• - الموافق2024/12/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الشعائر في العبادات

الشعائر في العبادات

من أسباب حفظ الدين إحاطته بالشعائر؛ لأن الأديان ليست تنظيرًا فلسفيًا، أو ترفًا فكريًا، وإنما هي اعتقادات وأقوال وأعمال. وكل دين لا بد فيه من شعائر، ويبقى الدين ما بقيت شعائره، فإذا عطلت شعائره انتهى؛ وهذا ظاهر في حديث حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ، وَلَا صَلَاةٌ، وَلَا نُسُكٌ، وَلَا صَدَقَةٌ...»[1].

ففي الحديث ذكر شعائر الإسلام العظام وأن اندراس الإسلام يكون بتعطيلها وعدم معرفة الناس بها. وهو يدل على أنه لا إيمان بلا عمل.

وإنما تترك شعائر الدين الحق بطريقين:

الطريق الأول: الابتداع في الدين؛ ولذا تواتر عن السلف أن من أحدث بدعة ترك سنة، فإذا تواردت البدع تُركت السنن، حتى يُحرف الدين عن الحق حرفًا كاملًا. ولذا فلا غرابة في كثرة النصوص المشددة على النهي عن البدعة وكونها أشد من المعصية مع أن البدعة جاءت على وجه القربة؛ لأن البدعة تغير في الدين حتى تمسخه وتبدله، وليست المعصية كذلك.

ومن أمثلة مسخ الدين بالبدعة: دين النصارى فإنهم كانوا على التوحيد، وملتزمين بالشعائر، حتى لعب في دينهم بولس الرسول (شاؤول اليهودي) فابتدع التثليث، ومنع الختان، وأباح الخنزير، وغير دين المسيح عليه السلام بما أدخل فيه من شعائر الوثنية، فمحيت شعائره الصحيحة، واستبدلت بها الشعائر المبتدعة.

الطريق الثاني: التشبه بالآخرين؛ لأن في التشبه بهم نقلًا لدينهم وشعائرهم، فتزاحم شعائر الدين الحق حتى تنفيه وتحل محله، وكذلك كانت النصوص شديدة في مسألة التشبه، حتى كان المتشبه بقوم منهم؛ كما في الحديث.

ومن أمثلة تغيير الدين بالتشبه: دين قريش في مكة؛ فإنهم توارثوا الحنيفية ملة الخليل عليه السلام، إلى أن سافر عمرو بن لحي الخزاعي إلى الشام فرأى أهلها يعبدون الأصنام، فأعجبه ذلك، ونقل عبادة الأصنام وشعائر الشرك إلى مكة تشبهًا بأهل الشام آنذاك، فتركت الحنيفية وحل الشرك محلها.

وكما أن الله تعالى تأذن بحفظ الإسلام إلى آخر الزمان، وكان ذلك من قدره الذي قدره؛ فإنه سبحانه هيأ الأسباب الشرعية التي يقوم بها المسلمون لحفظ الدين، وهي كثرة الشعائر في الإسلام، فيبقى الدين ببقائها، ومن مظاهر ذلك:

أولًا: القرآن الكريم: وهو كتاب أهل الإسلام، وهو وعاء شعائر دينهم: الصلاة والزكاة والصوم والحج وما يتعلق بها، وقد تكفل الله تعالى بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، ومن أعظم أسباب حفظ القرآن التعبد بتلاوته، والجهر به في الصلاة.

فأما التعبد بتلاوته فيقود خاصة المسلمين وعامتهم لقراءته، فتكون الأمة كلها وصية على القرآن، تتناقله جيلًا بعد جيل؛ لأن الإدخال فيه أو الحذف منه شبه مستحيل والأمة كلها تعرفه أو أكثرها؛ ولذا لا يطلب في نقل القرآن إسناد كما يطلب في الحديث؛ لأن الأمة من العهد النبوي إلى يومنا ما فترت عن قراءة القرآن ولم تهجره، ولو فعله أفراد منها؛ فإن جمهورها لا يفعلونه.

