• - الموافق2024/05/19م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حقيقة الموقف الروسي من الانتخابات التركية

تتشابك العلاقات بين روسيا وتركيا قديما وحديثا، وتتمتع كلا الدولتين بتاريخ إمبراطوري وتاريخ من العداء أيضًا، لكن المصالح الاستراتيجية تفرض سطوتها على المواقف والعلاقات السياسية، هذا المقال يخبرك عن حقيقة الموقف الروسي من أردوغان وهل تدعم بقائه أو تفضل رحيل

ما حقيقة موقف الروسي من الانتخابات التركية؟ هل يؤيد بوتين بقاء أردوغان وحزبه على رأس السلطة وصناعة القرار السياسي في تركيا؟ أم يريد التخلص من حكم أردوغان، ومن ثمّ صعود وجوه جديدة إلى سدة الحكم تغير مسارات السياسة التركية؟

وهل تستطيع روسيا وعلى رأسها بوتين توجيه مسار الانتخابات التركية إلى الوجهة التي تريدها؟

هذه الأسئلة تتوارد إلى الذهن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، والتي تحل في الرابع عشر من شهر مايو من هذا العام، يعني بعد ما يقرب من شهر ونصف.

وللإجابة على تلك التساؤلات وكشف حقيقة الموقف الروسي من الفرقاء المتنافسين في الداخل التركي، ومن يدعم بوتين، ينبغي تحليل تقاطعات المصالح الروسية التركية: أين تتلاقي

 ومتى تفترق؟

وسوف نستخدم المنهج التاريخي لتحليل تلك العلاقات لنستكشف منها العوامل التي تتحكم فيها وتؤثر على مساراتها.

 

خاضت روسيا بالتالي حروبًا طويلة بدء من منتصف القرن الخامس عشر مع الدولة العثمانية، التي أخذت في التوسع على حساب تلك الإمبراطورية، فكان من الطبيعي أن يحدث الصدام بين الإمبراطورية الروسية وبين العثمانيين

حروب ومعاهدات

يؤرخ للعلاقات الروسية التركية عادة حين نجح العثمانيون في فتح العاصمة البيزنطية القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح في عام 1453م، أي منذ ما يقل قليلاً عن ستة قرون.

فالقسطنطينية كانت بمثابة عاصمة المسيحيين الأرثوذكس في العالم الغربي، فسقوطها في يد المسلمين حينها كان يعني انتقال مركز ثقل الأرثوذكس الغربيين إلى موسكو التي كانت هي القوة الأرثوذكسية الثانية، والتي رفعت بعدها شعار الدفاع عن المسيحية ذات المذهب الأرثوذكسي في العالم.

خاضت روسيا بالتالي حروبًا طويلة بدء من منتصف القرن الخامس عشر مع الدولة العثمانية، التي أخذت في التوسع على حساب تلك الإمبراطورية، فكان من الطبيعي أن يحدث الصدام بين الإمبراطورية الروسية وبين العثمانيين على مدار عدة قرون، حتى أن هذه الحروب قد بلغ عددها ما يقرب من ثلاثة عشرة حربًا كبيرة، خاصة في فترة ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، وتقلبت نتائج تلك الحروب بين الطرفين ما بين هزيمة وانتصار.

كان أبرز هذه الحروب، تلك الحرب التي اندلعت بينهما بين عامي 1676 و1681 على الأراضي الأوكرانية حاليًا، حيث فشلت روسيا في السيطرة على شبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود. فأعادت روسيا المحاولة بين عامي 1687 و1689 وفشلت مرة أخرى.

لكن قيصر روسيا بطرس الأول، استطاع بفضل القوة العسكرية الهائلة التي حشدها السيطرة على حصن آزوف المطل على نهر الدون خلال عامي 1695 و1696.

وفي عام 1711 نجحت الدولة العثمانية في إرغام القيصر على إعادة منطقة آزوف إليها، وقبلها أخفق قيصر روسيا في مساعيه بإنهاء السيطرة العثمانية على منطقة البلقان بعد خسارته المعركة الكبيرة على ضفاف نهر بروت الذي يفصل حاليًا بين مولدافيا ورومانيا عام 1710.

وفي النهاية، وطوال القرن التاسع عشر ومع تدهور حال الدولة العثمانية نجحت روسيا القيصرية في إنهاء الوجود العثماني في شبه جزيرة القرم، والقوقاز، والبلقان.

ولكن هذه المكاسب أقلقت القوى الأوروبية الكبرى في ذلك الوقت وخاصة الإمبراطورية النمساوية والبريطانية، فسعت إلى الحد من النفوذ الروسي على حساب العثمانيين، لأنهما لا يريدان ظهور قوى كبرى أخرى تهدد نفوذهما الإمبراطوري.

ثم جاءت الحرب العالمية الأولى عام 1914، وتكتل العثمانيون مع الألمان ضد الحلف البريطاني الفرنسي الروسي الذي عمل على تفكيك الدولة العثمانية، ولكن في أثناء الحرب قامت الثورة البلشفية فانسحب الشيوعيون من الحلف الغربي ليعلنوا الحياد، وانهمكوا في تقديم الدعم للمقاومة التركية سرًا.

