• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
عقدة "الإسلاميين" حاضرة في تونس

عقدة "الإسلاميين" حاضرة في تونس

من يتابع المشهد العام في الساحات العربية يستوقفه في التوقيت الحالي الأزمة السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد التونسية، والتي دخلت مرحلة جديدة مع تضاعف الهجمات الإرهابية ووضوح التوجه والخيار الخاطئ الذي تنتهجه الحكومة الحالية لحزب نداء تونس بأخذ قرارات اعتيادية لم تثبت نجاعتها سابقاً، وقد كان لهذا الوضع المتأزم الذي خلقه ذراع النظام السابق تأثير واضح اليوم على المجتمع التونسي وإدارة الدولة وشؤونها في نواحي الحياة جميعها

ففي النصف الأول من السنة الحالية 2015، ومع انقضاء أكثر من 5 أشهر من حكم حزب نداء تونس، لم تفلح الحكومة الجديدة في مواجهة رهانات الواقع التونسي الذي أفرزه تغول الأنظمة السابقة ما بعد الاستقلال، وتؤكد الدلائل الفشل الكبير الذي تعرفه الحكومة الجديدة لنداء تونس، التي عجزت أولاً عن احتواء أزمتها الداخلية والخلافات القائمة على سلطة القرار داخلها، فكان لها الأثر السيئ على الواقع التونسي بكل المقاييس.

من أحداث مدن الحامة والذهيبة ودوز والجهات الداخلية، فمواجهات عنيفة مع المحتجين واعتقالات بالعشرات ومنع التظاهرات السلمية، إلى هجمات متحف باردو والثكنة العسكرية ببوشوشة وفندق سوسة مؤخراً، وصولاً إلى اتخاذ قرار إعلان حالة الطوارئ، وإقالات بالجملة؛ اتضح للشعب التونسي الفشل الكبير لحكومة نداء تونس في مواجهة طبيعة الواقع ومعالجته بعد أن باتت تونس منطقة توتر لدى العالم والسياح، وتضاربت الأقوال والأبحاث لدى المصادر الرسمية لتؤكد حالة الإرباك لدى أركان النظام الحاكم في تونس.

يؤكد عدد كبير من السياسيين التونسيين خاصة منهم المعارضين، أن الوضع التونسي سائر نحو أزمة شاملة وستزداد الأمور سوءاً ما لم تنجح الحكومة في توفير الأمن والدفع بالتنمية وإيجاد الحلول اللازمة للملفات الحارقة. ويقول رئيس حزب جبهة الإصلاح رشيد الترخاني: «الحكومة الحالية تفتقر إلى استراتيجية كاملة وشاملة لمواجهة الواقع، والقرارات التي تم اتخاذها تثبت فشلها الذريع في معالجة مسألة الإرهاب».

لم تتمكن الحكومة التونسية أيضاً من إيجاد الوصفة اللازمة في المفاوضات الاجتماعية مع النقابات رغم الدعم الذي تجده من قبل منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل وانخراطها في التوجه الحكومي، كما فشلت وزارة الخارجية في الشأن الدبلوماسي خلال التفاوض مع الجانب الليبي بعد قتل الصحفيين التونسيين سفيان الشورابي ونذير القطاري وحجز مئات التونسيين هناك.                                         

لم تنجح إلى حد الآن حكومة الحبيب الصيد في مواجهة حالة الاحتقان الشعبي من عدم الرضا على أدائها وسقوطها في التوجهات الخاطئة والخيارات الفاشلة لمعالجة تأزم الوضع على جميع النواحي، بالرغم من الدعم الذي تجده من قبل أحد أهم محركات اللعبة السياسية في تونس وسائل الإعلام المحلية بمختلف أنواعها ومساندة بعض الأحزاب لتوجهاتها على غرار حركة النهضة. إذ عبر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن دعمه مؤخراً لقرار رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بفرض حالة الطوارئ في ظل التهديدات التي تشهدها البلاد من قبل العناصر الإرهابية.

فشل نظرية المصالحة

بعد هدوء الأوضاع نسبياً بداية العام الحالي 2015، شهدت تونس موجة من الاضطرابات الأمنية التي تفشت بأكثر حدة بمرور الوقت، لتسقط معها قدرة الدولة على مواجهة ظاهرة الإرهاب، إذ يعد الملف الأمني أحد أهم الملفات الوطنية، والتي تمس مباشرة الرأي العام والشعب التونسي، ومثل هذا الملف عائقاً حقيقياً أمام الاقتصاد التونسي بعد أن ضربت الهجمات الإرهابية أهم قطاع، وهو قطاع السياحة الذي يوفر العائدات الأهم من العملة الصعبة ويشغل أكثر 1/3 العاملين بمعدل يقارب 400 ألف ناشط بالقطاع.             

فحتى الآن، لا تزال المؤسسة الأمنية عاجزة عن السيطرة عن الواقع واتضح التفوق الواضح لأصحاب الهجمات الإرهابية، فبالرغم من السياسات التي تتوخها الحكومة للقضاء على الإرهاب، إلا أنها لم تفلح في تحقيق أهداف تذكر داخل المدن أو في المناطق الجبلية، فحتى الاعتقالات تتم بشكل عشوائي حتى أن عدداً من المعتقلين سرعان ما يتم الإفراج عن عدد كبير منهم لعدم ثبوت أي تهمة.                                    