وأما قراءته في الصلاة فحُفظ بها لسان العرب في أسماع الناس، فعلى رغم كثرة اللهجات واختلافها اختلافًا كثيرًا فإن القرآن يُقرأ في كل الأقطار بلسان واحد، ويفهمه جمهور الأمة خاصتهم وعامتهم؛ لأنهم نشأوا على سماعه ومعرفته، وبحفظ اللغة بالقرآن حفظت لغة الشعائر، وهي لغة الخطبة وأذكار الصلاة وأذكار الحج وغيرها من العبادات والشعائر؛ فالعامة يعرفونها ويفهمونها.

ولو أراد أحد أن يدخل في القرآن شيئًا أو يحذف منه شيئًا لما استطاع، والطبعات المحرفة للقرآن ما إن توزع حتى يكتشفها قراء القرآن من العامة والخاصة فتتلف، وكل محاولة في ذلك باءت بالفشل برغم ما ينفق عليها من عظيم الأموال.

ثانيًا: الصلاة: فالنداء لها شعيرة تتكرر في اليوم خمس مرات، وبإعلانه تفترق البلاد الإسلامية عن غيرها، وبسماعه تحقن الدماء؛ عن أنسِ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا، لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ»، بوب عليه البخاري فقال: باب ما يحقن بالأذان من الدماء[2].

وكم اهتدى بالأذان من كافر حين سمعه وتأثر به؟!

فمجتمع يطرق الأذان أسماعه خمس مرات في اليوم لن يزول الإسلام منه حتى يزول الأذان؛ ولذا كان من أوليات فتح البلدان أو خط المدن تشييد المساجد فيها؛ تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام الذي باشر بناء المسجد فور وصوله المدينة. وكان أيضًا من أوليات غزو الصليبيين والشيوعيين لبلاد المسلمين هدم المآذن والمساجد، وقتل الأئمة والمؤذنين أو إسكاتهم؛ لأنه لا يمكن محو الإسلام إلا بمحو شعائره.

وفي خروج الناس لصلاة الجماعة إظهار للعبادة، وتلك شعيرة تتكرر، وطرق المسلمين وأزقتهم تنساب منها جموع المسلمين إلى المساجد، وكثير من المسلمين لا يدركون أهمية المشي إلى المسجد للصلاة فيه، وما فيه من إظهار شعائر الإسلام، والإعلام بالعبادات، ودعوة الناس إليها، ولو كانت الصلاة المفروضة في البيوت لدرست هذه الشعيرة، فلا يُعرف من يؤديها ممن لا يؤديها، ولم تفارق بها بلدان المسلمين غيرها من البلاد.

وفي الجمعة يحضر جمع أكبر تظهر به الشعيرة وتعلن، وفيها الأذان والخطبة والصلاة الجهرية في وسط النهار، وهذا من أعظم صور الإعلان في زمانه ومكانه وشعائره. وفي بلاد الكفر يعرف الكفار صلاة الجمعة باحتشاد المسلمين لها في المصليات والمراكز الإسلامية.

والقراءة الجهرية في الصلاة شعيرة تتكرر كل ليلة ثلاث مرات حتى يألف الناس شعائر الإسلام فتبقى فيهم؛ ولذا فإن أمر الصلاة لا يكاد يخفى على أحد من المسلمين، وينشأ عليه أطفالهم عمليًّا حين يصطحبهم آباؤهم إلى المساجد.

وفي رمضان يُعرض القرآن كاملًا في صلاة التراويح في كثير من مساجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، تأسيًا بعرض النبي عليه الصلاة والسلام القرآن على جبريل عليه السلام في كل رمضان، حتى كان العام العاشر فعرضه عرضتين.

