التمييز العرقي والطائفي وأثره في الحياة
يسيطر القلق على النظام الإيراني حين يتعلق الأمر بالنسيج الاجتماعي والمكون العرقي
الغني بالتنوع والاختلاف المذهبي والقبلي، فإذا كانت الصراعات الخارجية التي تفرضها
علاقات الجمهورية الإيرانية بالعالم الخارجي تمثل تهديدًا حقيقيًّا لأمنها القومي،
فإن الأقليات قد تتساوى في خطورتها مع تلك المهددات الخارجية أو تتفوق عليها، وهو
أمر يدركه النظام الثيوقراطي الشيعي، ويحاول جاهدًا الحد من الثغرات التي تصنعها
سياساته العنصرية تجاه الأقليات المختلفة، فيمارس كل أشكال القمع، ويصل الأمر إلى
حد منع تلك الأقليات من الحديث بلغاتها، أو ممارسة طقوسها وشعائرها الدينية
والثقافية، فضلًا عن إقصائها من المشاركة السياسية، مع فرض الكثير من القيود التي
تحد من انخراطها في منظمات المجتمع المدني. أضف إلى ذلك حرمانها من عملية التنمية،
واقتصار التطوير على مدن بعينها سيتم الإشارة إليها في متن الدراسة.
التركيبة العرقية والدينية:
تسود
حالة من التعتيم على المكون العرقي والديني من حيث الإحصاءات، ولم يكن بمقدور
غالبية الدراسات الوصول لأرقام دقيقة حول نسب الأقليات من إجمالي عدد السكان في
إيران، حتى المسألة المتعلقة بنسبة كل أقلية على حدة أو نسبة السنة من عدد السكان
تبقى مسألة البت فيها في طور الاجتهاد، لذلك حاولت الدراسة الاقتراب من الأعداد
الحقيقية للأقليات من خلال الاطلاع على العديد من الإحصاءات غير الرسمية والدراسات
التي تناولت هذا الموضوع، للوصول إلى أرقام ونسب قريبة يمكن الاعتماد عليها للتعرف
على التركيبة العرقية والدينية للمجتمع الإيراني.
لكن قبل الحديث عن التركيبة العرقية والدينية، لا بد من الإشارة إلى موقع الأقليات
على الخريطة السكانية الإيرانية، حيث تتوزع غالبية الأقليات العرقية والدينية على
المدن التالية:
-
أذري:
غرب أذربيجان، شرق أذربيجان، زانجان، كازفين.
-
جيلاكي ومازندراني:
مازندران وجيلان.
-
أكراد:
غرب أذربيجان، كردستان، إيلام، كرمانشاه.
-
عرب:
خوزستان، هورموزجان.
-
بلوش:
سيستان عبر بلوخستان، كرمان.
-
تركمان:
خوراسان، مازاندران، جوليستان.
-
لور:
بورستان، إيلام، بوير، أحمد عبر كوجيلييوه.
وعند الحديث عن العرقيات التي يتكون منها المجتمع الإيراني سنلاحظ أن القومية
الفارسية تمثل تقريبًا نصف المجتمع، لكن الإحصائية الدقيقة أو نسبة هذه القومية من
مجموع السكان الذي يبلغ حوالي
77
مليون نسمة، تظل محل شك؛ لأن التعتيم الحكومي واضح، ولا يتم تقديم إحصائيات رسمية
للقوميات المختلفة على أساس العرق، حتى ما يُقدم من إحصائيات رسمية على أساس المذهب
يصعب التأكد من صحته في ظل التمييز العنصري الذي تمارسه الحكومات الإيرانية
المتعاقبة تجاه الأقليات.
لكن من الواضح أن مجموع القوميات غير الفارسية تتساوى تقريبًا مع القومية الفارسية،
وهناك بعض الدراسات والتقارير المستقلة أكدت أن القومية الفارسية لم تتجاوز حد الـ49%
مقابل
51%
هو مجموع الأقليات، وبحسب أحدث تقارير منظمة حقوق الإنسان، فإن الأذريين يشكلون
تقريبًا نسبة
24%
والجيلاك
8%،
والأكراد
7-9%
والعرب
4-7%،
في حين اللور والبلوش والتركمان يبلغ كل منهم
2%،
وباقي العرقيات
1%.
