الدروز في الدولة الصهيونية

لا يقيم الأعداء أبدا أي اعتبار لمن خانوا قوهم، فكم من الخونة والمنافقين الذين ساعدوا الأعداء وبذلوا من أجلهم التضحيات، ولم يحصلوا في الأخير إلا على اللعنات والاحتقار من الأعداء قبل الأصدقاء، هذا ما تسجله قصة الدروز في الدولة الصهيونية.


يعيش الدروز في عدة بلدان مختلفة، تفصلهم حدود مرسومة بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، والدروز يمكن وصفهم بمجموعة دينية وعرقية فريدة من نوعها، حيث يعود تاريخ تقاليدهم إلى القرن الحادي عشر وتتضمن عناصر دينهم ملامح من الإسلام والهندوسية وحتى الفلسفة اليونانية الكلاسيكية، واليوم يعيش أكثر من مليون درزي في المنطقة، بالنظر إلى الدولة الصهيونية على وجه التحديد فإن المجتمع الدرزي يشكل أقلية متماسكة ونشطة في الحياة العامة، وبالرغم من أن قسمًا كبيرًا من البالغين الدروز ــــــ رجالاً ونساءً ــــ يخدمون في الجيش الصهيوني والأجهزة الأمنية والوكالات الحكومية، إلا أن أقلية الدروز تعاني من التهميش وفقدان كثيرٍ من الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من المستوطنين اليهود، وقد تكشّفت مشاكلهم أكثر وسُلِّطَ الضوء عليها في ظل الحرب الصهيونية الغاشمة على قطاع غزة فأي أبعاد لهذه المشكلات؟، وأي انعكاسات قد تطرأ نتيجةً لها؟

من هم الدروز؟

الدروز هم أقلية عرقية ودينية ناطقة باللغة العربية، ويعيشون تقليديًا في المناطق الجبلية في سوريا ولبنان وشمال الدولة الصهيونية "إسرائيل" وشمال الأردن، ويتبعون عقيدة تعدّ فرعًا من الشيعة الإسماعيلية، ولا يعتبر الدروز مذهب التوحيد كمذهب إسلامي، بل يرون أن مذهب التوحيد الدرزي ديانة مستقلة عن الإسلام وأنها قائمة بحد ذاتها، وعلى الرغم من أن أفرادها أقلية صغيرة من ناحية العدد، إلا أنهم لعبوا أدوارًا بارزة في السياسة الداخلية لكل بلد مع الحفاظ بهدوء على هويتهم الثقافية الخاصة في مناطقهم.

نادرًا ما يتزوج الدروز من خارج دينهم، فمنذ تأسيس تلك الطائفة في القرن الحادي عشر، تم إغلاق التحول إلى الدرزية رسميًا أمام الغرباء وتم حظر التبشير، ومنذ ذلك الحظر استمر السكان الدروز في الوجود فقط على أساس استمرار أجيالهم السابقة، ويركز الدروز بشدة على الفلسفة ونقاء الطائفة، ولا توجد لديهم أيام مقدسة محددة أو صلوات منتظمة أو التزامات للحج، إذ على حد زعمهم فإنه من المفترض أن يكون الدروز مرتبطين بالله في جميع الأوقات، يؤمن الدروز بعدد محدد من الأنبياء؛ منهم: شعيب وموسى وعيسى ومحمد، كما يحظى العديد من الفلاسفة باحترام كبير من قبل الدروز، وعلى رأسهم سقراط وأفلاطون وأرسطو والإسكندر الأكبر.

 

 الدروز يؤدون الخدمة العسكرية والمدنية، فلأكثر من 4 عقود كان لدى جيش الاحتلال وحدة مشاة درزية في المقام الأول تسمى هيريف، أو كتيبة السيف، وهذا على النقيض من العرب المقيمين في الدولة المحتلة الذين يتم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية

الدروز في إسرائيل

يعود تاريخ وجود الدروز تحت الحكم الصهيوني إلى حرب 1948م، وقد ازداد عددهم بعد هزيمة 1967م واستيلاء الدولة الصهيونية على مرتفعات الجولان السورية، فحينما فرَّ السكان السوريون إلى الداخل السوري أو إلى خارج البلاد، على عكسهم بقي الدروز في قراهم الأربع التي تقع في سفوح جبل الشيخ، صحيح أن الطائفة الدرزية في الجولان قد خاضت في البداية صراعًا سياسيًا ضد السيادة الإسرائيلية والتزمت بهويتها السورية، إذ كانت لديهم توقعات بأن دولة الاحتلال ستعيد الجولان إلى سوريا، لذا استمر الزواج بين الدروز عبر الحدود في سوريا، ورفض دروز الجولان الجنسية الإسرائيلية في بادئ الأمر، ورفضوا الخدمة في جيش الاحتلال، وحظروا اللغة العبرية في مدارسهم، لكن سرعان ما تغيّر كل ذلك، وبات عدد أبناء الطائفة الدرزية الآن في دولة الاحتلال اليوم يقدر بـ 150 ألف نسمة، أي حوالي 2% من سكان الكيان المحتل، وفقا لدراسة جديدة أجراها مركز بيو للأبحاث في إسرائيل، ويعيش معظم الدروز في المناطق الشمالية من الجليل والكرمل ومرتفعات الجولان.

حسب نظام التعليم الإسرائيلي فإن المدارس الدرزية مستقلة ومختلفة في مناهجها عن المناهج في المدارس العبرية والعربية، وينتمي اليوم عشرات الآلاف من الدروز الإسرائيليين إلى حركات درزية صهيونية، وهم لا يعدون أنفسهم عربًا أو فلسطينيين بأي شكل من الأشكال، ويميلون أكثر إلى التشديد على الهوية الدرزية أو الإسرائيلية، ويزداد هذا الشعور مع تشجيع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على هوية منفصلة لهم وهي الهوية الدرزية الإسرائيلية، والتي تم الاعتراف الإسرائيلي بها رسميًا في القانون الإسرائيلي في وقت مبكر منذ عام 1957م، ويترأس الطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، فهو الزعيم الروحي لدروز إسرائيل وأحد أبرز المطالبين بضرورة ترسيخ الطائفة الدرزية وحقوقها في التشريعات الإسرائيلية.

يعتبر الدروز خدمة الدولة التي يعيشون فيها جزءًا من الواجب المدني والعقيدة الدينية، لذا فإن الدروز يؤدون الخدمة العسكرية والمدنية، فلأكثر من 4 عقود كان لدى جيش الاحتلال وحدة مشاة درزية في المقام الأول تسمى هيريف، أو كتيبة السيف، وهذا على النقيض من العرب المقيمين في الدولة المحتلة الذين يتم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية، ويتضح الأمر بجلاء من خلال إحصاء العديد من الجنرالات الدروز والسفراء وأعضاء الكنيست ووزراء الحكومة، لكن بالرغم من كل ذلك فإنهم يواجهون الحط من مكانتهم في النظام السياسي والاجتماعي.

 

 في إطار السعي لتحقيق مزيدٍ من الاندماج؛ أُنشِئَت جمعيات للضباط الدروز، والتي تقوم بأنشطة لتكريم القتلى منهم، واتحادات للطلاب الدروز لتوفير الدعم المالي لهم، وهي مصممة تاريخيًا لتعزيز الصداقة الدرزية اليهودية

تحديات وتحولات

طرأت خلال العقد الماضي مجموعة من التحولات على المجتمع الدرزي في "إسرائيل"، لكن هذه التحولات قد حملت في طياتها مجموعة من التحديات يمكن تلخيصها في 3 اتجاهات رئيسية:

أولًا؛ الرغبة في الاندماج:

بات هناك وعي متزايد بين الدروز في الدولة العبرية اللقيطة "إسرائيل" بأن مستقبلهم الأمثل يكمن في وجودهم بها، وليس في سوريا أو غيرها من دول المنطقة، ومن هنا بدأت محاولات الاندماج الكلي في المجتمع الصهيوني وما صاحبها من تحديات وعراقيل.

ثانيًا؛ الخذلان بسبب التشريعات:

وعلى الرغم من نشأت توترات جديدة بين الدروز والدولة العبرية الصهيونية "إسرائيل" بسبب قانونين مختلفين، وهما: قانون الجنسية الذي يؤكد على هوية إسرائيل اليهودية، وقانون كامينيتس الذي يسعى إلى مركزية وإنفاذ الحظر ضد البناء غير القانوني، وهي ممارسة شائعة في القرى الدرزية بسبب عدم توفر الأراضي المرخصة للسكن. إلا أنهم ما زالوا متمسكين بحياة الذلة مع الصهاينة.

