• - الموافق2024/10/30م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
بايدن ونتانياهو... بين الخصام والوفاق

ما أسباب هذا الخلاف البادي بين بايدن ونتنياهو؟ وإلى ماذا سيؤول هذا الخلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية والتي تتمتع بأغلبية برلمانية في الكنيست الصهيوني؟ وهل سيكون لهذا النقد العلني الأمريكي الموجه لحكومة الكيان تأثيره على صراع الفلسطينيين مع ا


"على الرئيس بايدن أن يدرك أننا لم نعد نجمة على العلم الأمريكي"

هذا ما قاله وزير الأمن الإسرائيلي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير على تويتر، ردًا على ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن للصحفيين.

منذ عدة أسابيع سأل الصحفيون الرئيس الأمريكي جو بايدن لماذا لم تتم دعوة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو بعد إلى البيت الأبيض، فأجاب بايدن: سيصل الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ قريبًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، متجاهلاً الحديث عن رئيس الوزراء الصهيوني.

وكان هذا التصريح بمثابة إهانة لنتانياهو الذي بحكم العرف السياسي الصهيوني هو الذي جاء بانتخابات والذي بيده السلطات وصاحب القرار السياسي الصهيوني، أما الرئيس فهو منصب شرفي.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يعرب فيها بايدن عن موقفه من نتانياهو، فقد علق في شهر مارس الماضي على الاحتجاجات غير المسبوقة التي اندلعت في دولة الاحتلال الإسرائيلي رفضًا لخطة حكومة نتنياهو تعديل النظام القضائي، وقال للصحفيين إن إسرائيل لا يمكنها أن تواصل السير في هذا الطريق.

ودعا بايدن نتنياهو إلى التوصل لتسوية حقيقية، والتخلي عن مشروع التعديلات القضائية، وإيجاد حل للوضع الصعب الذي تعيشه الدولة، حسب وصفه.

وفي هذه المرة أيضًا عندما سئل بايدن إن كان سيدعو نتنياهو إلى البيت الأبيض، قال بايدن لا، ليس في المدى القريب.

لقد جرت العادة في العلاقات الأمريكية الصهيونية الوطيدة، على مسارعة الرؤساء الأمريكيون لتوجيه الدعوة إلى رؤساء وزراء إسرائيل لزيارة البيت الأبيض حال تشكيل حكوماتهم؛ ومع مرور أكثر من سبعة أشهر على تشكيل الحكومة الإسرائيلية في ديسمبر 2022، لم يوجه بايدن دعوة لنتنياهو لزيارة البيت الأبيض.

لذلك تم الاستنتاج بأن العلاقة بين بايدن ونتنياهو فاترة، وفي أحيان عديدة متوترة.

ولكن ما أسباب هذا الخلاف؟

 

" إننا في حلف دائم وراسخ وغير قابل للفصم مع دولة إسرائيل " هذه العبارة رددها شولتز وزير الخارجية الأمريكي عام 1985م؛ فأمريكا مثلها مثل بريطانيا ذات أغلبية بروتستانتية تغلغلت في تفكير مواطنيها الأفكار والنبوءات التوراتية

برزت الخلافات إلى السطح بين الحكومة الصهيونية بزعامة نتانياهو وإدارة الرئيس جو بايدن الأمريكية بعد مقابلة أجراها الرئيس الأمريكي، مع شبكة الأخبار الأمريكية "سي إن إن"، حيث قال إن الوزراء بحكومة إسرائيل الذين يريدون الاستيطان في كل مكان بالضفة الغربية هم جزء من المشكلة.

وأضاف بايدن أن بعض وزراء الحكومة مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير هما أكثر من أتذكرهم تطرفاً.

ولكن ليس موضوع الاستيطان وحده سبب المشكلة، بل ظهر أيضًا التعاطف الرسمي الأمريكي مع الاحتجاجات الشعبية الصهيونية ضد خطط ما يعرف بإصلاح القضاء والتي ينوي اليمين المتطرف الصهيوني فرضها بأغلبيته في الكنيست الصهيوني. وقد تم بالفعل إقرار بعضها في الأسابيع الماضية.

فحزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الليكود، وحلفاؤه من الأحزاب اليمينية المتطرفة والحريدية ماضون قدمًا بخطتهم لإصلاح القضاء، التي قوبلت باحتجاجات حاشدة مستمرة منذ شهور، حيث يقول منتقدو الخطة إنها ستضعف سلطة المحكمة في التصرف كجهاز ضوابط وموازين أمام الكنيست، وستؤدي إلى تآكل الأسس الديمقراطية للكيان الصهيوني بشكل خطير.

بالإضافة إلى قيام المتظاهرين بإغلاق الطرق وتشويش حركة النقل العام، كما شهدت الحركة الاحتجاجية أيضًا تهديد مجموعات من جنود الاحتياط بوقف التطوع للخدمة العسكرية في مهام رئيسية خاصة بما في ذلك قيادة الطائرات المقاتلة إذا استمرت عملية التشريع. وبالمثل، دعا قادة الأعمال والطواقم الطبية إلى إضرابات احتجاجًا على خطة الإصلاح.

ولكن ماذا سيؤول الخلاف العلني وغير المسبوق بين الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية والتي تتمتع بأغلبية برلمانية في الكنيست الصهيوني؟

وهل سيكون لهذا النقد العلني الأمريكي الموجه لحكومة الكيان تأثيره على صراع الفلسطينيين مع الكيان الغاصب؟

للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا تبع مسار العلاقات الأمريكية الصهيونية تاريخيًا، والعوامل المؤثرة فيها، والدعم الذي قدمته ولا تزال تقدمه الإدارات الأمريكية المتعاقبة لدولة الكيان، ثم نعرج الى أي مدى يمكن أن ينعكس الخلاف على وضع الفلسطينيين ومستقبلهم.

أمريكا وإسرائيل والرباط المقدس

" إننا في حلف دائم وراسخ وغير قابل للفصم مع دولة إسرائيل " هذه العبارة رددها شولتز وزير الخارجية الأمريكي عام 1985م؛ فأمريكا مثلها مثل بريطانيا ذات أغلبية بروتستانتية تغلغلت في تفكير مواطنيها الأفكار والنبوءات التوراتية الخاصة بعودة اليهود إلى فلسطين باعتبارها مقدمة لعودة المسيح؛ ولكن هناك عامل إضافي زاد من التعاطف الأمريكي مع اليهود ألا وهو الربط بين تجاربهم السابقة في الفرار من الاضطهاد في أوروبا و إنجلترا والصعاب التي واجهوها في الأرض الجديدة والأعمال الوحشية التي فعلوها ضد السكان الأصليين وبين اليهود؛ حيث خاضوا مثلهم تجربة الاضطهاد وقام اليهود مثلهم بأعمال وانتهاكات ضد العرب تحت دافع العامل العقدي، وهذا يفسر ما كتبه المفكر الأمريكي هيرمان ملفيل متحدثاً عن الشعب الأمريكي : نحن الأمريكيين شعب خاص، شعب مختار، وإسرائيل العصر الحاضر.

وتوالى على أمريكا الرؤساء وكلهم متفقون على الدعم اليهودي مدفوعون بخلفياتهم البروتستانتية؛ فالرئيس توماس جيفرسون واضع وثيقة استقلال أمريكا يقترح بأن يمثل رمز الولايات المتحدة على شكل أبناء إسرائيل تقودهم في النهار غيمة وفي الليل عمود من النار كما ورد في التوراة.

إن علاقة الرؤساء الأمريكيين بإسرائيل يصدق عليها قول الكاتب اليهودي الأمريكي جون بيتي الذي قال: إن الرؤساء الأمريكيين ومعاونيهم ينحنون أمام اليهود كما ينحني المؤمن أمام قبر مقدس.

 

في دراسة من جامعة ميريلاند، كشفت عن تعاطف الديمقراطيين مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وأن أكثر من خمس الديمقراطيين اليهود ينظرون إلى إسرائيل على أنها دولة فصل على شكل الأبارتايد.

تغيرات في الشارع الأمريكي

في استطلاع لمركز غالوب نشرت نتائجه في مارس الماضي أي منذ أربعة شهور، وقد أجرى المركز مقابلات مع عينة تضم 1,008 بالغين في الولايات المتحدة.

ووجد الاستطلاع أن 49% من المشاركين الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين، بينما انخفضت نسبة المتعاطفين مع الإسرائيليين إلى 38%.

