• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
علاقة الغرب بالدين.. والمهمة الصعبة لدعاة الإسلام

علاقة الغرب بالدين.. والمهمة الصعبة لدعاة الإسلام

  

• «كل الحقائق الكبرى بدأت من الأفكار الكفرية» (الأديب الإنجليزي جورج برنارد شو).

• «الإنجيل ليس كتابي، والنصرانية ليست ديانتي، أنا لا أستطيع أن أوافق، أو أقتنع بكل هذه المفاهيم الطويلة والمعقدة التي تحويها العقيدة النصرانية» (أبراهام لينكون، الرئيس الأمريكي الأسبق ١٨٦١-١٨٦٥م).

• «كل الأديان تأسست على أيدي الأغلبية الحمقاء» (الأديب الفرنسي ستنديل).

• «قوة الهوس الديني تكمن في قدرته على تفسير كل شيء، إذ مجرد قبول فكرة أن الله أو الشيطان هو السبب الأول في كل شيء يحدث، هنا لا بد من أن نلقي بالمنطق، والعقل من النافذة» (الكاتب الأمريكي ستيفن كينج).

• «لا تصدق أي شيء تسمعه أو تقرؤه، أياً كان قائله - حتى لو كنت أنا شخصياً - ما لم يتفق مع عقلك، وحاستك» (بوذا).

• «الله ليس بشيء يمكنك تخيله، أو معرفة أو فهم أي شيء عنه، إذا اعتقدت أنك فهمت حينها تكون قد أخفقت، أو ربما كفرت» (القديس أوجستين).

• «الدين ما هو إلا وسيلة عظيمة لقهر العوام، فالدين هو ما يمنع الفقير من قتل الغني» (نابليون بونابرت).

• «كل الأديان نبعت من الخوف، والزيف، والطمع، والأساطير، والشعر» (الشاعر الأمريكي إدجار آلان بو).

• «هل الإنسان هو خطيئة الرب، أم أن الرب هو خطيئة الإنسان» (فريدريك نيتشه، أشهر ملحدي هذا العصر).

• «حينما تقرأ الإنجيل جيداً، ستعلم أنه المصدر الأكبر للإلحاد وليس للتدين» (العالم الأمريكي إزاك أسيموف).

لقد قمت باختيار هذه الاقتباسات بعناية فائقة من مجموعة من مئات الاقتباسات حول الغرب وعلاقته بالدين، كنت قد قمت بجمعها أثناء دراستي لدرجة الدكتوراه. وكلما تعمقت في دراسة هذا الإرث، والتاريخ المعقد جداً للعلاقة بين الغربيين والدين، أو الإله، تيقنت أن مهمة الدعوة في الغرب أكثر صعوبة وتعقيداً مما كنت أتخيل، إذ إن الداعية في الغرب لا يواجه إشكالية واحدة وهي كراهيتهم أو رفضهم للدين الإسلامي بسبب ما تبثه وسائل الإعلام الغربي من افتراءات وإساءات للدين الإسلامي وحسب، لكنه يواجه مشكلة أكثر خطورة وتعقيداً وهي كراهية بل ومحاربة الغرب لكل شيء له صلة بالدين بوجه العام، كما يواجه ما أنتجته العلمانية والحداثة وما بعد الحداثة والداروينية والعبثية وغيرها. وهنا لا أقصد أبداً أن الدعوة في الغرب شيء معقد أو صعب، لكنني أؤمن أن إعداد العدة وتأهيل كوادر من الدعاة لديهم من العلم والمعرفة والاطلاع الواسع حول قضايا تاريخية وفلسفية وعقدية واجتماعية متنوعة ومهمة حول الغرب وإشكالياته هو السبيل الأكثر فاعلية نحو تقديم ديننا الإسلامي العظيم للعالم الغربي بصورة يُقبل عليها العوام، ومن قبلهم المثقفين وأهل البحث عن الحقيقة.