وبعد الحرب العالمية الثانية، انضمت تركيا إلى حلف الناتو عام 1952. ومن ثم دخلت الدولتان في مرحلة عداء خلال فترة الحرب الباردة.

عقب تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، تجاهل الغرب تركيا بعد أن فقدت دورها في حلف الناتو كرأس حرب متقدم غربي ضد الاتحاد السوفيتي، وساعد هذا الوضع على دخول التعاون بين تركيا وروسيا مرحلة متقدمة، وأصبحت روسيا هي المورد الأكبر للطاقة إلى تركيا.

ولكن بصعود نجم حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة رجب طيب أردوغان ووصوله للحكم مع بدايات الألفية وبالتحديد في نهايات عام 2002، دخلت العلاقات بين البلدين طورًا جديدًا.

 

حين صعد بوتين للسلطة في عام 2000، بدأ باستراتيجية تهدف إلى استعادة روسيا لماضيها الإمبراطوري، وفي نفس التوقيت تقريبًا عام 2002، حين صعد أردوغان حاملاً مشروعًا أيضًا، يريد به إرجاع أمجاد الدولة العثمانية.

محددات العلاقات التركية الروسية

يمكن اختصار العوامل التي تؤثر على العلاقة بين البلدين في عدة عناصر رئيسة أهمها:

العامل الجيوبولتيكي، ثم الأهداف الاستراتيجية الخاصة بكل دولة.

العامل الجيوبولتيكي

تتشابك المصالح الجيوبولتيكية لروسيا وتركيا بالرغم من أنه في أعقاب الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، لم تعد روسيا تجاور تركيا وأصبحت الجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، وأصبحت جمهوريات أذربيجان وأرمينيا وجورجيا فاصلاً بين الدولتين، فضلاً عن البحر الأسود.

ولكن تظل حقائق الجغرافيا تفرض على الدولتين أن تكونا في حالة شد وجذب، فروسيا الاتحادية تعد أكبر دول العالم مساحة، وتمتد الأراضي الروسية في آسيا من أقصى شرق القارة الآسيوية إلى أقصى غربها مواصلة امتدادها في أوروبا وهي بهذا الامتداد تمثل ما يمكن تسميته بسقف القارة الآسيوية، إذ إنها تحتل أقصى الجزء الشمالي منها.

أما تركيا فتتوسط قارات العالم القديم الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وقد منحها هذا الموقع منذ القدم قدرة على التفاعل الحيوي في المحيط الإقليمي بحيث تؤثّر وتتأثر بالعناصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافيّة القائمة، فهي تجاور قلب المجال الجغرافي المصطلح على تسميته أوراسيا، وهي بذلك تعتبر المنطقة الوسطية المتحكمة في منطقة قلب العالم الأمر الذي يؤهلها لأن تكون دولة محورية أو حاسمة في مجالها الجيوسياسي.

تقاطع الأهداف والمصالح

ثمة تشابه وتقارب زمني في مشروع كل من الدولتين.

حين صعد بوتين للسلطة في عام 2000، بدأ باستراتيجية تهدف إلى استعادة روسيا لماضيها الإمبراطوري، وفي نفس التوقيت تقريبًا عام 2002، حين صعد أردوغان حاملاً مشروعًا أيضًا، يريد به إرجاع أمجاد الدولة العثمانية.

كان لزامًا على المشروعين المتجاورين أن يتصادما، ولكن كان هناك عاملان تمكنا من تحويل هذا التصادم إلى نوع من التحدي من جانب ومن ناحية أخرى دفعهما إلى التعاون.

العامل الأول: يتعلق بكون روسيا لها إمكانيات الدولة الكبرى كالسلاح النووي، ولا تضاهيها تركيا في ذلك المجال، وهذا دفع روسيا إلى التمدد العسكري المسكوت عنه في مناطق عديدة.

العامل الثاني: يتمثل في شخصية الزعيمين بوتين وأردوغان، فكل منهما يتمتع بكاريزما الزعامة فضلا بالقدرة على المناورة والبراجماتية واستغلال الفرصة والرؤية البعيدة النظر.

فمثلاً من يستطيع تصور أن بوتين سيتجاوز ويتجاهل دعم أردوغان لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وإمدادها بالطائرات المسيرة من طراز بيرقدار والتي نجحت في إيقاف زحف الدبابات الروسية لاحتلال العاصمة الأوكرانية كييف، وقبلها اكتفى بعقوبات بسيطة ضد تركيا كعقاب لها على إسقاط الأتراك طائرة مقاتلة روسية على الحدود التركية السورية.

