بحسب تقارير؛ فإن المسؤولين الإسرائيليين يفضلون تأجيل هذه الانتخابات، فهم قلقون من نتائجها
تشعر
الحكومة الإسرائيلية ومعها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالقلق من فوز حماس
المحتمل في الانتخابات الفلسطينية المقبلة، لكن أي منهما لن يذكر ذلك علنًا، تجنبًا
لإلقاء اللوم عليه واتهامه بمحاولة تخريب الانتخابات، ستكون هناك 36 قائمة انتخابية
في الانتخابات المقبلة، حيث ستشارك قوائم معظمها منفصلة من حركة فتح، مع قائمة
واحدة فقط وموحدة لحركة حماس،
وفي ظل هذا الوضع يخشى
الإسرائيليون من أن تؤدي الانقسامات داخل حركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس،
إلى تمهيد الطريق أمام حماس للفوز، كان هذا لافتًا خلال اتصال هاتفي جرى قبل أيام
قليلة، بين وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكين ونظيره الإسرائيلي جابي أشكنازي،
حيث شدد الأخير على أن إسرائيل لن تضع أي عقبات في طريق التصويت، لكنه في نفس الوقت
أثار مخاوف من أن يتكرر ما حدث في انتخابات عام 2006، عندما أدى الاقتتال الداخلي
داخل حركة فتح إلى خلاف واسع بين بعض أبرز مسؤولي الحركة، وهو ما سمح لحماس أن تحقق
فوزًا كاسحًا في الانتخابات التشريعية بحصولها على 76 مقعدًا مقابل 43 مقعدًا لفتح.
لكن ماذا سيحدث لو تكرر نفس سيناريو انتخابات 2006 وفازت حماس مجددًا؟، وماذا سيحدث
لو انتهت الانتخابات بخسارة حماس؟، هل ستسلم حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة مقاليد
السلطة لفتح أو للفصيل الفائز أيا كان؟
بحسب
تقارير؛ فإن المسؤولين الإسرائيليين يفضلون تأجيل هذه الانتخابات، فهم قلقون من
نتائجها، كما أن القضايا الإسرائيلية ـ الفلسطينية بشكل عام تمثل أولوية منخفضة
لإدارة بايدن، حتى أن المكالمة التي جرت بين بلينكن وأشكنازي، والتي تعدّ أول
مناقشة رفيعة المستوى بين إسرائيل والولايات المتحدة، لم تحظى خلالها الانتخابات
الفلسطينية سوى بجزء قصير نسبيًا، وفي مسعاها لتأجيل تلك الانتخابات.. قد تلجأ
إسرائيل إلى عدم السماح للفلسطينيين في القدس الشرقية بالتصويت، وهى مسالة أثارها
مساعدو الرئيس عباس علنا
في
الأيام الأخيرة، مما قد يشير إلى أنهم قد يستخدمونها كذريعة لتأجيل الانتخابات،
فالتأجيل يصب أيضا في مصلحة عباس وفريقه الذي يعاني من تفكك غير مسبوق في حركة فتح،
خاصةً بعد أن قرر مروان البرغوثي، القيادي في فتح والمعتقل حاليا في أحد السجون
الإسرائيلية، دعم قائمة يرأسها ناصر القدوة، وزير الخارجية السابق الذي تم فصله من
فتح بسبب انتقاده لعباس، في حين سيدعم محمد دحلان، الزعيم السابق لفتح في غزة،
قائمة منفصلة من نشطاء فتح السابقين.
التحذيرات الإسرائيلية من فوز حماس في الانتخابات كانت واضحة، أبرزها كانت من كميل
أبو ركن، منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق (المقصود بالمناطق: الضفة
الغربية وقطاع غزة)، والذي قال إن "إسرائيل ستوقف كل شيء إذا فازت حماس في
الانتخابات المقبلة"، مضيفًا: "هذه على الأقل ستكون توصيتي بناء على أشياء حدثت في
الماضي وعلى ما أراه في الميدان"، داعيًا إلى عدم الذهاب إلى هذه الانتخابات بسبب
المخاطرة الكبيرة بفوز حماس، مؤكدًا على أنه قد نقل موقفه للفلسطينيين عبر قنوات
غير مباشرة. أما نداف أرغمان، رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، فقد حثّ الرئيس
محمود عباس بشكل صريح على إلغاء الانتخابات البرلمانية المقبلة في حال مشاركة حماس،
ولا شك أن الضغوط الإسرائيلية التي تُمارس في هذا الصدد ليست بالقليلة، وقد اعترف
بها جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، مشيرًا إلى أن الرئيس عباس
قد واجه ضغوطًا إسرائيلية ودولية عديدة لإلغاء الانتخابات.