ولما فتح الله تعالى على البشرية بوسائل التواصل صار نقل جموع المسلمين وهم يصلون التراويح ولاسيما في العشر الأواخر، وبالأخص في ليلة سبع وعشرين يأسر القلوب، ويزيد الإيمان واليقين، ويغيظ الكفار والمنافقين. وقد أسلم بسبب مشاهدة التراويح أو حضورها عدد كثير من الكفار نساء ورجالًا. بل علمت أنهم في بعض البلاد يصلون مع المسلمين مستخفين وهم على كفرهم، تشدهم كثافة الجمع، وروعة ترتيل القرآن، فيرجون البركة من صلاتهم مع المسلمين ومن التأمين على دعائهم، وينتهي الحال ببعضهم إلى إعلان الإيمان، وقد رأيت ذلك رأي العين؛ فالحمد لله الذي جعل شعائر دينه داعية إليه.

ثالثًا: الزكاة: فزكاة المال لا تكاد تظهر في هذا العصر؛ لأن الإيداع في البنوك، وتحويل المال عن طريق شبكة الإنترنت أسهم في إخفائها. وكان الناس قبل البنوك يحتفظون بأموالهم في بيوتهم، والرجل يعد ماله ليخرج زكاته، وغالبًا ما يستعين بأهله وولده، فيعلم أهل كل بيت وقت زكاة والدهم كل عام، لكن بقي من ظهور زكاة المال كثرة السؤال عنها في برامج الإفتاء، وتدريس أحكامها في المدارس والمساجد، وتناولها في الخطب والمواعظ.

وأما الزكاة في باقي الأنواع وهي: الأنعام والحبوب والثمار وعروض التجارة فهي ظاهرة بالعد والخرص والعزل، إضافة إلى ظهورها في الاستفتاء عن أحكامها.

وأما زكاة الفطر فهي أظهر أنواع الزكاة، وهي الشعيرة العجيبة التي لا يطول زمنها ولكن يبقى أثرها؛ فأكوام الطعام في الأسواق، وعلى واجهات المحلات، وتزاحم طرق الناس قبل العيد بأيام؛ ليروها ويشتروها وينقلوها للمستحقين، ومع هذه الحركة الكثيرة للطعام تظهر هذه الشعيرة العظيمة، فتتميز الليالي التي تسبق العيد عن غيرها من الليالي.

وبهذا نعلم جناية من يدعون إلى إخراج القيمة بدل الطعام على هذه الشعيرة العظيمة، برغم ظهور النص فيها، وبرغم أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته معه أخرجوا زكاة الفطر تسع مرات ولم ينقل في واحدة منها ولا عن واحد منهم أنه أخرجها نقدًا مع توفر دواعي فعل ذلك بوجود فقراء يحتاجون للقيمة، وبوجود أغنياء من الصحابة يملكون المال، ومع توفر دواعي نقل ذلك؛ لتكراره في تسعة أعوام، فزكاة الفطر فرضت قبل زكاة المال.

ولو أخذ بفتوى استبدال القيمة بالطعام لانتهت مظاهر هذه الشعيرة، مع أن إظهار الشعائر وتعظيمها مقصد من مقاصد الشرع المنزل، فكيف إذا كان ذلك ليلة العيد الذي هو أعظم الشعائر وأظهرها.

رابعًا: الصوم: ومن مظاهر الشعيرة فيه ثبوت دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال، وخروج المترائين لأجل ذلك، وتناقل صورهم وهم في مواقع الترائي، ونقل أخبارهم لحظة بلحظة، وترقب المسلمين خبرهم، حتى صارت شبكات التلفزة تستبق إلى ذلك؛ لأن أمر الرؤية يهم كل مسلم، ومن طالع شبكات التواصل الاجتماعي ليلة دخول رمضان وليلة العيد وجد أن أخبار ترائي الهلال تسيطر عليها بالكامل، حتى لفتت انتباه كثير من الكفار فيتابعون خبر رؤية الهلال كما يتابعه المسلمون، وكذلك الشبكات الإخبارية العالمية تنقله أو تشير إليه.

