• - الموافق2024/12/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
بشار الأسد: طاغية سوريا الذي أحرقها

بشار الأسد أحد أكثر الطغاة دموية في العصر الحديث، تحولت حياته من رئيس يقدم نفسه كقائد شاب منفتح إلى طاغية هارب بعد أن أحال بلده إلى أطلال، فمن هو هذا الرجل الذي دمر الحجر وأذلّ البشر، وأدخل سوريا في دوامة من الحروب والمعاناة؟


وُلِدَ بشار حافظ الأسد في عام 1965م في دمشق، لعائلة علوية تنتمي إلى أقلية هامشية ضمن النسيج الاجتماعي السوري، كان والده، حافظ الأسد، ضابطًا في الجيش السوري صعد إلى السلطة بفضل انقلاب عسكري في عام 1970م، ليصبح رئيسًا قاد سوريا بقبضة حديدية حتى وفاته في عام 2000م، نشأ بشار في ظل هذا النظام القمعي، وسط أسرة كبيرة ضمت إخوته، وكان أبرزهم باسل وماهر، كان باسل هو الأخ الأكبر والابن المفضل ووريث العرش المنتظر، درس الهندسة وكان شغوفًا برياضة الفروسية، حيث أعدّه حافظ الأسد ليكون خليفته في حكم سوريا، بالمقابل بدا بشار وكأنه يعيش حياة بعيدة عن دهاليز السياسة، اختار دراسة الطب في جامعة دمشق وتخصص لاحقًا في طب العيون، قبل أن يسافر إلى لندن لمتابعة دراسته في مستشفى ويسترن، وهناك تعرف على زوجته المستقبلية أسماء الأخرس، التي كانت تدرس علوم الكمبيوتر بجامعة كينغز كوليدج وعملت لاحقًا في المجال المصرفي، والذي كان زواجه منها في المستقبل عاملاً إضافيًا في تشكيل صورة الرئيس الشاب المتحضر.

في يناير 1994م، انقلبت حياة بشار رأسًا على عقب موت باسل في حادث سيارة قرب مطار دمشق، هذا الحادث غيّر مسار العائلة بشكل جذري؛ إذ لم يكن هناك خيار أمام حافظ الأسد سوى إعداد بشار لخلافته، استُدعي بشار على الفور من لندن، بدأ رحلة مكثفة من التأهيل السياسي والعسكري لتولي منصب لا يبدو أنه كان معدًا له، التحق بالأكاديمية العسكرية في حمص وبدأ يظهر بشكل متزايد في المناسبات الرسمية، مما كان إشارة واضحة إلى دوره المستقبلي، ومع وفاة حافظ الأسد في يونيو 2000م، أصبح بشار، الذي لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره آنذاك، رئيسًا لسوريا بعد تعديل دستوري سريع خفّض الحد الأدنى لسنّ الرئيس من 40 إلى 34 عامًا، وهكذا وجد طبيب العيون الذي عاش بعيدًا عن السياسة نفسه فجأة في قمة هرم السلطة، وسط نظام موروث من القمع والاستبداد.

الدكتاتورية المتجددة

عند توليه السلطة؛ بدا بشار وكأنه يحمل رؤية جديدة لسوريا، إذ أطلق سراح بعض السجناء السياسيين في عام 2001م في محاولة لتقديم نفسه كمصلح، وحاول عبر خطاباته الأولى رسم صورة مغايرة لوالده، مستخدمًا مصطلحات مثل "الشفافية" و"الديمقراطية" و"التحديث"، ما أشاع التفاؤل بين السوريين، وتبنى استراتيجية "الإصلاح الاقتصادي قبل السياسي"، لكن هذا النهج أفاد فقط النخبة الموالية للنظام، مما زاد من الفجوة الاقتصادية وأبقى الغالبية العظمى من الشعب في فقر مدقع، ولكن هذه الصورة سرعان ما بدأت بالتلاشي مع استمرار هيمنة الأجهزة الأمنية القمعية التي ورثها عن والده، واستمرارها في سياسات القمع المتمثلة في اعتقالات جديدة وحملات أمنية واسعة جعلت من الإصلاحات المزعومة واجهة زائفة، ومع الوقت لم يستطع إخفاء تمسكه بسياسات والده القمعية، حيث أكد أن سحق المعارضين في الثمانينيات كان قرارًا "صائبًا".

تزامن صعود بشار إلى السلطة مع تحولات كبرى على الساحة الدولية والإقليمية، كان العالم يعيش تبعات هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وفي سياق محاولاته للظهور كرئيس إصلاحي على الساحة الدولية.