ثالثًا؛ الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي:

إذ شهد المجتمع الدرزي في الآونة الأخيرة حالة من الانقسام بشأن الخدمة العسكرية في الجيش، حيث يشكو البعض من أنهم لا يتلقون الدعم الذي يستحقونه بعد وأثناء الخدمة، وهناك تراجع كبير في ثقتهم بدولة الاحتلال بسبب العنصرية الإسرائيلية حيالهم، وتعلو من حينٍ لآخر بعض المطالبات لرفض التجنيد الإجباري المفروض على الشبان الدروز. ليس من باب القرب الديني أو العرقي مع العرب المسلمين ولكن بسبب أنهم لا يحصلون على مكافآت أو تقدير لقاء ما يقدمونه من تضحيات ودماء تذهب في النهاية من دون مقابل.

الرغبة في الاندماج

على الرغم من أن دروز في الدولة العبرية ظلوا لفترة من الزمن غير منسجمين مع واقع الحكم، إلا أنه لأسباب نفعية ولأن التكامل العملي في إسرائيل يعتبر في نظرهم الخيار الأكثر عقلانية، سرعان ما بدأوا في التعبير علانيةً عن تضامنهم مع الكيان المحتل، وباتوا لا يخفون تضامنهم مع القضايا الإسرائيلية على اعتبار أن الشراكة مع الشعب الصهيوني تعدّ خيارًا استراتيجيًا، وبدأ قادة المجتمع الدرزي في بناء علاقات قوية وتعاونية مع الحكومة الصهيونية، ورفضوا المواجهة المباشرة معها.

بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011م وما شهده نفس العام من هزّات سياسية وثورية في بعض دول المنطقة، ظهر اتجاه جديد بين جيل الشباب في دروز الجولان، مدفوعًا باعتبارات عملية وانعكس في اتجاهات مماثلة بين الدروز في باقي مناطق إسرائيل، إذ ارتفع عدد الدروز الذين تقدموا بطلبات للحصول على الجنسية الإسرائيلية بشكل مطرد، يمكن ملاحظة ذلك من الارتفاع الكبير ـ خلال العقد الذي أعقب عام 2011 ـ في عدد الطلاب الدروز المسجلين في الجامعات الصهيونية، وفي الانتخابات البلدية في الجولان عام 2018م كانت هناك لأول مرة درجة ملحوظة من المشاركة، فيما بدأت الشركات الدرزية بشكل متزايد في العمل مع خطط الحكومة للتنمية الاقتصادية والتمكين، والتي تم الترويج لها بين عامي 2014 و2022، فيما يتزايد تدريس اللغة العبرية في المدارس الدرزية كدليل آخر قوي على الرغبة في الاندماج ومن أجل تحقيق شرط ضروري للدراسة في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

في إطار السعي لتحقيق مزيدٍ من الاندماج؛ أُنشِئَت جمعيات للضباط الدروز، والتي تقوم بأنشطة لتكريم القتلى منهم، واتحادات للطلاب الدروز لتوفير الدعم المالي لهم، وهي مصممة تاريخيًا لتعزيز الصداقة الدرزية اليهودية وكذلك اندماج الطلاب الدروز في إسرائيل، وبات أعضاء المجتمع الدرزي يتبؤون مناصب عليا في السياسة الإسرائيلية والخدمة العامة، ونظرًا لأنهم مندمجون في العديد من الأحزاب السياسية، بات عدد أعضاء البرلمان الدروز أكبر من نسبتهم بالمقارنة مع الأقليات الأخرى في إسرائيل.

الخذلان بسبب التشريعات

بالرغم من محاولات الدروز الإسرائيليين للاندماج في المجتمع الصهيوني وأداء كافة الواجبات المنوطة بهم، إلا أن الشعور بحرمانهم من حقوقهم والتمييز ضدهم ظل موجودًا، وقد ازداد الأمر في ظل صدور قانونين مختلفين، هما:

قانون الجنسية الصادر في عام 2018م:

يُنظر إلى هذا القانون على أنه يعطي الأولوية للهوية اليهودية على اعتبار أن إسرائيل دولة قومية للشعب الصهيوني، إذ يعدّل القوانين الأساسية لإسرائيل والتي هي أقرب شيء هناك إلى الدستور، قام بتدوين الرموز اليهودية، مثل نجمة داود والشمعدان، كرموز وطنية للدولة اللقيطة، والعبرية كلغة وطنية لها والأعياد اليهودية كأعياد وطنية، كما خفّضَ القانون مستوى اللغة العربية من لغة رسمية للدولة إلى "لغة ذات وضع خاص"، والأكثر إثارة للجدل، هو أنه ينص على أن حق تقرير المصير الوطني في الدولة الصهيونية يخص اليهود واليهود وحدهم، بالنسبة للعديد من الدروز، وهم أقلية ناطقة باللغة العربية في "إسرائيل"، كان يُنظر إلى القانون على أنه إهانة للدور الذي لعبه الدروز في تاريخ الدولة الصهيونية.