ولقد حرصت أن تشمل هذه المجموعة من الاقتباسات صنوفاً متنوعة من أشهر الرموز الغربية: فلاسفة، وأدباء، ورؤساء دول، وعلماء، وقساوسة.. ينتمون للعديد من الدول الغربية (الولايات المتحدة، فرنسا، إنجلترا، ألمانيا)، لكي أقدم لكل الدعاة نموذجاً مصغراً جداً لأكبر وأخطر إشكالية مر ويمر بها «الغرب»، ومن ثم العالم أجمع، تباعاً، وهي إشكالية «الله والدين».. التي هي نتاج عقود طويلة من الصراع بين الشعوب الغربية والحكام والكنيسة، الحكام والكنيسة الذين جعلوا الدين (العقيدة النصرانية) عصا قهر واستعباد يسوسون بها الناس، ويسلبونهم حقوقهم، وثرواتهم وحرياتهم. فحينما جاء عصر الثورات والجمهوريات وتقلصت بعض أنظمة الحكم الملكي أو الإقطاعي أول شيء ثار الغربيين عليه هو الإله والدين ولا شيء سواهما.

أي غرب؟!

في مُستهل هذا الطرح الذي أقدمه لقرائي الأعزاء أود أن أؤكد على قضية طالما شغلتني، وهي «مصطلح الغرب».. فحينما نقول الدعاة في الغرب، ترى أي غرب نقصد؟ أي دولة، وأي قارة؟ وأي تاريخ وأي حضارة وثقافة، ولغة؟ فالغرب مصطلح واسع جداً، وموهم، ومُتغير. لأعطي مثالاً أقرب به هذه الحقيقة، لنفترض مثلاً أننا نريد دعوة الناس لدين الله في العالم العربي، اللغة واحدة وهي العربية، والأغلبية تدين بدين واحد وهو الإسلام، لكن هل فقه الواقع، وتأهيل الكوادر الدعوية سيكون بنفس الهيئة المتبعة في جميع دول العالم العربي؟ هل سيقوم الدعاة بالدعوة بنفس الأفكار والأطروحات والقضايا في مصر، مثل السعودية، مثل لبنان، مثل تونس؟ بالطبع لا.. هذا ونحن نتحدث عن عالم واحد تجمعه نفس اللغة، والدين.. فما بالنا بالعالم الغربي الذي لا تجمعه نفس اللغة، ولا الطوائف الدينية، ولا الظروف الاقتصادية والسياسية والتاريخية والاجتماعية؟ من هنا، ومن وجهة نظر نقدية أكاديمية، أصبح من الضروري أن نقوم بتفكيك مصطلح الغرب، وتخصيصه حين الحديث عن الدعوة لدين الله تعالى، وسأتحدث بمشيئة الله تعالى عن الدعوة في «الغرب» بشكل عام، من خلال بعض التجارب، والخبرات التي يمكن تعميمها والإفادة منها في كثير من الدول الغربية، وسأتحدث بشكل محدد، وخاص عن تجربتي، وخبراتي في الدعوة لدين الله تعالى في دولة غربية واحدة وهي «الولايات المتحدة الأمريكية».. فهناك قضايا وأطروحات تصلح للتعميم والتطبيق بشكل عام، ومنها ما لا يصلح إلا في نفس السياق الحضاري، والزمني، واللغوي، والاجتماعي. وهذا سيتضح لنا بصورة أكثر تفصيلاً في مقالي القادم حول الدعوة في الغرب وقضايا المرأة، وكيف أن قضايا المرأة الغربية ليست واحدة، كما يعتقد البعض، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

من هنا يتضح لرفقة الدعاة ممن يقومون بالدعوة في الغرب فعلياً، أو ممن ينوون القيام بها، أنه على كل داعية أن يحدد وجهته أولاً، أين سيقوم بالدعوة؟ هل في دولة واحدة أم عدة دول؟ إذ لا يمكننا أن نتحدث عن الدعوة في الغرب بشكل تفصيلي دقيق دون أن نحدد أي دولة غربية التي نريد الدعوة إلى الله فيها؟ فالغرب ليس دولة واحدة، ولا معتقد واحد، ولا تاريخ وبنية اجتماعية، واقتصادية، وسياسية وجغرافية واحدة.. لكل دولة غربية تاريخ، ومعتقدات، وأيديولوجيات، ولا يمكننا أن نتحدث عن الدعوة لدين الله في دولة غربية مثل ألمانيا، كحديثنا عن الدعوة لدين الله في دولة غربية مثل الولايات المتحدة أو إنجلترا.. لذا فدراسة الخطوط العريضة لتاريخ الدولة قيد الدعوة، وطبيعة البنية البشرية، والمعتقدات والطوائف، ودور الكنيسة، وصراع أفرادها - فلاسفة، وأدباء، وعلماء، ورجال دين، وعامة - مع إشكالية «الله، والدين».. لا بد أن تكون المدخل المبدئي لمعرفة وفهم كيف يجب أن تكون الدعوة للإسلام في هذه الدول، خاصة أن جزءاً ليس بقليل مما لدينا من تصوراتنا عن الغرب إما مغلوط، أو منقوص، أو مجرد نتاج بعض وسائل الإعلام، أو الموروثات والتي غالباً تكون مضللة أو غير صحيحة أو في أفضل الأحوال ليست بالدقة الكافية لكي يستند إليها الداعية لدين الله كمصدر موثوق لمعلوماته وحصيلته المعرفية!

