الخارجية التي تفسرها المنظومة الغربية على أنها أكثر عدوانية تجاهها.  وهذا الأمر حول تركيا من حليف دائم كان من المقرر منحه عضوية كاملة في الإتحاد الأوروبي إلى عدو يتم استهدافه بجملة من العقوبات مؤخراً، ووفقاً لمركز دراسات الأمن القومي الصهيوني فإن الخلافات التي تتضخم بين تركيا والمنظومة الغربية أصبحت أكبر مهددات البيئة الاستراتيجية الصهيونية وتسببت بأضرار بالغة للمصالح الصهيونية خاصة فيما يتعلق بالمنطقة الإقتصادية في البحر المتوسط ومشروع نقل الغاز إلى أوروبا.

إن أحد أبرز مسببات التصادم بين الطرفين هو أن تركيا التي كانت دولة علمانية أكثر إنحناءً للنفوذ الأوروبي وتضع كامل مقدراتها العسكرية لخدمة المصالح الغربية العسكرية ضمن حلف "الناتو"، قامت بالإنقلاب على هويتها السابقة وتبنت هوية تلائم موروثها الشعبي والحضاري وهي الهوية الإسلامية وسمح الدعم الشعبي الذي أظهره صندوق الإنتخابات إلى الحد من تدخلات الجيش في سياسيات الدولة ولجم طموحاته العلمانية لتصبح تركيا كتلة بشرية ضخمة ذات هوية إسلامية أكثر إستقلالية من الجمهورية التركية التي صنعها مصطفى كامل أتاتورك والبسها الهوية العلمانية الغربية، وهذا الأمر حولها إلى نطاق ديمغرافي ضخم يختلف عن الإتحاد الأوروبي في هويته الثقافية والدينية والسياسية وبدلاً من أن يشكل حائط حماية للحدود الأوروبية أصبح أكبر عوامل التهديد والضغط، وهذا الأمر أظهره تقرير نشره المجلس الاوروبي في مارس 2021، الذي أشار إلى نشاطات تركيا البحرية والازمة مع قبرص واليونان والخطاب "العدائي" التركي إلى جانب مصادمة التوجهات الأوروبية في مناطق الصراع مثل ليبيا وسوريا وأذربيجان ودعم أسلمة المجتمع من قبل الحكومة. 

في نوفمبر 2019 وقعت الحكومة الليبية مذكرة تفاهم مع تركيا، بموجبها تم ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وهي بتلك الإتفاقية سددت ضربة قاسية إلى اليونان وأغلقت الطريق أمام طموحات صهيونية لنقل الغاز إلى أوروبا، وقامت تركيا بنشر سفنها لإستكشاف الغاز وهددت بإستخدام القوة لحماية مصالحها في خطوة لم تكن سابقاً في حسبان الاتحاد الاوروبي، ورغم توصيات قادة الاتحاد الاوروبي بمعالجة الخلافات بين الطرفين في إطار إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وإذا لزم الامر لمحكمة العدل الدولية، لكن الرغبة الأوروبية قد يفشلها رفض دولة الاحتلال الصهيوني لهذه الخطوة لاعتبارات تتعلق بسياساتها العدوانية في البحر المتوسط ومحاولتها توسيع نطاق إستيلائها على مناطق  بحرية لجيرانها. في نوفمبر 2020 زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبرص التركية وقام بإفتتاح أحد الأحياء المهجورة في مدينة فاماغوستا التي سيطر عليها الجيش التركي عام 1974، وهي خطوة إستفزت كثيراً البرلمان الأوروبي الذي دعا تركيا لوقف مثل هذه التحركات، وطالبها بتوحيد الجزيرة القبرصية ضمن نطاقها الأوروبي. وهنا يمكن الإشارة إلى ان تحقيق التوازن في تحسين العلاقات مع تركيا والدفاع عن مصالح قبرص واليونان أمر صعب جداً بالنسبة للإتحاد الأوروبي لأن تركيا ليست العقبة الوحيدة في هذه الأزمة.

