نظرية المقامرة.. توزيع الأدوار على الساحة السورية
على طاولة قمار جلس كل من الرئيس الأمريكي ونظيريه الروسي والصيني، جائزة قمارهم كانت العالم الذي فرشت خريطته أمامهم. هذه الفكرة التي تلخص العلاقة بين الدول الكبرى المتنافسة مأخوذة من رسم كاريكاتوري وضعته صحيفة الإيكونومست على أحد أغلفتها وهي تبرز موضوعًا بعنوان: اللعبة الجديدة[1].
نحن هنا أمام نظرتين متباينتين الأولى هي التي يشرحها الرسم السابق، التي توضح أن الدول الكبرى في حالة من تبادل الأدوار التي تجعلها تخسر هنا وتربح هناك، والثانية هي تلك التي تعتبر أن الولايات المتحدة لم تعد كما كانت القوة المهيمنة الوحيدة، وأنها أصبحت في حالة متصاعدة من الارتباك والتردد والتراجع لصالح مراكز قوى جديدة كروسيا.
لمناقشة هذه الافتراضات سنبدأ بالنظر لأحد أهم المشاهد السياسية المعاصرة في المنطقة العربية وهو مشهد التدخل العسكري الروسي في سوريا، وهو حالة فريدة بالتأكيد في تاريخ الجيش الروسي الذي يقاتل لأول مرة خارج حدود نفوذه المباشر.
في أحد جوانب هذا المشهد نرى روسيا وهي تحاول الخروج من الحرج والحصار الدولي الذي يصفها بالدولة الغازية عبر القول بأن الولايات المتحدة - التي تبدو ظاهريًّا في معسكر مقابل - تتشارك معها الكثير من الأهداف التي على رأسها محاربة «تنظيم الدولة» لكنهم - أي الأمريكيون - يخفون نواياهم.
هذا الطرح لم يكن وسيلة هروب دبلوماسية من حملات إظهار الروس كمناصرين للدكتاتور، بل كان فيه الكثير من الحقيقة التي تظهرها قراءة السلوك الأمريكي الفعلي والتي تتمثل في:
- الولايات المتحدة لم تبدُ مستاءة ولا متفاجئة من التدخل العسكري الروسي في سوريا، ووجدناها تنسق منذ اليوم الأول لمنع أي اشتباك في السماء السورية مع طائرات التحالف الذي تقوده.
- بشكل مفاجئ سحبت الولايات المتحدة حاملة طائراتها العملاقة روزفلت من الخليج بداية أكتوبر، كما سحبت بطاريات صواريخ باتريوت المنتشرة في مدينة غازي عنتاب التركية، وهي إشارة واضحة بأنها لا تسعى لمنافسة روسيا فيما يمكن اعتباره منطقة نفوذ جديدة لها.
- مع تواصل اللقاءات والمحادثات أصبحت الولايات المتحدة لا تتورع عن التحدث بصراحة عن ما يجمعها بروسيا، وهو الرغبة في القضاء على «الإرهاب» كأولوية أساسية ثم دعم دولة سورية موحدة وعلمانية.
الطرفان الروسي والأمريكي يستندان حتى في تلك المواقف التي تخدم مصلحتهما الخاصة إلى القانون الدولي؛ فتعتبر روسيا من جهة أنها تدخلت بطلب من الحكومة الشرعية المنتخبة في دمشق، في حين تعتبر الولايات المتحدة أن التركيز على الجانب الإنساني والتفكير بتسوية سياسية أمر متوافق مع خطة الأمم المتحدة التي عبر عنها «بان كي مون» عقب اجتماع فيينا في آخر أكتوبر الماضي حين قال معلقًا على الاختلاف بين المجتمعين حول مصير الأسد إن هذه القضية لا يجب أن تعيق الحل الدبلوماسي!
بمراجعة التدخلات العسكرية الأمريكية السابقة يمكن القول إن الولوج العسكري الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة إلى الأرض السورية بحجة محاربة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «تنظيم الدولة» لن يكون مختلفًا كثيرًا عن الهجمات الروسية التي كانت مركزة على المدنيين أكثر من تركيزها على هذا التنظيم. من جهة أخرى فالدخول الأمريكي إلى سوريا سيشتمل بكل تأكيد على تنسيق مع الحليف الإيراني الداعم الرئيس للنظام السوري، وهو ما سيضمن أن تأتي الضربات الأمريكية، كما الروسية، لصالح المعسكر الأسدي.