والأمر مشابه تقريبًا عند الحديث عن موضوع المذاهب المختلفة، لاسيما نسبة السنة من
الشعب الإيراني، وهنا تتحدث إحصائيات النظام عن
10%
فقط، في حين تؤكد غالبية الإحصاءات المستقلة أن نسبة السنة في المجتمع الإيراني
25%،
وهي النسبة الأقرب إلى الصواب لأن غالبية الأكراد إلى جانب غالبية العرب هم من
المسلمين السنة، بالإضافة إلى أن الكثير من الأقليات الأخرى هم أيضًا من المسلمين
السنة.
هذا
علاوة على أن الكثير من الدراسات التي تهتم بالوضع الديموغرافي في إيران تؤكد أن
معدلات الخصوبة لدى المسلمين السنة ترتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، على عكس
الشيعة الذين باتوا أكثر التزامًا بحملات تحديد النسل التي يطلقها النظام من وقت
لآخر، وهو ما أكدته إحصائيات غير رسمية مبنية على دراسات ميدانية أجريت على بعض
المدارس في المناطق التي ترتفع فيها نسبة الأقليات، وتحدثت تلك الإحصائيات عن
ارتفاع نسبة السنة عن الشيعة في هذه المناطق بنسبة
3/1،
الأمر الذي يدحض الإحصاءات الرسمية التي يتحدث عنها النظام حول نسبة السنة ويعزز في
الوقت نفسه الإحصاءات المستقلة التي تؤكد أن نسبة السنة تصل إلى
25%
من مجموع السكان.
حقوق الأقليات الاجتماعية والاقتصادية:
برغم أن الدستور الإيراني ينص في بنوده
15
و19
على حق الأقليات في استعمال لغاتها في المجالات التعليمية والثقافية، إلا أنها
تعاني من وطأة القيود التي تعوقها عن مباشرة حقوقها الثقافية، فتضرب الحكومات
الإيرانية المتعاقبة بدستورها عرض الحائط، وتمنع على الأحوازيين والأذربيجانيين
والبلوش والكرد والتركمان استخدام لغاتهم في المكاتب الحكومية وفي التعليم المدرسي.
ووفقًا لدراسات أجرتها مؤسسات تتبع للأقليات، فإن النساء في المناطق الريفية التي
لا تنتمي للأصول الفارسية لا تنال حقوقها في التعليم، وهن في الغالب أقل تحصيلًا من
ناحية التعليم من نظيراتهن في المناطق الحضرية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تواجه النساء والفتيات «الأكراد» مشاكل في الوصول
للخدمات الصحية وقطاع التعليم.
وهنا يكون التحدي مزدوجًا في ترسيخ حقوقهن، كأكراد يعيشون في مجتمع مهمش وكنساء في
مجتمع تتحكم به إلى حد كبير السلطة الأبوية، وفي كلتا الحالتين، فإنهن يخضعن
لقوانين تمييزية، كمنع الأكراد من تسجيل مواليدهم بأسماء كردية ذات معانٍ.
وهو ما يدفع بعض المؤسسات الكردية المدافعة عن حقوق الإنسان إلى ترديد عبارة شهيرة:
«نحن نساء وأكراد على حد سواء، وفي جمهورية إيران الإسلامية، نحن أمام تمييز
مضاعف»، وهي عبارة تلخص معاناة النساء والفتيات في إيران خاصة اللاتي ينتمين
لأقليات.
وحينما يتعلق الأمر بالمسلمين السنة، تكون الإجراءات الإيرانية الحكومية أشد وطأة،
حيث تمنع السلطات بناء أي مسجد للسنة بالعاصمة طهران برغم وجود كنائس ومعابد يهودية
وحتى أماكن عبادة لأتباع الديانات الوثنية كالزرادشتية.
