• - الموافق2025/03/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إفريقيا  كنز المخطوطات الإسلامية

أنجبت إفريقيا العديد من علماء الإسلام الذين أثْرَوْا الثقافة العربية والإسلامية بالمُؤلَّفات في مختلف نواحي العلوم والمعارف الإنسانية، وكانت لهم صلات قوية بالأزهر في مصر، ومراكز التعليم الإسلامي في القيروان في تونس، وفاس بالمغرب، وبلاد الأندلس



القارة الإفريقية من أهم القارات التي تعرَّفت على الدين الإسلامي الحنيف، منذ العهد النبوي الشريف، وقد أصبح الإسلام جزءًا من الكيان الإفريقي كله؛ حيث يلفّ الإسلام هذه القارة، ويتوغّل في وسطها.

وقد أثمرت الدعوة الإسلامية العديد من الإنجازات الإيجابية؛ فتأسَّست المجتمعات المسلمة منذ القرن الأول الهجري، وأبدع المسلمون في هذه القارة آدابًا وفنونًا وعلومًا إسلامية، ما تزال باقية حتى اليوم.

وعندما وقعت دول هذه القارة في براثن المستعمر الغربي؛ حرص المسلمون على حماية هويتهم العقائدية، والاحتفاظ بمخطوطاتهم الإسلامية، وتوارثتها الأجيال. وتشهد إفريقيا صحوة إسلامية معاصرة تتمثل في الانطلاقة الكبرى لمسيرة المدّ الإسلامي. وكان من ثمرات هذه الصحوة تحويل الأقليات المسلمة إلى أغلبيات في العديد من الدول الإفريقية.

وقد أنجبت إفريقيا العديد من علماء الإسلام الذين أثْرَوْا الثقافة العربية والإسلامية بالمُؤلَّفات في مختلف نواحي العلوم والمعارف الإنسانية، وكانت لهم صلات قوية بالأزهر في مصر، ومراكز التعليم الإسلامي في القيروان في تونس، وفاس بالمغرب، وبلاد الأندلس. كما تأسَّس في إفريقيا العديد من المدن الإسلامية العربية مثل: «تمبكتو»، و«باماكو» التي أسَّسها الملك المسلم «ماسينا» في مالي.

كما اشتهرت بعض الأقاليم بهويتها العربية الإسلامية مثل: «زنجبار» و«كانو» في شمال نيجيريا، ومنطقة «دالا» و«الحوسة» في نيجيريا أيضًا، كما روت كتب التاريخ أن الوفود خرجت من الدول الإفريقية لمقابلة الصحابة -رضوان الله عليهم- خلال هجرتهم إلى الحبشة.

وتُعدّ القارة الإفريقية كنزًا عامرًا بالمخطوطات الإسلامية النادرة التي كُتِبَتْ باللغة العربية وباللغات واللهجات الإفريقية المحلية، وقد عثرت المؤسسات الإسلامية على ثروات هائلة من هذا التراث الإسلامي الأصيل، وتواصل هذه المؤسسات جهودها للكشف عن معالم التراث الإسلامي الإفريقي.

مركز التاريخ والثقافة

من المؤسسات الإسلامية المُهمَّة في نيجيريا، والتي تقوم بدور مُهِمّ في جَمْع وصيانة التراث الإسلامي الإفريقي: «مركز التاريخ والثقافة الإسلامية» في ولاية «كانو» في شمال نيجيريا. وقد تأسَّس منذ عام (1987م)؛ لجمع وثائق التاريخ الإسلامي وثقافة المسلمين في هذه الولاية الإسلامية، والحفاظ عليها من الاندثار، إلى جانب توعية الناس بها.

ويُشرِف على هذه المؤسسة أمير المنطقة، ويتكوَّن المركز من أربعة أقسام، تتولى تنفيذ المشروعات والبحث والتوثيق المتعلقة بمختلف الجوانب التاريخية والثقافية.

ويضم المركز قسمًا للبحث، ومكتبة ومتحفًا، وقسمًا لعلم الآثار واللغة والآداب، وقسمًا للفنون الإبداعية؛ لتشجيع المواهب الفنية في مجالات الإبداعات الإسلامية من نقوش وزخارف وخط عربي، وغيرها.

