أحــب مـكـارم الأخـلاق جـهـدي
عنوان هذه المقالة صدر بيت للشاعر الحسين بن مطير الأسدي وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية المتوفى سنة 169هـ، وعجزه «وَأَكْرَهُ أَنْ أَعِيبَ وَأَنْ أُعَابَا»، وفيه الحث على التحلي بمكارم الأخلاق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها؛ حيث إن الشرائع السابقة كلها تحث على الأخلاق الفاضلة فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وإن كل إنسان يعيش في هذه الحياة ويتصل بالناس لا بد أن يجد شيئًا من الإساءة فيجب عليه أن يعفو ويصفح وليعلم علم اليقين أنه ستنقلب العداوة بينه وبين أخيه يومًا ما إلى صداقة؛ قال الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْـحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [فصلت: 34]. ولقد أثنى الله عز وجل على نبيه عليه الصلاة والسلام بقوله: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤]، وحسن الخلق يوجب الألفة والمحبة والصلاح بين أفراد الأسرة والمجتمع.
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على حسن الخلق والتمسك به وجمع بينه والتقوى فقال عليه الصلاة والسلام: «أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق»، قال ابن القيم رحمه الله: «في هذا الحديث خصلتان: الأولى: تقوى الله: وهي التي تصلح ما بينك وبين الله. والثانية: حسن الخلق: وهي التي تصلح ما بينك وبين الناس».
وتقوى الله خير الزاد ذخرا
وعند الله للأتقى مزيد
وكم نحن بحاجة ولاسيما في هذه الأيام إلى مكارم الأخلاق والتحلي بها وتربية الأبناء عليها وتوريثها لهم، والتي من أبرزها التحلي بما يلي:
أولًا: الصدق: وهو من أجلّ الأخلاق وأعظمها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 199]، وهو سبب من أسباب دخول الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا». قال الشاعر:
ما أحسن الصدق في الدنيا لقائله
وأقبح الكذب عند الله والناس
ثانيًا: الحلم والأناة: قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة».
واستشعر الحلم في كل الأمور ولا
تسرع ببادرة يومًا إلى رجل
ثالثًا: الصبر: إن الله عز وجل جعل الصبر عدة، وأمر بالاستعانة به في كل نازلة تنزل بالعبد، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلَّا عَلَى الْـخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].
وقل من جد في أمر يحاوله
واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
رابعًا: الأمانة: وهي من لوازم الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له»، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «أداء الأمانة مفتاح الرزق».
أدِّ الأمانة والخيانة فاجتنب
واعدل ولا تظلم يطب لك مكسب
خامسًا: العدل: يعد العدل من القيم الأخلاقية التي جاء بها الإسلام، قال تعالى: {وَإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم...» وذكر منهم «الإمام العادل».
عليك بالعدل إن وليت مملكة
واحذر من الجور فيها غاية الحذر
سادسًا: الكرم: وهو من مكارم الأخلاق وقد يكون سببًا لخلاص صاحبه ولا أدل على ذلك من قصة أسر ابنة حاتم الطائي - الذي ذاع صيته في الكرم في الجاهلية - وكانت تدعى «سفانة» لما علم بها النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أطلقوا سراحها فهي ابنة رجل يحب مكارم الأخلاق». قال الشاعر:
أحادث ضيفي قبل إنزال رحله
ويخصب عندي والمكان جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى
ولكنما وجه الكريم خصيب
سابعًا: المودة: وهي من مكارم الأخلاق التي توجب الألفة بين الناس، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «خير الإخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك في المودة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها».
مودته تدوم لكل هول
وهل كل مودته تدوم
ثامنًا: الرفق: وهو خلق عظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه». قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في تعريف الرفق: «هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف».
خذِ الأمورَ برفقٍ واتئدْ أبدًا
إياك مِن عَجلٍ يدعو إلى وصبِ
الرفقُ أحسنُ ما تُؤتَى الأمورُ به
يصيبُ ذو الرفقِ أو ينجو مِن العطبِ
تاسعًا: الإحسان: قال تعالى: {وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، إذا أحسن المسلم إلى الآخرين كانت النتيجة إحسان الله إليه في الدنيا والآخرة، وإن الإحسان كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه.
أحسِنْ إلـى النّـاسِ تَستَعبِدْ قُلوبَهُمُ
فطالَمـا استعبدَ الإنسـانَ إحسانُ
عاشرًا: المروءة: وهي خلق جليل وأدب رفيع تميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات، فالمروءة صدق في اللسان، واحتمال للعثرات، وبذل للمعروف، وكف للأذى، وصيانة للنفس، وطلاقة للوجه؛ فهي تدخل في الأخلاق والعادات، والأحكام والعبادات. قيل لسفيان بن عيينة رحمه الله: «قد استنبطت من القرآن كل شيء فأين المروءة في القرآن»، قال: في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْـجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ففيه المروءة وحسن الآداب ومكارم الأخلاق»، قال الأحنف بن قيس: «كثرةُ الضحك تُذهِب الهيبة، وكثرة المزح تذهب المروءة»، ورحم الله الإمام الشافعي يوم قال: «والله لو كان الماء البارد ينقص من مروءتي لشربته حارًا».
وَما ضَاقتِ الدُّنيا على ذي مروءةٍ
ولا هي مسدودٌ عليهِ رحابها
ما أجمل أن نتحلى بمكارم الأخلاق لنسعد في هذه الحياة ونسعد الآخرين.
:: مجلة البيان العدد 338 شوال 1436هـ، يوليو - أغسطس 2015م.