هذا الأمر لفت انتباه العديد من المنظمات العالمية، مثل «هيومن رايتس ووتش» ومنظمة
العفو الدولية، التي تناولت مسألة الحريات الدينية في إيران، فهناك أكثر من مليون
مسلم سني في طهران لا يسمح لهم ببناء مسجد واحد، وقد وصل الأمر إلى حرمانهم من صلاة
العيد في المصليات الخاصة بهم.
في هذه الأثناء تستمر السلطات الإيرانية في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأقليات
القومية كالعرب والأكراد والبلوش والأتراك والأذريين والتركمان، ففي
7
مارس
2015م
قدم أكثر من
1800
طالب جامعي أذري رسالة مفتوحة إلى الرئيس حسن روحاني مطالبين بتنفيذ ما وعد به
أثناء حملته الانتخابية بشأن الحقوق الثقافية واللغات؛ وتأتي هذه الرسالة ردًا على
الإجراءات القاسية بحق الأقليات والتي تخالف أحكام الدستور، ففي كل الدساتير
العالمية يتم السماح للأقليات باستخدام لغاتها، لكن على النقيض من ذلك عندما يتعلق
الأمر بالحكومات الإيرانية تجاه الأقليات، فإنها تحرمهم حتى من استخدام لغاتهم أمام
نظام العدالة الجنائية، فتكون تلك الأقليات مضطرة لاستخدام اللغة الفارسية حتى لو
كانت لا تجيدها.
وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي للأقليات
-
التي تسكن الغالبية العظمى منها في المناطق الحدودية قرب حدود إيران مع باكستان
وأفغانستان والعراق وتركمانستان
-
فإن المستوى الاقتصادي لسكان هذه المناطق لا يمكن مقارنته بمستوى المدن ذات
الأغلبية الفارسية، مع العلم أن مدن «بلوشستان وكردستان وعربستان وخوزستان
وأذربيجان والأحواز» هي أقاليم ذات أغلبية قومية بلوشية وعربية وتركية وكردية،
وتبدو الفجوة أكثر وضوحًا عند الحديث عن مستوى الخدمات والرفاهية في هذه الأقاليم
ومقارنتها مع مدن وأقاليم ذات أغلبية فارسية، كأصفهان أو طهران وغيرها.
ففي الوقت الذي تتحدث فيه الإحصائيات الرسمية الإيرانية عن وصول نسبة البطالة بين
الشباب إلى
26%،
فإن معدلات البطالة في الأقاليم ذات الأغلبية غير الفارسية تتضاعف فيها تلك النسبة،
حيث تجاوزت نسبة البطالة في بعض مدن الأحواز حاجز الـ50%،
مع العلم أن الأقاليم الحدودية ذات الأغلبية السكانية غير الفارسية تلعب الدور
الأكبر في دعم الاقتصاد الإيراني القائم إلى حد كبير على إنتاج النفط.
وبرغم أن محافظة «خوزستان» وحدها تنتج
70%
من النفط الإيراني، فإن تلك المحافظة ومعظم المحافظات التي تتشكل غالبيتها من
الأقليات هي الأشد فقرًا في البلاد، وبحسب التقارير التي تنشرها الصحف الإيرانية من
وقت لآخر، بناءً على التقارير الحكومية المتعلقة بتصنيف محافظاتها، بحسب مؤشرات
اقتصادية مختلفة، فإن إقليم الأحواز يحوز في الغالب على المرتبة الأخيرة بين
المحافظات المختلفة، وبالرغم من ثروات هذا الإقليم لاسيما النفطية إلا أنه في تراجع
مستمر على مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
لكن تراجع مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في إقليم الأحواز وغيره من
الأقاليم التي تحظى بغالبية غير فارسية يكمن في الخطط الاقتصادية الحكومية التي
عملت خلال السنوات القليلة الماضية على تدمير اقتصاديات هذه المناطق بحجة تطويرها؛
فمحافظة أذربيجان كانت من أغنى البلدان الإيرانية قبل عام
1979،
وتلك القوة الاقتصادية هي التي مكنتها من أن تقاوم جيش الدولة المركزية المستبد
ولمدة عام دفاعًا عن ثورة الدستور، ولكن أذربيجان اليوم واستنادًا إلى إحصائيات
وزارة الصناعة الإيرانية تحتل المرتبة السابعة من
بين
30
مقاطعة من المقاطعات الإيرانية، حيث تستمر الأخيرة في سياسة التدمير لاقتصاد هذه
المحافظة عبر تجفيف بحيرة أرومية.