الفشل الأمني لم يتضح فقط في أرض المواجهات والمعارك، بل يظهر من خلال التقارير والتحاليل المتضاربة حول حقيقة الهجمات منها الهجمة الأخيرة على أحد فنادق محافظة سوسة الساحلية، التي أثبتت العجز الأمني. لتجد المؤسسة الأمنية نفسها أمام رهانات أصعب للحفاظ على الاستقرار وفرض الأمن الذي يعد القضية الرئيسة في حياة المواطن التونسي، وفرض حالة الطوارئ تبدو جاءت متسرعة بعد المعارضة الكبيرة التي وجدها هذا القرار لدى شق كبير من التونسيين التي من شأنها أن تحد من الحريات العامة وحق التظاهر ومنح صلاحيات أكبر لوزير الداخلية.

يرى المحلل السياسي علي اللافي أن القرار جاء اعتباطياً وليس حلاً ناجعاً، أمام تنامي عدم ثقة التونسيين في الحكومة الحالية وغياب الإرادة الواضحة لإنقاذ البلاد.ودعت أطراف حزبية عدة على غرار حزب المؤتمر من أجل الجمهورية إلى ملتقى وطني شامل لمكافحة ظاهرة الإرهاب بالسبل الأمثل وعدم الوقوع في ضغط الوقت، غير أن كل الدعوات لم تجد اهتماماً حكومياً في ظل فرض نظرية الحزب الحاكم الواحد، التي انهمكت في سياسة العمل المنفرد وعدم الاستشارة في عمل وطني شامل.

وأثارت مؤخراً الخطوة التي تريد حكومة نداء تونس تمريرها، والمتعلقة بمشروع قانون المصالحة الاقتصادية؛ ردود فعل غاضبة لدى الرأي العام التونسي وأيضاً لدى بعض الوجوه السياسية المتمسكة بمواصلة مسار الثورة الذي انحدر سلباً نحو الوراء بسبب الديمقراطية العرجاء، ويرى كثير منهم أن هذا المشروع هو مصالحة مع الفاسدين ورجال الأعمال الذين عملوا لصالح نظام الرئيس المخلوع بن علي، وهي خطوة لإعادة إحياء الفساد وتفشي الآفات الاجتماعية التي مارسها قلة على حساب غالبية الشعب التونسي.

كما فشلت الحكومة التونسية سابقاً في التعامل مع الملفات الخارجية، حيث لم تفلح وزارة الخارجية التونسية في حسن التدبير لما تعرض له التونسيون في ليبيا بعد احتجاز عدد كبير منهم وفشلت في المفاوضات، التي جعلت من الحكومة التونسية ترتكب خطأ تمثل في منع التونسيين من دخول الأراضي الليبية خلال الفترة الأخيرة، بل عبرت أيضاً عن تبرئها من أي تونسي دون 35 عاماً يتعرض لاعتداء داخل التراب الليبي وأنها لن تنظر في ملفه قبل أن يتم الإعلان عن وضع حاجز بين تونس وليبيا، ومع الجانب الجزائري لم تفلح الحكومة التونسية في إيجاد الوصفة اللازمة لحماية الحدود من الهجمات الإرهابية.

 حرب على المساجد

تتزايد وتيرة القلق في الأوساط التونسية من توجهات الحكومة الحالية، لبسط نمط النظام السابق وسياساته على البلاد وتمكينها من إحياء ديكتاتورية قديمة - جديدة، ويبدو أن رؤية الإدارة التونسية تتجه بشكل واضح نحو مواصلة سياسة المراحل التي كان قد انتهجها النظام السابق.

حيث تبدو القرارات الأخيرة بإغلاق المساجد وعزل الأئمة والضغط على الحريات العامة واتخاذ قرار إعلان حالة الطوارئ، وقرار عزل بعض المسؤولين؛ إحدى السياسات الفاشلة التي توخها نظام الرئيس المخلوع في مواجهة طبيعة الواقع التونسي، حيث تبدو الحرب موجهة بالأساس ضد موجة الأسلمة التي عرفها المجتمع التونسي إبان الثورة.

ويعد القرار الذي تم اتخاذه مباشرة بعد حادثة سوسة بإغلاق 80 مسجداً قراراً خطيراً ضد مشاعر التونسيين الذين عبروا عن غضبهم الشديد في جزء منهم وخلف مظاهرات بمحافظات جلمة ومساكن ضد القرارات الحكومية.

ويعمل النظام الحالي، ووسائل الإعلام المحلية على شيطنة الإسلاميين بمختلف توجهاتهم وربطهم مباشرة بمسألة الإرهاب من خلال التهم الموجهة لهم حتى بدون أدلة ولا براهين فقط للإيقاع بهم في سيناريو مكرر لتسعينيات القرن الماضي إبان صعود الرئيس المخلوع بن علي للحكم وبدايات سلطته.

قال وزير الشؤون الدينية الأسبق نور الدين الخادمي: «لا يجب توظيف الإرهاب خارج سياقه، وإن التوجه بمواجهته بقرارات اعتيادية بعزل الأئمة وتجفيف المنابر الدينية أمر خطير ». واقتصر دور بعض المعارضين على التنديد بمثل هذه الممارسات والخوف من عودة سياسات النظام القديم التي قد تتغلغل مجدداً في دواليب الحكم بتونس. ويرى التونسيون أن مسألة عودة سياسات النظام السابق أصبحت حقيقة واقعة، في ظل تنامي المشروع الديكتاتوري الجديد الذي تقوده حكومة نداء تونس، التي فشلت في خياراتها في مواجهة الأزمة الراهنة ومعالجة الإرهاب.

:: مجلة البيان العدد  339 ذو القعدة  1436هـ، أغسطس  - سبتمبر  2015م.

أعلى