وهنا أقدم بعض الإضاءات والعناوين الرئيسية لمجموعة من الخطوط المعرفية العريضة والحيوية جداً التي يتوجب على الداعية في الغرب الإلمام بها، قبل أن يتصدر بصورة رسمية، أو شخصية للدعوة، هذا لمن يريد أن يتبنى منهجاً أكاديمياً معرفياً حول ما يتوجب عليه الإلمام به بالإضافة لعلوم الدين واللغة الأجنبية وما تعارف عليه من خلفيات علمية ومعرفية للدعاة، لأنني أؤمن أن الداعية حينماً يحيط علماً بمثل هذه العناصر فهذا يجعله يقف على أرض صلبة في مواجهة كثير من الإشكاليات المتجذرة في الوجدان الغربي، والتي تجعل الغربيين يتوجسون خيفة من كل شيء يتعلق بالدين، أو من أن يؤتي الإسلام من قبله أحياناً. هذه الإضاءات سأذكرها هنا تباعاً بشكل إجمالي، وسأفرد لكل إضاءة منها بإذن الله تعالى مقالاً مستقلاً.

وأود أن أنوه أن سلسلة مقالاتي هي مجرد إضاءات على الطريق، منصات انطلاق، ومنهج مبسط جداً ومختصر ومن يريد الاستزادة، والتعمق بإذن الله آمل أن تساعده هذه الخريطة المعرفية في الوصول لغايته على خير وهدى. لا أخفيكم سراً أعزائي القراء أنني أحلم منذ زمن بعيد بجامعة إسلامية عالمية لتأهيل الدعاة في الغرب، حتى إنني وضعت خطة متكاملة لأقسامها ومناهجها، تضمنت علوماً كثيرة جداً بالإضافة لعلوم الدين واللغات، مثل علوم الإدارة، والنقد الأدبي، والتسويق، والتفاوض، وعلم النفس، وإدارة الموارد البشرية، وقيادة الفرق، ومهارات الخطابة العامة، ومواجهة الجماهير، والتفكيك وفنون هدم الجدليات، وإعادة بناء الحجج والحقائق، وعلوم البيانات والمعلومات، بل وعلوم الطب والهندسة والأحياء، أيضاً ليس لكي يخرج لنا داعية طبيب أو مهندس، أو رئيس مجلس إدارة، بل لكي يخرج لنا داعية «موسوعي» يعرف كيف يحاكي ويخاطب العقلية الغربية بما يلائمها، وبما يجعلها تُقبل على الإسلام، ويفجر بداخلها أسئلة وهمة وإرادة نحو استكشاف الإسلام، والخروج من شرنقة العزوف التام عن المعرفة حول هذا الدين الأوحد الأعظم.

داعية لا يتلعثم أمام سؤال، أي سؤال كائناً ما كان، ولا يؤتى الإسلام من قبل ثغر يقف عليه أبداً بإذن الله.. هذا الحلم يكبر بداخلي كلما وفقني الله وأعانني لدراسة أي علم جديد بعيد عن تخصصي الأكاديمي الدقيق، وكم الإفادة التي يمن الله علي بها من خلال هذه العلوم في طريق دعوتي إلى دين الله، إذ كيف كنت سأفهم مثلاً قضية مثل «سيكولوجية الجماهير، وتفكيك أسئلتهم واستثارة عقولهم» دون أن أدرس علم نفس الجماهير، أو إدارة الموارد البشرية؟ أو كيف كنت سأفهم قضية وإشكالية كبرى مثل «قضايا المرأة في الغرب» وهجوم الغرب على الإسلام من هذا الباب، بسبب حقوق المرأة، إن لم أكن قد درست تاريخ الحركة النسوية؟ وهنا بعض العناوين التي يتوجب على الداعية الإحاطة بها علماً كما ذكرت:

  تاريخ صراع الكنيسة في أوربا، وعلاقة الكنيسة بالحكام والطبقات الاجتماعية، وكيف ومتى ولماذا انتقل هذا الصراع من دولة أوربية إلى أختها؟ وهل انتقل بنفس الصورة والهيئة ولنفس الأسباب السياسية والاجتماعية؟ أم أخذ طابعاً مغايراً بتغير الدولة، والشعب، واللغة والمتطلبات بمختلف أوجهها؟ ثم كيف انتقل هذا التاريخ مع المهاجرين الأوربيين الذين عمروا الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأمريكا الجنوبية؟ وهنا دائماً أوصي بضرورة تهيئة وإعداد كوادر جديدة وقوية من الدعاة من أهل كل دولة ممن من الله عليهم بنعمة اعتناق الإسلام، هذا الصف تكمن أهميته في أنه على دراية كاملة بكل هذه الإشكاليات، ويستطيع أن يقدم للدعاة من غير الغربيين صورة متكاملة عن تاريخ بلادهم وصراع الدين والكنيسة والإشكاليات والشبهات والشكوك التي جعلت الناس يعزفون عن فكرة الدين ككل، ويعتنقون العلمانية والإلحاد ظناً منهم أن الدين ما هو إلا بضاعة مزجاة تليق فقط بالمغيبين من العوام، والسذج.. وتأهيل هذه الكوادر يمكن أن يصب فيما بعد بخير عظيم في باب تأهيلهم لكوادر وهذه الكوادر تؤهل فوجاً جديداً وهكذا، وبهذا نضمن أن التأهيل سيكون على درجة عالية من الفاعلية، والنفع بإذن الله تعالى.

 تاريخ الطوائف النصرانية وصراعاتها سواء المعلنة أو الخفية: لأن هذا الصراع قد لعب دوراً كبيراً جداً في عزوف كثير من الغربيين عن الدين، إذ إن تضارب المعتقدات والأفكار، والأناجيل المتاحة لأبناء كل طائفة على حدة قد جعل الغربيين لا يثقون في الكتب السماوية جملة وتفصيلاً، ونجدهم في بعض المواطن حينما يتم أي اقتباس من الإنجيل يتساءلون بسخرية: «أي إنجيل فيهم»؟ والمتابع لرد فعل الأمريكيين مثلاً لزيارة بابا الفاتيكان لأمريكا سيعلم جيداً ما وصل إليه العامة من الاستهزاء بالدين، بسبب ما ذكرته، وما نعلمه جميعنا. ولا أنسى حينما كنت أقدم القرآن الكريم لزميلة لي في الدراسة هنا بأمريكا، وبعد أن همت لكي تأخذه، سألتني من كتبه؟ وحينما شرحت لها باستفاضة عن القرآن، وكيف قام الصحابة فقط بتدوينه، رفضت أخذه قائلة: «طالما كتبه بشر يبقى أكيد مُحرف زي الأناجيل الكتير اللي عندنا» وكانت تبدو عليها كل علامات الحزن والحيرة.

  تاريخ حقوق المرأة في الغرب: مازلت أتساءل كيف لداعية يتصدر للدعوة لدين الله تعالى ولا يكون على اطلاع ولو حتى عام جداً بقضايا حقوق المرأة في الغرب وإشكاليات هذا الباب الخطير؟ ألم نتعلم بعد من كم الافتراءات التي يقوم كثير من المستشرقين والمفكرين الغربيين بطرحها حول الإسلام واضطهاده للمرأة؟ ربما يقال البعض لكن كثيراً من الدعاة يقف ويتحدث عن عظمة الإسلام وكيف أنه الدين الوحيد الذي كرم المرأة ومنحها كامل حقوقها وصانها، هذه حقيقة وأنا أتفق معها تماماً، لكن هناك شيئاً خطيراً جداً، أن الغرب لا يؤمن بالكلام النظري، نعم الإسلام لدينا نحن المسلمين دين ثابت وعظيم ولا يأتيه الباطل أبداً، لكن الغربيين حينما نتحدث عن عظمة الإسلام، تحيلهم عقولهم التي ارتوت من الحضارة المادية والتي لا تؤمن بالنظريات ولا الغيبيات إلى سؤال طالما وجهوه لي: «إذا كان الإسلام بهذه العظمة والروعة فلماذا حال المسلمين هكذا؟»، وهنا يجدر أن نتحدث باستفاضة عن تاريخ قضايا حقوق المرأة في الغرب في مقال مستقل، وسيكون هناك مقال منفرد بإذن الله تعالى بعنوان: «لغة الأرقام، والدعوة في الغرب». وأعدكم بإذن الله أنكم ستجدون فيه إفادة ونفعاً، لأنني سأضع جزءاً من خلاصة تجاربي في الدعوة هنا بإذن الله تعالى وأسأل الله التوفيق والسداد.