الوضع لا يختلف كثيرًا بالنسبة لمحافظة كردستان إيران، فقبل عشرين عامًا كان الوضع
الاقتصادي والاجتماعي لتلك المحافظة لا يختلف كثيرًا عن كردستان العراق، لكن بعد
استقلال الأخيرة بدأت الفجوة تتضح، فكان التطور الاقتصادي والثقافي يبدو واضحًا على
كردستان العراق، بينما ظلت كردستان إيران أسيرة الفقر والتخلف. في السياق نفسه،
تستمر معاناة المناطق البلوشية بسبب التهميش الممنهج، فمعدلات الأمية في هذه
المناطق تتضاعف ست مرات عن المتوسط الوطني، في حين يرتفع معدل البطالة ليقترب من
50%
بحسب أحدث الإحصائيات.
لعل الأمر المثير للدهشة هنا، يتعلق بإقليم عربستان (خوزستان) الذي يمتلك نفطًا
أكثر من الكويت وقطر إضافة إلى أراضيه الزراعية الغنية ووفرة المياه التي لا تقل
أهمية عن النفط والغاز، ولكن الممارسات الحكومية الإيرانية حرمت العرب من أبناء هذه
المناطق من الاستفادة من هذه الثروات العظيمة.
ولا تتوقف الممارسات الحكومية عند حد التدمير الاقتصادي لهذه الأقاليم بل تسعى من
وقت لآخر إلى تغيير الكثير من معالم هذه المناطق، فقد وصل الأمر إلى التدخل في
تركيبتها العرقية عبر تهجير الآلاف من السكان ذوي الأصول الفارسية للعيش في هذه
المناطق على حساب سكانها الأصليين؛ مما كان له انعكاسات سلبية على النسيج الاجتماعي
ومن ثم الوضع الاقتصادي، كما تؤكد تقارير حديثة أن الحكومة الإيرانية كانت قد منحت
الإسكان لنحو مليون مواطن غير عربي في إقليم الأحواز مؤخرًا.
الحريات والمشاركة السياسية:
تتجلى مظاهر التمييز العنصري في صور مختلفة حين يتعلق الأمر بحقوق الأقليات ودورها
في الحياة السياسية، فإذا كان النظام الإيراني لا يألو جهدًا في تحقير هذه الأقليات
وتهميشها اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، هل نتوقع منه أن يسمح لها بدور إيجابي
في الحياة السياسية؟!
للإجابة على السؤال، ينبغي التطرق إلى جوانب مختلفة تتعلق بوضع الأقليات في الحياة
السياسية الإيرانية، ولعل أبرزها ما يلي:
1-
حاول الإصلاحي خاتمي التخفيف من حالة السخط العام لدى الأقليات تجاه الحكومات
الإيرانية المتعاقبة، فسمح للأتراك بإنشاء مؤسسات مدنية اجتماعية وثقافية في طهران
والمناطق التي يقطنونها في شمال غرب إيران، وباتوا ينشرون حاليًا
58
صحيفة معظمها باللغتين التركية والفارسية؛ منها ما يصدره الطلبة الأتراك في
الجامعات الإيرانية وهي نحو
45
صحيفة تركية - فارسية يتطرقون فيها إلى قضاياهم القومية.
2-
أما الأكراد فأصبح لديهم بعض المؤسسات المدنية في العاصمة مثل «منتدى الكرد في
طهران» و«المعهد الثقافي الكردي» ويصدرون نحو
30
صحيفة كردية أو كردية - فارسية
(معظمها
طلابية)
في كردستان والمناطق الكردية الأخرى في غرب إيران.
