• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
وقفة محاسبة

وقفة محاسبة

  

قال الله (تعالى) : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ }     [الزمر : 23] .

منزلة عظيمة من منازل المؤمنين : تسمو فيها النفس وتعلو على أهواء البشر ،   يقف الإنسان بين يدي ربه خالياً يتدبر آيات الله (عز وجل) بسكينة ووقار ، فتلامس الآيات قلبه ، وترتجف جوانحه ، فيطأطئ رأسه ذلا ، ويعفر وجهه بالأرض عبودية وإخباتاً ، ويناجي ربه بتضرع يطلب منه العون والغفران .. فتنحدر الدموع من بين عينيه إنابة وخضوعاً .

يقرأ الآية من كتاب الله فتعمر قلبه ، وتزكيّ نفسه ، وتغير من طبيعته وسلوكه ، وتدفعه إلى المزيد من الطاعات والإقبال على الله . قال الله (تعالى) : { إنَّمَا  المُؤْمِنُونَ الَذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }  [الأنفال : 2] .

تحيط به الشهوات من كل مكان ، وتُجْلَبُ عليه الفتن بخيلها ورجلها .. ولكنها تتساقط وتتناثر تحت قدميه ، فينظر إليها باستعلاء وثبات ، ويمضي لا يلتفت إليها ، مرطباً لسانه بحمد الله ولثناء عليه ، فمناجاته لربه تكسبه القوة والعزيمة ، وقلبه أبيض كالصفا ، لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض .

قال رسول الله : » سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. ذكر منهم : ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من الدمع «[1] وقال : » عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله «[2] .

 سبحان الله ! ما أعلاها من منزلة .. وما أكرمها من صفة . حيث يتجلى عمق الإيمان وصفاؤه في القلب .

إن رقة القلب وسكينته وإخباته لربه وتذلله بين يديه تعظيماً وإجلالاً ، منزلة سامقة من منازل المؤمنين ، تتقاصر أمامها نفوس الضعفاء ، وهم العجزة .

بهذه القلوب الحية الصادقة العامرة بنور العلم والإيمان انطلق الصحابة (رضي الله عنهم) بتيجانهم الشمّاء ، يدكون الحصون ، مقبلين غير مدبرين ، يفتحون الآفاق ، ويرفعون راية التوحيد ، حتى تهاوت على أيديهم عروش كسرى وقيصر .

فما أحوج الأمة إلى العالم الرباني الذي إذا سمع الآية تتلى بين يديه وجل قلبه ،   وفاضت عيناه بالدمع ، ووقف عند حدودها وعض عليها بالنواجذ ، ولم يتجاوزها إلى غيرها لهوى في نفسه أو ضعف في ثباته ..

ما أحوج الأمة إلى الداعية الذي يجتهد في التعليم والتبليغ والتربية ، حتى إذا جن عليه الليل وهدأت العيون ، نشط لمناجاة ربه والوقوف بين يديه رافعاً أكف الضراعة والإخبات ، يسأل الله (تعالى) العون والتأييد بعين باكية ونشيج عذب .. ! ما أحوجنا إلى الدموع المخلصة التي تترجم صدق الإيمان وثباته واستعلاءه على أهواء البشر .. فإلى الله (تعالى) نشكو عجزنا وضعفنا وقسوة قلوبنا .. ! قال رسول الله : »لو تعلمون ما أعلم : لبكيتم كثيراً ، ولضحكتم قليلاً [3] .

 

 


(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان ، باب من جلس ينتظر الصلاة ، ج2 ص143 ، ح رقم 660 ، ومسلم في كتاب الزكاة ، باب فضل إخفاء الصدقة ج2 ص715 ح رقم 1031 .

(2) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد ، باب ماجاء في فضل الحرس ج 4 ص 175 ح رقم 1639 .

(3) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب قول النبي لوتعلمون ماأعلم ج11ص319 ، ح رقم 6485.

 

أعلى