نَفْخُ النَّشرِ من طيِّبِ الذِّكْر صلى الله عليه وسلم
حارَ البيانُ أينثني أم يُقْدِمُ
فالشوق يحدو والجلالةُ تُلجِمُ
تُغري قرائحَنا خصالُ محمدٍ
بمديحه ونهابهنَّ فنُحْجِم
رُشِفَتْ ولم تَرْوِ النفوسَ مدائحٌ
مَتَحَ الفحولُ معاصرٌ ومخضرم
نَظموا إلى الجوزاءِ فيه فجازَها
وسَما إلى سَمْك السَّمَا فتلعثموا
فإذا تقاصر بوحُنا في حِبِّنا
عنهُ، فأولى المُعتَبين المُغرَم
يا كل معنًى للمحبةِ طاهرٍ
إني بحب محمد لمتيَّم
باحت له بالحب منذ بزوغه
بُكْمُ الصخور، فكيف مَن يَتكلم؟!
والجذعُ ودَّعه فصُدِّع لبُّه
وجْداً، ويحضنه النبيُّ فيُرْأم
سبحان من أوحى بحب محمد
حتى لما لا قلب فيه ولا دم
صدح الزمانُ وطرَّبت أمُّ القرى:
وُلِدَ ابنُ إسماعيل، ها بشراكمُ
ستضاء ظلماءُ المغارب مِن هنا
وتذيب أوضارَ البسيطةِ زمزم
ظَهر البشارةُ والبشائر قد عَفَتْ
آثارُها والأرضُ وجهٌ واجِم
ليبشِّر الثقلين بالحرية الــــــــــ
ـبيضاء لا يَكني وليس يُغَمْغِم
والله يصنعه لرحمة خَلْقِه
فيجوع أستاذُ الحنان ويَيْتَم
أوصافه منذ الصبا عُلْويةٌ
الصادقُ البَرُّ الأمين الراحم
حتى إذا بَلغ اليفاعَ أَتَوْا به
عند النوازل يُستشار ويَحْكم
يَرعى ويَتْجُرُ، فالنبي محمدٌ
للتَّجْرِ والعمال رمزٌ ملهِم
أنقى الورى عِرضاً وأحصنهم يداً
وأشدهم في النأي عما يؤثِم
شهدت قريشٌ قبل مبعثه له
أنْ لم يشُب حسناته ما يذمم
وبأنه يتنفس الصدق الذي
لا يعتريه الزور قط، وأقسموا
حتى إذا بُعث النبي تَحولوا
عن كل حَمْدٍ شِيْدَ فيه وهَدَّموا
أخذوا أصابعهمْ بذنْب قلوبهمْ
فعلوا بها ما يفعل المتندِّم
وهُجُوا بهَجْوِهِمُ لخير خِيارهم
أمسى مُمَدَّحهم وأصبح يُشتم
قَطعوا فَوَاصَلَهمْ، وضِيْرَ فبرَّهمْ
وقَسَوا فلايَنَهمْ، وطال وقُزِّموا
عزموا على قتل المُريد حياتَهم
وسعوا إلى حرب المُريد ليسلَموا
ويهجِّرون مَن ابتغى إيلافهمْ
ويُعَذِّبون مَن ابتغى ليُنَعَّموا
وتُزَفُّ يَثْرِبُ للسَّناءِ مُهاجَراً
فتَطِيب طيبةُ منزلاً وتُحَرَّم
وتحاصِرُ الظَّلْماءُ نُورَ محمدٍ
فيُفَلُّ ظُلمُ الحالِكِين ويُهزمُ
ويُنيرُ وجهُ محمدٍ أمَّ القرى
وتحفه مِن جانبيه الأنجُم
ويعيدُ للبيت العتيق صفاءَه
ويَؤُمُّ أنصابَ العَمَى فيُحطِّم
ويفيدنا في العفو درساً خالداً
فيُقيل مَن جهلوا عليه ويحلم
ورَأَى العِطاشُ رَوَاءَ خُلْقِ محمدٍ
فسَعَوْا إلى رِيِّ الظِّماءِ وأسلموا
شهدوا لأحمدَ بالتَّمَامِ وأنَّهُ
لمكارم الأخلاق جاء يُتَمِّم
هذا نبيُّ الله نورُ قلوبنا
والقلبُ خِلْوٌ مِنْهُ ضَنْكٌ مُظْلِم
نُورُ السماوات العُلا أَوْحى لَهُ
نوراً هدان للتي هي أقوم
واللهِ إنَّ جِهارَنا في حُبِّهِ
لأقَلُّ مِمّا في الضمائر نَكْتُم
صلى عليه الله في ملإٍ عَلَوْا
فَعَلا الأُلى صلَّوا عليه وسَلَّموا
:: مجلة البيان العدد 351 ذو القعدة 1437هـ، أغسطس 2016م.