محتويات المكتبة

تضم مكتبة المركز (5447) مجلدًا ومخطوطًا إسلاميًّا نادرًا، تم تجميعها عن طريق تبادل المخطوطات وصورها عن طريق الإهداء من الشخصيات والمؤسسات والجمعيات الإسلامية في نيجيريا، وغيرها من الدول، وقد ثبت أن منطقة «هضاب دالا» من أكثر المناطق التي عُثِرَ فيها على مخطوطات إسلامية احتفظت بها القبائل المسلمة منذ القرن الرابع الهجري، وتوارثتها الأجيال المسلمة عبر المراحل التاريخية المختلفة.

ويقوم المركز بالمشاركة في إنشاء المراكز الإسلامية المماثلة في جميع أنحاء نيجيريا؛ بهدف إنعاش الثقافة الإسلامية، وإبراز الدور التاريخي الذي قام به مسلمو نيجيريا في الحفاظ على هوية المعارف الإسلامية في مختلف مجالاتها، ويضم المركز قاعة كبرى للاجتماعات والندوات تضم تُحَفًا رائعة لعرض المُنتَجات الفنية التي أبدعها الإنسان المسلم في نيجيريا عبر مراحل التاريخ الإسلامي.

 كما يقوم المركز بتكوين جمعيات ثقافية في نطاق ولاية «كانو» وغيرها من الولايات النيجيرية، ويهتم المركز بالتعريف بنشاطاته المختلفة، وتشجيع الناس على الاطلاع على معالم الثقافة والتاريخ الإسلامي الإفريقي، وتجويد التراث الثقافي عن طريق التأريخ لأهم الأحداث التاريخية التي مرت بها نيجيريا. كما شارك المركز في العديد من المهرجانات والمعارض التي تدخل في نطاق اهتماماته، مثل المعرض النيجيري الدولي، ومهرجانات الفنون والثقافة.

موسوعة الآثار الإسلامية

وقد اهتم المركز بدراسة المواقع الأثرية في نيجيريا، فشكَّل لجنة لدراسة هذه المواقع منذ عام (1988م)، وقامت اللجنة بالتعرف على أهم المواقع التاريخية والأثرية في ولاية «كانو»، وقامت بإجراء العديد من الحفريات في عدة مواقع أخرى، وإجراء الدراسات اللازمة بشأنها؛ وذلك لتأصيل التاريخ والثقافة الإسلامية لهذه الولاية.

ويقوم المركز بإعداد أول موسوعة ثقافية حول ثقافة وتاريخ منطقة «الحوسة»، وتوثيق الإبداعات الفنية المتمثلة في الإنتاج الحِرَفِيّ لأبناء هذه المنطقة وتسويقه، وإعداد أفلام تسجيلية عن أهم الأحداث والتطورات التي عرفتها ولاية «كانو».

كما يقوم المركز بدَوْر مُهِمّ في تنمية المهارات الفنية في مجالات الزخارف الهندسية والنباتية والحفر على الخشب ولوحات الصدف، إلى جانب لوحات الزجاج المعشق والخزف والفخار والنسيج والقيشاني، وذلك من أجل تطوير المهارات، وتحسين إنتاج هذه المنتجات الحرفية وتمويلها، فيقدّم المركز مساعدات مادية ومعنوية، ويقدم الأجهزة اللازمة لإنتاج هذه الحِرَف اليدوية للعاملين فيها وللراغبين في الحصول عليها.

وقام المركز بدور إيجابي في كتابة تاريخ أهم مدن ولاية «كانو» التي اشتهرت عبر المراحل التاريخية المختلفة بإنتاج الحرف اليدوية، وتضمَّنت مشروعات المركز بيان حركة العمران الإسلامي لهذه الولاية والتطورات التي طرأت على تحفيظ القرآن الكريم من الطرق التقليدية التلقينية، وحتى إنشاء المدارس القرآنية الحديثة، وتطور تعليم الفتاة المسلمة منذ دخول الإسلام إلى نيجيريا، وحتى يومنا هذا؛ وذلك من أجل تأصيل الهوية الإسلامية لولاية «كانو» ونيجيريا كلها.