  أهم الإشكاليات والجدليات الفلسفية، والأدبية، والسياسية، والاجتماعية المفروضة بقوة على الساحة الغربية: ليس على الساحة الغربية فحسب لكن أيضاً على الساحة الإسلامية. أذكر في واحد من المؤتمرات التي حضرتها، قدم طالب مسلم ورقة بحث حول الحركة النسوية وكيف أن كثيراً مما جاء فيها يتوافق مع جوهر حقوق المرأة في الإسلام، وفي فقرة الأسئلة، وجه له واحد من الحضور سؤالاً حول قضية «ملاله يوسفزي» وبعض الفتيات المسلمات ومنع حركة طالبان لهن من التعليم باسم الإسلام، الطالب لم يكن مُلماً بالأمر، فجاءت إجابته ضعيفة، ولم تقم بدورها الحيوي وسط جمهور غفير. وأذكر موقفاً تعرضت له أنا حينما كنت في بداية طريقي الدعوي ولا يوجد عندي من الخبرة أو الكفاءة ما أستطيع أن أجيب به عن سؤال مُعقد طالما يتكرر في الأوساط الثقافية والفكرية هنا: «لماذا نعيم الرجال في الجنة هو النساء (يقصدون الحور العين)؟ هل النساء في الإسلام سلعة يتنعم بها الرجال؟ ولماذا لا يوجد نعيم مشابه للنساء بتخصيص رجال لهن؟ وجاءت إجابتي لا لكي تدافع عن الإسلام، بل لقد أدنت الإسلام من حيث لا أدري، ليس لأنني ليس لدي المعلومات الكافية، ولكن لأن طريقة عرضي للمعلومات والحقائق التي لدي لم يقبلها العقل الغربي، بل لقد ضغطت على ألغام موقوتة كامنة في موروثاتهم الاجتماعية دون أن أدري.

  الإسلام والعلوم الحديثة: هنا لا بد للداعية المسلم أن يكون حاضراً بمجموعة معتبرة من الحجج والأدلة القوية على أن الإسلام لم يكن، ولن يكون عائقاً في طريق العلم أو التقدم، وأكرر ليس بالكلام النظري، ولكن بالحقائق والأرقام عبر التاريخ، مروراً بزمن النبي صلوات ربي وسلامه عليه وانتهاءً بزماننا اليوم.

 المعرفة بتاريخ الفرق والمذاهب في الإسلام: لأن الغرب - تحديداً ميراث المستشرقين وشبهاتهم والفلاسفة وجدلياتهم - قد أسس لمغالطات كثيرة جداً حول الإسلام فيما يتعلق بهذا الجانب. أذكر حينما كنت أدرس بجامعة هارفارد في مجال إدارة الأعمال، وبينما أقوم بدراسة المواد الدراسية المتاحة لهذا الفصل الدراسي ربما أجد ما يتناسب مع ما كنت أنوي بناء نفسي معرفياً فيه في هذه الفترة الزمنية وخطتها التحصيلية، وجدت مادة كاملة مقدمة في قسم مقارنة الأديان تقدم الإسلام على أنه الصوفية، والصوفية على أنها الإسلام. وهذا الأمر جد خطير، لقد عايشته هنا في أروقة الحياة الأكاديمية والثقافية، أن الصوفية ولا أعني الجزء المعتدل فيها بل ما بها من انحرافات لا يرضاها بعض أهلها أنفسهم قد أصبحت يروج لها على أنها هي الإسلام.