أحد أبرز الخلافات التركية الأوروبية أيضاً مسألة الحملة التركية العسكرية في الشمال السوري والتي استهدفت بالدرجة الأولى منع إقامة مشروع حكم ذاتي كردي على الحدود التركية، وبذريعة الحفاظ على وحدة الاراضي السورية تطالب بروكسيل، أنقرة بعدم مهاجمة المليشيات الكردية المسلحة التي تعتبرها أكبر مهددات أمنها القومي، فالمشروع الكردي الذي لطالما دعمته أطراف أوروبية والدولة العبرية كان الهدف منه إنشاء حاجز ديمغرافي يفصل العالم العربي عن إمتداده الإسلامي، ويشكل نقطة إستنزاف للأمن القومي العربي والتركي، كذلك أغضبت تركيا الأوروبيين بعد تدخلها في أذربيجان ودورها في حسم الصراع بشأن إقليم قره باغ الذي كان يخضع للإحتلال الأرميني، وتجاهل الاتحاد الاوروبي في الإتفاقات السياسية بين أطراف الصراع والإكتفاء بإشراك روسيا كطرف ضامن للإتفاق. أما الأزمة الأشد خطورة على الإتحاد الأوروبي هي أزمة اللاجئين الذين تستضيف تركيا الملايين منهم، وهذا الأمر جعل المنظومة الأوروبية تقبل بوضع إتفاقية للتعاون بشأن الهجرة على أن تقوم بتمويل جزء من إحتياجات اللاجئين المقيمين على الأراضي التركية عبر ضخ مساعدات بقيمة 6 مليار يورو مقابل عدم السماح لهم بإختراق الحدود التركية الاوروبية.

مؤخراً طالب أعضاء في البرلمان الأوروبي بإلغاء ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بشكل كامل، وهذا الأمر قد يكون توجه إعلامي يوازي الواقع الميداني في العلاقة بين الطرفين التي تجاوزت هذه المرحلة،فتركيا أيقنت جيداً أن النادي الأوروبي المسيحي لايمكنه إستيعاب دولة مسلمة يبلغ تعدادها السكاني 85 مليون نسمة وأصبحت تنافس المنظومة الأوربية سياسياً وإقتصادياً وصناعياً وعسكرياً، لكن ما يبحث عنه الأوروبيون تجنب قطيعة نهائية مع تركيا لاسيما مع وجود مبادرات كان آخرها، زيارة رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، لتركيا والتي عقد خلالها محادثات مع الرئيس التركي حول الأزمة اليونانية. لكن وجود عقبات تتعلق بالهوية الإسلامية لتركيا وقيام الحكومة بتبنيها، والصراع القبرصي وترسيم الحدود البحرية وأزمة اللاجئين ومحاولة تركيا إقتحام المساحات السياسية الفارغة التي يخلفها الصدام بين القوى الكبرى، لإثبات وجودها وتعزيز مراكز نفوذها كل ذلك يجعلها منافس شرس ويبعدها عن اي شراكة مستقبلية مع أوروبا ويحولها إلى أبرز مهددات إستقرار الكتلة الأوروبية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان هناك توافقاً إيطالياً تركياً بشأن الحل السياسي ودعم حكومة طرابلس في ليبيا بينما دعمت فرنسا قوات خليفة حفتر في الشرق الليبي. لذلك يمكن تفسير سياسيات تركيا الخارجية والداخلية في سياق إقرارها بعدم وجود فرص لإنضمامها للكتلة الاوروبية، وعدم حاجتها للتكيف مع مبادئ ومواقف الإتحاد الأوروبي، وهذا الأمر قد يبرهنه إتخاذ تركيا خطوات بشأن تصفير خلافاتها مع دول الإقليم مثل مصر لإعتبارات تتعلق بالصراع على ثروات البحر المتوسط ومحاولتها شق التحالفات التي تقيمها الدولة العبرية للحد من الطموحات التركية. لكن تبعات الخلافات الاوروبية مع تركيا ستكون مصيرية للكتلة الغربية بكاملها وليس أوروبا فالجيش التركي احد أكبر المكونات البشرية لحلف الناتو التي تعتمد عليه أوروبا بشكل كبير في الحد من النفوذ العسكري الروسي ومواجهته، كذلك فإن جميع التحركات الخارجية التي تقوم بها تركيا تقوض المساحة الإستراتيجية للنفوذ الصهيوني في المنطقة وسينعكس ذلك سلباً على المصالح الأمنية للمنظومة الغربية في المنطقة.

أعلى