3-
بينما لم تتجاوز حصة العرب الأحوازيين أكثر من صحيفتين، الأولى أسبوعية عربية -
فارسية يملكها غير عربي، والثانية شهرية أيضًا فارسية - عربية، وذلك لأكثر من
3
ملايين عربي هم السكان الأصليون لمحافظة «خوزستان» (الأحواز)، كما أصبح لديهم منتدى
في طهران معترف به رسميًّا يسمي بيت العرب، وكذلك توجد في مدينة الأحواز عدة مراكز
ثقافية عربية منها: مؤسسة الأحرار، ومؤسسة ابن السكيت الدورقي، والموسوعة القرآنية،
ومؤسسة النخيل، ومؤسسة شمس الجنوب، ومؤسسة نور السلام، ومؤسسة كارون الثقافية،
بالإضافة إلى هذه المؤسسات يصدر بعض طلبة الجامعات بعض النشرات المحلية.
ولكن تلك المؤسسات الصحفية والثقافية لا تتناسب بالمطلق مع نسبة العرب والأكراد
والأتراك الأذربيجانيين، وغيرهم من الأقليات المختلفة في المجتمع الإيراني، كما أن
مظاهر الاعتقال للصحفيين وكتاب الرأي تظهر من وقت لآخر مع ظهور الأزمات، وقد يصل
الأمر إلى حد عقوبة الإعدام على بعض الصحفيين لمجرد كتابة رأيهم في ممارسات النظام
بحق بعض الأقليات.
في هذا السياق ارتفعت نسبة الإعدامات للذين يختلفون مع النظام وإن كان اختلافًا في
الرأي، وقد وصلت في عهد حسن روحاني إلى
687،
أي بزيادة حوالي
20%
عن العام السابق؛ هذا ما أكده اجتماع «حول الأقليات القومية والدينية في إيران، على
هامش اجتماعات الدورة
26
لمجلس حقوق الإنسان في مقر الأمم المتحدة الدائم بجنيف
14/6/ 2014،
وقد كان أغلب ضحايا هذه الإعدامات من النشطاء السياسيين والمثقفين من العرب والبلوش
والأكراد.
وبحسب إحصائيات منظمة «هيومان رايتس ووتش» لعام
2014
فإن ملف المعتقلين السياسيين في إيران قد بلغ مداه، حين تحدثت المنظمة المهتمة
بحقوق الإنسان عن حوالي
1000
معتقل سياسي في هذا العام جلهم من الأقليات، وغالبًا ما توجه لهم تهمًا تتعلق
بتهديد الأمن القومي أو إهانة النظام الشيعي، أو الدعاية لصالح جماعات معارضة
للنظام، ويتم الحكم عليهم تحت قوانين فضفاضة، حيث تعتبرهم الحكومة الإيرانية سجناء
الأمن القومي.
لذلك يتم تجريم أي شخص يحاول الدعاية لأي جماعة أو مؤسسة تعارض النظام، وفي الغالب
تكون تلك الجماعات من الأقليات التي تحاول الحصول على حقوقها المسلوبة، حينها يتم
تحويل قضايا السجناء المطالبين بحقوقهم، إلى سجناء سياسيين للهرب من فتح ملف
الأقليات.
وبخصوص مشاركة الأقليات أو دورها في إدارة شؤون البلاد، فالأمر لا يختلف كثرًا عن
واقعهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لأن القومية الفارسية هي من تتحكم في شؤون
البلاد مع التهميش الواضح لأي من القوميات الأخرى، ويصل الأمر إلى أن بعض الأقليات
لا تمارس أي دور يذكر في إدارة شؤون البلاد، كـ«البلوش والتركمان»، أما البعض الآخر
مثل الأذريين الذين يشكلون ربع السكان لا يوجدون إلا في المناصب من الدرجة الثانية
أو الثالثة، وهو ما يؤكد أن الحكم بات حكرًا على القومية الفارسية.