هذه كانت مجرد إشارات، ولفهم التحول في الموقف الأمريكي من الأزمة فإنه تجب إعادة قراءة الأحداث بشكل سريع.
خلفية الموقف الأمريكي
على طريقة الفلاش باك السينمائية يمكننا أن نبدأ بعبارة أوباما التي قال فيها إن بشار الأسد قد فقد شرعيته. كان ذلك بعد أسابيع فقط من اندلاع أعمال القمع العنيف قبل أربع سنوات، فأوباما وبمسؤوليته الافتراضية عن الأمن العالمي قال بوضوح إن على بشار الأسد أن يذهب وإنه لا مكان له في أي حل قادم.
ما حدث لاحقًا هو أن الإدارة الأمريكية لم تقم في الواقع بأي تحرك جاد يهدف إلى منع بشار من مواصلة القتل والاعتداء على شعبه.
تصريحات أوباما القوية الابتدائية كانت مفخخة ومستدرجة للآخرين، فقد فهمت على أساس أنها نية أمريكية للتدخل لصالح الشعب السوري، وعلى هذا الاستنتاج سارت بوصلة الكثير من دول المنطقة التي اعتبرت أن الوقت قد حان لدعم التوجه الغربي والاستعداد لمرحلة ما بعد الأسد.
لكن العزم الأمريكي سرعان ما تراجع حين اقترب أكثر من المشهد ليكتشف أن الخصم هنا، وبخلاف الحالة الليبية، لن يكون فقط النظام السوري المتهالك والجيش ذا الإمكانيات التي تبقى محدودة، بل أيضًا روسيا التي تحركت في هذا الملف منذ وقت باكر جدًّا وإيران التي سوف ينقض أي احتكاك معها مساعي التطبيع الجديدة.
ما أدهش كثيرًا من المتابعين للشأن السوري أن الكيان الصهيوني، الذي كان وما يزال يتابع تطورات الحراك في المنطقة باهتمام، لم يكن متحمسًا منذ البداية لإزالة النظام بشكل مفاجئ. وهو ما وضحه نتنياهو لأوباما في اللقاء الذي جمعه به في البيت الأبيض بعد بداية الأحداث. القلق الصهيوني لم يكن من النظام بقدر ما كان قلقًا من المستقبل الغامض لسوريا.
يمكن أن نرى أثر وجهة نظر الكيان الصهيوني في كبح رغبة التدخل الأمريكية الأولى، كما يمكن رؤية بصمتها في كل الإجراءات التي اتخذتها الدول الكبرى في الشأن السوري، فقد كان الكيان الصهيوني وما يزال الأكثر خبرة من الجميع في هذا الشأن ولا يمكن لأي متدخل جديد أن يتجاهل نصائحه ومعلوماته الاستخبارية والتحليلية.
ربما لعب نتنياهو وأركان حكومته دور الخبير والمنسق بين الروس والأمريكيين الذين كان يجمعهم الحرص على سلامة الكيان الصهيوني ووقايته من أي خطر أو تهديد. الثابت بشأن روسيا على الأقل هو أن أول من نشر خبرًا عن نية روسية وشيكة للتدخل العسكري في سوريا كان صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وهو ما يؤشر لحجم التقارب الروسي الصهيوني، الذي تُوج بالزيارة التي قام بها نتنياهو إلى موسكو عشية التدخل الروسي، والتي كان من الواضح أنها تهدف إلى تقديم المشورة والنصح إلى اللاعب الروسي الجديد.
هكذا التقى الروسي مع الصهيوني مع الإيراني على هدف واحد، وهكذا أصبح ما كان يسمى بالكيان الصهيوني أمس في الأدبيات البعثية جزءًا أصيلًا من محور المقاومة والممانعة!
كان الوضع كالتالي: تأهب إيراني وجاهزية روسية لإسناد «محور الممانعة» في مقابل عداء بلغ مداه للنظام السوري من الدول العربية سببه ليس فقط الضغوط الشعبية ولكن أيضًا ما تم فهمه من ظاهر الرسائل والخطب الأمريكية الرنانة التي كانت توحي بعزم الولايات المتحدة على تنحية الرئيس الذي فقد شرعيته.