يُذكر أن مؤسسة جالوب وجدت عام 2016 أن 23% فقط من الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين.

ومن بين نتائج الاستطلاع أن مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية أكثر تعاطفًا مع إسرائيل، في حين أن جيل ما بعد الألفية أظهر ميلاً لدعم الفلسطينيين. ووجد استطلاع غالوب أن جيل الألفية منقسم بالتساوي الآن، وبنسبة 42% متعاطف مع الفلسطينيين ونسبة 40% مع الإسرائيليين.

ولكن وبحسب الاستطلاع، فإنه لا تزال المواقف الإيجابية تجاه الإسرائيليين قويةً بين صفوف الأحزاب السياسية الأخرى. إذ ظلت وجهات نظر الجمهوريين على حالها بدعم 78% منهم للإسرائيليين. بينما أعرب 49% من المستقلين عن دعمهم للإسرائيليين، لكن تعاطف المستقلين سياسياً مع الفلسطينيين سجّل ارتفاعاً قياسياً جديداً بست نقاط مئوية، ليبلغ 32% بحسب الاستطلاع.

ويصف خبير استطلاعات الرأي جون زغبي هذا التحول بأنه جذري ومزلزل، وأضاف زغبي لـموقع بي بي سي إن هناك قاعدة سكانية غير بيضاء، خاصة بين الديمقراطيين، وهم يشعرون بحساسية شديدة تجاه ما تلقاه المجتمعات غير البيضاء الأخرى. هم يرون إسرائيل كمعتدٍ، وأضاف أن هذه المجتمعات غير البيضاء لا تعرف شيئًا عن تاريخ إسرائيل والمحن السابقة، هم يعرفون ما يجري منذ الانتفاضة، والحروب المختلفة، والقصف غير المتكافئ، والمدنيين الأبرياء الذين قُتلوا.

وفي دراسة من جامعة ميريلاند، كشفت عن تعاطف الديمقراطيين مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وأن أكثر من خمس الديمقراطيين اليهود ينظرون إلى إسرائيل على أنها دولة فصل على شكل الأبارتايد.

ووجد معهد الناخبين اليهود أن نسبة 35% من اليهود الأمريكيين يتفقون مع الرأي القائل بأن معاملة إسرائيل للفلسطينيين لا تختلف عن العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية، بل باتت المنظمات التقدمية داخل المجتمع اليهودي الأمريكي، مثل جويش فويس وحي ستريت وكذا المنظمات اليسارية مثل الديمقراطيين الاشتراكيين لأمريكا تعبر عن مواقف أكثر حدة من دولة الكيان الصهيوني.

وفي هذا الشهر نشرت مجلة فورين بوليسي مقالاً ذكرت فيه أن إسرائيل كانت قضية يجمع عليها الحزبان في الكونغرس (الديمقراطي والجمهوري)، ولكنها أصبحت مرتبطة باليمين، وفي المقابل هناك صعود للتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي مثل النائبة رشيدة طليب وبراميلا غايابال، اللتان عبرتا عن استعداد لنقد إسرائيل بشكل علني.

وتلاحظ المجلة أن تراجع الدعم لإسرائيل وصل إلى الإنجيليين المسيحيين، حيث تراجع الدعم بين الجيل الشاب من الإنجيليين في الفترة ما بين 2018 و2021 من 69% إلى 33%. فالمسيحيون الشباب هم متنوعون عرقيًا بشكل عام. وهم على وعي أكبر بشخصيات مثل ترامب الذي يختلف الكثيرون حول صفاته الأخلاقية. ولهذا فقد ابتعدوا عن آبائهم في المواقف المتعلقة بالهجرة والتغيرات المناخية، والمواقف من إسرائيل ليست استثناء على حد تعبير المجلة الأمريكية.

والمتابع للسياسة الأمريكية في السنوات الأخيرة يشهد أجواء على نقيض التحيز السابق وغير المشروط من الأمريكيين تجاه دولة الكيان الصهيوني، وهذا تغير بلا شك، ولكنه لن ينعكس على السياسة الخارجية الأمريكية بشكل حاسم إلا بعد فترة زمنية لا تقل عن عشر سنوات بحسب بعض خبراء المستقبليات الذين يحللون نتائج استطلاعات الرأي السابقة.

أعلى