الحفاظ على التراث الإسلامي

إذا تركنا نيجيريا، وذهبنا إلى دولة إفريقية أخرى مثل أوغندا؛ لنتعرف على الجهود الإسلامية المبذولة لصياغة التراث الإسلامي؛ فإننا نجد «مركز البحوث الإفريقية للحفاظ على التراث الإسلامي: تراث»، وهو من المؤسسات حديثة العهد؛ حيث بدأت أعماله في العاصمة الأوغندية «كمبالا» منذ فبراير عام (1989م)؛ بهدف إيجاد وَعْي بين الشعب الأوغندي والشعوب الإفريقية، بضرورة الحفاظ على تراثها الثقافي، ووضع الإستراتيجيات اللازمة لصيانة التراث الإسلامي من الاندثار لصالح الأجيال المسلمة.

ويقوم هذا المركز بترجمة الكتب الإسلامية إلى اللغات المحلية المتداولة في القارة الإفريقية، والتعريف بمعالم هذا التراث عن طريق تنظيم المحاضرات والحلقات الدراسية والمعارض، إلى جانب تشجيع إنشاء المراكز الثقافية والمكتبات والمتاحف، وغيرها.

ويُشرف على المركز مجلس الأمناء يضم أعضاء يمثلون المؤسسات والجمعيات الإسلامية في أوغندا.

دور الحضارة الإسلامية

ويضم «مركز البحوث الإفريقية للحفاظ على التراث الإسلامي» أربعة أقسام للبحث والآثار والمعارض والاستثمارات، وقسمًا للتعاون العربي الإفريقي؛ وذلك لبيان دور الحضارة الإسلامية العربية في النهوض بالمجتمع الأوغندي، والتأثير العربي الإسلامي على ثقافات السكان، وتأثير اللغة العربية على اللغة السواحلية، وتدوين هذه اللغة بالحروف العربية؛ لأنها جاءت نتيجة للتلاقح اللغوي بين العربية وبين اللهجات الإفريقية المتداولة في شرق القارة الإفريقية.

ويتعاون المركز مع المؤسسات الإسلامية الإفريقية والعربية والعالمية، مثل الجامعات والمعاهد ومركز البحوث والمتاحف والمكتبات ومنظمات الشباب لإجراء العديد من البحوث. ومن الدراسات القيّمة التي أنجزها المركز: دراسة حول أوغندا والعالم الإسلامي في القرن العشرين، فشملت الدراسة الفترة من عام (1914- إلى عام 1989م)، ودراسة أخرى حول المساهمات العربية الإسلامية في مجال محو الأمية والتعليم في أوغندا من عام (1480م) وحتى عامنا هذا.

كنوز المعارف الإسلامية

وفي مدينة «تمبكتو» التي تُعتبر من أهم المدن الإسلامية في «مالي»، وفي القارة الإفريقية كلها؛ اجتمع خبراء الثقافة الإسلامية الإفريقية في عام (1967م)، وأوصوا بإنشاء مركز إسلامي يهتم بالتراث الإسلامي والمخطوطات العربية والإسلامية المدوّنة باللغات الإفريقية، وحصر هذه المخطوطات وتحقيقها ونشرها في بلدان العالم.

وقد قرَّر مؤتمر لمنظمة اليونسكو إقامة مركز لإجراء الدراسات في الثقافة الإفريقية، فتم إنشاء مركز «أحمد أبابا الإسلامي للتوثيق والبحث» في مدينة تمبكتو بجمهورية مالي، وقد تم وَضْع حجر أساس هذا المركز في (23 يناير عام 1970م)، وافتُتِحَ رسميًّا في (8 نوفمبر عام 1973م)، وبعد عدة سنوات من العمل المتواصل ظهرت بوادر إنجازات هذا المركز منذ عام (1977م).

كانت مدينة تمبكتو في أوج مَجْدها في القرن السادس عشر الميلادي، وكان علماؤها على صلة بعلماء الإسلام في القارة الإفريقية وغيرها، خاصة علماء الأزهر في مصر، وقد دعم علماء تمبكتو صلتهم بالعالِم المصري جلال الدين السيوطي، ونقلوا مؤلفاته إلى مدينة تمبكتو التي اشتهرت في التاريخ الإسلامي الإفريقي بأنها السوق الرائجة للكتب الإسلامية؛ حيث تأسست بها دُور نَسْخ المخطوطات الإسلامية وتوزيعها ونشرها، إلى جانب ترجمتها إلى اللغات الإفريقية المختلفة. وقد برز من علماء الإسلام في هذه المدينة: أحمد أبابا الذي توفي عام (627م)، بعد أن أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من مؤلفاته.

