مايك بنس .. رجل الظل الذي سرق الأضواء من ترامب
طيلة السنوات الأربع
الماضية، كان نائب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، مايك بَنس، شخصية ثانوية في
الإدارة الأمريكية التي كان يحظى فيها دونالد ترامب بدور البطولة الكاملة، وبالرغم
من تأثيره بحكم المنصب الذي يتولاه، إلى جانب كونه نائبًا كفوءًا وماهرًا في اداء
المهام الموكلة إليه، إلا أنه لم يكن يحظى بالحضور الكافي أمام وسائل الإعلام، تلك
التي دأبت على امتداح قدراته في مجال الاتصال وتوصيله للأفكار بسلاسة، في حين كانت
تهاجم ترامب الذي ينتقدها على الدوام، لكن غرابة مرحلة حكم ترامب تكتمل عندما تنقلب
الأمور فجأة، ويصبح الرئيس الذي كان ملء السمع والبصر متواريًا عن الأنظار،
مُجّبرًا على الغياب عن وسائل التواصل الاجتماعي، ويصبح رجل الظل، مايك بنس ـ فجأة
ـ هو بطل المشهد السياسي الأمريكي.
وُلِدَ بنس في إنديانا في
7 يونيو 1959، وهى الولاية التي كرّس نفسه للعمل لأجلها قبل أن يصبح نائبًا للرئيس،
درس الحقوق وعمل مذيعًا إذاعيًا قبل أن يصير عضوا في مجلس النواب من 2001 إلى 2013،
ثم رئيسًا لمؤتمر الحزب الجمهوري، أيّ الشخصية الثالثة في هرم قيادته من 2009 إلى
2011، كما شغل منصب حاكم ولاية إنديانا، يتمتع بنس الذي يصف نفسه بأنه شخصية
محافظة، بقوة اتصالاته ودرايته الواسعة بكواليس واشنطن ومؤسساتها، وقد أثار اختيار
ترامب لبنس عاصفة من الجدل على وقع آراء ينس ومواقفه التي كان يراها البعض أكثر
تشددًا من ترامب نفسه، فقد عارض بشدة توطين اللاجئين في الولايات المتحدة، لا سيّما
اللاجئين السوريين، وذلك بالرغم من أن جده كان من المهاجرين إلى أمريكا، وعلى غرار
ذلك فقد دان فكرة ترامب حول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة خلال فترة
الانتخابات الحزبية التمهيدية، إلا انه ساعد ترامب على تطبيقها لاحقًا عندما أمر
ترامب بحظر دخول القادمين من بعض الدول الإسلامية.
بالرغم من شعبوية ترامب
وطريقته الفظة وغير المعتادة في مخاطبة الجماهير، إلا أن وجود بنس كان يضفي نوعًا
من التوازن على الإدارة، وبالرغم من الانتقادات التي توجه إليه على أنه شخصية باعثة
على التثاؤب، إلا أنه نجح في تقديم بديل معتدل وهادئ لترامب المنفعل دائمًا والقادم
من عالم الأموال والمقاولات إلى عالم السياسة، كما أنه قد نجح في تحقيق بعض
الانتصارات التشريعية الرئيسية من موقع الرجل الثاني بالإدارة الامريكية، لا سيّما
التخفيضات الضريبية التي تم إقرارها عام 2017، والعمل على تغيير شكل القضاء عبر
تعزيزه بمجموعة من القضاة المحافظين وتعيينات قضاة المحكمة العليا، إلى جانب إشرافه
مؤخرًا على فريق التصدي لجائحة كورونا بصفته رئيسًا لمجموعة العمل الخاصة بالوباء،
كما ظل بنس مدافعًا عن ترامب طوال فترة حكمه، خاصةً خلال فترة الانتقادات التي
رافقت الجائحة،
حيث
تمسك بثبات في اعتقاده أن استجابة إدارة ترامب للوباء هي استجابة يمكن أن يفخر بها
الشعب الأمريكي، وكثيرًا ما خاض معارك من أجل تبييض وجه الإدارة ومنح المصداقية
لترامب، لكن بنس لا يقل سوءًا عن ترامب ذاته، فبحسب مقال للمستشاره السابقة في
الإدارة الأمريكية، أوماروسا مانيجولت: "إذا كنتم تعتقدون أن ترامب هو الأسوأ،
فعليكم أن تعرفوا أن من يجب أن تقلقوا إزاءه، إنه نائبه بنس، العنصري المتطرف".
