المسلمون في أروميا والاحتلال الإثيوبي
كيف نشأت إمبراطورية إثيوبيا؟
إثيوبيا ليست دولة موحدة، من حيث التاريخ، والثقافة، واللغة المشتركة، فهي لم تتشكل عن طريق عقد اجتماعي شاركت فيه جميع مكونات الشعب، وإنما تشكلت عبر حروب عدوانية وتوسعية قادها "الأباطرة الإثيوبيون"، من قومية الأمهرة النصرانية، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وذلك بمساعدة الأوروبيين، إثر الهجمة الأوروبية الشرسة على أفريقيا، وقتذاك، وهي الحروب التي انتهت بالاستيلاء على الأقاليم الإسلامية المجاورة، وفي مقدمتها إقليم أوروميا، الذي كان قبل ذلك، جزءا من الممالك الإسلامية، التي حكمت منطقة القرن الأفريقي قرونا عديدة، بعد الإسلام، مما أدى إلى زيادة رقعة الأراضي الإثيوبية، أضعافا مضاعفة، وإجبار سكان تلك لأقاليم على التنصر، وبخاصة في إقليمي ولو وشوا. وحاولت إيطاليا فرض الحماية على الحبشة، لكن منليك رفض ذلك، وهزم إيطاليا شر هزيمة، في أول مارس 1896 بمساعدة المسلمين، فاضطرت إيطاليا إلى عقد معاهدة صداقة معه، في أكتوبر 1896، واعترفت باستقلال إثيوبيا، وفي 1889 اعتلى العرش منليك الثاني، فواصل نهج سلفه في التوسع، واحتل إقليم أوجادين الصومالي، وغيره، إلى أن توفي عام 1913، ليخلفه أبن ابنته ليج أياسو[1]، والذي أطيح به عام 1916، بتعاون بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، لأنه أعلن إسلامه، وتولت الحكم بعده زوديتو أبنة منليك، وبعد موتها في عام 1930 تولى السلطة ابن عمها ومساعدها الرأس تاماراتي، والذي اتخذ لقب هيلاسي لاسي، وتبنى سياسة عدائية ضد المسلمين، وخلال حكمه احتلت إيطاليا الحبشة عام 1935، حتى عام 1941، عندما عاد هيلاسي لاسي للحكم من جديد، بمساعدة بريطانيا، التي كان قد فرّ إليها، ليستأنف سياسته العدوانية ضد المسلمين، واستمر إلى أن أطاح به منجستو في سبتمبر 1974، والذي تولى الحكم حتى سقوط الحكم الشيوعي عام 1991، ليتولى بعده الرئيس زيناوي، وبتوليه انتقلت السلطة من أقلية الأمهرة إلى أقلية التجراي.
معلومات أساسية عن أوروميا:
تعتبر إثيوبيا حاليا جمهورية فيدرالية، وهي تتكون من تسع ولايات ذاتية الحكم، وهي: «تيجراى، وعفار، وأمهرة، وأوروميا، والصومالى، وبنى شنقول، وقماز، وولاية قوميات الجنوب، وجمبيلا "، منها أربع ولايات تتكون حكوماتها من وزراء مسلمين، وهي أوروميا، والعفر، وبني شنقول، والصومالي. وتعد اللغة الأمهرية هي اللغة الرسمية، وهي واحدة من أصل حوالي 80 لغة تنتشر في أنحاء البلاد .وتحتل منطقة "أوروميا"، معظم أراضي وسط إثيوبيا، وهي تشغل أكثر من نصف مساحة البلاد، حيث تقدر مساحتها بنحو 600 ألف كم2، وهي تمثل 54.5% من المساحة الكلية لإثيوبيا، والبالغة مليون ومائة ألف كم2ـ وتحد أراضي أروميا، شرقا صحراءُ أوجادين وغربا السودان، وشمالا إقليما التغراي والعفر، ودولة إريتريا، وجنوبا كينيا، هذه الأخيرة، التي للأورومو امتدادات بين سكانها. وتتكون أوروميا من عشرة أقاليم من أشهرها إقليم "شوا"، الذي تقع في قلبه العاصمة أديس أبابا، والتي تأسست عام 1887، وإقليم "هرر"، الذي كان مركز مملكة عدل الإسلامية، والتي كانت في القرن السادس عشر تحكم منطقة القرن الأفريقي كلها، وتتحكم في أهم الموانئ على البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وأوشكت على عهد أشهر حكامها، وهو الإمام أحمد جوري[2]، أن تقضي على مملكة الحبشة النصرانية، لو لا تدخل البرتغاليين لإنقاذها، وهي في الرمق الأخير. ويبلغ تعداد قومية الأورومو زهاء 42 مليون نسمة، وهم يشكلون 40%، من مجمل سكان إثيوبيا، البالغ عددهم حاليا نحو 105 مليون نسمة، وهم يتحدثون اللغة الأورومية التي تعتبر اللغة الأكثر انتشارا في البلاد بعد الأمهرية، وينتمي أكثر من 80% من الأورومو للإسلام، والنسبة الباقية تتوزع بين المسيحيين والوثنيين. ويعتمد اقتصادها على الزراعة والرعي، لكون أرضيها، من أخصب أراضي أفريقيا، وهناك أراضي واسعة لاتزال بكرا، ولم تستغل حتى اليوم.