وكنت أتساءل أين نحن من كل هذا؟ بل وأشد من هذا حينما كان يسألني بعض أساتذتي - ممن لهم قراءات حول الإسلام من وجهة النظر الغربية - عن طائفتي، هل أنا شيعية أم صوفية أم بهائية؟ هناك محاولات جادة لتقديم الإسلام بصورة تحاكي صورة النصرانية في أنه كما أن النصرانية طوائف ومذاهب ومعتقدات مختلفة تماماً، ومتباينة بل ومتصارعة أحياناً، فإن الإسلام أيضاً كذلك، ولا بد من أن نتعامل معه من هذا المنطلق، فكما يقول النصراني: أنا نصراني كاثوليكي، أو نصراني بروتستانتي، فالمسلم أيضاً لابد أن يعرف نفسه، هل هو مسلم شيعي، أم مسلم بهائي، أم مسلم قرآني، وما إلى ذلك. هنا على الداعية أن يكون حاضراً بالحجة والإجابات، حتى لا يوجه له أي نوع من هذه الأسئلة فلا يعرف كيف يجيب عليها وتتأكد هذه الصورة لدى الحضور وجميعنا نعلم خطورة هذا لو تم بشكل متكرر، لا قدر الله.

  الإحاطة بتاريخ الحركات التاريخية، والفلسفية والثقافية الغربية: على الداعية أن يعي المصطلحات الأساسية للفكر الغربي، ومدارس الفلسفة والنقد، والحركات الثورية وتاريخ الهجرات وحقوق الأقليات. مثلاً مصطلحات مثل العبثية، والحداثة، وما بعد الحداثة، والوجودية، والنسوية، والماركسية، وغيرها من المصطلحات التي أسست للفكر الغربي والتي كانت وما زالت هي المتسيدة في أروقة الفكر، والنقاشات. الإحاطة أيضاً بتعريفات ميسرة حول العلوم الحديثة التي يعتمد عليها الغرب في نهضته الحضارية والاقتصادية.

وختاماً أود التنويه مرة أخرى أن ما أضعه بين يدي قرائي الأعزاء ليس تعقيداً لمهمة الداعية في الغرب على الإطلاق بقدر كونه محاولة لنقل مساهمة يسيرة من خلال تجربة عملية خضتها، وكم وددت قبل خوضها أن أجد من يوصيني بكل هذا وأكثر منه بكثير، حينها كان سيوفر على ويختصر سنوات من البحث، والمحاولات الخاطئة والتجريب، خاصة أنني لم أكن صاحبة تجارب دعوية مسبقة في الغرب، وأعترف أنني لم أكن قارئة جيدة أيضاً في هذا الباب، لأنه بالتأكيد هناك كثير من الكتب والمراجع والعمالقة في هذا الباب قد كتبوا وما زالوا يكتبون، وأسأل الله لنا ولهم التوفيق والسداد. ودائماً أكرر وأقول إن الدعوة لدين الله تعالى في الغرب لا بد لها من مجهودات مكثفة ومضاعفة، ولا بد من تجديد وتحديث وتطوير لمناهج الدعاة فيما يتعلق ببعض العلوم المتغيرة، لأنها تحتاج إلى تأهيل قوي وحقيقي يتناسب مع التغيرات اليومية التي تحدث في أروقة الفكر والثقافة بالمجتمعات الغربية، فهذه المجتمعات كل يوم لها شأن جديد والمنقبون عن ثغرات مزيفة يأتون الإسلام من خلالها لا يهدؤون، لأن الإسلام هو العدو الأهم على الساحة الإعلامية حالياً، فكل من أراد شيئاً من شهرة، أو من أطروحات جديدة أو جاذبة للإعلام والقراء عبث في إرث المغالطات والهجوم على الإسلام وخرج بشيء قديم، أو حديث وهو يعلم أنه قلما سيجد من يتصدر له، أو من سيهدم زيف ما يدعيه على دين الله الأوحد الأعظم الذي لم يرتضِ سواه للعالمين. من هنا أصبحت الحاجة ماسة جداً، وملحة - بل وسنسأل عنها بين يدي الله - إلى ثورة دعوية جماعية حقيقية بقيادة علماء الأمة ورجال أعمالها وكوادرها من الدعاة وطلاب العلم وكل من أتاه الله العلم والمعرفة في باب من أبواب علوم الدين، والدنيا معاً.

 

:: مجلة البيان العدد  347 رجــب  1437هـ، إبريل-مايو 2016م.

أعلى