للأسف فإن كل ذلك قد تزامن مع إدارة أمريكية مترددة كانت قد بدأت الاقتناع بوجهة نظر الكيان الصهيوني التي ترى أن إزاحة الأسد يجب أن لا تكون أولوية[2].
زاد ظهور الحركات الإسلامية المقاتلة من ارتباك المشهد حيث ظهرت مخاوف من إسقاط للأسد يتلوه تحويل سوريا إلى دولة طالبانية معادية للمصالح الغربية ولوجود الكيان الصهيوني. هذا الافتراض لم يقلق فقط الولايات المتحدة وحليفتها اليهودية، بل أيضًا دول المحيط العربي التي يكن بعضها عداءً هستيريًّا لكل ما تدرجه تحت مسمى «جماعات الإسلام السياسي».
ارتباك أمريكي وإقليمي
أهم نتائج هذه الحالة الإقليمية المرتبكة كان انتصار المعسكر الذي يرى أنه لم يعد هناك مبرر للتسرع في حل الأزمة عبر تنحية الأسد ونظامه، وأن الأولوية يجب أن تكون محاربة المتطرفين المتشددين. وهنا يمكننا أن نفهم السر وراء الرفض الأممي الصارم لمقترح إقامة منطقة حظر جوي في سوريا أو منطقة آمنة برغم ما تمثله من حل على الأقل لمشكلة تدفق اللاجئين إلى دول الجوار.
موقف الدول العربية التي لامت لاحقًا الولايات المتحدة لارتباكها وضعفها لم يكن، إلا باستثناءات قليلة، مختلفًا عن الموقف الأمريكي، بل يمكن القول إن الموقف العربي المرتبك ذا الأولويات غير المرتبة كان أحد أسباب ما سيتم الترويج له على أساس كونه ارتباكًا أمريكيًّا.
معظم الدول العربية كانت بموقف متناقض ينتقد من جهة الموقف الأمريكي الضعيف الذي يرفض التحرك أو التورط في سوريا، ومن ناحية أخرى كانت الدول ذاتها تعرقل بأشكال مختلفة تحقيق المعارضة ذات الطابع الإسلامي لأي نجاح كبير قد يحسم الأزمة لصالحها.
في الداخل الأمريكي لم يكن الأمر سهلًا وكانت هناك تجاذبات مهمة بين جناح الدور الإنساني للولايات المتحدة والجناح الآخر الذي يرفض إضاعة أموال دافعي الضرائب في مغامرات غير محسوبة، بعد مشاورات داخلية وخارجية تفتق الذهن الأمريكي عن فكرة تتلخص في ضرورة بناء قوة على الأرض تكون مستقلة عن التنظيمات ذات الخلفية الإسلامية، قوة يوكل إليها لاحقًا بناء جيش علماني ودولة جديدة وهو ما يمكنه أن يرضي جميع الأطراف.
الفكرة فشلت برغم كلفتها المادية العالية لأنها بحثت عن شيء لا وجود له، فلا توجد على الساحة السورية قوة علمانية مقاتلة ذات وزن، وحتى المقاتلون ذوو الانتماء الوطني والقومي العلماني سرعان ما يعلو صوتهم بصيحات التكبير في الميدان وسرعان ما يصبحون كغيرهم بانتظار النصر أو الشهادة.
أما محاولة خلق مقاتلين بلا انتماء فهي لم تكن أكثر نجاحًا لأنها عنت بالضرورة إيجاد مقاتلين يقاتلون من أجل المصلحة والمال، وهؤلاء حتى وإن كانوا سوريين فهم مرتزقة لا يمكن الاعتماد عليهم أو توقع انتصارهم على قوات النظام أو حتى على تنظيم الدولة الذي ينطلق برغم فوضويته من عقيدة تحركه وتقوده.