"ينبع شغفي لإسرائيل من
إيماني المسيحي،
لقد
كانت أناشيد الأرض وشعب إسرائيل هى أناشيد شبابي، إنه حقًا أعظم إنجاز في حياتي هو
أن أخدم كنائب لرئيس يهتم بشدة بحليفتنا العزيزة، إسرائيل"، هكذا تحدث بنس يومًا
أمام تجمع حاشد للقمة الثانية عشرة
لمنظمة "مسيحيون
متحدون من أجل إسرائيل"، والتي أوضح خلالها أن أمريكا تقف جنبًا إلى جنب مع
إسرائيل، "حيث نواجه معًا أولئك الأعداء الذين يهددون شعبنا وحريتنا وطريقة
حياتنا"، ولعل هذا مثال بسيط من تصريحات عديدة لـ"بنس" يشيد فيها بالكيان
الإسرائيلي، ويعلن عن تأييده وإمتنانه لليهود ولإسرائيل، وهو الذي زعم يومًا بأن
السيد المسيح ـ عليه السلام ـ يكلمه ويملي عليه ما يقوله لصالح إسرائيل!، وألقى في
عام 2018 خطابًا مطولًا بطابع صهيوني ديني أمام الكنيست الإسرائيلي.. قال فيه: "نحن
نؤيد إسرائيل لأننا نؤمن بالخير ونفضله على الشر"، مستعينًا بتعويذات توراتية وبقصص
من التراث اليهودي، وكان لهذا الخطاب صدى واسع في الأراضي المحتلة، لدرجة أنه دفع
"إسرائيل هاريل"، المتحدث باسم المستوطنين، لوصف بنس، بأنه "صهيوني أكثر من
الصهاينة".
بخلاف إسرائيل.. فقد كان
بنس من الداعمين لغزو العراق ومن مناصري جورج بوش الابن في هذا الإطار، وكان من
المعارضين لتحديد موعد لسحب القوات من هناك، كما عارض إغلاق معتقل غوانتانامو سئ
السمعة، وفي 2011 دعم المشاركة في التحالف الدولي للإطاحة بنظام معمر القذافي في
ليبيا، أما في الشأن العام الداخلي في الولايات المتحدة؛ فإن بنس الذي يمتاز
بابتسامته الخجولة، وشعره الأبيض المصفف على الدوام، ويبدو أسلوبه على تناقض تام مع
أسلوب وشخصية ترامب المثيرة للجدل، يترك بكل طيب خاطر الأضواء للرئيس، ويعمل في
الظل مع الكونجرس والمسؤولين الجمهوريين وأعضاء الإدارة بالبيت الأبيض، حيث يقوم
بمهمات دبلوماسية حساسة، وفي سياق الآراء، فإن رؤى بنس لا تختلف كثيرًا عن ترامب،
فهو يرى أن تغير المناخ وظاهرة الاحتباس الحراري مجرد "أسطورة"، كما أنه مدافع كبير
عن صناعة الوقود الأحفوري، ودافع بشدة عن التعديل الثاني للدستور الأمريكي الذي
يسمح للأفراد بحمل السلاح، كما دعم نهج ترامب تجاه الهجرة، بما في ذلك السياسات
التي تتضمن حظر السفر وسياسة عدم التسامح التي اتبعتها إدارة ترامب وأدت إلى فصل
آلاف الأطفال عن آبائهم بعد عبور الحدود المكسيكية، إلى جانب خطة بناء جدار فاصل
على الحدود الجنوبية.
بنس وترامب لم يكونا
قريبين بشكل خاص منذ القدم، لا سيما قبل أن يرشحه الملياردير الجمهوري لمنصب نائب
الرئيس عام 2016، كما أن ترامب فكر في تغييره قبيل انتخابات 2020، لكنه في النهاية
فضّل ابقاءه، مراهنًا على علاقاته الوثيقة مع القاعدة الانتخابية من البيض
المسيحيين، والتي أدت دورًا مهمًا في فوزهما في 2016. وبالرغم من أنه أحيانا ما
يبدو منصب نائب الرئيس الأمريكي غير ذي قيمة، تماما كما سبق وأن وصفه جون نانس
جارجر، نائب الرئيس روزفلت لفترتين، بأنه "منصب محبط" وشبهه بـ "دلو فارغ"، لكن
مايك بنس استفاد منه وجعل هذا الدلو له قيمة ومليء تماما، ظل بنس ينتظر بهدوء من
أجل لحظات مجده، لم يندفع وراء هراءات ترامب الأخيرة حول تزوير الانتخابات
الرئاسية، ولا شك أن خسارة ترامب في الانتخابات الأخيرة، وما أعقب ذلك من تصرفات
غوغائية لأنصاره، وما قابلها من هدوء وروّية في تصرفات بنس، قد يساعدانه في ضمان
مكانة مميزة ضمن أبرز المرشحين لخوض معركة الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات
الرئاسة لعام 2024، ولما لا .. وهناك 10 من اسلافه في منصب نائب الرئيس نالوا منصب
الرئاسة كنتيجة لمأساة وقعت للرئيس القائم. فهل يمكن أن ينجح رجل الظل الذي بدأ
حياته متأثرًا بالديمقراطيين تحت تأثير عائلته وكان يستلهم أفكاره السياسية من
الرئيس الديمقراطي رونالد ريجان، أن يصبح هو الآخر رئيسًا؟!