التقى بشار برئيس الوزراء البريطاني توني بلير في عام 2001م، بدت هذه اللقاءات كجزء من حملة علاقات عامة تهدف لإعادة تشكيل صورة سوريا عالميًا، في الواقع كانت سوريا تنزلق ببطء نحو مأساة جديدة تحت حكم بشار، استمرت القبضة الأمنية، وبدلاً من إصلاح النظام، تم تعزيز دور النخبة المقربة منه، ما أدى إلى تفاقم معاناة الشعب السوري، وهكذا تحول الطبيب الذي بدا يومًا بعيدًا عن السياسة إلى رئيس مستبد، يمهد الطريق لحقبة جديدة من القمع والدمار.

 

لعبت إيران دورًا محوريًا في دعم الأسد، حيث أرسلت ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات، أبرزها حزب الله اللبناني، للقتال إلى جانب قوات النظام، وقدمت إيران الدعم المالي واللوجستي والعسكري

الثورة السورية

في مارس 2011م، بدأت شرارة الثورة السورية في مدينة درعا بجنوب البلاد، حيث اعتقلت قوات الأمن مجموعة من الأطفال الذين كتبوا شعارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم، كانت هذه الحادثة كافية لإشعال غضب شعبي واسع النطاق، حيث خرجت مظاهرات سلمية تطالب بالإصلاحات السياسية، ورفع القبضة الأمنية عن البلاد، وإرساء الحريات الأساسية، سرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى حركة شاملة ضد نظام الأسد، رد النظام السوري على المظاهرات السلمية بالقوة المفرطة، فأطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية على المتظاهرين، وفرضت حصارًا خانقًا على المدن التي شهدت احتجاجات واسعة، ظهرت ميليشيات الشبيحة المرتبطة بالنظام كأداة لترهيب المدنيين، حيث قامت بعمليات نهب وقتل واعتقال عشوائي، ومع تصاعد العنف تحولت الاحتجاجات إلى ثورة شاملة، ودخلت البلاد في دوامة من الصراع المسلح.

مع تطور الصراع، لجأ النظام إلى استخدام أسلحة محظورة دوليًا لترويع المعارضة وكسر إرادة الشعب، ففي أغسطس 2013م وقع الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية، حيث استخدم غاز السارين ضد المدنيين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 1400 شخص، بينهم عدد كبير من الأطفال، وقد أثار هذا الهجوم غضبًا دوليًا واسع النطاق، إلا أن الردود الفعلية اقتصرت على إدانات شفهية، دون أي إجراءات عقابية حقيقية ضد النظام، وأدى ذلك إلى تعزيز شعور الأسد بالحصانة، واستمرار سياساته القمعية.

تحالفات شيطانية

سرعان ما تحول الصراع السوري سريعًا إلى أزمة دولية متعددة الأطراف، كان عام 2015 نقطة تحول حاسمة في الحرب السورية، حيث دعمت روسيا وإيران النظام السوري عسكريًا واقتصاديًا، وقدمت روسيا الدعم الجوي والمستشارين العسكريين، ونفذت القوات الروسية حملات جوية مكثفة ركزت على مواقع المعارضة المسلحة، متذرعة بمحاربة الإرهاب، لكنها استهدفت أيضًا البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والأسواق، مما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين.

بالتزامن مع التدخل الروسي، لعبت إيران دورًا محوريًا في دعم الأسد، حيث أرسلت ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات، أبرزها حزب الله اللبناني، للقتال إلى جانب قوات النظام، وقدمت إيران الدعم المالي واللوجستي والعسكري، وساهمت في إعادة هيكلة قوات الأسد عبر إنشاء ميليشيات موالية تُعرف باسم "الدفاع الوطني"، وكان الهدف من هذا التدخل هو حماية المصالح الإيرانية في سوريا، والتي تُعد جزءًا أساسيًا مما يُعرف بمحور "المقاومة" الممتد من طهران إلى جنوب لبنان.

رغم نجاح هذه التحالفات في تثبيت أركان حكم الأسد، إلا أن سوريا أصبحت ساحة صراع دولي، حيث تقاسمت القوى الخارجية النفوذ في البلاد. تحول النظام إلى كيان يعتمد بشكل كبير على روسيا وإيران، فاقدًا القدرة على اتخاذ قراراته السيادية بشكل مستقل. وبذلك، أصبح التدخل الخارجي ليس فقط عاملًا في بقاء الأسد، بل أيضًا عاملًا رئيسيًا في تعميق معاناة الشعب السوري وإطالة أمد الصراع.