في هذا الإطار قامت الولايات المتحدة بعدة تحركات تم تفسيرها على أساس التخبط والارتباك كلجوئهم إلى دعم وتسليح قوات حماية الشعب الكردية التي ستتابع ارتكاب الجرائم ضد المدنيين من العرب والتركمان في المناطق التي تسيطر عليها. استشهد هذا التفسير بالعلاقة بين هذه القوات وحزب العمال الكردستاني المصنف تركيًّا وأوربيًّا على حد سواء تنظيمًا إرهابيًّا، معتبرًا أن الأمريكيين لا يمكن أن يدعموا مجموعة إجرامية بهذا الشكل السافر.
بنظري فإن الأمر قد يحمل تفسيرًا مختلفًا؛ فحين نسترجع التاريخ القريب للولايات المتحدة نجدها قد دعمت بعض المجموعات الإرهابية أو المتطرفة في المنطقة لغايات قصيرة أو طويلة الأمد؛ لن ننسى على سبيل المثال أن الأمريكيين هم من ساندوا ما يسمى بحزب «الدعوة الإسلامي» وما تفرع عنه من ملشيات شيعية وهم من وفر لعملياتهم ضد العراقيين السنة وغيرهم غطاء وحصانة. حينها لم يكن الأمر يتعلق بالارتباك بقدر ما كان جزءًا من نظرية الفوضى الخلاقة التي تم الترويج لها عن وعي لا عن ارتباك.
الفصام بين المسألة الإنسانية في سوريا وضرورات التوازن السياسي العالمي أنتج تحركات أمريكية غير جادة لا في محاربة الإرهاب ولا في إنهاء حكم بشار الأسد، وهو ما سمح للاعبين آخرين كروسيا بملء هذا الفراغ وفرض أجندتهم الخاصة التي كان التدخل العسكري المباشر أوضح تجلياتها.
هنا علينا أن لا نغفل تلك الشريحة من صناع الرأي والقرار الأمريكيين الذين يرفضون بشدة أي تورط جديد للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط تحت أي ظرف وعنوان؛ حيث إنها امتلكت دورًا مهمًّا ضاغطًا على الإدارة الأمريكية لكنه لم يكن بنظري حاسمًا.
أوباما أم أمريكا؟
هناك جدالات جانبية كثيرة فيما يخص القضية السورية، منها مثلًا: ما إذا كان السلوك الأمريكي سياسة متفق عليها أم توجهًا خاصًّا بالرئيس أوباما؟ من الناس من جعل الأمر شخصيًّا فسخر من كلمة الرئيس الأمريكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي استعاد فيها عبارته التي أصبحت بلا معني: «على بشار الأسد أن يذهب وأن لا مكان له في أي حل قادم».
بالنسبة إلي فالأمر لا علاقة له بشخصية أوباما فهو مجرد ممثل للإدارة الأمريكية التي لا أراها أبدًا مرتبكة. الدولة الأكبر قد استطاعت عبر هذه التصريحات فارغة المحتوى أن تكسب بنجاح تعاطف المستمعين المنشغلين بالحالة الإنسانية دون أن تقوم في الوقت ذاته بأي تصرف حاسم قد يغضب الرافضين للتدخل الأمريكي المباشر في سوريا.
هذا الأمر تكرر في مواقف كثيرة إبان تدخل روسيا في أوكرانيا وإبان حرب القرم وإبان معظم أحداث المنطقة العربية، حيث كان التصريح الأمريكي الداعم للحرية والديمقراطية مختلفًا أو متناقضًا مع الإجراءات العملية على الأرض.
روسيا هي إحدى الدول الأكثر خبرة بالولايات المتحدة، والتي تؤكد لها خبرتها أن بعض الاستنكار الأمريكي قد يكون بمثابة الضوء الأخضر لتحركاتها، فحين قال أوباما إن بلاده يجب أن لا تقف مكتوفة الأيدي أمام الاعتداءات الروسية على أوكرانيا كانت روسيا قد وضعت يدها بالفعل على مناطق نفوذها، أما حين بدأت تشجب الدور الروسي في المساندة غير المباشرة للنظام السوري فقد كان هذا بالنسبة للروس الوقت الأمثل للتدخل العسكري!