أطياف المعارضة الأورومية:
وتتعامل قومية الأورومو، مع الحكومة المركزية في إثيوبيا كسلطة احتلال، ويتحدث المراقبون عن محاولات من قبل جماعات من ناشطي الأورومو، منذ ستينيات القرن العشرين، لإعادة صياغة مفهوم هويتهم الوطنية، بعيدا عن الهوية الوطنية الإثيوبية، غير المستساغة، لأنها مفروضة على الجميع، ولأجل ذلك، فقد شكلت الأورومو منظمات قومية عديدة مثل"جبهة تحرير أورومو الإسلامية"، و"الرابطة الديمقراطية لشعب الأورومو"، و"جمعية المرأة الأوروموية"، و"شباب مسيرة الأورومو"، لكن الانشقاقات التي اتسمت بها صفوفهم، نتيجة لسياسة فرق تسد التي تنتهجها الحكومة المركزية إزاءهم، حدت من فاعليتهم، وساهمت في إضعاف قدرتهم على تحقيق أهدافهم. وتعتبر "جبهة تحرير أورومو الإسلامية"، هي أهم وأكبر تلك المنظمات، وقد أنشأت عام 1973، كرد فعل على سياسة الاضطهاد والتنكيل والتهميش، التي مارسها الإمبراطور الطاغية هيلاسي لاسي ضد الأورمو، وضد كل ما هو إسلامي في البلاد، وذلك بعد عوته إلى الحكم عام 1941، بدعوى خيانة الأورومو للبلاد، بتعاونهم مع الإيطاليين المحتلين، فقد أصدر مرسوما بحظر لغة الأورومو. وفي عام 1991 شاركت الجبهة، مع "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية" (حزب النصارى التغراي) التي يقودها ملس زيناوي، في تشكيل حكومة انتقالية للبلاد، إثر إسقاط الحكم الشيوعي وفرار منغستو هيلا مريام إلى خارج البلاد، لكن الجبهة، بوصفها الممثل الحقيقي لشعب أوورميا، والصوت المعبر عن مظالمهم وأمالهم وطموحاتهم، خرجت من التحالف الحاكم، إثر انتخابات صيف 1992، التي بموجبها هيمنت أقلية التجراي على السلطة في البلاد، رغم كونها لا تشكل سوى 6% من سكان إثيوبيا. وشنت الجبهة، بدءا من عام 1993 "كفاحا مسلحا"، ضد الحكومة الإثيوبية، التي تهيمن عليها قوميتا التغراي والأمهرة، النصرايتين، بدعم أمريكي وصهيوني، وذلك لتقرير المصير والاستقلال، ولم تشارك في الحكم منذ ذلك التاريخ. وبذلك خلا الجو للمنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو، العلمانية، والمشاركة في الحكومة، حيث أصبحت هي المسيطرة على المقاعد النيابية المخصصة لولاية أوروميا.
السياسة الأثيوبية تجاه مسلمي أوروميا:
وتتهم قومية الأورومو، ممثلة بجهة التحرير الإسلامية، وجماعات المعارضة الأخرى، السلطات الإثيوبية، بما يلي:
1. اعتماد اسلوب القتل والتنكيل والاعتقال العشوائي تجاه أبناء قومية الأورومو، فضلا عن الاستعباد، واغتصاب النساء، والتهجير القسري، والإبادة الجماعية، إلى جانب منعها من حقوقها الأساسية كحرية التعبير، والحركة والتجارة، وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات.
2. انتهاج اساليب تكرّس الفقر والتخلف والجهل، في مناطق الأورومو. وتعتبر المعارضة الأوروموية، برامج الحكومة المركزية، التي تنفذها في مناطق الأورومو تحت مسميات الإغاثة، والتنمية، ومحو الأمية، تضليلا للرأي العام، وذرا للرماد في العيون.
3. انتهاج أسلوب تقسيم الأراضي والاستيطان، بغرض الإخلال بالتركيبة السكانية في المنطقة، لصالح قوميتي التجراي والأمهرة. ومن هذا القبيل، مايسمى بـ "مشروع تنمية العاصمة أديس أبابا"، والذي اتخذته الحكومة المركزية ذريعة لاقتلاع الأورومويين من أراضيهم، وبالتالي، إفساح المجال للمستثمرين التغراي، والذين منحتهم عقود إيجار طويلة الأجل.