تغيّر السردية

على الجانب الآخر؛ تلقت المعارضة السورية دعمًا متقطعًا وغير كافٍ من دول إقليمية وغربية، مما جعل ميزان القوى يميل بشكل واضح لصالح الأسد وحلفائه، كانت تركيا واحدة من أبرز الدول التي قدمت دعمًا للمعارضة، حيث وفرت لها ملاذات آمنة على أراضيها، ودعمتها بالسلاح والتمويل والتدريب، كما ساهمت بعض الدول العربية في تقديم الدعم المالي واللوجستي للفصائل المعارضة، بهدف التصدي للنفوذ الإيراني في سوريا. ورغم هذا الدعم فقد افتقرت المعارضة إلى التنسيق الموحد والقيادة المتماسكة، ما أضعف قدرتها على استغلال الموارد المتاحة، وعلى الصعيد الغربي قدمت الولايات المتحدة دعمًا محدودًا لبعض الفصائل المعارضة، عبر برامج تدريب وتسليح، لكن هذه الجهود كانت خاضعة لتحفظات سياسية وشروط مشددة، ما حد من فعاليتها، وفي الوقت نفسه أبدت دول أوروبية حذرًا في التدخل المباشر، مكتفية بالدعم الإنساني والضغط الدبلوماسي.

كل هذه العوامل جعلت الكفة تميل لصالح النظام المدعوم من روسيا وإيران، حيث استفاد الأسد من الانقسام داخل المعارضة، وغياب الدعم الدولي القوي لها، ليستعيد السيطرة على معظم الأراضي السورية حيث أصبح النظام وحلفاؤه أكثر تنسيقًا وتنظيمًا، فيما ظلت المعارضة تعاني من افتقارها إلى الاستراتيجية الموحدة، ومع ظهور تنظيم (داعش) وسيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراقز

 تمكن الأسد من تغيير السردية الدولية بشأن الصراع، وقدم نفسه كمحارب للإرهاب وحامي للاستقرار في وجه الجماعات المتطرفة، استغل النظام هذا الموقف لتحييد الضغوط الدولية، خاصة من الدول الغربية، التي وجدت نفسها مضطرة للتركيز على محاربة داعش بدلًا من الضغط للإطاحة بالأسد، وقد ساهم هذا التحول في منح النظام مساحة للتنفس وإعادة ترتيب صفوفه، وبدعم جوي روسي وهجمات برية تقودها الميليشيات الإيرانية، وتمكن النظام السوري من استعادة مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرة المعارضة، مثل حلب في عام 2016م والغوطة الشرقية في عام 2018م، وكانت هذه الانتصارات مصحوبة بسياسات الأرض المحروقة، حيث دُمرت مدن بأكملها وشُرد سكانها، ما أدى إلى تغييرات ديمغرافية واسعة النطاق في المناطق التي استعادت قوات النظام السيطرة عليها.

سقوط القناع

منذ أن سيطرت عائلة الأسد على الحكم في سوريا عام 1970م، أصبحت رمزًا للدكتاتورية والقمع، بدأ هذا الإرث مع حافظ الأسد الذي أسس لدولة بوليسية شاملة، ومع انتقال السلطة إلى بشار تطورت أساليب القمع لتصبح أكثر وحشية، حيث استعان بأدوات حديثة في المراقبة والاعتقال والتعذيب، إلى جانب استخدام الأسلحة المحظورة دوليًا، وبينما كانت سوريا تغرق في الفوضى والدماء، كانت عائلة الأسد تعيش حياة مترفة، إذ كشفت تسريبات "ويكيليكس" عن تفاصيل مذهلة حول نمط حياة العائلة الأسدية، حيث أنفقت أسماء الأخرس، زوجة بشار، مبالغ طائلة على شراء المجوهرات الفاخرة والأثاث الباهظ، متجاهلة معاناة ملايين السوريين الذين شُردوا أو فقدوا أحبائهم، كما أكدت هذه التسريبات تورط بشار شخصيًا في توجيه سياسات القمع الوحشي، مما يسلط الضوء على دوره المباشر في تكريس نظام مستبد على حساب شعبه.

مع اشتداد الضغط العسكري والسياسي على نظامه، ومع التقدم المفاجئ الذي حققته فصائل المعارضة في الأسابيع الأخيرة من حكمه، اضطر بشار إلى ترك السلطة في مشهد درامي، وطلب اللجوء إلى روسيا، حيث استقبلته موسكو هو وعائلته، لتبدأ حياة في المنفى بعيدًا عن البلاد التي حكمها بقبضة من حديد لأكثر من عقدين، وحرب أهلية تعد واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، حيث تسبب الصراع في تمزيق سوريا ومقتل أكثر من 500 ألف شخص، وتشريد نحو نصف سكان البلاد، بين لاجئين في الخارج ونازحين في الداخل، وتعرضت البنية التحتية للدمار الكامل، وتعمقت الانقسامات الاجتماعية والطائفية، وانهار الاقتصاد، وفقد ملايين السوريين سبل عيشهم، فيما ظل المجتمع الدولي عاجزًا عن وضع حد لهذه المأساة.

سيبقى إرث الأسد درسًا تاريخيًا قاسيًا حول استغلال السلطة والقمع لتحقيق البقاء، وكيف يمكن أن يؤدي غياب العدالة والحكم الرشيد إلى تدمير وطن بأكمله.

أعلى