وبهذا نعلم خطأ من يدعون إلى اعتماد الحساب الفلكي وترك الرؤية، وإسهامهم في اضمحلال شعيرة الترائي، وحشد جموع المسلمين لمتابعتها أول الشهر وآخره.

وتوحيد وقت الإمساك والإفطار جعل وقت الإفطار لحظة ترقب واستعداد، وصور جموع المسلمين في المساجد والساحات وغيرها وهم حِلَق على موائد الإفطار ينتظرون الأذان يُظهر عبادة الصوم، ويجعلها شعيرة ظاهرة للعيان.

ويتوج الصيام بأعظم شعيرة فيه وهي عيد الفطر بالتكبير ليلة العيد وصبحه؛ لأن التكبير هو شعار هذه الشعيرة، وازدلاف المسلمين صبيحة العيد إلى المصليات في جموع غفيرة جدًا يكبرون الله تعالى ويعظمون شعائره منظر لن ينساه من رآه.

وفي معقل الشيوعية موسكو التي هدمت مساجد المسلمين، وقتلت أئمتهم، وأرادت محو إيمانهم، وغطى إلحادها وأذاها بلاد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها..فيها منظر مهيب مؤثر لجموع المسلمين وهم يملأون الساحات والأزقة والطرقات لحضور صلاة العيد، فلم يمكن تصوير كثرتهم إلا بالطائرة.

والأعياد في كل الأديان، وعند كل الأمم هي أظهر الشعائر، وأكثرها جمعًا وعبادات. وكلما كانت الشعائر في العيد أكثر كان العيد أكبر.

فلا نستغرب - وحال الأعياد هكذا - أن يشدد العلماء في حضور أعياد الكفار ومشاركتهم فيها، وتهنئتهم بها؛ لأنه إذا كانت الأعياد وما يعمل فيها من فرح وطعام واجتماع وأعمال هي شعائر العيد؛ كان المشارك للكفار في أعيادهم مشاركًا لهم في أعظم شعائر دينهم، وكان المهنئ لهم بأعيادهم مهنئًا لهم بأعظم شعائر الكفر وأظهرها، والأصل في المؤمن أنه يكره الكفر وشعائره، فكيف يشارك فيها، ويهنئ بها؟!

خامسًا: الحج: وهو أكثر العبادات شعائر، وأعظمها جمعًا، ويتخلله عيد المسلمين الكبير، الذي هو أكبر العيدين وأفضلهما. ولذا جاء ذكر الشعائر متخللًا آيات الحج مما جعل بعض المفسرين يفسر الشعائر بمناسك الحج. ولا شك في أن مناسك الحج تدخل دخولًا أوليًّا في معنى الشعائر، ولكن في العبادات الأخرى - غير الحج - شعائر أيضًا.

قال النسفي رحمه الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: ٢] جمع شعيرة، وهي اسم ما أشعر، أي: جعل شعارًا وعلمًا للنسك به، من مواقف الحج ومرامي الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التي هي علامات الحاج يعرف بها من: الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر، {وَلا الشَّهْرَ الْـحَرَامَ} أي أشهر الحج {وَلا الْهَدْيَ} وهو ما أهدي إلى البيت وتقرب به إلى الله تعالى من النسائك وهو جمع هدية، {وَلا الْقَلائِدَ} جمع قلادة وهي ما قلد به الهدي من نعل أو عروة مزادة أو لحاء الشجر أو غيره، {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْـحَرَامَ} [المائدة: ٢] ولا تحلوا قومًا قاصدين المسجد الحرام وهم الحجاج والعمار؛ وإحلال هذه الأشياء أن يتهاونوا بحرمة الشعائر، وأن يحال بينها وبين المتنسكين بها، وأن يحدثوا في أشهر الحج ما يصدون به الناس عن الحج، وأن يتعرضوا للهدى بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله[3].

وفي منسك السعي بين الصفا والمروة قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158]، وفي منسك الذبح قال تعالى: {وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ} [الحج:36-37]، وفي أثناء آيات المناسك من سورة الحج قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ} [الحج:32].