من الواضح أن الأمر لا علاقة له بشخصية ولا لون أوباما، فالأمريكيون من قبل أوباما يظهرون في كثير من الأحوال خلاف ما يبطنون، ففي حين تم غزو العراق بهدف التخلص من الأسلحة الخطرة على البشرية اكتشفنا لاحقًا أن العراق لم يكن يمتلك أسلحة وأن الغرض من الغزو كان مختلفًا، وفي حين كان يتم التغني بالقيم الديمقراطية وشرعية الصناديق كانت الولايات المتحدة تعمل بجد على إزاحة كل الزعماء المنتخبين المشاكسين.
بالنتيجة، فإنه كان لإيران وروسيا سياسة واضحة وثابتة منذ بدايات الأزمة، وهو ما لم تتمتع به لا الولايات المتحدة ولا الغالب من دول العالم المناصرة للشعب السوري، وهو ما أكسب معسكرهم قوة متجددة ونفوذًا كبيرًا يتأكد يومًا بعد يوم، فلا يستطيع أي محلل أن يقلل من قيمة زيارة بشار الأسد الأخيرة إلى موسكو، فحتى لو تمت تسميتها «استدعاء» فهو استدعاء من أجل ضمان إعادة شرعنة الأسد ونظامه على الأقل خلال مرحلة التغيير القادمة، وهو ما سيضمن لروسيا أن تكون جزءًا من ذلك التغيير، وأن لا يفاجئها أي شكل قادم لحكومة أو نظام حتى في حالة تنحية صديقها.
الانتصار الروسي تجلى في فرض هذه الرؤية على جميع الأطراف من خلال لقاء فيينا في نهاية أكتوبر حيث يمكن اعتبار مجرد مناقشة مصير الأسد بعد دخول الثورة عامها الخامس نصرًا لجناح موسكو.
تحسبهم جميعًا..
من الخطأ تصور الغربيين كتلة واحدة متناسقة، فهناك حساسيات بين الدول الأوربية المختلفة وهناك اختلاف في وجهات النظر بين الاتحاد الأوربي وروسيا التي ينظر إليها بتشكك، في حين تبقى الولايات المتحدة بموقف معقد متحالف مع الأوربيين ومتنافس معهم في الوقت ذاته.
الكيان الصهيوني أيضًا لا يمتلك علاقة متساوية مع جميع الأطراف والاتجاهات الغربية، وهو يحاول بعد سيطرته على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة أن يكسب ود الأوربيين الذين ما يزال بعضهم ينتقد إجراءاته على الأرض الفلسطينية. في الوقت ذاته يسعى الكيان لعدم خسارة روسيا اللاعب الجديد في منطقة نفوذ إستراتيجية مهمة.
الكيان الصهيوني يتعاون مع الروس في مجال التسليح ويعتبرها ورقة مهمة للضغط، إضافة إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه لتقريب وجهات النظر الروسية الأمريكية، أما الروس فهم يعلمون أن الكيان مهم لمصالحهم وهم لا يريدون أن يلعب اليهود دورًا سلبيًّا كدورهم إبان الحرب مع جورجيا، الذي ساندوا فيه الأخيرة بالدعم التقني والسلاح.
كل هذا التشبيك يجعل تحركات الدول الكبرى محسوبة وخطرة ويؤدي لما يمكن أن يقرأ على أنه «ارتباك» سياسي.
خاتمة
أحب أن أختم بملاحظتين قصيرتين قد تلخصان ما أردت قوله:
الأولى: أن التأخر في تحريك أحد أحجار الشطرنج لا يعد ارتباكًا سلبيًّا بقدر ما يعتبر تفكيرًا إيجابيًّا لثقة اللاعب بأهمية الحجر الذي سوف ينطلق والذي لن يكون من السهل استعادته.
الثانية: أن تسليط الضوء المكثف في الإعلام والتحليلات السياسية على ما يسمى بـ«الارتباك الأمريكي» ليس في الغالب إلا وسيلة للتهرب من السؤال الأهم والأكثر إلحاحًا عن السر وراء ضعف الموقف العربي والإسلامي، ذلك الضعف الذي يصل في بعض الأحيان لدرجة التواطؤ والخيانة.
:: مجلة البيان العدد 344 ربـيـع الثاني 1437هـ، يـنـايــر 2016م.
[1] عدد ١٧/١٠/٢٠١٥م.
[2] راجع مقالنا: «ما وراء الارتباك الأمريكي حول سوريا»، صحيفة القدس العربي، ١٤/١٠/٢٠١٥م.