أثار هذا القانون رد فعل مكثف بشكل لافت من قبل الطائفة الدرزية على المستويين الشعبي والقيادي، تمت قراءة القانون على أنه استبعاد للدروز من قلب دولة الاحتلال، على الرغم من مساهمتهم في أمن "إسرائيل" وما أصبح يسمى بـ"ميثاق الدم"، إذ خشي الدروز أن يؤدي ذلك إلى تآكل حقوقهم المدنية، وتصنيفهم كمرتزقة للدولة اليهودية وليس كمواطنين في الدولة، وقد انعكس هذا في أنماط التصويت في سلسلة الانتخابات بين عامي 2019 و2022، إذ استمر حوالي 90% من الدروز في التصويت للأحزاب الصهيونية، لكنهم ابتعدوا عن حزب الليكود واتجهوا إلى الوسط ويسار الوسط.

فشل البرلمانيون الدروز في الطعن على هذا التشريع في المحكمة باعتباره تمييزيًا، ولا يزال الكثيرون اليوم يصفونه بأنه طعنة في الظهر للإسرائيليين غير اليهود، فيما يبرر واضعو قانون الجنسية بأنه قد تم تصميمه للتأكيد على حق الشعب اليهودي في تقرير المصير والوقوف ضد رفض الفلسطينيين الاعتراف به، لكن بالنسبة للدروز كان ذلك بمثابة إهانة لهويتهم الخاصة، وتزامنت ردود أفعالهم مع أنماط احتجاج أوسع في إسرائيل ضد حكومة نتنياهو (آنذاك ومرة ​​أخرى الآن).

قانون كامينيتس الصادر في عام 2017م:

سُمِّي هذا القانون على اسم نائب المدعي العام الإسرائيلي آنذاك، بشأن إنفاذ مخالفات البناء، وأدى هذا الأخير إلى فرض أوامر الهدم وغرامات باهظة على الأسر الدرزية، فلدى المجتمعات الدرزية في الشمال معاملة وضعية وعنصرية من دولة الاحتلال تجاههم، ولعل أهمها أن الكثير من أراضيهم مسجلة على أنها "زراعية"، وهو ما يمنعهم من الحصول على تصاريح بناء لمنازل لأبنائهم وأحفادهم ومن توسيع قراهم، لدرجة أن حوالي ثلثي منازل الدروز في الدولة العبرية تم بناؤها دون تصاريح في العقود الأخيرة، مما أدى إلى تركها تحت التهديد المستمر بأوامر الهدم أو الغرامات الضخمة، ويعتقد الدروز أن الحكومة الإسرائيلية تحد عمدًا من البناء في مجتمعاتهم وتضطهدهم من خلال التنفيذ المفرط لقانون كامينيتس، لدرجة أن عائلة الضابط الدرزي محمود خيرالدين الذي قُتِلَ في غزة في عام 2021، فضلت في الحصول على تصريح بناء رغم وفاته في سبيل الكيان المحتل.

الخدمة في جيش الاحتلال

يتم تجنيد الدروز الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا في الجيش الاحتلال منذ عام 1952م، وغالبًا ما تتم ترقيتهم إلى مناصب رفيعة، كما يتواجد العديد من الدروز في الشرطة وقوات الأمن، وفقًا للفلسفة الدرزية فعادةً ما يُشار إلى العلاقة بين اليهود والدروز الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي باسم "ميثاق الدم"، وتتفوق هذه العلاقة على أي توترات سياسية، لكن المساواة التي تتم في مسألة التجنيد لا تترجم دائمًا إلى الحياة خارج الجيش، وعلى عكس المسيحيين والمسلمين الناطقين باللغة العربية في دولة الاحتلال، والذين ما زالوا يُعرفون إلى حد كبير بأنهم فلسطينيون ويتم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية، فقد تبنى الدروز بقوة الدولة الصهيونية ، وهم لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي فقط بموجب قانون التجنيد الإلزامي مثل اليهود الإسرائيليين، بل يفعلون ذلك بمعدلات أعلى من اليهود، وخاصة في الوحدات القتالية وسلك الضباط، وفي العقدين الماضيين تشكلت كتلة من الضباط الدروز تجمع بين خلفيتهم في القيادة العسكرية والتعليم الأكاديمي والقيادة الاجتماعية، إنهم يعتبرون أنفسهم عناصر تغيير في المجتمع الدرزي، ونظرًا لمكانتهم في مجتمعهم بات ينظر إليهم كجزء متكامل من النخبة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.