4. محاربة الثقافة الخاصة بالقومية الأورومية، ومنع أبناء الأورومو من استخدام لغتهم في التعليم، حيث يُشترط فيمن يلتحق بالمدارس والجامعات الرسمية والوظائف الحكومية، إتقان اللغة الأمهرية، التي هي معدودة بنظرهم "لغة استعمارية".
5. التحالف مع طائفة "الأحباش"، وتمكين أتباع هذه الطائفة، من التحكم في مجلس الأوقاف الإسلامي الخاص بالأورومو، والسيطرة على الكثير من مساجدها. (وكانت طائفة الأحباش قد نشأت في إثيوبيا على أيام هيلاسي لاسي، على يد الضال عبد الله الهرري، قبل أن يتم طردها من البلاد، فتلجأ إلى لبنان، لتزدهر هناك تحت حماية مخابرات البعث النصيري، إلا أن بعض أتباعها عادوا بعد ذلك، إلى الحبشة واقنعوا الحكومة، بأن يكونوا جزءاً من التحالف الحاكم). وهذا فضلا عن الحملات الأمنية والاجراءات القمعية، ضد الدعاة والشباب الملتزمين، تحت لافتة محاربة الإرهاب.
المستقبل المجهول وإرادة التغيير:
ويشتكي الأورومو مما يسمونه "المستقبل المجهول"، الذي ينتظر أطفالهم، حيث لا تعليم ولا صحة، ولا حياة لائقة. ويشير ناشطو الأورومو إلى أن غالبية أبناء القومية اضطروا إلى النزوح من مدنهم وقراهم، منذ 1992، إما إلى المناطق الداخلية أو إلى دول الجوار، وغيرها كمصر، وجنوب أفريقيا، ودول الخليج، فضلا عمن هاجر منهم، إلى أوروبا، وأمريكا، وأستراليا.وذلك نتيجة للسياسات العدوانية، التي تنتهجها الحكومة ضدهم. ويرجع استهداف الحكومة الإثيوبية لقومية الأرومو، إلى ثلاثة عوامل، هي: الخوف من الكثافة السكانية للأورومو. وكون أغلب أبناء الأورومو يدينون بالإسلام. وتمسك أبناء الأورومو بحق تقرير المصير والاستقلال عن إثيوبيا. وقد نظمت قومية الأورومو منذ 2001 عدة مظاهرات احتجاجا على الأوضاع التي تعانيها، وسياسات الحكومة المركزية العدائية تجاهها، وقد اشتدت تلك الاحتجاجات في نيسان وأيار 2014، واتسع مداها في تشرين الثاني 2015، لتصل إلى ذروتها في آب 2016، حيث شملت 130 مدينة، وذلك بسبب خطة حكومية لتوسعة العاصمة بالاستيلاء على أراضٍ زراعية مملوكة للأورومو. بيد أن الحكومة واجهت تلك الاحتجاجات بقوة مفرطة، ترتب عليها مئات القتلى، وآلاف الجرحى، وآلاف المعتقلين، وقد نجم عن هذه الاحتجاجات الدامية، التي استمرت ثلاث سنوات، إجبار رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين على الاستقالة، وتبوأ آبي أحمد هذا المنصب، في إبريل 2018. وينتمي آبي أحمد لقومية الأورومو، لكنه ليس مسلما، كما يوحي بذلك اسمه، وإنما هو مسيحي بروتستانتي، وجاء تعيينه رئيسا للوزراء، لاحتواء غضب مسلمي أوروميا المتصاعد، وللإلتفاف على مطالبهم، وذلك بتحالف الأورومو والأمهرة (27%)، ضد التجراي، المسيطرين على مفاصل الدولة. ولكن ونتيجة لعجز أبي أحمد عن القيام بأي تغيير حقيقي، بعد سنتين من تعيينه، جعله محل سخط وإزدراء من قبل المعارضة الأورومية، وجعلها تهز الأرض تحت قدميه، مما أعاد الأمور في البلاد إلى المربع الأول، ةهاهي إثيوبيا اليوم تقف من جديد على فوهة بركان.
***
[1] انظر مقال: ليج أياسو..إمبراطور أثيوبيا الذي اعتنق الإسلام، موقع البيان الإلكتروني، رابط : http://albayan.co.uk/Article2.aspx?id=11164
[2] انظر مقال: أحمد جوري الصومالي..فاتح بلاد الحبشة، مجلة البيان العدد 333 جمادى الأولى 1436هـ، فبراير - مارس 2015م. رابط: http://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=4178