وسميت أماكن المناسك مشاعر، فقيل: مشعر منى، ومشعر مزدلفة، ومشعر عرفة، قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ} [البقرة:198]، وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي عليه الصلاة والسلام: «فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ...»[4].

وعيد الأضحى هو أكبر الأعياد وأفضلها؛ لكثرة ما فيه من الشعائر، ولاجتماع أمهات العبادات فيه، ولاجتماع العيد المكاني والزماني فيه؛ فهو في الأشهر الحرم، وتاجه الحج وشعائره ومشاعره؛ ولأنه يطول وقته فهو خمسة أيام؛ كما في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ»[5]. فيوم عرفة يوم الجمع الأكثر في الحج، ويوم النحر يوم الحج الأكبر، وهو مع أيام التشريق هي أيام أعمال الحج وذبح القرابين، وكل أولئك شعائر.

ولكثرة ما في عيد الأضحى من الشعائر سمي العيد الكبير[6] أو العيد الأكبر[7] أو عيد «الله أكبر»؛ قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: والتخصيص بهذه الأيام الخمسة لأنه يجتمع فيها العيدان المكاني والزماني، ويطول زمنه، وبهذا يسمى العيد الكبير[8].

وقال أيضًا: والنصارى يسمون عيد المسلمين عيد «الله أكبر» لظهور التكبير فيه، وليس هذا لأحد من الأمم أهل الكتاب، ولا غيرهم - غير المسلمين - وإنما كان موسى يجمع بني إسرائيل بالبوق، والنصارى لهم الناقوس[9].

ولأن الحج أظهر الشعائر وجمعه أكثر الجمع في الإسلام شرع فيه التكبير في مواضع عدة، مثل: التكبير في الطواف عند استلام الحجر الأسود أو الإشارة إليه، والتكبير على الصفا والمروة، والتكبير مع رمي الجمار، والتكبير عند ذبح الهدايا والأضاحي، والتكبير في أيام التشريق، قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203]. فالأيام المعدودات هي أيام التشريق، وأشهر الذكر فيها هو التكبير المطلق في كل وقت، والمقيد عقب الصلوات.

ولأن عيد الحج أكبر من عيد الفطر وأفضل كان التكبير ممتدًا فيه ثلاثة عشر يومًا، وكانت أيامه أفضل أيام العام، وكان يوم عيد النحر أفضل الأيام على الإطلاق.

وبما سبق عرضه نعلم أن الشعائر هي أعلام الدين الظاهرة، وأنها أكثر ما تكون في العبادات المكررة يوميًّا، أو أسبوعيًّا، أو حوليًّا، وأن الإسلام يبقى ما بقيت شعائره في المسلمين، وأن التزام هذه الشعائر هو من تعظيمها، وتعظيمها سبب لبقائها والدعوة إليها، وبقاؤها سبب لبقاء الإسلام، فكان حقًا على كل مؤمن ومؤمنة أن يعظموا شعائر الله تعالى، ولا يستهينوا بشيء منها؛ فإن الله تعالى ما جعلها أعلامًا لدينه إلا لأنه رضيها لعباده، فكان تعظيمها من تعظيمه سبحانه وتعالى.

 :: مجلة البيان العدد  340 ذو الحجة  1436هـ، سبتمبر  - أكتوبر  2015م.


[1] رواه من حديث حذيفة رضي الله عنه: ابن ماجه (4049) والحاكم وقال: على شرط مسلم (8460).

[2] رواه البخاري (610).

[3] تفسير النسفي (1/255).

[4] رواه مسلم (1218).

[5] رواه أبو داود (2419) والنسائي (3004) والترمذي وقال: حسن صحيح (773).

[6] ينظر: مفاكهة الخلان لابن طولون (173).

[7] ينظر: عيون الروضتين لأبي شامة (3/142) وتاريخ ابن خلدون (7/396).

[8] الاقتضاء (1/503).

[9] الجواب الصحيح (5/232).

أعلى