هذا الأمر يدفعنا إلى تحليل رؤية كل منهما لدور الآخر:

فأردوغان يرى أن الدور الروسي يحقق له عدة أهداف:

أولاً/ لابد من التفاهم معه حتى لا تقف روسيا عقبة أمام التمدد الاستراتيجي التركي في آسيا الوسطى حيث الجمهوريات الإسلامية كأوزباكستان وطاجيكستان وتركمانستان، وفي جنوب القوقاز في أذربيجان، وشعوب هذه الدول من أصول تركية وينظرون إلى تركيا كراعٍ لها، وبالرغم من القلق الروسي للتمدد الاستراتيجي التركي إلا أن أردوغان حريص أن يظهر الدور التركي كشريك استراتيجي لروسيا وليس كمنافس.

ثاني الأهداف التركية في رؤيتها لتعاونها مع روسيا، كعامل موازن لمكانتها في حلف الناتو، فهذا الحلف كان ينظر دائمًا للأتراك كحليف مطيع تابع، ولكن بالتعاون مع روسيا فإن أردوغان يطمح في تعديل نظرة الحلف له كشريك وليس تابعًا، ويتجلى ذلك في أزمة صواريخ إس 400 الروسية والتي اشتراها أردوغان، وتحدى بها أمريكا التي أرادت أن يتراجع عن تلك الصفقة.

ثالث الأهداف، يتعلق باستغلال التعاون مع روسيا في كبح جماح الأكراد في سوريا، وإنهاء حلمهم بالدولة الكردية والتي تمثل تهديدًا استراتيجيًا حقيقيًا لتركيا.

أما بوتين فينظر نظرة أعمق للدور التركي في المنطقة يتجاوز بها أية أفعال عدائية تكتيكية صادرة منها طالما لا تمس ما يريده من تركيا:

الهدف الأول لروسيا من علاقتها مع تركيا هو إبعادها عن حلف الناتو، الذي إن تم، يؤمن المجال الحيوي الروسي في محيطه الإقليمي ضد الحصار والاحتواء الغربي لروسيا.

الهدف الثاني لروسيا من تركيا، استغلال المضايق التركية في البوسفور والدردنيل لتواصل قواتها بقواعدها في البحر المتوسط وإفريقيا.

أما الهدف الثالث، فيتمثل باستغلال بوتين للدور التركي في كسر الحصار الاقتصادي المضروب على روسيا من قبل الغرب بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وهنا يتم طرح السؤال لماذا يأمل بوتين أن يفوز أردوغان بالذات وليس المعارضة؟

هذه الأدوار التي يطمح فيها بوتين أن تحققها له تركيا، لا يستطيع أن يقوم بها تكتل المعارضة وحزب الشعب على رأسها، وهو الحزب الذي رهن تركيا لدى الغرب فترة حكمه، وجعل الدولة التركية تابعة له وليس كشريك مستقل كما يطمح أردوغان.

وكدليل على ذلك، فإن كمال كيليجدار أوغلو، الذي يرأس حزب الشعب الجمهوري والمرشح الذي أجمعت عليه المعارضة لتقديمه بديلا لأردوغان، انتقد مسألة تسليم روسيا لتركيا المتوقع مجموعة جديدة من الصواريخ المضادة للطائرات إس-400.

ولكن هل يستطيع بوتين أن يؤثر في نتائج الانتخابات وميول الناخب التركي؟

نعم يستطيع بوتين أن يؤثر إلى حد ما بقرارات تعطي أردوغان مكاسب في الأيام القادمة على الصعيد الخارجي وبالذات في سوريا، وبتقديمه تسهيلات في أمور التجارة والاقتصاد، وهذه الأمور ستجد صداها بلا شك لدى الناخب التركي.

فعلى سبيل المثال أجلت شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة ديون تركيا من شراء الغاز. وفي أكتوبر الماضي اقترح بوتين تحويل تركيا إلى ما يسمى مركز طاقة. 

وفي فترة الزلزال، لم تتضمن التغطية الإعلامية الروسية له أي تغطية سلبية لطريقة تعاطى حكومة حزب العدالة والتنمية مع الزلزال، كما ركزت وكالة روسيا اليوم على إظهار إنجازات فرق الإنقاذ التركية.

وفي الملفات الخارجية، ظهر الدعم الروسي لتركيا في ليبيا، فقد عمل بوتين على تخفيف الضغط على الوجود التركي وحليفها في طرابلس بليبيا من خلال لجم عدائية حفتر ورجاله ضد حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة. ومن ثم، ساهمت تلك الجهود في تخفيف حدة الصدام المباشر مع حلفاء روسيا في شرق ليبيا خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، مما سمح لأردوغان بالإشارة إلى الملف الليبي باعتباره نقطة نفوذ مستمرة لأنقرة.

تتبقى الملفات الخارجية الأكثر حساسية، فهل سيتقدم بوتين بمبادرات في ملف اللاجئين السوريين والأكراد لتكون بمثابة رافعة لأردوغان أمام شعبه؟ فأردوغان يرغب في سحب ملف إعادة اللاجئين السوريين من تركيا إلى بلادهم من يد المعارضة التركية التي تتهمه بالتسبب بهذه اللازمة، وتأجيج الصراع السوري، وبالتالي تأزيم الاقتصاد التركي.

هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

 

 

أعلى