ولعل نصوص الدستور الإيراني في هذا الصدد خير دليل على تلك العنصرية، فلا يتورع
النظام الإيراني عن استبعاد الأقليات من تولي المناصب الرفيعة في الدولة، حيث يحتوي
الدستور في المادة
19
من الفصل الثالث منه على عدم التمييز بين الإيرانيين على أساس عرقي، لكن المادة
12
تتجاهل حق التنوع الإثني والحرية الدينية، إذ تنص على أن «المذهب الجعفري الإثنى
عشري هو المذهب الرسمي للدولة، كما تلزم المادة
121
رئيس البلاد بحماية هذا المذهب بكافة الوسائل، وتشترط أيضًا على من يتولى رئاسة
الدولة أن يكون من أصل إيراني ويحمل الجنسية الإيرانية ويكون مؤمنًا ومعتقدًا
بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد، وهو ما يصادر حق المسلمين
السنة من أكراد وتركمان وعرب وغيرهم من تولي هذا المنصب.
من ناحية أخرى، تظهر النظرة الدونية للأقليات حين يتعلق الأمر بالبرلمان الإيراني،
ففي الوقت الذي لا يصنف فيه الدستور جميع الشعوب غير الفارسية كأقليات، نجد ذلك
الدستور نفسه يميز الأقليات اليهودية والمسيحية والزرادشتية
(المجوسية)
من خلال تخصيص مقاعد خاصة لهم في البرلمان، حيث يحظى اليهود بثلاثة مقاعد، أما
الكاثوليك فلهم أربعة مقاعد والأرمن
5
مقاعد، والزرادشتيون مقعدان.
بينما يقتصر عدد مقاعد السنة على
20
مقعدًا فقط من أصل
290
مقعدًا، وهو ما لا يتناسب مع حجمهم الذي يصل إلى
25%
من المجتمع الإيراني، هذا فضلًا عن وجود مواد عدة في الدستور متعلقة بمجلس الخبراء
والبرلمان الإيراني تميز المذهب الشيعي عن سائر المذاهب المسلمة في إيران.
ختامًا:
تفوق عدد الأقليات القومية من حيث العدد على القومية الفارسية دفع الحكومات
الإيرانية المختلفة إلى التعامل مع الأقليات بحساسية مفرطة تصل في الكثير من
الأحيان إلى حد المواجهة، كما أن مظاهر القلق الإيراني لا تتوقف عند النظر لتلك
الأقليات مجتمعة، فما يهمها بالدرجة الأولى، الأقليات السنية التي تتزايد بشكل سريع
وفق الإحصائيات التي أشرنا إليها، لذلك تحاول التغلب على هذا الأمر بكل الوسائل
المشروعة وغير المشروعة.
الواضح أن المجتمع الإيراني يتجه مع مرور الوقت إلى التطرف الذي تقوده التيارات
الفارسية الشيعية التي تهيمن على مقاليد الحكم، بالتالي مسألة الانفتاح على
الأقليات في ظل الظروف الإقليمية لم تعد قائمة، فالمواجهة شبة المستمرة مع الأكراد
وعرب الأحواز وحالة السخط الأذري، تعبر عن حالة واضحة من الانقسام العرقي، الذي
يتغلب في الكثير من الأحيان على المذهبية، لأن الأصل الفارسي يتم تمييزه عن الجميع.
المصادر:
1-
عبد الرحمن ناصر، الأقليات والحريات الدينية في إيران، ساسة بوست،
2/4/2014م.
2-
يوسف عزيزي، القوميات غير الفارسية في إيران وزنها وتأثيرها، الحوار المتمدن، عدد
612/
3002م.
3-
محمد مصطفى غريب، عقلية الاستحواذ وقمع الأقليات القومية والدينية في إيران،
http://www.shbabmisr.com/t~111519
4-
ما شاء الله رزمي، الديمقراطية والمسألة القومية في إيران، مركز الأحواز للدراسات،
2012م.
5-
العربي الجديد،
4/5/2014م.
6-
صحيفة الشرق الأوسط، عدد
19
مايو
2015م.
7- http://www.skynewsarabia.com
8-
بشير عبد الفتاح وروشن قاسم، قنبلة الأقليات في إيران ومهاباد الشرارة، صحيفة الشرق
الأوسط،
19/5/2015م.
:: مجلة البيان العدد 338 شوال 1436هـ، يوليو - أغسطس 2015م.