من وجهة نظر الدروز في الدولة الصهيونية؛ فإن الحرب بين دولة الاحتلال وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) تعدّ جزءًا من التهديد المشترك الذي يواجه الدروز واليهود، لكن هجوم طوفان الأقصى الذي وقع في 7 أكتوبر، والحرب التي تلته على قطاع غزة، بمثابة نقطة تحول في العلاقات الدرزية اليهودية، فمع وجود عدة آلاف من الرجال الدروز الذين يخدمون في الحرب في غزة، أصبح تأثير الصراع محسوسًا في المجتمع الدرزي في جميع أنحاء الدولة اللقيطة، لا سيما وأن عدة جنازات عسكرية قد أقيمت في قلب الطائفة الدرزية في إسرائيل منذ بدء الحرب على غزة، وكان أعلى ضابط في جيش الاحتلال قُتل في الحملة البرية داخل غزة هو درزي، كما انخرط المجتمع الدرزي أيضًا في الجهود التطوعية لدعم آلاف الصهاينة النازحين من الجنوب، كما أنشا الدروز مركزًا لمراجعة وتمشيط مقاطع الفيديو التي شاركتها حماس ووسائل الإعلام الفلسطينية منذ 7 أكتوبر لمساعدة المخابرات الإسرائيلية في تحديد مكان الرهائن وتحديد أماكن تواجد عناصر حماس، وذلك بصفتهم متحدثين باللغة العربية.

تبعات وانعكاسات

لا تقتصر المشكلات والتحديات التي يواجهها دروز في الدولة المحتلة عند حد قانون الجنسية وقانون كامينيتس، فهناك شعور سائد داخل المجتمع الدرزي بأنهم يعاملون بطريقة دونية وعنصرية فهم لا يحصلون على تمويل متساو للتعليم أو مشاريع البنية التحتية مثل باقي فئات المجتمع الصهيوني، بل إن قراهم مهمشة ومحرومة من الاستثمار العام وهناك تناقضات كبيرة في الميزانيات التي تحصل عليها مقارنة بالمدن ذات الأغلبية اليهودية ذات الحجم المماثل، ولكن مع عودة التوابيت بجثث المقاتلين الدروز من المعارك في غزة، بدأت نبرات الاستهجان والانتقادات تتعالى، إذ سئموا الاكتفاء بالوعود وانتظار النتائج التي لا تصل أبدًا، وقد تزايدت التوترات مع الحكومة مؤخرًا في صعود اليمين اليهودي المتطرف.

لقد اعتقد وجهاء الطائفة الدرزية أن مشاركة أبناء طائفتهم في الحرب التي يشنّها الجيش الصهيوني على غزة، سيحصدون من وراءها ثمرة تورطهم في الحرب من خلال تسهيل ملفاتهم العالقة؛ بيْدَ أن كل المؤشرات حتى الآن تدلل على أن القيادة السياسية والعسكرية قد قابلتهم بصفعة مدوية عندما رفضت التخلي عن الإجراءات الداخلية التي طالت الطائفة، وفي ظل التوترات المتسارعة جراء الحرب، اكتفت حكومة بنيامين نتنياهو في 7 يناير الماضي بتخصيص 12.5 مليون شيكل (3.41 مليون دولار) لما وصفته بـ "تعزيز صمود المجتمعات الدرزية في شمال إسرائيل"، وهي محاولة من الحكومة الصهيونية لتخفيف وطأة الضغط الدرزي، لكن من وجهة نظر الدروز فإن هذه المكافأة الطارئة ليست كافية، فثمة معاملات دونية عديدة تتطلب تدخلًا أكثر فاعلية، منها على سبيل المثال انتشار الجريمة داخل المجتمع الدرزي، والمثير للاستغراب أمام كل هذه المشاكل العميقة التي تواجه الدروز، أنهم مازالوا على ثقة بدرجةٍ كبيرة بأن الحكومات الصهيونية العنصرية ستمنحهم حقوقًا ملموسة أو تعطي لهم وزنًا مؤثرًا في مستقبل الحياة الاجتماعية والسياسية لدولة الاحتلال.

 

أعلى