لعقود
مضت؛ كانت النظرة السائدة نحو حركة فتح هى أنها الفصيل الفلسطيني الرئيسي، قادها
الرئيس الراحل ياسر عرفات لسنوات طويلة وحتى وفاته، أعادت تسمية نفسها كحزب سياسي،
ومنذ تشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994، سيطرت فتح عليها سياسيًا، إلى أن توفي
عرفات عام 2004 وحلّ محله محمود عباس كزعيم للحركة وللسلطة منذ ذلك الحين. قبل أيام
قليلة؛ أظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أنه إذا
أجريت الانتخابات فستفوز قائمة فتح بـ 43٪ من الأصوات وستفوز حماس بـ 30٪، وسيصوت
باقي الناخبين لفصائل أخرى مختلفة، ومن المحتمل أن تفوز قائمة محمد دحلان بـ 10٪ من
الأصوات، فيما ستفوز قائمة ناصر القدوة بنسبة 7٪، هذه الأرقام تعكس بجلاء عدم الرضا
من حالة الفوضى والتوتر التي تشهدها الضفة الغربية في الآونة الأخيرة، إلى جانب
الظروف الاقتصادية السيئة والفقر والبطالة، بالرغم من أن فتح يُنظر إليها على أنها
الأفضل في معالجة معظم مخاوف إسرائيل، وفي نفس الوقت تحقيق طموحات معظم الناخبين
الفلسطينيين، بما في ذلك استعادة الوحدة الوطنية وتحسين الاقتصاد ورفع الحصار عن
غزة، إلا أن الانقسامات والخصومات ستؤدي لا محالة إلى إضعافها في مواجهة حماس
الأكثر تماسكًا وتوحيدًا في الانتخابات المقبلة، لكن هل يمكن لحماس أن تفوز بسهولة
وتكرر ما حدث في عام 2006؟!
في
الواقع فإن حركة حماس لديها مشكلات كبيرة أيضا، مشكلتها الرئيسية الأولى هي أنها لا
تستطيع مواجهة التحديات الكبرى للشعب الفلسطيني، ومن غير المحتمل أن يكون التأرجح
والانقسام الموجود عند الخصوم الآخرين لها كافياً لتكرار انتصارها المفاجئ في عام
2006، كما أن شعبية حماس تآكلت مع الوقت، لا سيّما في ظل الحصار على القطاع الذي
تحكمه منذ 2007، وفي حالة قيامها بتشكيل حكومة وحدة وطنية ـ وهذا هو السيناريو
الأكثر ترجيحًا ـ فمن غير المتوقع أن تنضم إليها جميع الفصائل الأخرى، ومن غير
الواضح كيف سيرد المجتمع الدولي على تشكيل حكومة بقيادة حماس، التي خاضت ثلاث حروب
مع إسرائيل وتعتبرها معظم الدول الغربية جماعة إرهابية، ولا شك أن معظم الناخبين
على ما يبدو سيأخذون في الاعتبار العواقب المحتملة لانتصار حماس، لكن ما لم يفكر
فيه أحد هو سيناريو هزيمة حماس للانتخابات، وكيف سيكون الوضع في قطاع غزة المحاصر،
هل ستترك حركة حماس السلطة في القطاع لمن يفوز؟، هل ستتخلى الحركة على سلاحها وتفكك
جناحها العسكري؟
كان من
المفترض أن توجد السلطة الفلسطينية لمدة خمس سنوات بينما ينتقل الفلسطينيون بعدها
إلى وضع الدولة، لكن تلك الدولة لم تُولد أبدًا، وقد حرصت الحكومات الإسرائيلية
المتعاقبة على ذلك، باستخدام المستوطنات والضم لتحويل الضفة الغربية وغزة والقدس
إلى أرخبيل من المراكز السكانية الفلسطينية المنفصلة، تأتي الانتخابات التشريعية
للسلطة الفلسطينية المقرر إجراؤها في الثاني والعشرين من مايو المقبل، بعد سنوات
طويلة من الانتظار، حيث يعتبر كثيرون أن الانتخابات المقبلة بمثابة مسرحية جديدة
لتقاسم السلطة بين الفصيلين الرئيسيين، فتح وحماس، حيث يمكنهما من خلالها ترسيخ
المكاسب التي حققوها طيلة السنوات الماضية، وبدلاً من الاتفاق على المصالحة التي
تأخرت كثيرًا والتي كان الشعب الفلسطيني ينتظرها بشغف طيلة الخمسة عشر عامًا
الماضية، تبنت الحركتان رؤية تقوم على فرضية خاطئة تمامًا مفادها أن الانتخابات
ستؤدي إلى المصالحة، والحقيقة التي لا جدال فيها هى أن الانتخابات هى من أوجدت
الانقسام في المقام الأول، بأي حال سيذهب الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع وهم
يعلمون جيدًا أن الانتخابات التي أنتجت فترة حكم عباس وحماس، كانت وسيلة لنشوء
احتكار السلطة المؤسسية وقمع للمعارضة، مما أثار الشكوك حول ما إذا كانت الانتخابات
المقبلة ستصلح الديمقراطية بالفعل أم ستصبح وسيلة لترسيخ الوضع الراهن.