تنمية العلاقات الثقافية

يعمل «مركز أحمد أبابا الإسلامي للتوثيق والبحث» على اقتناء وتصنيف الوثائق التاريخية باللغات العربية والإفريقية مثل: «الهوسا» و«اليوريا» و«الفولاني»، وغيرها؛ والتي تتعلق بتاريخ وثقافة القارة الإفريقية، وتسجيلها على «الميكروفيلم»، ونشر المعلومات الواردة في هذه الوثائق وتوزيعها على المؤسسات الإسلامية والعلمية في كافة أنحاء العالم، ورعاية المخطوطات وصيانتها باستخدام وسائل التقنية الحديثة، وتقديم الثقافة الإسلامية الإفريقية المدوّنة باللغة العربية؛ من خلال الأعمال الوثائقية؛ للتأكيد على أن الأفارقة تَعرَّبُوا بفضل القرآن الكريم، إلى جانب الإسهام في تنمية الثقافة الإسلامية العربية التي كانت مدينة «تمبكتو» مركزًا من أهم مراكزها في القارة الإفريقية.

ويُعدّ المركز معهدًا إعلاميًّا وثقافيًّا مفتوحًا للباحثين، وذلك من أجل تطوير العلاقات الثقافية بين بلدان العالم العربي والإسلامي والدول الأخرى التي تهتم بالثقافة والحضارة الإسلامية.

التعاون مع الجامعات

يقوم مركز «أحمد أبابا الإسلامي» بإصدار مجلة علمية شهرية تتضمَّن الأبحاث وأسماء المخطوطات الإسلامية التي عُثِرَ عليها أو تم تحقيقها، وقد أصدر أول عدد من هذه المجلة في يناير عام (1985م). ويتعاون المركز مع الجامعات الإسلامية في نشر وتحقيق كتب التراث الإسلامي الإفريقي؛ حيث قامت جامعة «أبيدان» في نيجيريا بالتعريف بالمخطوطات الإسلامية التي قام المركز بتحقيقها وضمّها إلى مكتبة الجامعة. 

ومن هذه المخطوطات: مؤلفات لعلماء الإسلام الأفارقة؛ مثل: الشيخ عبد الله بن محمد فودي، والشيخ عثمان بن فودي، وغيرهما.

 وأكدت الدراسات التي أعدَّها المركز أن مدينة تمبكتو في مالي كانت مدينة الثقافة الإسلامية في إفريقيا، وكان لها نفس مكانة القيروان في تونس، وفاس في المغرب، وقرطبة في الأندلس، وأن مراكز البحث والثقافة الإسلامية في تمبكتو كانت لها صلات مع الأوروبيين في القرن السادس عشر الميلادي، كما كانت تتعامل مع الثغور الإيطالية، وبخاصة فلورنسا.

ويقوم المركز بتسجيل الترجمات الشفوية لمعاني القرآن الكريم باللغات الإفريقية، ويتعاون في هذا المجال مع مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والذي يقوم بحَصْر الترجمات الشفهية لمعاني القرآن الكريم.

وبعد:

هذه بعض النماذج المشرّفة التي يبذلها الأفارقة للحفاظ على تراثهم الإسلامي الأصيل، وهو ثمرة من ثمار الصحوة الإسلامية المعاصرة التي تسود المناخ الإفريقي العام الذي استجاب لدعوة الدين الإسلامي الحنيف منذ العهد النبوي الشريف، وقد أصبحت إفريقيا بحقّ قارة الإسلام؛ حيث تزايدت أعداد المسلمين، وخرجت الأقليات المسلمة من قوقعة الأقليات إلى رحب الأغلبيات المسلمة، واهتمت المؤسسات الإسلامية بإحياء كنوز الثقافة الإسلامية وصيانة التراث الإسلامي الأصيل.

 

أعلى